الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحقيقة التي يجب أن لا تغيب !

سهر العامري

2007 / 2 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


يبدو أن حكام العراق برئاسة جمهوريتهم ، وبمجلس وزرائهم ، وبأعضاء برلمانهم ، يجهلون للآن التصرف الأمريكي في السياسة الدولية ، ولهذا هم يتصرفون في أحيان على أنهم حكام بلد مستقل ، وليس حكاما جاءت بهم الدبابة الأمريكية ، وأجلستهم على كراسي الحكم في المنطقة الخضراء من بغداد ، تلك المنطقة التي تحولت الى قطعة من أرض أمريكية في كل شيء ، ولكن من هذه الرقعة قدمت أمريكا جزءً يسيرا الى هؤلاء الحكام ! تمثل برئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء ، وكذلك بقاعة يجلس فيها أعضاء البرلمان بعد أن يمر كل واحد من هؤلاء جميعا بتفتيش دقيق ، تقوم به الكلاب الأمريكية ، ولا يسمح لهؤلاء الحكام أن يخطوا خطوة واحدة فيما تبقى من أرض المنطقة الخضراء تلك ، ذلك الجزء الذي يعيش فيه الأمريكان وحدهم ، وبعالم آخر ، هو ليس عالم العراق ، فهناك تجد المطاعم الراقية التي تقدم بها وجبات أكل تجئ محمولة على ظهور الطائرة من مصادرها في أمريكا ، مثلما يأتي الماء معبأ في قناني من نهر الأمزون ، أو من شلالات نيوكارا .
ذاك جزء يسير من الحقيقة التي يطيب لحكام العراق أن يتجاهلوها مرغمين ، وليس طائعين ، وإذا ما سمع واحد من هؤلاء الحكام قولا محقا عن حقيقة التحكم الأمريكي برقاب العراقيين الغارقين في بحر من مأساة لا حدود له ، انتفضوا وقالوا : نحن حكومة منتخبة ! هذه النكتة التي بات العراقيون يعرفون زيفها ، وبطلان مضمونها ، وذلك لأدلة كثيرة توضح هذا الزيف ، وذاك البطلان ، فما من شيء مهم يريد أن يقوم به هؤلاء الحكام ! إلا وقد يتطلب ذلك الموافقة الأمريكية أولا ، وفي هذا خضوع مطلق جاءت به الشروط التي فرضها الأمريكان على هؤلاء ، أو على أي حاكم يريد الجلوس على كرسي الحكم في المنطقة الخضراء من بغداد مستقبلا رغم تلك النكتة السمجة التي مر ذكرها من قبل .
تصرف الأمريكان في سياستهم الخارجية مع حكام الدول التي يتحكمون برقابهم تلخصه العبارة التالية باختصار شديد : تريد أن تحكم ، تفضل ، ولكن دون أن تعصي لنا أمرا . وعلى أساس من هذه العبارة يجب أن ترهن سياسة البلد الخارجية في العلاقات الدولية ، أو الداخلية في الحكم والاقتصاد الى مشاورة مع السيد الأمريكي الذي ستكون له الكلمة الأخيرة ، سواءً أزعجت تلك الكلمة رئيس جمهورية ، مثل جلال الطالباني ، أو أغضبت رئيس وزراء ، مثل نوري المالكي ، وإلا فما عليك إلا أن تغيب غيبة صغرى أو كبرى ، مثلما غاب السيد غفر ذنبه ، أو أن تعلق بحبل مشنقة مثلما تدلى صدام منها يوما .
ومن هنا يبدو أن أصحاب نظرية : دع أمريكا تسقط نظام صدام ، ونحن سنأتي الى الحكم عن طريق الانتخابات ، صاروا الآن يتلمسون عن كثب فشل تلك النظرية ، رغم عدم اعترافهم للآن بقصر نظرهم هذا أمام الناس في العراق ، هؤلاء الذين يعيشون دمارا كاملا أتى على كل شيء جميل في حياتهم ، وفي مأساة متصلة وصلت الى الحد الذي يفتش به الرجل العراقي أو المرأة العراقية على لقمة يسد بها جوعه في هذه القمامة من مخلفات الأكل أو تلك ، فقد ( كشف تقرير أعده برنامج التنمية التابع للأمم المتحدة وهيئة حكومية عراقية نشر الأحد الماضي ، أن 5% من العراقيين يعيشون في فقر مدقع وإن بغداد هي أقل المناطق المحرومة بينما المحافظات الجنوبية هي الأكثر حرمانا• وقال التقرير إن ثلث العراقيين إجمالا يعيشون تحت خط الفقر• ولم يعرض التقرير مقارنة مع سنوات سابقة• غير أن برنامج التنمية التابع للأمم المتحدة قال إن الدراسة " أظهرت تدهورا في مستويات معيشة العراقيين " حيث كان العراق دولة مزدهرة متوسطة الدخل في السبعينات والثمانينات• وقال بيان البرنامج " إنه ، التقرير، يظهر فشل سلطات الدولة في توفير الخدمات الملائمة للسكان " كما ألقى باللوم على المساعي المدعومة من الغرب لتحويل الاقتصاد إلى سوق حرة لتسببها في " تفاقم مستويات الحرمان " • وتشير تقديرات مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين إلى وجود 6,1 مليون نازح .)
ولكم بعد ذلك أن تقفوا على حجم المأساة التي يعيشها فقراء العراق من خلال حالتي هدى ، الفتاة العراقية ، التي تبلغ من العمر إحدى وثلاثين سنة ، وسيف ، الرجل العراقي ، الذي بلغ الحادية والخمسين منه ، وذلك من خلال خبر يصور واقعا يتفشى في شوارع العراق اليوم يقول : ( رفعت هدى يدها اليمنى ونزعت عنها قفازا باللونين الأزرق والأبيض مصنوع من الصوف ترتديه لحماية كفها المصابة من الأوساخ وقامت بحذر بفك ضمادة كانت نظيفة بشكل مدهش• وتسبب الباب الخلفي لشاحنة تنقل النفايات في قطع إصبعها الصغير عندما تزاحم الباحثون على علب البلاستيك والالومنيوم حول حمولة سيارة النفايات ، محاولين البحث فيها قبل أن تلقي بها الشاحنة فوق كومة القمامة• وكان حظ سيف (51 عاما ) جيدا• وقال " وجدت هذا " وكان ممسكا بأربع أرغفة خبز• وقال " سننظفها ثم سنتناولها في الفطور• لا نملك مالا لشراء الطعام ")
هذا في الوقت الذي عدت به وزارة النفط العراقية بشخص وزيرها ، حسين الشهرستاني ، قانون استثمار النفط في العراق يلغي كل المكاسب التي حققها العراقيون بنضالهم المجيد في هذا المجال بدءً بقانون رقم 80 الذي ذهب الزعيم عبد الكريم قاسم ضحية له بعد أن وقعه بيده ، مخاطبا زملاءه من الوزراء : تعالوا نوقع على موتنا . وانتهاءً بقرارات التأميم المعروفة .
لقد عبرت الجيوش الأمريكية البحار الى العراق من أجل سن هذا القانون ، ثم قامت تلك الجيوش بإملائه على الوزير المذكور رغم كل الذرائع التي تتذرع بها الحكومة في العراق ، وستعمد الجيوش ذاتها الى إقراره من قبل البرلمان في القادم من الأيام ، ودونما نقاش حقيقي حاله في ذلك حال إقرار الميزانية المالية لسنة2007 ، تلك الميزانية التي رسم بها صولاغ ، وعلى هدى من الرغبة الأمريكية ، الجنة للعراقيين من خلال تفويض العملية الاقتصادية في العراق الى القطاع الخاص الذي سيكون بمعظمه قطاعا أجنبيا ، وليس عراقيا ، إذ أن المعروف عن القطاع الخاص العراقي أنه قطاع متخلف ، ومحدود الإمكانات ، هذا من جهة ، ومن جهة أخرى من خلال تدمير القطاع العام العراقي ، رغم أن هذا القطاع هو الذي يقود العملية الاقتصادية الآن في بلدان صناعية مثل السويد التي تعد من بين أرقى بلدان العالم تطورا ، ولكن صولاغ وأمثاله لا يملك من أمره شيئا ، ولا يفهم في علم الاقتصاد كثيرا ، وهو في كل الأحوال يسمع الكلمة الأخيرة التي تقولها له السفارة الأمريكية في بغداد ، فهي الحكومة الحقيقية التي تتحكم بالعراق اليوم بعد أن كانت السفارة البريطانية هي صاحبة تلك الكلمة لسنوات قليلة خلت .
لقد كتبت صحيفة الأندبندنت اللندنية ، وبعد أن ردت سبب قيام الحرب على العراق الى الاستحواذ على ثروات العراق النفطية ، فتقول : إن العراق ( على وشك تبني قانون ينظم الاستثمارات الخارجية في قطاع البترول ، مما سيدفع عمالقة هذه الصناعة في العالم الى التسابق لنيل حصة من موارد العراق الغنية. ومن الشركات التي اعلنت نيتها دخول هذا السباق شيل وبريتيش بتروليوم وايكسون وكونوكو-فيليبس وتوتال ولوكويل الروسية والصين. ورغم كون الوضع الامني في العراق ما زال مترديا، فان الشركات النفطية لا تستطيع مقاومة هذا الاغراء الكبير، فللعراق موارد نفطية معروفة تناهز 115 مليار برميل من النفط، لكن الكمية الحقيقية قد تبلغ 300 مليار برميل ، أي اكبر من موارد العربية السعودية ، حسب الخبراء.)
هذه هي الحقيقة التي في ضوئها يجب أن يفهم الوضع القائم في العراق ، والتي تقول أن السلطة في العراق هي لأمريكا قبل الآخرين ، فإن قبل الآخرون بذلك ، فهم حكام بإمرتنا ، وإن لم يقبلوا فهناك آخرون غيرهم بالانتظار ، وعلى ضوء من هذه الحقيقة كذلك عُصبت عيون حجة الإسلام والمسلمين ، عمار الحكيم ، قدس سره ، من قبل الجنود الأمريكان ، مثلما قال هو ، وذلك بعد عودته من إيران ، هذا البلد الذي علق به الحكيم وأتباعه أنفسهم ، متناسين أن الأمريكان لا يريدون ذلك منهم أبدا ، خاصة في خضم النزاع القائم بين أمريكا وإيران نتيجة لتدخل الأخيرة في شؤون العراق عبر الحكيم وغيره ، ونتيجة لعدم رضوخ إيران الآن للمشيئة الأمريكية فيما يخص ملفها النووي ، وعلى هذا يكون رجل ، مثل عمار الحكيم ، وهو يقوم بزيارة الى إيران ، وفي خضم ذاك النزاع ، ومن وجهة النظر الأمريكية ، شخصا مشكوكا في أمره ، ويجب احتجازه ، وخلع عمامته ، وتعصيب عيونه ، ولا يخيف أمريكا بعد ذلك كونه حجة إسلام ومسلمين ، أو تظاهرة يحركها المجلس الأعلى للثورة الإسلامية ! من ألف متظاهر في هذه المدينة أو تلك ، وبفشل واضح يدل على شحة جماهيريته في العراق . هذا رغم البيان الطنان الذي هددت به الحوزة الدينية في النجف بإخراج مظاهرات عظيمة ، تستنكر على القوات الأمريكية اعتقالها لعمار الحكيم .
وأخيرا ، وعلى ضوء تلك الحقيقة يتوجب على حكام العراق! أن يختاروا بين زيارة إيران وبين تعصيب عيونهم عند العودة ، فقد حمل لهم حجة الإسلام والمسلمين ، عمار الحكيم ، إنذارا مبينا لا لبس فيه ، ورحم الله الأمام علي حين قال : فو الله ما غزي قوم في عقر دارهم إلا ذلوا !









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. … • مونت كارلو الدولية / MCD كان 2024- ميغالوبوليس


.. ctمقتل فلسطينيين في قصف جوي إسرائيلي استهدف منزلا وسط رفح




.. المستشفى الميداني الإماراتي في رفح ينظم حملة جديدة للتبرع با


.. تصاعد وتيرة المواجهات بين إسرائيل وحزب الله وسلسلة غارات على




.. أكسيوس: الرئيس الأميركي يحمل -يحيى السنوار- مسؤولية فشل المف