الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مفارقات التقريب بين المذهبين على طريقة الجزيرة !!!

حارث محمد حسن

2007 / 2 / 25
الصحافة والاعلام


تعجبني فكرة السعي لردم الفجوة المتنامية بين السنة والشيعة في العالم الاسلامي وجهود اقامة الحوار الهادف الى حل المشكلات المطروحة ، لكن هذه الفكرة تصبح سخيفة ومثيرة للسخرية عندما تصبح شكلا اخرا من التوظيف الاعلامي والسياسي للصراع الطائفي المحتدم . الحوار الاخير الذي " نظمته " قناة الجزيرة بين الشيخ يوسف القرضاوي والشيخ هاشمي رفسنجاني هو في اقل الاحوال محاولة غير موفقة لتحقيق هذا الهدف ، وفي اسوأها فقاعة اعلامية لتحقيق اهداف لمدراء ومفكري وايديولوجي الجزيرة ومن وراءها .
اولا تبدا المشكلة في الطرف الذي يأخذ على عاتقه دعم الحوار و " المصالحة " بين السنة والشيعة ، واقصد في ذلك قناة الجزيرة نفسها ، اذ انها لاتتمتع بالمصداقية الكافية للتصدي لمثل هذه المهمة . القناة المذكورة هي ابعد ماتكون عن الحيادية والدقة والرغبة في تأمين جو ايجابي لمثل هذه المهمة الصعبة ، انها منخرطة الى حد كبير في الاحداث التي وصلت بنا الى مانحن عليه ، هي منخرطة الى حد يصعب معه غسل ايدي العاملين فيها من التنظير او الترويج او التطبيل لبعض من ابشع المذابح التي شهدتها الساحة العراقية في السنوات الاخيرة وقد كانت المنبر المفضل لفاعليها او ابواقهم .
المبادرة بالشكل الذي قامت به الجزيرة تشبه مبادرات الحكومات الشمولية عدما تفتعل الحوار مع المعارضة ويتضح بعد حين ان هذا الحوار ليس سوى وسيلة لاجبار المعارضة بالتسليم بارادة السلطة والخضوع اليها ، وربما لكشف رؤوس هذه المعارضة و "تهشيمها " . الشيئ الاخر ان الحوار اتخذ طابعا ايديولوجيا مفرطا وربما كان يراد له ذلك ، فبدا مجددا اعادة لطرح ادبيات الجزيرة ومريديها واظهار انها المعيار في تقييم المواقف ، فذهب مدير الحوار الى الاعلان عن مواقفه " الشخصية " وتصوراته الايديولوجية مشفوعة باعتذار لايخفي حقيقة ان الحوار موجه للتسويق مجددا لما يعتقد مديروا هذه القناة انه " صحيح " . وبالطبع فادلجة الحوار كانت مقدمة لاسقاطه وافراغه من معانيه الموحى بها خصوصا بعد ان استكملت الادلجة بتعليقات من مفكرين معروفين بانتمائهما الى خط ايديولوجي "جزيري " ليتم الاجهاز على الحوار وتأكيد غرضيته الاصلية. . المسألة الاخرى ان الحوار وضمن مااريد له من " سبق اعلامي " اخطأ في تعيين نقاط النقاش والمسار المفاهيمي الذي تسير عليه عندما جمع بين منطلقين مختلفين تماما ، فالشيخ القرضاوي اراد من الحوار وسيلة لاعلان شكاوى اهل السنة من ممارسات الشيعة في العراق ودعم ايران المفترض للجماعات الشيعية وبالتالي اسناد الحوار على نوع من المصارحة ، والشيخ رفسنجاني وبفعل شغله لمنصب حكومي لم يكن قادرا على الخروج عن اللغة الدبلوماسية والانخراط في تفاصيل لاتخدم المنطلق السياسي الذي دخل من اجله الحوار . سقط الشيخان في شرك الجزيرة عندما وضعا سقفا مبالغ فيه لما يمكن لحوار تلفزيوني ان ينجزه ، وعندما انجرا بدافع رد الاتهامات التي اراد المذيع الايحاء بانها موزعة بالتساوي الى قبول تسويات الجزيرة واعتناق منطقها الايديولوجي الذي لن يسهم في النهاية الى تحقيق اي اختراق غير تأكيد التخندق ولاجدوائية الحوار .
لقد كانت الجزيرة اكثر القنوات العربية جراة في الاستهتار بمحرمات الطرف الاخر ، وهم هنا الشيعة ، عندما عرضت ربما لعشرات المرات حوارات اخرى مفبركة ومسبوقة النتائج استضافت خلالها بعض من " النكرات " وانصاف المتعلمين مضفية عليهم تسميات المفكر والمحلل والمناضل ليشتموا مرجعيات الشيعة بشكل دفع الطرف الاخر الى مزيد من التخندق مدفوعا بمزيد من الاحساس بالخطر مما يمكن ان يفعله " الاخر " . خليط الديماغوجية والتسطيح هذا انتج احكاما مبسطة سادت الشارع العربي في اطار شغفه الازلي بتقسيم الناس الى فسطاطين رغم ان كل تعاملاتنا الحياتية تجبرنا على ادراك حجم التناقض الحياتي الذي يعيشه الانسان العربي والذي يجعل من العصي تبسيط العالم الى ثنائية الاخيار والاشرار .
هذه الحقيقة استذكرتها تحديدا وانا استمع للشيخ القرضاوي وهو يقول ان الجهاد ضد المحتل فرض عين ومساعدة المسلمين للشعب المسلم المحتل فرض عين ايضا ، وتساءلت عن الخانة التي يمكن ان يوضع بها قيام الدولة المسلمة بمساعدة المحتل على تحقيق احتلاله ، واذا كان ذلك خيانة للاسلام فهلا جاهر الشيخ بموقفه من حكومة قطر التي فعلت ذلك ، واذا كانت هذه الحكومة شريرة فكيف تأتى ان تصبح حكومة خيرة عندما انفقت الملايين من الدولارات لافتتاح قناة الجزيرة الناطقة باسم المقاومين الشرفاء الاخيار ضد المحتلين وعملائهم الاشرار !!! ان هذه الحقيقة وحدها بكافية لتؤكد خطل منطق الفسطاطين الذي درج على الترويج له زبائن الجزيرة الدائمين كالظواهري وانيس النقاش .
عندما كان الحوار يسير كان الشريط الاخباري للجزيرة يواصل مشيرا الى شكوى وزير اللاجئين الفلسطينيين من المذبحة التي يتعرض لها الفلسطينيون في العراق ، وهذا الخبر جزء من حملة كبيرة تديرها الجزيرة للانتصار للفلسطينين " السنة " من العراقيين " الشيعة " ، ولم تكلف الجزيرة نفسها مجرد تنظيم حوار برامجي واحد حول مذابح يومية تحصل في احياء شيعية تقتل ببساطة المئات ويتم التعاطي معها كاحداث تجري في كوكب نائي لاناس غرباء . يحدث ذلك وسط ضجيج زبائن الجزيرة وهم يفتعلون الحديث عن الوحدة الاسلامية والصراع ضد " الصهيونية " .
قد تكون الجزيرة حرة في ان تروج لما تعتقد انه الصواب ، والصواب اليوم هو ارضاء الاسواق المحلية بالبضاعة الرائجة حيث قانون السوق هو الحكم ، ولكن هذه الحرية لابد ان تنتهي " اخلاقيا على الاقل " عند حدود حياة الاخرين وموتهم ، فالاعلام اليوم سلاح فتاك وقاتل ، يسهل عليه ان يدمر مع كل افراط في الترويج لمنهج يتسم بالاقصاء وتخوين الاخر او تكفيره ، ويصعب عليه البناء ، كما اوضحت النتيجة غير المعلنة للحوار التقريبي الذي اجرته الجزيرة ، ربما ليس لضعف في ارادة المتحاورين ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تشاد: المرشحون للانتخابات الرئاسية ينشطون آخر تجمعاتهم قبيل


.. رويترز: قطر تدرس مستقبل مكتب حماس في الدوحة




.. هيئة البث الإسرائيلية: تل أبيب لن ترسل وفدها للقاهرة قبل أن


.. حرب غزة.. صفقة حركة حماس وإسرائيل تقترب




.. حرب غزة.. مزيد من الضغوط على حماس عبر قطر | #ملف_اليوم