الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عولمة -الشرق الأوسط

سلامة كيلة

2003 / 8 / 2
العولمة وتطورات العالم المعاصر


  

                                                                                                             بعد احتلال العراق تقدّم جورج بوش الابن ب "مبادرة" تهدف إلى إقامة منطقة للتجارة الحرّة بين الولايات المتحدة و " الشرق الأوسط"، من أجل " تشجيع النمو الاقتصادي"، انطلاقا من أن الأسواق الحرّة والتجارة ساعدتا على " هزيمة الفقر و شرّبت الرجال و النساء بتقاليد و عادات الحرّية"، حيث أن التقدم يتطلب التجارة " التي هي محرّك التنمية الاقتصادية". وسيجري التعاون مع" الحكومات الملتزمة بالمستويات التجارية العالية وبالحرية التجارية الشاملة"، و "تقديم المساعدة من أجل بناء الطاقات التجارية و التوسّع بشكل يمكّن الدول الإفادة من الاندماج في نظام التجارة العالمي.   و سوف نلمس مدى الاهتمام بمسألة التجارة كلما تابعنا نص القرار الذي أصدره الرئيس بوش، الأمر الذي يقدّم لنا مؤشرا مهما لما تهدف إليه الإدارة الأمير كية، دون تجاهل " تدفّق الاستثمارات" حيث تدعو المبادرة أيضا لتحسين مناخ الاستثمار، لتبدو المبادرة و كأنها تشتمل على المسألتين معا، التجارة و الاستثمار. لكن ما هو الشكل الذي يدمج بين المسألتين؟   إن حرّية الأسواق تفترض اندياح السلع و الرأسمال، و هو ما يحدث عادة. لكن وضع الأسواق ضمن النمط الرأسمالي ككل هو الذي يحدد نوع السلع المتدفّقة ومجالات توظيف الرأسمال. وإذا كانت الرأسمالية بحاجة إلى تصدير سلعها و رأسمالها، فان الرأسمال يذهب حيث الربحية، مما يفرض الإجابة على السؤال حول: أين سيوظف الرأسمال الذي يبشّر جورج بوش أنه قادم؟   لن نركّز كثيرا على مسألة تدفّق السلع لأنها ضرورة للرأسمالية الأمير كية، حيث تسعى لاحتكار أسواق العالم و فرض منافسة لا متكافئة على الرأسماليات الأخرى، و بالتالي فهي تعمل من أجل ضمان احتكار "الشرق الأوسط" عبر فرض اتفاق شراكة مع إسرائيل والدول العربية المحيطة بها( الأردن، مصر، سوريا، لبنان و السلطة الفلسطينية، وربما أيضا السعودية ودول الخليج). وإذا كانت الأيديولوجيا الليبرالية الجديدة تبشّر بأن في ذلك مصلحة أكيدة لدول هذه المنطقة انطلاقا من أن التجارة تحفّز النمو الاقتصادي، فان انفتاح الأسواق سوف يعرّض قوى الإنتاج المحلية( في الصناعة و الزراعة وحتى في الخدمات) لانكشاف خطر نتيجة خطورة المنافسة التي سوف تتعرّض لها المنتجات المحلية، و بالتالي يفضي إلى انهيار هذه القطاعات و دمارها، لنصبح سوقا مستقبلة فقط. و هذا هو طريق دمج المنطقة العربية بالعولمة وآلية إعادة ربطها بالنمط الرأسمالي كهامش.    لكن النظر من زاوية الاستثمار سوف يقدّم ملامح أوضح لهذه الشراكة. فإذا كانت التجارة تدمّر ستبدو المراهنة على الاستثمار مثيرة للتفاؤل، أو هكذا يجري تصوير المسألة، خصوصا وأن شحة الرأسمال هي من سمات منطقتنا رغم تراكم أكثر من تريليون دولار يمتلكها رأسماليين عرب في الدول الرأسمالية ذاتها. و بالتالي ستظهر المسألة و كأن الاستثمار القادم من أميركا سوف يؤسس لانتعاش أكيد. ولكن إذا درسنا خريطة الاستثمار العالمي سنلمس بأن الرأسمال ينزع، خارج الدول الرأسمالية، إلى الاستثمار في النفط، وهو يجهد اليوم للتحكم به إنتاجا و تسويقا. وربما يستثمر في البورصات( الاستثمار قصير الأجل)، وهو ما توضّح خلال العقود الماضية منذ سبعينات القرن العشرين، حتى في الدول التي حققت الانفتاح ( مثل مصر) أو التي ظلّ اقتصاد السوق أساس تكوينها الاقتصادي ( مثل لبنان و الأردن)، مما جعل نسبة الاستثمار الأجنبي هامشية في كل المنطقة العربية قياسا بالاستثمار العالمي. وإسرائيل هي الاستثناء،حيث تعامل انطلاقا من انها جزء من "الغرب الرأسمالي"، وباتت جزءا عضويّا من الولايات المتحدة، وهي تمتلك التطوّر التقني و الثقة اللذين يؤهّلانها لأن تكون مستقرّا للرأسمال.   ولقد أفضت اتّفاقات أوسلو سنة 1993 ووادي عربة سنة 1994 مع كل من السلطة الفلسطينية و الأردن إلى تدفّق الرأسمال إليها، وقد هرب بعد الانتفاضة سنة 2000 . هذه المسألة تشير إلى نقطتين، الأولى: أن إمكانية أن يتدفّق الرأسمال من جديد أمر مؤكد، والثانية: أن المدخل إلى ذلك هو"إنهاء " الصراعات، ولهذا تزامن تقديم المبادرة و" خريطة الطريق".   ودون المراهنة على حلّ نتخيله للمسألة الفلسطينية، فان الهدف الاقتصادي هو الذي سيحدد الشكل النهائي للحل. فإذا كانت إسرائيل تستحوذ على ميزة التطوّر فإنها كذلك تستحوذ على ميزة أنها في "وسط" السوق " الشرق أوسطي"، مما يفتح أفق التحليل على صيغة ممكنة تتمثّل في تحويلها إلى مركز اقتصادي للشركات الاحتكارية متعدية القومية، كما كانت مركزا عسكريا للهيمنة على المنطقة المحيطة بها، دون التخلي عن هذه المسألة فربما يجري تعزيزها. وإذا كان مشروع شمون بيريز المتعلق بالسوق الشرق أوسطية قد لاقى الفشل حينما طرح بعد عقد اتّفاقات أوسلو، فان الدولة الأمير كية تعمل عبر مبادراتها الراهنة على إدخال إسرائيل في نسيج المنطقة لتكون مركز شركاتها و أداة هيمنتها الاقتصادية المدعّمة بكل جبروتها العسكري، الأمر الذي يطرح مسألة ضرورة هيمنتها السياسية( بدعم أمير كي) على "الشرق الأوسط".   وبالتالي فما لم يكن ممكنا ( وربما مقبولا) حينما تقدّم به بيريز، أصبح مفروضا الآن، أو أصبح الظرف مؤاتيا لتحقيقه الآن لكن عبر الدور المركزي الذي باتت تتمتّع به الدولة الأمير كية بعد احتلال العراق، ومن ثمّ سعيها لإعادة تشكيل الخريطة العربية بما يحقق مصالح احتكاراتها، واحتكاراتها هي فقط. مما يجعل "خريطة الطريق" هي خريطة الطريق للهيمنة على الوطن العربي، وإعادة تكييفه وحاجاتها. لقد احتلّت العراق ولها تواجد عسكري هام في دول الخليج العربي، وهي تستعد لمد احتلالها إلى ايران و سوريا، كما أنها تعمل على تقليص وضع الدول لتحويلها إلى مؤسسات للحكم الذاتي كما تشير مبادرة بوش ذاتها( في الإشارة إلى أفغانستان و العراق)، وليكون لإسرائيل دورا مركزيا في إطار كل ذلك. حيث عبر هذه الصيغة نندمج بالعولمة التي تفرض على العالم كله عن طريق البلطجة.                                                               
   

البديل                   








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحدي الثقة بين شيرين بيوتي و جلال عمارة ???? | Trust Me


.. حملة بايدن تعلن جمع 264 مليون دولار من المانحين في الربع الث




.. إسرائيل ترسل مدير الموساد فقط للدوحة بعد أن كانت أعلنت عزمها


.. بريطانيا.. كير ستارمر: التغيير يتطلب وقتا لكن عملية التغيير




.. تفاؤل حذر بشأن إحراز تقدم في المفاوضات بين إسرائيل وحماس للت