الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اتفاق مكة وآفاق نجاحه!

سعادة خليل

2007 / 2 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


لم تتوقف وزيرة الخارجية الأمريكية عن ترديد نفس المقولة عن حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية قبل اتفاق مكة وبعد اتفاق مكة. وآخر هذه التصريحات الذي جاء مباشرة قبل الاجتماع الثلاثي في القدس وبعد اللقاء الثنائي مع رئيس السلطة الفلسطينية بالقول: "إن حكومة الوحدة الوطنية لن تلبي شروط واشنطن" ورغم ذلك حافظ رئيس السلطة "العتيدة" على "رباطة جأشه وهندامه" وذهب ليلتقي قيادات الإرهاب الصهيوني مصافحا ومقبلا وموزعا الابتسامات هنا وهناك في القدس.
فما هي فرص نجاح اتفاق مكة وفرص وصوله إلى نهايات سعيدة تحقق أهداف الاتفاق التي لخصها رئيس الوزراء الفلسطيني في خطبة الجمعة بتاريخ 16-2-2007 ؟ تتجاذب اتفاق مكة عوامل داخلية (فلسطينية) وعوامل خارجية تتوقف عليها نجاحه أو فشله (لا سمح الله).
لقد جاء اتفاق مكة تحت رعاية عربية كما هي العادة في الوضع الفلسطيني التي تدل على شيء فإنما تدل على أن الفلسطينيين بعد عشرات السنوات من النضال والمعاناة لم يشبوا عن الطوق بعد دون أن نعني نزرع البعدين العربي والإسلامي عن القضية الفلسطينية في المطلق. فهم لا يزالون في حاجة إلى رعاية ووصاية من هنا وهناك. ولكن لا بأس وقد حصل ما حصل مبارك هذا الاتفاق على أن يأتي إلى نهايات حميدة وسعيدة تعود بالخير على الشعب الفلسطيني.. فنحن مع شعبنا الفلسطيني الذي فرح لهذا الاتفاق على أمل واحد وهو رفع الحصار الذي لا تبدو ملامحه على المدى القريب. إن أفضل ما أفضى إليه الاتفاق هو حقن دماء أبناء الشعب الفلسطيني الذي يستحق كل خير وكل تقدير وكل ولاء وكل نضال لما يتحمله يوميا من أجل رفع نير الاحتلال والإذلال ولم يكن ينقصه القتل والموت على يد أبنائه. وأما أسوأ شيء جاء به الاتفاق فهو إعادة تأهيل رؤوس الفتنة وإعادة الاعتبار إليهم بل ودخل بعضهم من أوسع الأبواب ليتبوأ المقاعد الأمامية في المسرح السياسي الفلسطيني. وهذا مما يثير البلبلة والأسئلة الكثيرة لدى الأكثرية الصامتة من الشعب الفلسطيني حول مصداقية الجهات التى أصدرت البيانات والتصريحات والاتهامات لهؤلاء وأولئك من قبل؟ وها هي حرب البيانات أطلت برأسها من جديد. وهنا نتمثل قصة الراعي والغنم والذئب في موروثنا الشعبي. فكيف لنا أن نصدق شيئا مما تقوله الأطراف المختلفة لاحقا؟
تدور في خلد المراقبين والأفراد العاديين أسئلة عديدة: هل يستمر اتفاق مكة رغم تعرضه قبل أن يؤتي أكله للهجوم من الولايات المتحدة والمجتمع الدولي؟ هل يصمد بعض المشاركين أمام الضغط الأمريكي؟ هل ينجز طرفا الاتفاق ما تم التوصل إليه دون تشنجات أو عوائق أو حتى دون إطاحة بالاتفاق نفسه؟
لقد جاء اتفاق مكة عاما في نقاطه التي تم الاتفاق على أكثرها من قبل الاجتماع في مكة. ولكن التفاصيل ظلت قيد الدرس والبحث وكما يقال إن الشيطان يكمن في التفاصيل. وأحيلت التفاصيل إلى لجان أثبتت فشلها في السابق. وما أريد قوله هنا هو التنبيه والتحذير من موجة التفاؤل التي سادت أوساط الشعب الفلسطيني Euphoria عقب الاتفاق.
فاللجان التي تشكلت أثناء المحادثات في مكة كانت تحصيل حاصل. فالأمور التي نوقشت فيها كانت قد قتلت بحثا ونقاشا في غزة قبل الذهاب إلى مكة على مدار الأسابيع والشهور السابقة. وأقصد هنا اللجان الثلاثة التي تشكلت في مكة وهي:
• لجنة حكومة الوحدة التي أنجزت مهمتها في وقت قصير حيث كانت الحوارات السابقة وصلت إلى نتائج فعلية قبل اتفاق مكة. ومن سوء الطالع لعدم إشراك الفصائل الأخرى في الحوارات السابقة واللاحقة أن أعلنت (الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين عدم مشاركتهما في حكومة الوحدة الوطنية.
• لجنة الشراكة السياسية وهي من أصعب اللجان وحتى الأن لم تتوفر الرغبة الحقيقية في توفير الشراكة السياسية على كل المستويات.
• لجنة إعادة تفعيل وتطوير منظمة التحرير التي قد تأخذ الوقت الطويل وقد لا تنجح في مهمتها إذا لم تتوفر النية الصادقة من جميع الأطراف في إحياء هذة المؤسسة وعليها تتوقف جميع الإنجازات السابقة واللاحقة.
إذن اتفاق مكة، في الواقع، لم يأت بجديد. والأهم من ذلك لم تتبلور مرجعية أو لجنة عليا تشرف على تنفيذ الاتفاق مما يعني أن الأمور تركت لحسن النوايا التي برهنت الأحداث السابقة على عدم وجودها بين الطرفين. وما حدث أثناء وجود المتحاورين في مكة إلا دليل على ذلك. وهو ما تناقلته الأنباء عن تسجيل مكالمة هاتفية بين بعض أعضاء وفد فتح وآخر في الأرض المحتلة والتي تسببت في منعه حضور مراسم التوقيع على الاتفاق. إنهم يبيتون النية لإفشال الاتفاق بسبب التزامات قطعوها على أنفسهم. فإن صح هذا الكلام يعني أننا مقدمون على جولات أخرى من الخلاف والاختلاف.
الأمر الآخر الذي يتوقف عليه نجاح الاتفاق وتنفيذه هو مدى قدرة الرئيس الفلسطيني ورعاة الاتفاق على الثبات وعدم الانصياع للضغظ الأمريكي والصهيوني. وما "القمة" التي تم انعقادها إلا مثال بسيط على نوع الضغط الذي يمارس على الرئيس الفلسطيني وعلى حد قوله هو أن الاجتماع اتصف "بالصعوبة والتوتر.". ومن ثم حصد اللقاء "القمة" صفرا. لم يأت اللقاء بجديد سوى إضافة شروط أخرى على عباس من بينها إخلاء سبيل الجندي الأسير (شاليط). باختصار تمخص الجمل فولد فأرا "ميتا"!!
والأهم من ذلك أيضا هو اقتناع بقية الفصائل بالاتفاق بعد أن تم تهميشها وخاصة ما سمعناه من رفض أكبر فصيلين فاعلين على الساحة الفلسطينية (الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين)، بعد حماس وفتح، المشاركة في حكومة الوحدة الوطنية.
أما على الصعيد الخارجي فيختص بموقف الإدارة الأمريكية بالتحديد, فهل الإدارة الأمريكة معنية بالوصول إلى حل عادل يعيد الحقوق إلى الشعب الفلسطيني؟
إن الماضي يشير بوضوح إلى أن جميع الإدارات الأمريكية المتعاقبة لم تكن جادة في يوم من الأيام في إيجاد حلول حقيقية وعادلة لمشاكل المنطقة ناهيك عن القضية الفلسطينية. أما آخر الأدلة على أن الإدارة الحالية والكونغرس الأمريكي بطرفية الديموقراطي والجمهوري غير جادين على الإطلاق بإنصاف الشعب الفلسطيني بل والأكثر من ذلك أن الموقف الأمريكي بشقيه التنفيذي والتشريعي أكثر تشددا وأكثر تمسكا بالمواقف السلبية تجاه الشعب الفسطيني من الموقف الصهيوني الرافض للشرعية الدولية وحتى المبادرات الهزيلة التي تخرج من هنا وهناك. حيث قامت وتقوم الإدارات الأمريكية، سواء كانت ديموقراطية أو جمهورية لا فرق، تقدم الدعم اللا محدود لمشاريع الكيان الصهيوني الاستعمارية والإذلالية والتوسعية في فلسطين وخارج فلسطين.

وأحدث دليل على ذلك ما تم في جلسة الاستماع أمام اللحنة الفرعية للجنة الشؤون الخارجية عن الشرق الأوسط وجنوب آسيا في الرابع عشر من شباط (في عيد الحب). وبعيدا عن الدبلوماسية والرحلات المكوكية لأركان الإدارة الأمريكية وعلى رأسها كونداليزا رايس، عقدت تلك اللجنة جلسة استماع طويلة طلبها غاري أكرمان، Gary Ackerman ،عن الحزب الديموقراطي عن ولاية نيويورك، لثلاثة أعضاء في اللوبي "الإسرائيلي". لقد صبت شهاداتهم جام عدوانيتها على الحقوق الفلسطينية. لقد كانت جلسة الاستماع الطويلة بمثابة مذبحة يوم الحب للسلام في الشرق الأوسط.
لقد قام، خلال جلسة الاستماع ، (ديفيد ماكوفيسكي) Makovsky من معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى المدعوم من إيباك (اللوبي الإسرائيلي)، بالهجوم على المملكة العربية السعودية لاحتضانها الفلسطينيين الذين توصلوا لاتفاق مكة. حيث أن ، في نظره، السعوديين بعملهم ذلك قد ضيقوا من "الأفق السياسي" لكونداليزا رايس وزيرة الخارجية. لقد جعلوا مهمتها صعبة. لقد كانت جلسة الاستماع واضحة كل الوضوح حيث كانت تستهدف الدعم المالي مبلغ87 مليون دولار المقرر لرئيس السطلة وأجهزته الأمنية وبالفعل جمدت رغم أنها لم تكن تهدف لرفع المعاناة عن الشعب الفلسطيني فضلا عن قصد إذكاء الفتنة بين أبناء الشعب الواحد.
لقد وجه أكرمان، من أكبر المؤيدين لإسرائيل، سؤالا صريحا ومفاجئا لشهود ثلاثة كان من بينهم السفير الأمريكي السابق في إسرائيل (مارتن إنديك) Martin Indyk ،الذي ترأس أخيرا منتدى الحوار الأمريكي مع العالم الإسلامي في قطر، والأكاديمي الصهيوني العنصري الفارغ من كل مضمون (دانيال بايبس) Daniel Pipes. لقد كان سؤاله يدور حول كيفية خروج الولايات المتحدة وإسرائيل من هذا المأزق، مستنتجا أن كلا الطرفين الولايات المتحدة وإسرائيل في ورطة حقيقية. لقد جاءت الشهادة، في نظر أكرمان، محبطة للغاية لا تحمل أي أمل أو تفاؤل للمفاوضات.. فلم يكن هناك أي إجابة حقيقية لهذا التساؤل سوى الإصرار على أنه يجب على حماس أن تعترف بإسرائيل وتنبذ العنف.
يعني ذلك أن الإدارة الأمريكية ليست جادة في تحقيق أي اختراق جدي وحقيقي في قضية الاحتلال الصهيوني للأراضي الفلسطينية. ولعله من نافل القول أنها منحازة وتكيل بمكاييل متعددة عندما تمس المسائل الكيان الصهيوني. وصدق أحد قادة الكيان الصهيوني وبالتحديد مناحيم بيغن عندما قال: إن العالم لا يحترم إلاّ القوي ولا يحترم الضعيف. وإلى أن يصل جميع الفلسطينيين إلى القناعة التي تقول أن لا سبيل للتحرير والحفاظ على الثوابت الوطنية واستعادة الحقوق المشروعة إلا بثنائية المقاومة المسلخة والنضال السياسي معا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جماهير ليفربول تودع مدرب النادي التاريخي يورغن كلوب


.. ليبيا: ما هي ملابسات اختفاء نائب برلماني في ظروف غامضة؟




.. مغاربة قاتلوا مع الجيش الفرنسي واستقروا في فيتنام


.. ليفربول الإنكليزي يعين الهولندي أرنه سلوت مدرباً خلفاً للألم




.. شكوك حول تحطم مروحية الرئيس الإيراني.. هل لإسرائيل علاقة؟