الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العودة إلى جذور العهود الكلاسيكية للسياسة

محمد بن سعيد الفطيسي

2007 / 2 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


لم تعد آليات الحركة السياسية الدولية كما كانت بعد انهيار الاتحاد السوفيتي , فالملاحظ على تلك الخارطة السياسية العالمية التي عهدناها في حالة من التوازن والاستقرار السياسي على عهد الإمبراطورية الحمراء بسبب وجود ما يسمى بالثنائية القطبية قد بدأت بالتآكل والانهيار بشكل تدريجي , وذلك بسبب بروز عدد من العوامل الايديوبوليتيكية والتي ساهمت في ذلك التحول العالمي كسقوط وانهيار الاتحاد السوفيتي , وبروز العملاق الاميركي كإمبراطورية متفردة في كل شي - أي - بروز ظاهرة القطب الواحد كبديل للتوازن السابق , وظهور الاتحاد الأوروبي والتوحد الوهمي العالمي على ظاهرة الإرهاب بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر, وغيرها الكثير من تلك العوامل التي شقت الخارطة السياسية الدولية إلى أجزاء كثيرة ومتفرقة.
ولفهم هذه النقطة فإننا نشير إلى أن الحركة التاريخية للخارطة السياسية الدولية للقرن العشرين وما بعده قد انقسمت إلى ثلاثة أقسام رئيسية , أولها قد بدا في العام 1917 مع إعلان الثورة البلشفية وامتد إلى العام 1922 مع إعلان اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية , مرور بالعام 1977 بإعلان الاتحاد السوفيتي رسميا كدولة اتحادية تتألف من 15 جمهورية وانتهاء بإعلان سقوط الإمبراطورية الحمراء في العام 1991 م , حيث أن هذه المرحلة ورغم ما شابها من انتهاكات دولية للاستقرار والسلم العالميين إلا أننا نستطيع أن ندرجها تحت مسمى فترة الاستقرار العالمي للتوازنات السياسية وذلك بسبب وجود ظاهرة الثنائية القطبية ما بين الولايات المتحدة الاميركية والاتحاد السوفيتي السابق , رغم أن هناك عدد من المنظرين السياسيين العالميين كجون ميرسهايمر يعتبر أن احتمال وقوع الحرب في ظل التعددية القطبية اقوي بكثير ولأسباب ثلاثة نختصرها في , ( أولا أن هناك عددا أكابر من ثنائيات الصراعات المحتملة في أي نظام تعددي , وثانيا زيادة أنماط الخلل في توازن القوة أكثر شيوعا في عالم متعدد الأقطاب ,وثالثا يكون احتمال الوقوع في الخطأ في ظل التعددية القطبية اكبر ).
أما المرحلة الثانية لفترة ما بعد الاستقرار فإنها قد بدأت بانهيار الاتحاد السوفيتي وامتدات إلى نهاية القرن العشرون , وتعتبر هذه المرحلة هي الأهم نظريا من الناحية الإستراتيجية كونها القاعدة التخطيطية للولايات المتحدة الاميركية لتشكيل وصياغة قرن اميركي جديد , حيث اعتبرت سياسيا وإيديولوجيا - أي - الفترة من العام 1992 وحتى العام 2000 بالعصر الذهبي الاميركي أو أحادية القطب حيث استأثرت الإمبراطورية الاميركية فيه ( بمنظمات ومجالس الأمم المتحدة لحسابها الخاص ، وكأنها مجالس أميركية خاصة ، فإن الولايات المتحدة تقوم بسن المفاهيم ونحت المصطلحات التي تخدم وتعبر عن مصالحها القومية الأنانية ، وفي النهاية تعمل على تسويقها وفرضها على الأمم والشعوب المتعددة الأخرى بأساليب الترغيب حيناً والترهيب أحياناً أخرى ، كمقولات الإرهاب أو الحرب عليه ونهاية التاريخ أو موت الايدولوجيا وكذلك أمركة العالم والدولة اليهودية الحيوية و...الخ )
والملاحظ على هذه الفترة التاريخية للعصر الاميركي بأنها كانت أقصر من المرحلة الأولى وذلك بسبب بعض العوامل التي أدت إلى قرب انهيار الإمبراطورية العظمى كدولة متفردة , وعلى رأسها العامل الاقتصادي والتوسع العسكري وصعوبة السيطرة الإستراتيجية والعولمة وغيرها الكثير, مع عدم تجاهل الغطرسة والاستئثار الاميركي بكل شئ من جهة وبروز بعض المنافسين الجدد على تلك السيادة العالمية من جهة أخرى كالاتحاد الأوروبي والصين على سبيل المثال , وباختصار ( فإن القوة ليست احتكارا طبيعيا ، فالصراع من أجل السيطرة يعتبر صراعا دائما وشاملا , أما مصطلح الأحادية القطبية الذي أطلقه بعض الملاحظين عقب سقوط الاتحاد السوفييتي - كما يقول الأستاذ الاميركي نايل فيرقيسون - فإنها لن تدوم طويلا , لسبب بسيط وهو أن التاريخ يمقت القوة الخارقة فعاجلا أم آجلا سيظهر منافسون يتحدونها ، لتتكون لدينا مرة أخرى صورة لعالم متعدد الأقطاب ومتعدد القوى ).
أما المرحلة الثالثة والأخيرة وهي المرحلة التي تعنينا من خلال هذا الطرح فنعتبرها الأبرز سياسيا وفلسفيا حيث ستشكل نوعا جديدا من الأطروحات السياسية والإيديولوجية لما تميزت به من خصائص وتحولات على الصعيد السياسي العالمي , ولكنها ستكون الاسوأ إنسانيا وحضاريا لما ستبرزه من كوارث وحروب وتحولات حمراء على الصعيدين الاقتصادي والإنساني في المستقبل , وقد بدأت بالفعل هذه المرحلة بالتشكل بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى , وذلك مع مطلع القرن الحادي والعشرين , وعلى وجه الخصوص مع غبار انهيار برجي التجارة العالميين في الحادي عشر من سبتمبر من العام 2001 , ولا زالت هذه المرحلة آخذة بالتشكل , وقد شهدنا عدد من مظاهرها على ارض الواقع , بداية من الحرب على أفغانستان إلى الحرب على العراق وامتدادا إلى دار فور بالسودان إلى الصومال , وارتفاع أسعار النفط إلى درجة أخلت بالاقتصاد العالمي , إلى ظاهرة مكافحة الإرهاب بإشكاله وأنواعه , واليوم بإعلان وزيرة الخارجية الاميركية عن خارطة جديدة للشرق الأوسط خلال هذه الفترة التي شهدت فيها المنطقة العربية حرب جديدة على دولة عربية وهي لبنان مع الكيان الإسرائيلي الغاصب , وما واكب كل تلك التحولات من انقسامات واتفاقات على الصعيدين الدولي والإقليمي بخصوص عدد من القضايا.
وقد أطلقنا على هذه الفترة عددا من المسميات السياسية نظرا لتشابهها مع فترات أخرى من تاريخنا السياسي المعاصر, من حيث تشابه العوامل التي أدت إلى ظهورها , إلى ما خلفته من صور سياسية وفلسفية وإيديولوجية متقاربة على ارض الواقع , وابرز تلك المسميات هو العهد الكلاسيكي الثاني للسياسة وقد أطلقنا عليه بالعهد الثاني كون العالم قد مر سياسيا وتاريخيا بنسخته الأولى حيث ( جرى الاقتراب إلى حدود معينة من حالة التعددية القطبية الفضفاضة في أوروبا خلال حقبة توازن القوة الكلاسيكية التي امتدت نحو مئة سنة قبل الثورة الفرنسية ففي النظام الكلاسيكي كانت الدول تميل إلى التضافر لمعارضة أي دولة أو كتلة تهدد باحتلال موقع يمكنها من الهيمنة الطاغية , ولتمكين آلية مناهضة الهيمنة هذه من العمل بنجاح , وجب على الدول أن تحافظ على المرونة اللازمة لتغيير شركاء التحالف أو لتشكيل تحالفات جديدة ردا على التغيرات الحاصلة في تطلعات نظرائها وقدراتهم , فخلال حكم لويس الرابع عشر - 1643 / 1715 - تمخض الخوف من الهيمنة الفرنسية إلى دفع بريطانيا إلى تنظيم تحالف مناوئ لفرنسا ضم كلا من اسبانيا وهولندا , أما بعد أن أدى التوسع البريطاني فيما وراء البحار إلى جعل بريطانيا القوة المهيمنة الأكثر إثارة للخوف في منتصف القرن الثامن عشر , فقد سارعت اسبانيا وهولندا إلى الالتحاق بركب فرنسا في تحالف ثلاثي ضد بريطانيا).
والمقصود هنا أن بقاء الولايات المتحدة الاميركية على قمة الهرم السياسي الدولي في الفترة القادمة وفي ظل الظروف السياسية الراهنة والتقلبات الدولية المتزايدة وان حاولت هذه الأخيرة إيهام العالم بهذه القوة الهشة دبلوماسيا دون فرض قوتها العسكرية على الآخرين , وعسكريا في ظل عجزها الدبلوماسي صعب جدا, وعلى وجه التحديد في ظل وجود هذا العدد من المنافسين الدوليين وان لم تظهر هذه القوى الدولية بشكل فعال وملفت للنظر إلى الآن , وعلى رأسها الاتحاد الأوروبي والصين واليابان وربما فرنسا وروسيا وقد يظهر غيرهم في المستقبل , كما أننا نلحظ بروز عدد من التحالفات الدولية والإقليمية التي تفرضها ضرورات المصالح السياسية , والتي تسير في طريق تقويض تلك الهيمنة والسيادة الاميركية بشكل يتشابه كثير مع التحالفات البريطانية الفرنسية الاسبانية الهولندية سالفة الذكر, بل وتقف وبشكل رسمي متحدية الولايات المتحدة الاميركية كما فعلت الصين وكوريا الشمالية على صعيد البرنامج النووي لهذه الأخيرة , والتي اعترضت الصين ولأكثر من مرة بل وهددت باستخدام حق الفيتو على أي شكل من إشكال العقوبات الاقتصادية على كوريا الشمالية , كما أننا نلفت الانتباه إقليميا في هذا الجانب إلى التحالف الإيراني السوري والذي كان نتاج سنوات من الصراع ضد الهيمنة الاميركية على المنطقة وعلى هاتين الدولتين بشكل خاص , حيث برز هذا التحالف في عدد من الاتفاقيات العسكرية والسياسية والاقتصادية , وقد اثبت صورته النظرية إلى وقتنا الراهن من خلال تصريحات الحكومة الإيرانية المتمثلة في وقوف هذه الأخيرة ضد أي تهديدات قد تمس الجمهورية السورية.
كما أننا لا نستطيع أن نتغافل التعاون الصيني الروسي واستثماره في عدد من القضايا الدولية كوقوفهما مع إيران على صعيد برنامجها النووي والتلويح باستخدام حق الفيتو من قبل الطرفين في حال اقر مجلس الأمن أي عقوبات على إيران إلى الآن , وربما يظهر جليا في المستقبل تحالفات أكثر قوة وردع من التحالفات سالفة الذكر , أكان المقصود من تلك التحالفات الوقوف في مواجهة التيار الاميركي للمعارضة فقط , أو من اجل المحافظة على مصالح تلك الدول في مختلف أرجاء العالم , فثمة ( بلدان معينة تتمتع - بسبب حجمها , ومواردها ومستوى تطورها الاقتصادي , وقوتها العسكرية وقوة حضورها الدبلوماسي - بقدر اكبر وعلى نحو ملموس من النفوذ العام , المحلي والإقليمي بالمقارنة مع البلدان المجاورة لها , ولكن تلك البلدان كثيرا ما تجد صعوبات في ترجمة قوتها إلى هيمنة إقليمية ) كالصين واليابان على سبيل المثال لا الحصر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تركيا: السجن 42 عاما بحق الزعيم الكردي والمرشح السابق لانتخا


.. جنوب أفريقيا تقول لمحكمة العدل الدولية إن -الإبادة- الإسرائي




.. تكثيف العمليات البرية في رفح: هل هي بداية الهجوم الإسرائيلي


.. وول ستريت جورنال: عملية رفح تعرض حياة الجنود الإسرائيليين لل




.. كيف تدير فصائل المقاومة المعركة ضد قوات الاحتلال في جباليا؟