الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السياسة بين الأخلاق والقانون والإرهاب

محمد بن سعيد الفطيسي

2007 / 2 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


من المفيد دائما أن نتذكر عند ممارسة حقوقنا السياسية أن تلك الحقوق أو الحريات تنتهي مع انتهاكها لحرية وحقوق الآخرين , وبالتالي فإن بعض الممارسات السياسية للعديد من الدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الاميركية باتت تهدد هذه القاعدة الأخلاقية في السياسة الدولية , وخصوصا بممارستها لبعض الأعمال الفردية التي تعتبر خارجة عن إطار الإجماع الدولي ( الحر ). ولكن ماذا لو توفر للولايات المتحدة الاميركية ـ كما تدعي دائما ـ بعض الأعذار التي تعطيها الحق والمشروعية في تحقيق المصلحة الفردية كحق الدفاع عن نفسها ومصالحها المنتشرة في كل أرجاء العالم أو حلفاءها خارج ذلك الإجماع الدولي , هل هنا يحق لها ممارسة ذلك الحق وبمختلف الوسائل المتوفرة ؟ ربما سيبدو ذلك معقولا من الناحية الظاهرية !!! ولكن جل تلك الأعذار لا تعطي الحق لأي دولة في العالم مبررا لممارسة تلك الغايات بعيدا عن الإجماع والإطار الدولي وخصوصا تحت مضلة الأمم المتحدة ( المغيبة ) وحتى لو كان ذلك من أجل استرداد حقوقها وخصوصا مع توفر الخيارات المبدئية لحل النزاعات السياسية والسيادية , كذلك إلا يكون هناك من مسوغات أخلاقية تسبق دائما الحلول الصلبة كبديل انسب لتحقيق تلك الحقوق السياسية للإمبراطورية الاميركية أو أي من الدول الكبرى في العالم ؟!!
هذه الأسئلة وغيرها تدفعنا لتقييم الأسباب الدافعة لاتخاذ الخطوة الاستباقية للدفاع عن النفس والمصالح والسيادة الوطنية , وهل هناك من تقييم قانوني أو أخلاقي ولو كان نظريا باعتبار النيات مبررا لشن هجوم استباقي على أي عدو محتمل ؟ ـ وبمعنى آخر ـ هل يحق لأي دولة في العالم وبناء على نيات الطرف الآخر استباقه لاحتواء ذلك الخطر قبل وقوعه ؟ وماذا عن الطرف الآخر نفسه فنحن نعلم أن سياسة الضغط النفسي والتهديدات المتكررة والسياسة الصلبة دائما ما كانت السبب وراء إشعال جل الحروب التي أبادت الجنس البشري , فمن المعروف ( أن العدو لو شك بأن قواته الرئيسية موشكة على التعرض للتدمير أو التعطيل يدفعه في حالة الذعر والحيرة بين استخدام هذه الأسلحة - بأنواعها - أو فقدانها إلى إطلاق ضربته الاستباقية الأولى ضد مرافق المهاجم أو حلفائه ) وبالتالي فإن جل ما سيحدث هو إشعال فتيل حرب لن تنتهي سوى بدمار البشرية والممتلكات وهي خسائر متعذرة التعويض إلى حد بعيد جدا , بالإضافة إلى ( غرسها لبذور الحقد والولع بالانتقام والرغبة في الانتصار مهما كان الثمن , تلك البذور التي غالبا ما تطغى بسهولة على الجهود العقلانية المبذولة لإبقاء العمل العسكري خادما لأهداف الجمهور المشروعة ).
ومن هذا المنطلق فإننا نطرح تلك الأسئلة على المجتمع الدولي والمطالب في الوقت الراهن بإيجاد إجابات سريعة وصريحة عليها , وبالتالي عكس واستقراء تلك المفاهيم والأسئلة السابقة على الرسائل السياسية والعسكرية الإيرانية والتي أطلقتها من خلال المناورات العسكرية الأخيرة واختبارها للعديد من الأسلحة التي أظهرتها للعالم بشكل عام وللدول الكبرى وخصوصا الولايات المتحدة الاميركية بشكل خاص في هذا الوقت الحرج والذي تمر به بخصوص برنامجها النووي ومحاولة فهم وتقييم المعضلة السياسية الاميركية والتي تمر بها هذه الأيام على مستوى سياستها الخارجية بحيث أنها تقف بين مطرقة المجتمع الدولي والذي يرنو إلى تمكين وتحقيق الوسائل السلمية والسياسة الأخلاقية السلسة واللينة على السياسة العسكرية والصلبة وسندان المخاوف الاميركية من تعرض مصالحها وهيبتها الدولية للتراجع والاهتزاز وخصوصا في ظل بروز العديد من المنافسين السياسيين والاقتصاديين والعسكريين كالصين وبعض حلفائها في الاتحاد الأوروبي نفسه أو حتى روسيا واليابان.
فالجمهورية الإيرانية ومن خلال مناوراتها سالفة الذكر تحاول إيصال رسالة واضحة للعالم بأنها لن تخضع للضغوط الدولية وبأنها لن تتراجع عن أهدافها ومساعيها نحو الحصول عن الطاقة النووية السلمية , كما أنها توضح للمجتمع الدولي برمته والولايات المتحدة الاميركية بشكل خاص بأنها ستدافع عن نفسها بكل الوسائل المتاحة والممكنة ولو كلفها ذلك الكثير وإنها قادرة على تحقيق النصر بإمكانياتها تلك.
أما الولايات المتحدة الاميركية وعلى لسان رئيسها فقد أعلنت مسبقا رأيها وسياستها في تلك الأنظمة والتي تعد الجمهورية الإيرانية واحدة منها كما أعلنه الرئيس جورج دبليو. بوش في خطابه عن حالة الاتحاد بتاريخ 29 / 1 / 2002 حيث قال : ( لقد أصبح منع الأنظمة الراعية للإرهاب من تهديد اميركا وأصدقائنا وحلفائنا بأسلحة الدمار الشامل واحدة من أهداف السياسة الخارجية الاميركية المعلنة - وفي تلميحه لأهمية الضربات الاستباقية على تلك الدول استمر في القول - بأننا سنفكر ولكن الوقت ليس في صفنا , إنني لن انتظر الإحداث فيما الإخطار تتجمع , لن أقف متفرجا فيما الخطر يزحف اقرب فاقرب , فالولايات المتحدة لن تسمح لأخطر أنظمة الحكم في العالم بتهديدنا بأشد أسلحة الدمار فتكا ) وهي بذلك لا تزال تمارس ضغوطاتها الدولية وتوجه تهديداتها المتتالية من كون صبرها قد نفد وانه قد بات من الضروري احتواء المساعي الإيرانية للحصول على الطاقة النووية السلمية ( المقنعة ) والتي ترمي من خلالها في حقيقة الأمر للحصول على السلاح النووي , وإلا فإنها ستبادر بعمل فردي لتحقيق ما تراه - من وجهة نظرها - المصلحة الدولية وتحقيق القانون , وبين هذه وتلك يظل المجتمع الدولي والعالم تحت رحمة المغامرات السياسية لتلك الأنظمة.
المهم في الأمر بأنه من الضروري إيجاد حل سريع وفعال لخطر يداهم العالم وخصوصا إذا ما استمرت الضغوطات الاميركية المتعنتة والتي تدفعها أياد خفية نحو هذا العمل والصلابة الإيرانية المخيفة والزائدة على ما هي عليه اليوم , فما من ضمانات تجعل من المجتمع الدولي بشكل عام ودول الجوار بشكل خاص تهجع في راحة وأمان وهي بكل معنى الكلمة تقف على صفيح ساخن يهدد المنطقة بكارثة مأساوية بكل معنى الكلمة هي في غنى عنها , وانه بات من الملزم أن يتمسك المجتمع الدولي وفي إطار هيئة الأمم المتحدة بالخيارات السلمية وروح الأخلاق السياسية للحيلولة دون وقوع تلك الكارثة وانه من دون وجود نزوع أخلاقي معنوي أساسي ذي قاعدة مشتركة عريضة ضد الإقدام على اتخاذ الخطوة الأولى من عملية عبور العتبة الفاصلة بين النزاع الشديد والحرب الفعلية قد تتعرض الحواجز السياسية المحلية والدولية أمام التصعيد لقدر خطير من الإضعاف وفي أجواء صنع القرارات في الأزمات وهي أجواء فكرية مشحونة برهاب الاحتجاز, ستبقى عملية تقويم الاستراتيجيات البديلة ميالة إلى عقد المقارنة بين العواقب المباشرة لانتظار تلقي الضربة والعواقب المترتبة على توجيه الضربة الأولى , وكما في مثال التعبئات العسكرية المتنافسة للدول الأوروبية عشية الحرب العالمية الأولى , فان أولئك الذي يدعون إلى ضبط النفس يتصرفون على أساس عدم التأكد مما إذا كان من الممكن تغليب الرأي القائل بأن الوضع أخطر من أن يطيق الانتظار على احتمال أن يكون العدو مخادعا .

محمد بن سعيد الفطيسي
كاتب وباحث عماني








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تخطط لإرسال مزيد من الجنود إلى رفح


.. الرئيسان الروسي والصيني يعقدان جولة محادثات ثانائية في بيجين




.. القمة العربية تدعو لنشر قوات دولية في -الأراضي الفلسطينية ال


.. محكمة العدل الدولية تستمع لدفوع من جنوب إفريقيا ضد إسرائيل




.. مراسل الجزيرة: غارات إسرائيلية مستمرة تستهدف مناطق عدة في قط