الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفرق بين ازعاج عمار الحكيم و دماء المواطن العراقي

صائب خليل

2007 / 2 / 27
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


هناك "قصة اطفال" سياسية هولندية تتحدث عن نظام الملكية فتقول ان شعب النعامات عندما اكتشف ان النعامة التي ارادت ان تكون ملكاً, لم تستطع الطيران كما ادعت, ضحكوا منها وقالوا لها "ما دمت لاتختلفين عنا فأما ان نكون جميعاً ملوكاً او لايكون احد ملكاً على احد."
الغت النعامات المقدسين, لكن البشر للأسف لم يكونوا بهذا الذكاء, واحتفظوا بملوكهم ومقدسيهم.

يمكننا ان نجزم ان الديمقراطية نشأت من مثل هذا الوعي, الوعي بأن الملوك والزعماء والرؤساء وكل من كان يحتكر السلطة على الناس, ويستند الى قدسية مفترضة تميزه عن الناس, لم يكن مختلفاً عنهم, ولذا تساءلوا : ما الداعي للتقديس اذن؟
حينها اصروا على ان يأخذوا مصيرهم بيدهم ويقرروا من يحكمهم ويصروا ان تكون كلمتهم المجتمعة فوق كلمته وان يتمكنوا من تغييره متى شاءوا, بل تحفظوا ان لايكون حتى لهذا المنتخب سلطة كبيرة قد تصعب عليهم مجابتهتها مستقبلاً.

الديمقراطية اذن بنيت على وعي المواطن الإعتيادي لإحترامه لذاته واعتبارها لاتقل قدراً عن الحكام والقادة. لكننا جميعاً قد "عشنا طويلاً داخل القطيع, ولسوف يدوي صوته طويلاً في رؤوسنا" كما يقول احد فلاسفة القرن التاسع عشر. ولسوف يهمس صوت القطيع هذا في آذاننا ان حكامنا وقادتنا "مقدسين" واننا "اقل منهم", وسنرفض الصوت حيناً, وسيدخل رؤوسنا احياناً في غفلة من انتباهنا, او تعب في نفسنا او خوف في قلبنا, وكلها ظروف موجودة بوفرة لامثيل لها في العراق!

هذا النقص في "احترام الذات" يتضح اكثر ما يكون في الإحجام عن الإحتجاج ضد الإعتداء عليها, وما اكثر ما اعتدي عليها في عراق الأمس, وما اكثر مايعتدى عليها في العراق اليوم.
كمثال على رد فعل الذات التي نسيت احترام نفسها لكثرة ما اعتدي عليها, كتبت في مقالة سابقة لي بعنوان"اعتذر باسم الشعب العراقي للباكستانيين..." مشيراً الى الفرق بين رد فعل الشعب الباكستاني والعراقي على نفس الفعل: قصف الأمريكان لبيوت عوائل سكنية وقتل مدنيين ابرياء بلا تمييز بحجة (ربما تكون صحيحة) الشك بوجود ارهابيين بينهم. كتبت كيف ان التظاهرات ملأت الباكستان, وكيف وقف البرلمان واعضاء الحكومة بحزم شديد ضد الجريمة الأمريكية في حين لم تكن هناك اية ردود فعل تستحق الذكر بالنسبة للحادث العراقي, لا من الشعب ولا من الحكومة ولا البرلمان.
الشعب الباكستاني ليس من اكثر شعوب العالم اعتزازاً بذاته, لكنه لم يعتد اهانتها كما اعتاد الشعب العراقي على ما يبدوا.

وهناك نوع اخر من علامات "نقص احترام الذات", نوع معاكس, يتمثل في الإحتجاج الشديد على اشياء اخرى, اشياء مقدسة, او أشخاص مقدسون, دون ان يمتد احتجاج المرء ليشمل الوقوف بوجه الإعتداء على ذاته, وقد اشار الكثيرين باستغراب الى حماس المسلمين في الإحتجاج على الرسوم المسيئة للرسول دون ان يكون هناك اي احتجاج يستحق الذكر على الإعتداء على المسلمين انفسهم وقتلهم او سجنهم او التمييز ضدهم.

وآخر مظاهر المبالغة النسبية في قصر الإحتجاج على "المقدس" دون الإنسان, العاصفة التي اثارها اعتقال السيد عمار الحكيم لبضعة ساعات عومل بها "بخشونة" كما يقول من قبل القوات الأمريكية. هذه مقتطفات من الأخبار:

"رئيس الجمهورية جلال طالباني تلقى بشعور من الأسف العميق نبأ ما حصل للشخصية الوطنية المعروفة سماحة السيد عمار الحكيم...و يعرب عن الأسف العميق للإساءة التي تعرض لها السيد عمار الحكيم ووصفها بانها غير حضارية و غير لائقة و طالب القيادة الأمريكية بمحاسبة الذين أساؤوا إليه و بتوفير الضمانات الكفيلة بعدم حصول أي تصرف غير مبرر مع الشخصيات السياسية والوطنية. "

"عملية اطلاق عمار جاءت اثر اتصالات اجراها المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق بزعامة عبد العزيز الحكيم مع السلطات العراقية والسفارة الاميركية في بغداد. وكانت مصادر شيعية هددت باخراج تظاهرات في مدينة النجف المقدسة يوم غد للمطالبة بأطلاق الحكيم يمكن ان تمتد الى الجنوب الشيعي باكمله ."

" السفير الامريكي بالعراق يأسف لاحتجاز نجل الحكيم لساعات ويقول إنه لا يعرف أسباب الاعتقال، لكنه شدد على فتح تحقيق في الحادث وعلى عدم وجود أية نية لاهانة الحكيم أو أسرته."

" تظاهر الآلاف في عدد من البلدات والمدن العراقية، احتجاجا على اعتقال عمار الحكيم النجل البكر، لزعيم المجلس الأعلى للثورة الإسلامية عبد العزيز الحكيم، لأكثر من 8 ساعات. النجف والكوت والعمارة"

" قوات الاحتلال الامريكي تفرج عن عمار الحكيم في بغداد بعد تدخل رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي"

" عن اعتقال عمار الحكيم، نجل زعيم المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق عبد العزيز الحكيم، لساعات عدة الجمعة الماضي، قال الناطق باسم القوات المتعددة الجنسية في العراق الجنرال وليام كولدويل: «كانت حادثة مؤسفة ولكنها كانت نتيجة لقيام حراس الحدود العراقي، بدعم القوات المتعددة الجنسية، بعملها، والتأكد من ان هؤلاء لم يكونوا مهربين او يعرضون المدنيين العراقيين للخطر».."

أما ما كتبه "امير جابر" رئيس مؤسسة الفكر الاسلامي في هولندا فيثير الشجون:
"تستنكر مؤسسة الفكر الاسلامي في هولندا ماقامت به قوات الاحتلال الامركي من احتجاز غير مبرر لسماحة حجة الاسلام والمسلمين السيد عمار الحكيم لدى عودته من ايران وان دل هذا الاحتجاز على شيئ انما يدل على التخبط والفوضى التي صنعتها قوات الاحتلال الامريكي في العراق فالسيد الحكيم هو من رموز الاعتدال المعروفين في العراق وهو وعائلته الكريمة من ابراز الشواهد على ضحايا الارهاب التي تدعي امريكا محاربته وتدعو المعتدلين من المسلمين للوقوف بوجهه وهذا العمل انما يعطي الايدي الاثمة والارهابية تشجيعا للاستمرار في اراقة دماء الابرياء في عراقنا الجريح ويثير التساؤلات في مصداقية امريكا في مشاركتها في الحملة الامنية التي تقودها الحكومة العراقية وان هذا النوع من التعامل بمساواة الجلاد مع الضحية انما هو من يخلط الاوراق ويجذر الماسي ويثير الشكوك وسوف لن يبقي هذا العمل الغير مسؤول لامريكا من مصداقية لدى العراقيين جميعا ولدى الشعوب العربية والاسلامية على الاطلاق نتمنى ان لاتتكرر مثل هذه التصرفات الهوجاء وان لاتضطر شعبنا هذه الاعمال للرد المناسب والتعامل بنفس الاسلوب وان لايبقى الشعب العراقي مسرحا للصراع بين امريكا ومن يخالفها وان لا تتحرك القوات الامريكية حسب تقارير المخابرات العربية والصدامية"

أمير جابر لم يجد قبل اعتقال عمار الحكيم ما يدله " على التخبط والفوضى التي صنعتها قوات الاحتلال الامريكي في العراق" ولم يجد بأي عمل قامت به سابقاً " يعطي الايدي الاثمة والارهابية تشجيعا للاستمرار في اراقة دماء الابرياء في عراقنا الجريح" ولم تمر بخلده قبل هذا الحادث اية "تساؤلات في مصداقية امريكا", ولأول مرة تساوي اميركا "الجلاد مع الضحية"...هذا الإعتقال لبضعة ساعات "يجذر الماسي" التي لم تتجذر لحد الآن, و"يثير الشكوك" لأول مرة في ذهن امير, لأن اميركا لم تقم مسبقاً بـ " مثل هذه التصرفات الهوجاء", فأن هي كررت ذلك فسوف "تضطر شعبنا هذه الاعمال للرد المناسب والتعامل بنفس الاسلوب". امير كان قادراً على أن يلقي القبض على ديك شيني في مطار واشنطن عند عودته من المكسيك مثلاً....لكنه لم يجد مبرراً سابقاً...اما بعد الآن, فقد اعذر من انذر....ولا يلوم الأمريكان إلا انفسهم...

ليس من السهل ايجاد نص تنعدم فيه الموازين ويدوخ فيه العقل وتحتقر الام الإنسان العراقي, السني منه والشيعي وبقية العراقيين بقدر هذا النص المخجل المضحك!

عن هذا التعليق كتب سعد السعيدي: "المقرف في الموضوع كله هو ان هؤلاء لم يحركوا ساكنآ ولم يستنكروا بأي شئ عندما تساقط طلبة العراق على ابواب الجامعات بفعل قنابل الارهابيين يوميآ. ولم ينزعجوا عندما تتوارد الاخبار حول عوائل ترسل صغارها للبحث عن القوت في مزابل القمامة."

محمد هاشم يستنكر الفرق في تصرفات الحكومة بين اعتقال عمار الحكيم واعتقال عبد الهادي الدراجي, ويضيف: " ترى لماذا لم تجيش الفضائية العراقية نفسها لاجل الشيخ عبد الهادي الدراجي الذي اعتقلته القوات الاميركية قبل اكثر من شهر بعد عودته من اداء مناسك الحج. ولماذا لم يسعى رئيس الوزراء وبقية السياسيين لاطق سراحه فهو كان من حمائم التيار الصدري ولم يعرف عنه حثه على العنف.. ام لانه شيخ وسواه سيد ام لانه معيدي وليس كعمار الحكيم باعتباره من سادة القوم وسواهم عاميين كما يسمون بالعراقي؟
ليت رئيس الوزراء المالكي خرج على وسائل الاعلام وقال ان لااحد فوق القانون ولو كان عمار الحكيم بريئا على القوات الاميركية التي اعتقلته ان تطلق سراحه وتقدم اعتذارا له وان كان متورطا في العنف فعلى القوات الاميركية تسليمه مع الادلة ضده للحكومة العراقية لغرض محاكمته. وليته يقول هذا الكلام اثر كل عملية اعتقال لاحد المسؤولين"

اما الطريقة التي وصف بها عمار الحكيم نفسه الإعتقال و "خشونة" الأمريكان في تعاملهم معه على نفاد جواز سفره فلا تختلف عن سوء التقدير الذي وصف به مناصروه الحادثة فقال "هذا لا يجوز وحين اعود الى بغداد ساطلب توضيحا من السفارة الاميركية".
مثل أمير جابر, لم يجد عمار الحكيم في كل القتل الذي دام حوالي 4 سنوات ما يدعوه لطلب توضيح من السفارة الأمريكية, لكن "متعلقاته الشخصية" التي بقيت بحوزة الأمريكان, سبب وجيه للغضب والإحتجاج!
لا يخالجني الشك الآن, انه لو اتيح لمن تباكى على عمار الحكيم من "خشونة" الأمريكان, لصنع من عمار صداماً جديداً بلمح البصر, ولو جاءت مثل تلك الفرصة لما رفضها عمار اطلاقاً, فلم يبرهن الحادث على اي نضج يؤمل منه ان يقف بوجه عبادة الفرد, لا من جماهير عمار, ولا من عمار نفسه.
التحليل التالي الذي كتبه علي عبادي / قناة المنار يبدو لي معقولا: "بقدر ما شكّل احتجاز السيد عمار الحكيم من قبل قوات الاحتلال الأميركية استغراباً لدى الأوساط العراقية ، فانه يندرج في سياق تحرك قوات الاحتلال على خطين:- الأول محاولة قطع خطوط الاتصال بين العراق وإيران، كما بين العراق ودول عربية أخرى لا تكن لها واشنطن المودة .- الثاني إفهام من يعنيهم الأمر ان الوضع العراقي في المرحلة القريبة مقبل على مزيد من التشدد انطلاقا من خطة بغداد الأمنية واستقدام تعزيزات عسكرية أميركية الى العراق."
لم اكتب هذا المقال الا بسبب غضبي على كرامة المواطن العراقي والقيمة الواطئة لدمائه ودموعه, ليس فقط من قبل محتليه بل وايضاً من "سادته" وسياسييه. اما الحادث نفسه فلا ارى فيه الا استمرار لنهج الإحتلال الأمريكي الذي يريد افهام العراقيين والحكومة بشكل خاص ان كل تحرك وكل اتصال بأي طرف خارجي يجب ان يتم بموافقته ومن خلاله. أما موقف الحكومة العراقية فيشبه موقف طفل يصر ابوه ان يعرف كل علاقاته وان يوافق عليها قبل السماح له بها.
ماذا سيحدث مستقبلاً؟ سيتردد اي مسؤول عراقي بما فيهم الرئيس ورئيس الوزراء بالقيام باية زيارة الى الخارج, وان اراد ذلك فسيحرص اولاً على اداء زيارة الى زلماي خليل زاد لـ"استشفاف" رأيه بالموضوع قبل المخاطرة بموقف لايحسد عليه, وليس مستعداً له. كذلك, وكما قال علي عبادي, سننتظر "المزيد من التشدد" من الجيش الأمريكي لتأديب هذه الحكومة "الوكيحة", حتى يمشي اعضاؤها على "العجين ما يلخبطوش"!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا نعرف عن الجمعية الوطنية الفرنسية؟ • فرانس 24


.. فلسطينيون يقيمون مصلى من القماش وسط الركام في جباليا




.. دمار كبير في أحياء غرب رفح جراء الحرب الإسرائيلية على قطاع غ


.. مصابون يصلون إلى مستشفى ناصر في خان يونس بعد قصف على مناطق ج




.. حريق ضخم اندلع في سانتا باربرا الأميركية .. والسلطات تخلي ال