الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فكرة التآمر في معرض المُلهِمين

رحيم العراقي

2007 / 2 / 28
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


بيير أندريه تاغييف، مؤرخ للأفكار وفيلسوف ومفكر سياسي وأستاذ في معهد الدراسات السياسية بباريس ومدير للأبحاث في المركز القومي الفرنسي للبحث العلمي ومؤلف للعديد من الكتب من بينها:
«قوة الأحكام المسبقة» و«دعاة الحقد» و«في مواجهة العنصرية» و«الجمهورية المهددة»...«هناك عودة إلى أسطورة المؤامرة في الثقافة الشعبية»، هذه هي الفكرة الأساسية التي يدور حولها موضوع الكتاب الجديد لبيير أندريه تاغييف: «معرض الملهمين». إنه يحاول أن يبرهن على وجود «رابطة» بين الروايات التي اكتسبت بجدارة تسمية «الجماهيرية» إذ أنها وزّعت ملايين النسخ في جميع أنحاء العالم مثل روايات «دان براون» الشهيرة، خاصة « شفرة دافنشي » التي تقوم على عالم الألغاز وبين الأطروحات التي روّج لها اليمين المتطرّف والقائلة بوجود مؤامرات خفية تنظمها قوى «غير منظورة» تقريبا من أجل إقامة نوع من «الحكومة العالمية» التي ستكون بالطبع مثل دمية بيدها فهي التي تتحكم بخيوط اللعبة كلها.
كذلك يحاول مؤلف هذا الكتاب البرهنة على وجود «رابطة» أيضا بين هواة تلك المسلسلات التلفزيونية والرسوم المتحركة وألعاب الفيديو التي يجمع بينها كلها الاهتمام بجماعات سرية أو مخلوقات تنتمي إلى كواكب أخرى وبين أولئك الذين يقدّمون أنفسهم على أنهم «مؤرخون» بل ويتحدثون أحيانا وكأنهم «علماء» ويشجبون جميعهم «المؤامرة العالمية».
وتنبغي الإشارة منذ البداية أن «تاغييف» قد وضع كأحد أهداف كتابه دحض الفكرة القائلة والشائعة كثيرا بأن اليهود هم أقطاب «المؤامرة العالمية».
النقطة التي ينطلق منها مؤلف هذا الكتاب هي أن نظرية المؤامرة العالمية تستعيد هذه الأيام شبابها وأن الحامل الكبير في هذا «الشباب» يتمثل في النجاح الذي حققته الثقافة الشعبية اليوم والذي تعبّر عنه بوضوح أعمال الروائي دان براون والعديد من الأعمال الأخرى التي جرى نشرها منذ بداية سنوات الثمانينات في القرن الماضي (العشرين).
مثل هذه الأعمال تستوحي موضوعاتها من «مخزون هائل من الإشاعات والأساطير والمعتقدات» التي تعود أحيانا إلى قرون بعيدة ماضية والتي «لا يتم التوقف عن استغلالها من قبل أولئك المختصين بالبحث «عن كل ما يمجّد رائحة العوالم الخفية».
ونظرية «المؤامرة» كما يتم تعريفها، هي ذلك النوع من الكتابة الذي يفسّر مآسي العالم الذي نعيش فيه بتدخل قوى خفية شريرة، وممثلة عامة بمجموعة قليلة «تمثل في أغلب الحالات أقليات نخبوية» تستخدم لبلوغ غاياتها« وسائل سياسية أو مالية أو عسكرية أو بسيكولوجية أو علمية».
وكانت نظرية «المؤامرة» قد برزت «تاريخيا» في نهايات القرن الثامن عشر واتخذت في أوروبا صيغة تآمر مجموعة بافاريه ـ نسبة إلى بافاريا ـ ضد المسيحية. ثم جرى الحديث عن مؤامرة ماسونية وبعدها ماسونية-يهودية لتغدو يهودية بحتة منذ أواسط القرن التاسع عشر.
وما يريد مؤلف هذا الكتاب أن يؤكده هو أن أعمالا أدبية مثل «دا فنشي كود» و«ملائكة وشياطين» لدان براون وألعاب الفيديو عن «النظام العالمي الجديد» والنضال ضد القوى الغامضة التي تسعى إلى تخريبه أو العمل الشهير «سيد الخواتم» للكاتب البريطاني «ج. تولكيين» .
حيث «تواجه القوى المستنيرة قوى الظلام» أو المسلسلات التفزيونية التي تذهب في نفس المنحى وتدعو إلى «عدم الثقة بأحد»، إنما هي أعمال تجد مرجعياتها، حسب رأيه، لدى نفس «المخزون الرمزي» الذي يستلهم منه اليمين المتطرف أطروحاته السياسية. وهذا ما يجمعه المؤلف كله تحت لافتة «بازار الغرابة».
ولا يتردد أيضا في القول أن التركيز على «المظهر الشيطاني» للعولمة الليبرالية السائدة من قبل اليمين المتطرف واليسار المتطرف، إنما يجد مرجعيته أيضا في نفس آلية القول بوجود «مؤامرة عالمية» وتفسير التاريخ على أنه مجرد مؤامرات متتالية تنظّمها وتخطط لها مجموعة من أصحاب المصالح الذين لا يظهرون أبدا على المسرح ولكنهم يحرّكون «الدمى» فوق خشبته.
وما يؤكده المؤلف هو أن «فكرة التآمر» تشكل اليوم أحد أكبر الأساطير السياسية الحديثة. ويرى أن ما يميّزها اليوم هو أنها قد تعدّت حدود الشرائح التي روّجت لها، تاريخيا لتصل إلى شرائح لا علاقة مباشرة لها بالسياسة ولم يعد جمهورها بالتالي مسيسا. وكان من نتيجة هذا التوسيع لإطارها و«خلطها» بموضوعات تنتمي إلى عوالم الأسرار الغريبة جعلها بمثابة «ظاهرة ثقافية».
ويعيد «تاغييف» هذا الصعود الجديد لنظرية «المؤامرة» إلى الانحسار الكبير الذي عرفته الايديولوجيات السياسية الكبرى وفي مقدمتها الايديولوجية الشيوعية وما كانت قد مثّلته لعشرات الملايين من البشر من إمكانية تقديم آفاق مفتوحة أمامهم.
وبغياب مثل هذه الآفاق أصبحت الطريق مفتوحة أمام تبنّي تفسيرات أخرى. ومثل هذه «العودة» معروفة في التاريخ الإنساني كله، لاسيما عندما تكون الايديولوجيات الأخرى تعاني كلها من حالة «الإفلاس».
ويجد المؤلف أيضا أحد أسباب صعود فكرة «المؤامرة» في «غياب الاعتقاد بإمكانية التقدم نحو الأفضل»، ذلك أن مفهوم التقدم نفسه لم يعد يشكل «قوة جذب» لأعداد متزايدة من البشر الذين اتجهوا أو «تركوا أنفسهم يتجهون» نحو الإيمان ب«نزعة الكارثة».
ويتم التأكيد في هذا السياق على أن «الاعتقاد بالتقدم» قد ساد لدى الغربيين عامة لمدة تفوق القرنين من الزمن. لكن «زمن المستقبل المشعّ» قد أصبح في خلفية الصورة ولم يعد «متداولا» إلا لدى بعض الشرائح القليلة، والنخبوية في أغلب الأحيان.
وبالتوازي مع انحسار الايديولوجيات الكبرى، تضاءلت أيضا دائرة النفوذ التي كانت تشغلها المعتقدات الدينية في الغرب. ونجم عن هذا النوع من الفراغ الذي يسمح بتقديم مختلف أشكال الإجابات التبسيطية التي قد يطرحها البشر على أنفسهم. وهذا ما يفسر إلى حد كبير، حسب رأي مؤلف هذا الكتاب، «تعاظم سوق الأفكار الخفية» بل وانتشار حركات وفرق عقائدية جديدة مثل «جماعة معبد الشمس» الذين قد يصل تطرفهم إلى درجة القيام بعمليات انتحار جماعي.
ومثل هذه الأجواء مناسبة جدا لازدهار «نظرية المؤامرة» على خلفية الانجذاب نحو ما هو سرّي وما هو خفي والانبهار بما يمكن أن تقوم به قوى خفية من أفعال والخوف من دكتاتورية مجهولة ما.
ويشير مؤلف هذا الكتاب إلى الدور الكبير الذي تلعبه شبكة «الانترنت» في نشر نظرية «المؤامرة»، ذلك أن القائلين بمثل هذه النظرية يستفيدون من هامش الحرية الكبير الذي توفره هذه الشبكة وحيث يمكن لأية فكرة، ومهما كانت، أن تنتشر مثل النار في الهيشم. أية فكرة أو أية إشاعة أيضا.
ويؤكد «تاغييف» أن ثقافة المؤامرة ما كان لها أن تبلغ ما وصلت إليه من اتساع لولا شبكة الانترنت. ثم هناك فكرة شائعة وهي أنه يمكن الوصول عبر هذه الشبكة إلى المعلومات التي لا توفرها الصحف أو المطبوعات الأخرى أو إلى المعلومات التي تريد إخفاءها.
هذا يعني أن الانترنت «يقدم المعلومة دون مساحيق»، وبسبب الفكرة السائدة أن الصحافيين «يكذبون» أو «يخفون الوقائع»، وأن رجال السياسة لا مصداقية لهم، يمكن للقول بوجود مؤامرة وجماعات سرية وشبكات أن يجد أصداء كبيرة لدى جمهور «الانترنيت».
ويشير المؤلف بهذا الصدد إلى الدراسة التي تحمل عنوان:
«الجماعات السرية وسلطتها في القرن العشرين» والتي ظهرت طبعتها الأولى باللغة الألمانية عام 1993 وتمّت ترجمتها بعد ذلك إلى عدة لغات، ليؤكد بأنها حظيت بانتشار واسع بفضل مواقع عديدة على الانترنت. وهذه الدراسة مستوحاة إلى درجة كبيرة من «بروتوكول حكماء صهيون».








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. #ترامب يهدي #بايدن أغنية مصورة و النتيجة صادمة! #سوشال_سكاي


.. التطورات بالسودان.. صعوبات تواجه منظمات دولية في إيصال المسا




.. بيني غانتس يهدد بالانسحاب من حكومة الحرب الإسرائيلية


.. صحفيون يوثقون استهداف طاي?رات الاحتلال لهم في رفح




.. مستوطنون ينهبون المساعدات المتجهة لغزة.. وتل أبيب تحقق