الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النظام السوري وطبعة جديدة من فيلم الحدود

بدرالدين حسن قربي

2007 / 3 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


في 18 شباط/ فبراير 2007 طلعت علينا وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل السورية السيدة/ ديالا الحاج عارف بنغمةٍ جديدة (فَنْـتَـكِـه)، ليست معهودة من قبل بمطالبتها بسحب الجنسية وإسقاطها عن مواطنها السيد/ أنور البني المعتقل في غياهب معتقلات النظام، لتؤسس بطلبها لقصة فيلمٍ جديدٍ من أفلام الوطن على شاكلة فيلم الحدود من بطولة السيد/ دريد لحام (عبدالودود) الذي عرفه الخلق كلهم من يوم عرضه على شاشات التلفزيون عام 1987 حيث أقام عبدالودود بيته بين نقطتي الحدود لبلدين عربيين لعدم وجود وثائق سفر لديه أو شيء من مثله، وليَعْرِض وضعاً مأساوياً ساخراً فيما حصل ويحصل في الشام. فهل جاءت مطالبة الوزيرة الكريمة هالأيام بسحب الجنسية وإسقاطها عن مواطنها المعارض السيد/أنور البني بهدف إخراج طبعة حقيقيةٍ مُعَاشة من الفيلم المذكور، ولكن من بطولة هذا المعارض..!!؟
والشئ بالشئ يُذكر، فإنه للإنصاف والتاريخ نقول: إنه قبل عرض الفيلم المشار إليه في السينما، كان قد حصل ماكان فيه حقيقةً على أرض الواقع من 1985 في سينما النظام السوري ولكن مع بعض الاختلافات.
فلقد حملت سلطات الأمن السورية مواطنها السبعيني الدكتور/ محمد فايز المط (أستاذٌ عَلَم في كلية الطب ومعروفٌ لكل من درس الطب في جامعة دمشق في نصف القرن الماضي) وهو في (بيجامة) النوم مخفوراً من العاصمة دمشق لترمي به خارج الحدود السورية مع الأردن، وليس معه شيء من وثائق أو مستنداتٍ شخصيةٍ فضلاً عن النقود. ولكن ماحدث مع الدكتور/المط لم يكن كما كان مع (عبدالودود)، حيث قدم نفسه لأمن الحدود بوثائق ومستنداتٍ شفهيةٍ بحتةٍ، يشهد على صحتها وسلامتها المئاتُ من الأطباء الأردنيين من طلابه وتاريخُه المعروف، ليواصل بعدها مشواره إلى عمّان التي أمضى فيها بقية عمره كريماً حراً شهماً عزيزاً أبيّاً، ولتكون وفاته فيها يوماً مشهوداً لجنازةٍ مشهودة من بعض أكبر الجنازات التي شهدتها العاصمة الأردنية رحمه الله.
الطبعة الجديدة من فيلم الحدود التي تريد الوزيرة استصدارها هذه الأيام مغطاة لاشك بطلب وطني سميك صادر عن وزيرة وطنية ثقيلة في حكومة وطنية غير شكل، ليست كحكومة لبنان الشقيق الغير وطنية كما يحلو للنظام السوري أن ينعتها.
تهمة السيد/ البني قوله مالايقال، وارتفاع صوته فوق صوت المعركة التي يخوضها النظام منذ يومه الأول للسيطرة على مقاليد الحكم بالقوة العسكرية الباطشة قبل 44 عاماً، مما يتسبب بتوهين نفسية الأمة وتفشيل عزمها في المقاومة والممانعة والصمود والتصدي، وهو ضرر مابعده ضرر للوطن والأمة فضلاً عن السلامة والأمن.
التهمة تعيد إلى الأذهان ماكان في ذروة الحرب الإسرائلية العدوانية الظالمة على لبنان الصيف الماضي، وصواريخ حزب الله مما قبل حيفا ويافا ومابعدهما تتدافع في الأجواء لأكثر من ثلاثين يوماً، كانت أصوات الناس في الداخل الإسرائيلي عاليةً عاليةً، تصرخ منتقدةً أداء قواتها وطبيعة حربها، وتتحرك المظاهرات بمن فيها زوجة أولمرت وابنته بل أكثر من هذا، قام من يقول ويكتب ويتهم رئيس الدولة بأفعال (بتوطّي) الراس وتنكس (العقال) لو كانوا يعقلون. ولكن ماسمعنا من أسكت هؤلاء الناس أو اتهمهم أو اعتقلهم أو طالب بإسقاط الجنسية عنهم. كما تستدعي التهمة أيضاً أمراً أكثر أهميةً من سابقه، ويصعب فهمه. كيف لأمتنا بتاريخها الحافل - من (أمجاد ياعرب أمجاد) إلى (سوريا ياحبيبتي) الحضارة الممتدة إلى آلاف السنين في عمق التاريخ إضافةً إلى ثورة البعث التي مضى عليها 44 عاماً - أن تكون ضعيفة وهشةً (واقفة على لقه أو لمسة) إلى الحد الذي يجعل فرداً فيها إذا ما تكلم منتقداً ومصوّباً ومسدّداً ضعُفتْ نفسها وتفشّلت عزيمتها ، ووهنت قوتها وذهب ريحها..!؟ كلام غير معقول ويجافي المنطق إلا إذا كان المراد تفهيم الناس أن أي كلام عن عتاولة القمع والاستبداد والفساد والنهب هو نيل من هيبة الوطن وكرامة الوطن فهذا أمر آخر، وهو ماعبر عنه السيد/ البني نفسه عندما قال: إن طلب الوزيرة سحب جنسيتي موجه لكل من تسول له نفسه من السوريين أن يكون حراً وصاحب قرار ورأي".
تصرفات بعض (الناسات) ولاسيما الوزيرة تبدو أحياناً غير مفهومة فضلاً عن أن تكون مُبَرَّرَة. فالسيد/ البني متهم من طرف النظام الذي يحاكمه في محكمة الجنايات، والمحكمة عندها من الأحكام والصلاحيات ماالله به عليم لتواجه فيها هذا المتهم. فلماذا لاتُتْرك القضية للنائب العام والمحكمة طالما أن القضية من الناحية الصورية على الأقل معروضة أمام القضاء، أم أن الكيد العظيم للسيدة الوزيرة لن يَكّنّ ولن يَهْمَد مهما كانت معاناة المتهم في المعتقلات وعائلته أيضاً، ومهما كان حكم المحكمة إلا بسحب الجنسية عن السيد/ البني، وتركه( بدون) ليكون عبرةً للمعتبرين وآية للمتوسمين كغيره من عشرات الآلاف من مواطنينا الأكراد الذين حُجبت جنسياتهم عمداً وعن سابق إصرار منذ أكثر من أربعين عاماً في فيلم آخر مختلف. مالكم كيف تحكمون وتُحَاكِمون، وتُحصون وتَعدّون، وتمنعون الجنسيات وتحجبون.!!

بهذه المناسبة نُذَكِّر أن الحكومة السورية نفَّذت حكم الإعدام بالجاسوس إيلي كوهين السوري الأصل عام 1965 وقصته التجسسية معروفة، ومع ذلك لم يتدخل حينها أحد من الوزراء في محاكمته، ولم يطالب أحد منهم بإسقاط الجنسية السورية عنه، ولكن يبدو أنه لم يكن لدينا في حينه وزيرة في سماكة وطنية السيدة/ الحاج عارف. ونستدعي أيضاً تصريحاً لمفتي الجمهورية الشيخ أحمد حسون بتاريخ 10 أيلول/ سبتمبر 2005 وهو رسالة فيها مافيها حيث قال:
"لا تزال بيوت اليهود في سورية تنتظر عودة اليهود السوريين إلى بلدهم في أي وقت من الأوقات ليكونوا بين أهلهم".

ولكن أن تأتينا وزيرة هالأيام – والعياذ بالله- مطالبةً بإسقاط الجنسية عن قامة نضالية من قامات الوطن معنيةٍ بالدفاع عن حقوق الإنسان في سورية، وكأن سورية ليست بلده ووطنه، وناسها ليسوا صحبه وربعه، وليس له بيتاً ولا أهلاً ينتظر عودته ورجعته، فهو سلوك غير سوي يعبر عن سياسةٍ استحمارية لم يجرؤ عليها أحد حتى الفرنسييون أيام احتلال سوريا.
طلب السيدة الوزيرة بهذه (الفنتكة الجديدة أو الفتوى بتاعها) يمسح - من دون مؤاخذة - كلام سماحة المفتي (بالأستيكه)، ويؤكد بوضوح أن ولاة الأمر في هالوطن من سماكة وطنيتهم عميت أبصارهم وبصائرهم عن وطنية الآخر، فتراهم يتصرفون في الوطن وكأنه ملكية خاصة لهم، أو بعقلية أصحاب المزرعة التي خلفها لهم المرحوم الوالد، فيعطون من يشاؤون، ويمنعون عمن يشاؤون، ويستبيحون وينهبون ويشبّحون كما يشاؤون، ويطالبون بإسقاط الجنسية وحجبها عمن يشاؤون.
أنور البني ..!! لأنك لستَ الفاسدَ ولاالمفسد، ولستَ اللصَ ولا النهّاب، تدافع عن حقك وحق بني وطنك في حياةٍ حرةٍ كريمةٍ بعيدةٍ عن القمع والاستبداد والتشبيح والقرصنة، فأنت مواطننا كابراً عن كابر، ومحبوك كثيرون كثيرون كثيرون. نعم..! هؤلاء هم مواطنونا أنور وأكرم وميشيل وعارف وفاتح والكرام كلهم.... فأين مواطنوهم..!!؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئيس حماس في الضفة الغربية يدعو الأردنيين لـ-مواجهة مشروع ضم


.. الموريتانيون يدلون بأصواتهم في الجولة الأولى من انتخابات الر




.. إيران.. جولة إعادة لانتخابات الرئاسة بين بزشكيان وجليلي


.. موفدنا يرصد الأوضاع في بلدة عيتا الشعب المحاذية للحدود مع إس




.. مراسل الجزيرة يرصد التطورات بعد عودة جيش الاحتلال لمنطقة الش