الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
مقدمات تاريخية في فهم النقابات العمالية والحرفية مع بدايات التاريخ العربى الاسلامى
محمد المرباطى
2002 / 2 / 7الحركة العمالية والنقابية
الحلقــة ( 1 )
ان الرسالة التاريخية التى تميزت بها الطبقة العاملة والقوى المنتجة عبر مراحل تطورها التاريخى , قد نشأت من طبيعتها كطبقة صانعة للحياة , ومنتجة للخيرات المادية كأحد اهم المقومات الاساسية لاستمرارية هذه الحياة , ومن هنا اصبحت هذه القوى المنتجة تنتج عقلا وفكرا الى جانب ابداعاتها المهنية والحرفية, حيث لا يمكن تصور قيام هذه المنجزات الحضارية دون عقل وفكر لانهــا الثمرة والتابعة له على حد قول ابن خلدون فى مقدمته , ولهذا كانت القوى المنتجة منجذبة لذاتهــا وليس فى ذاتها بمعنى انها لا تحيا لذاتها فقط , فهى قوة منتجة على الدوام بدليل انها تحملت اكثر من غيرها اعباء هذه الحيــاة ، وكانت وقود جميع الحضارات التاريخية.. ولذا اخذت بفكرة الحرية دون السيادة , فى محاولات لازالة معوقات تطورها التاريخى , لذا اصبح وجود القوى المنتجة ذو سمات عظيمة منشأها ان هذا الوجود قد احتوى بداخله طاقات الملايين من العبيد والاقنان والفلاحين والحرفيين والعمال عبر مختلف المراحل التاريخية ، وقد امتزجت احاسيسها فى تلك المعالم الحضارية الرائعة والآثار العظيمة التى تحاكى جميع الحضارات الانسانية لتجسد فى روعتها طاقات تلك الملايين من القوى المنتجة التى بلغت حد الخيال والاعجاز فى التاريخ العربى الاسلامى جعل بعض المؤرخين العرب يتخيلون ان الجان قد شيدوا تلك الاعمال الاسطورية او انها خلقت , وقد جاء فـى القرآن الكريم (( بسم الله الرحمن الرحيم - ألم تر كيف فعل ربك بعاد ارم ذات العماد التى لم يُخــلق مثلها فى البلاد .. )) وذكر السيوطي ان الجان قد بنوا للنبى سليمان ايوانا للاجتماع به ثلاثمائة عمودا علو كل منها ثلاثون ذراعا ، وكانت من المرمر المجزع بلغ من صقله ان صار كالمرآة يرى الانسان فيه من يسير خلفه ، وكان سقفه قطعة واحدة مربعة من المرمر الاخضر نحته الجن وكان هؤلاء الجان على صورة الانسان لهم رؤوس كالقباب وعيون تمزق الاسود , وتخيل البعض الآخر من المؤرخين ان الاحجار فى تلك الازمنة كانت لينة كالطين .. الخ ...
ان هذه الانجازات الحضارية العظيمة كانت سببا مباشرا لاهتمام العرب والمسلمين بهذه القوى الاجتماعية المنتجة ، ورؤا انه ينبغى احترامها وتقدير عملها وانتاجها كضرورة حضارية وعسكرية ويتجلى ذلك الاحترام والتقدير فى الوثبقة التاريخية الهامة كأول تصنيف طبقى للامام على بن ابى طالب الى الاشتر النخعى التى خطها عندما ولاه على مصر ، وقال فيها (( واعلم ان الرعية طبقات لايصلح بعضها الا ببعض ، ولا غنى ببعضها عن بعض ، فمنها جنود الله ، ومنها كتاب العامة والخاصة ، ومنها قضاة العدل ، ومنها عمال الانصاف والرفق ، ومنها الجزية والخراج من اهل الذمة ومسلمة الناس ومنها التجار واهل الصناعات ، ومنها الطبقة السفلى من ذوى الحاجة والمسكنة ، فالجنود حصون الرعية ، وسبل الامن ، ثم لاقوام للجنود الا بما يخرج الله لهم من الخراج ، ثم لاقوام لهذين الصنفين الا بالصنف الثالث من القضاة والعمال والكتاب , ولا قوام لهم جميعا الا بالتجار وذوى الصناعات )) ويلاحظ من هذا التصنيف الطبقى للمجتمع العلاقة الجدلية بين طبقات المجتمع من خلال تأكيد اهمية العمال والصناع لجميع الطبقات الاجتماعية الاخرى , وهذا دليل للانحياز الطبقى فى الاسلام الى جانب العمال والقوى المنتجـة و الضعفاء .. وجاء فى القرآن الكريم ((بسم الله الرحمن الرحيم - نريد ان نمن على الذين استضعفوا فى الارض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين )) , اذن لاقوام للحياة وبناء المجتمعات الا بالعمال والصناع والحرفيين وهذا يجسد قول الامام على (( ثم استوصى بذوى الصناعات واوصى بهم خيرا ، المقيم منهم والمضطرب بالمه - اى المتجول فى البلدان - والمترفق ببدئه - اى المكتسب بعمله اليدوى - فأنهم مواد المنافع واسباب المرافق )) .. ومن هذا السياق التاريخى قد نلامس اول تصنيف طبقى للعمال فى التاريخ العربى الاسلامى , ويتبين لنا بوضوح ان هؤلاء كانوا قوة اجتماعية منتجة هامة فى المعادلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية حينها ، وقد جاء هذا التقدير للعمال والصناع والمنتجين كأنعكاس لواقع الحياة المادية التى تنتجها هذه القوى الاجتماعية والتقديس والاحترام لعملها .. ويتبين ذلك بوضوح عندما رفع الدين الاسلامى شأن العمل الى مصاف العبادة وجعله من الواجبات المفروضة على كل مسلم واعتبارها من الحقوق الاساسية التى تؤديها الدولة لهؤلاء العمال والصناع , واعتبر العمل شرطا اساسيا من شروط الرزق ، وذلك ما اكدته الآيات القرآنية .. (( ولاتنسى نصيبك من الدنيــا )) .. (( وان ليس للانسان الا ماسعى - سورة النجم - )) .. (( هو الذى جعل لكم الارض ذلولا فامشوا فى مناكبها وكلوا من رزقه - سورة الملك - )) .. (( فاذا قضيت الصلاة فأنتشروا فى الارض وابتـغوا من فضــل الله - سورة الجمعة - )) , كما ابرزت العديد من الحركات الفكرية فى التاريخ العربى الاسلامى مثل الحركة الاسماعيلية والقرمطية وحركة اخوان الصفا الاجتهادات التى تؤكد تقدير العمل وضرورته فى الحياة وقد اخذوا بنظام الألفة بين اعضائها كشكل مــن المساواة .. وعملوا على المزج بين العمل والعقل .. فلقد جاء فى رسائل اخوان الصفا (( ان كل صناعة تحتاج الى الفكر والعقل )) .. وهذا تأكيد على وحدة العمل والفلسفة , ونادت بحرية الرأى والعقيدة ومن اقوالهم (( واعلم ايها الاخ انا لانعادى علما من العلوم ولا نتعصب على مذهب من المذاهب ولا نهجر كتابا من كتب الحكماء والفلاسفة مما وضعوه والقوه فى فنون العلم واستخرجوه بعقولهم وتفحصهم من لطيف المعانى )) وبهذه الكيفية العقلانية بدأت تأخذ بعض هذه الحركات بالدعوة للعدل الاجتماعى , ومنها الحركة القرمطية التى انطلقت من البحرين ووصلت الى مصر والشام والعراق وبلاد فارس , وانتشرت فى بلاد الاناضول وغيرها تحت شعار الدين لله والوطن للجميع ، آخذين بقول اخوان الصفا وخلان الوفـــا (( فمن رأى نفسه معادية لطائفة من الطوائف حنقا عليها , فهو لايزرع الحق فى قلبه ولم تخالط الهداية لبه . )) ومع تزايد انتشار الصناعات والحرف بدأت تتسع مجالات التجارة والتوزيع الاجتماعى للعمل والحرف ، واخذت بالمقابل تنشأ طوائف الحرف وجماعات المهن وتتوزع وسط المدن الاسلامية التى شيدت بطرق هندسية اعتمدت نظام توزيع الحرف والمهن حسب اسواقها التجارية وعلى سبيل المثال نلاحظ انتشار الاسواق التجارية فى قلب المدن العربية الاسلامية القديمة ، ثم تأتى من حولها القيصريات وهى عبارة عن مخازن كبيرة للبضائع , ومفردها القيصرية وفى البحرين تسمى بسوق القيصرية فى مدينة المحرق ، بعد ذلك تأتى اماكن السكن الخانات ( الفنادق ) والحمامات وحولها تتوزع مناطق المهن والحرف كالحدادين والنحاسين والزجاجين والنوالين والنساجين والصوافين والخبازين .. الخ واخيرا تأتى البيوت السكنية ، ومن حولها الاسوار ، وهو نظام انتشر فى جميع المدن الاسلامية والشرقية ، وقد بنى هذا التوزيع وفق نظام عسكرى محكم حيث الثروة فى القلب من المدينة وتحيطها كل هذه الحلقات من التوزيعات المهنية والحرفية والبيوت والاسوار ويلاحظ ذلك بوضوح فى المدن الشامية القديمة والمصرية والعراقية والتركية والفارسية وغيرهـا , وبالتأكيد ان هذه الحياة المهنية والحرفية قد انتجت اشكالا من العلاقات توزعت بين النقابات والروابط والطوائف المهنية والحرفية واخذت فى بداياتها الاولى تتشابه بالتنظيمات الصوفية لاعتمادها المراتب فى التوزيعات الاجتماعية ومنها النقيب والشيخ والاخ ( الاخية - ومثل حركات الاخية ) وفى مراحلها المتقدمة زادت فى مراتبها الاستاذ والصانع والصبى والولد .. الخ , وتأسيسيا على ذلك فقد اختارت هذه النقابات و الروابط شخصيات التصوف الاسلامى ، ليكونوا دائما وابدا شيوخ مشايخهم ونقبائهم مثل (( الصحابى ابوذر الغفارى , وسلمان الفارسى , وبلال الحبشى , وعبدالله بن العباس, وعمر بن امية , وبريقة الاسلمى وابو الدرداء العامرى وغيرهم .. )) , وكانت هذه النقابات عبارة عن تجمعات حرفية ومهنية وصناعية ينتسب اليها الصناع ومن يعمل فى الحرفة الواحدة او عدد من الحرف القريبة من بعضها وكان لكل نقابة ادارتها وشيوخها المنتخبين ودساتيرها , ومن وظيفتها مساعدة اعضائها والحفاظ على المهنة واسرارها وتطويرها وتنظيم انتاجها ودقة صناعتها وتقدير اسعارها والاجور وايام العمل واوقاته وقد تأثرت هذه النقابات فى الدولة الاسلامية بالنقابات البيزنطية من حيث سعة تنظيماتها وكثرة عددها وفعالياتها وسن القوانين التى اعترفت بنقابات الحرفيين والصناع وعرف منها نقابات الخبازين وصناع النسيج والسباكين وصناع الجلود وغيرهم ..الخ , وكان للنقابات البيزنطية احياء خاصة بها ولكل حرفة كان لها اسواق خاصة لبيع منتجاتها , وعرف ان لتلك النقابات تنظيم متدرج حيث كان رئيس النقابة ومعاونيه وكان من مهامها رعاية المصالح الاقتصادية لاعضائها واحترام التخصص فى الحرفة واحتكار الاسواق حسب تصنيفاتها المهنية او الحرفية وضبط الاجور ومكافحة الغش والعناية بالموازين والمكاييل , وعملت على احياء المناسبات والاعياد وتقديم المساعدة لاعضائها ورعاية المرضى والمصابين والايتام والارامل , وتميز بعضها بأمتلاك دور تبنى الايتام وتعليمهم وتزويجهم , وكانت حاضرة فى حالات الوفاة والتشييع والاهتمام بأسر المتوفى من الاعضاء وغيرهم , اما النقابات التى اعتنقت فلسفة وافكار اخوان الصفا والحركة الاسماعيلية والقرامطة فقد ذهبت فى تنظيماتها الى ابعد من ذلك بأعتبار هذه الحركات قد نشأت اساسا بفعل التأثيرات السياسية القوية لجمعيات الحرف ونقاباتها , وعلى سبيل المثال احمد بن قرمط الذى تسمت حركة القرامطة بأسمه كان صانعا , كذلك ابوسعيد الجنابى مؤسس الحركة فى البحرين كان حرفيا , وتشير بعض المصادر التاريخية الى ان بعض قادة هذه الحركة تدل القابهم على انتسابهم الطبقى للحرف والحرفيين كالحمال والصائغ والكيال والحداد , وقد ذهبت حركة اخوان الصفا والاسماعيلية الى اشاعة نظام الالفة بين اعضائهــــا وذلك تحقيقا للعــدل الاجتماعى لتوزيــع الثـروة , وتطبيقا لماجاء فى الآيـــة الكريمــــة (( واذكروا نعمة الله
عليكم اذ كنتم اعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته اخوانا .. - سورة آل عمران - )) .
الحلقــة ( 2 )
لقد تحدثنا فى الحلقة الماضية عن اهمية القوى المنتجة وعملها المنتج فى التراث العربى الاسلامى ، والمكانة المتميزة للعمال وعامة القوى المنتجة فى الدين الاسلامى الذى رفع شأن هذه القوى واعتبر العمل بمثابة العبادة , مما اعطى لهذه القوى المنتجة ادوارا هاما من خلال تنظماتها النقابية والحرفية والتى اخذت اشكالا مختلفة , حيث يشير عدد من المؤرخين الغربيين , ان هذه النقابات ازدهرت واخذت طابعا آخرا من النشاط مع قيام الدولة العباسية وانتشار الافكار والفلسفات والمدارس المذهبية , حيث ضمت جميع الصناع والحرفيين بغض النظر عن الانتماءات العرقية او الدينية او الطائفية , وبهذا الصدد يقول الجاحظ .. (( لقد تأملت اسواق العراق فلم اجد دكاكينها الا عليها المواليا )) , وعلى هذا فان الطبيعة الطبقية لهذه القوى تؤكد انها النتيجة الطبيعية لافرازات المجتمعات الاسلامية حينذاك بسب التطور الاقتصادى والتراكمات المالية كذلك اتساع الاراضى الزاعية فى معظم البلاد الاسلامية خاصة مصر وبلاد الشام والمناطق الساحلية لشبه الجزيرة العربية وبلاد البحرين والعراق , حيث كان يعمل الآلاف من النبط والزط والزنج الذين قادوا اول اهم الثورات الفلاحية فى تاريخ البشرية ( ثورة الزنج ) , وتشير بعض المصادر التاريخية انها ضمت قرابة الثلاثة ملايين انسان , وبجانب الزراعة نشطت التجارة والصناعة والحرف ونهضت حركة نشوء المدن الاسلامية , وانتعشت الاسواق وظهرت القوانين والدوائر ومنها عمل المحتسب لمراقبة الاسواق والمنتجات , وتشير بعض المصادر التاريخية ان فى البحرين جرى انشاء مصرف زراعى لتسليف الزراع والصناع ، وتم منع الربا وعملت الدولة القرمطية على احتكار التجارة الخارجية ونضمت سبل الاستيراد والتصدير - لاحظ كتاب القرامطة , اصلهم ، نشأتهم , تاريخهم ، حروبهم ، وتؤكد تلك المصادر ان الحسن بن بهرام الجنابى والى البحرين ايام الدولة القرمطية عمل على ترسيخ مبادئ العدل الاجتماعى من خلال توزيع الاراضى على الفلاحين والغاء العبودية وبناء المدارس لتعليم الاطفال المعرفة وفنون الحرب والقتال ، كذلك عمل على مصادرة جميع مداخيل وموارد البلاد خاصة الحنطة والشعير وتوزيعها بالتساوى , وانشاء مزارع ضخمة على نفقة الدولة لتربية الابل والغنم والبقر وتوزيع منتوجاتها بالتساوى ، ولذلك اجمع المؤرخون انه لم يبقى فى البحرين اى فقير او محتاج او عاطل عن العمل ونشطت خلالها نوعين من النقابات ، اولا النقابات الحرفية واخرى جمعيات الاخوة وكانت هذه التنظيمات النقابية هى السائدة فى جميع البلدان الاسلامية , وكان لكل نقابة قوانينها وتعرف بالدستور وبعض هذه الدساتير احتوت فى مقدماتها على بعض الاساطير والخرافات حول اصل المهنة ومصدرها واصحابها .. وبعضها قد نسب مهنته الى الانبياء ومثالا على ذلك ..فقد نسب النجارين مهنتهم ال النبى نوح والحدادين الى النبى داوود .. الخ , ويشاع ان الحدادين فى البحرين كانوا يعطلون اعمالهم فى يوم وفاة النبى داوود ، ويتحدث ابن بطوطة عن هذه التنظيمات خلال رحلته الى الاناضول وبلاد التركمان ان نقابات الاخية (( هم اهل نبل ونجدة وسخاء وان واحدهم يسمى بالاخية اى اخى وهم منتشرون فى جميع البلاد ولا يوجد فى الدنيا مثلهم اشد احتفالا بالغرباء من الناس واسرع الى اطعام الطعام وقضاء الحوائج والاخذ على ايدى الظلمة , ويضيف ابن بطوطة ان ( الاخى ) عندهم هو نقيب الحرفة .. الخ )) ثـم يقول (( لكل نقيب او اخى زاوية مفروشة ويقوم اتباع النقيب من الصناع والحرفيين بالبحث عن معيشتهم فى النهار ويأتون الى مجلسه فى العصر ويحملون بعضا من هداياهم مثل الفواكه والطعام فاذا جاء مسافر عابر على ديارهم انزلوه فى ضيافتهم , ويبقى عندهم حتى ينصرف وان لم ينزل عندهم مسافر او عابر سبيل اكلوا ما جاؤا به وغنوا ورقصوا وانصرفوا الى يوم غد واتوا بعد العصر الى نقيبهم بما اجتمع لهم ... الخ )) , لقد تكررت هذه الضيافات لابن بطوطة من قبل هذه التنظيمات النقابية الحرفية فى تلك البلاد التى زارها , وكان له وصفا دقيقا عن تنظيماتها وحياتها الداخلية ، كذلك جاء مايؤكد طبيعة تلك النقابات الحرفية من حيث اساليب عملها ومجالات نشاطها فى تلك الحقب التاريخية ومنها ما جاء فى كتاب (( الذخائر والتحف فى بير الصنائع والحرف )) , ويذكر ان لتلك النقابات تقاليد عرفتها واعتمدتها كأعراف فى حياتها الداخلية ومنها عملية الشد والربط , وهو تقليد كان متبعا فى شد او ربط الابهام بالابهام بين النقابى المبتدئ والزعيم اى شيخ النقابيين , خلالها تتلى بعض الادعية ، كذلك اتبع البعض عملية الربط او الشد من خلال وضع السرة على السرة للتعبير عن الترابط الاخوى بين حبل السرة وكأنهم توأمان فى بطن ام واحدة هذا التعبير عن المستوى العالى من العلاقة قد تجاوزت حدود الاخوة , ومن هنا جاءت كلمة الرابطة ( من الربط والشد ).. ومما يدل على حجم القوى الاجتماعية المنتجة ما كانت تخلفه من فوائض لقيمة عملها حيث بلغت حجم الجباية التى وصلت الى 12 مليون دينار جباها عمر بن العاص ثم وصلت الى 14 مليون دينار جباها خلفه عبدالله بن ابى سرح ، مما دعى الخليفة عثمان بن عفان الى تأنيب عمرو بن العاص بقوله (( ان اللقاح بعدك قد درت البانها - ورد عليه عمرو بن العاص .. ولكنها اعجفت فصيلها )) وقد امر معاوية الى زيادتها ولهذا ندد عروة بن الزبير بهذا الاجراء قائلا (( ان الناس كان يفرض عليهم مالا طاقة لهم به )) وحاول عمر بن عبدالعزيز الخليفة الاموى تخفيف هذه الضرائب على المصريين عندما كتب الى عامله على مصر حيان بن شريح قائلا (( فضع الجزية عمن اسلم قبح الله رأيك , فان الله بعث محمدا هاديا ولم يبعثه جابيا )) .
ان هذه الاعباء المالية والضرائب الباهضة قد تكون احدى الاسباب الهامة لسقوط الدولة الامويه خاصة عندما تضائل الرضى الاجتماعى وتزايد السخط بين عامة الناس ونشوء حالة تغيير على مزاج القوى المنتجة من الفلاحين والعمال والحرفيين والصناع ويعنى ذلك ان تلك الازمات المالية والاقتصادية ولدت الحالة الجديدة نحو القوى والحركات الاكثر عدلا , ويمكننا ابراز حيوية هذه القوى الاجتماعية المنتجة ونشاطاتها من خلال العديد من المعالم الاثرية ومنها اقنية المياه وبقايا الجسور والعمارات والمعابد والتماثيل وغيرها التى تجسد بدواخلها لمسات واحاسيس وجهد وعمل اؤلئك العمال والمنتجين , كذلك يمكننا العودة لثراث المناسبات الدينية حيث كانت الاسواق تمتلئ بمختلف المنتوجات والبضائع الصناعية , وتتحول الى مناسبات تنشط فيها الاسواق التجارية , ويعنى ذلك حركة غير عادية لزايدة كميات وحركة العمل والانتاج ولاتزال العديد من الدول الاسلامية والشرقية ومنها العربية تتحول فيها تلك المناسبات الى ايام تجارية تنتعش فيها الاسواق بغير عادتها , ومما يدل على رقى الحرف نأخذ على سبيل المثال الحرف النسيجية ويمكننا ملاحظة ذلك فى تقنية صناعة كسوة الكعبة المنقوشة على حوافها الآيات القرآنية , ولكى نتلمس ونرى الوجود العمالى علينا تجاوز ظاهرة المعالم الاثرية بمجرد اشكالها الهندسية والمعمارية والتقنية الخارجية والدخول الى اعماقها لنرى كيف تجسد فيها العمل الانسانى الاجتماعى لنجد من خلالها علاقات العمل الكامنة بطبيعتها داخل تلك القصور والابنية والمعابد وغيرها من المعالم التاريخية لنشهد التواجد العمالى ومايتضمنه من صراع وتعاون وتنظيمات ونقابات وحرف وتناقضات غيرت معالم الخريطة السياسية والاجتماعية من حال الى حال .
ان النقابات وصلت الى حالة من الانتشار والقوة مكنتها من مراقبة الاسواق والمعامل والورش والاشراف على الصناعات وجودة المنتوجات ، ومحاسبت كل غشاش او متلاعب بالاسعار او المواد , ويذكر ناصر خسرو بانه راى (( التجار اثناء زيارته لبعض البلاد الاسلامية كانوا يبيعون المواد بأسعار معروفة ومحددة وكانت جميع البضائع تحت مراقبة المحتسب وهو الذى ينفذ الاحكام على المخالفين ومن تلك الاحكام عقوبة التجريس والتشهير فمن يغش الناس فى المآكل والمشارب وغيرها يركب جملا وفى يده جرسا يدقه ويطوف الاحياء مناديا بأعلى صوته انا غشاش وكذاب وانا القى جزائى )) .
يتضح مماسبق ان هؤلاء الحرفيين والصناع وغيرهم كانوا اشبه بالطبقة العاملة فى بعض ملامحها وصفاتهم من خلال عملهم فى المعامل والورش وغيرها كتجمعات حرفية او عمالية تجمعهم ظروف عمل متشابه من حيث الاستغلال وطبيعة العمل وظروفها , اضافة الى اشكال من تنظيماتهم النقابية والروابط الحرفية وغيرها ، والى جانب السخرة كان هناك العمل المأجور , ومما يذكر ان تلك النقابات كانت تتمتع ازاء اعضائها بسلطات ادارية وقضائية ومالية واسعة اعترفت بها الدولة الاسلامية الفاطمية والمملوكية , ولكن بعض المصادر تذكر ان السلطة المملوكية لم تعــــــــترف الا بخمــــس نقــــابــــــــــــات .
الحلقــة ( 3 )
فى الحلقة لماضية تطرقنا الى بعض الجوانب التاريخية لأهمية العمل والمكانة المتميزة التى اخذتها القوى المنتجة فى التاريخ العربى الاسلامى , ودرها الفاعل فى الحياة الاجتماعية والاقتصادية من خلال تنظيماتها النقابية والحرفية التى انتشترت فى العالم الاسلامى , والتى اعطت بدورها المكانة الرفيعة للحرفة والحرفيين جعل الناس يأخذون المهنة فى انسابهم والقابهم , مما يؤكد ان تلك التنظيمات النقابية التى ارتقت الى تلك الاوضاع لم تأخذ العمل او الحرفة والمهنة بشكلها المجرد فقط , وانما بأبعادها الاجتماعية والاقتصادية وتأثيراتها الايجابية على المجتمع من خلال تأسيس القيم والمبادئ التى اعطت العمل والعمال مكانتهم اللائقة فى المجتمعات الاسلامية القديمة وللدلالة على شكل تلك التنظيمات النقابية والحرفية لابد من العودة لطبيعة هذه المهن والحرف التى انتشرت خلال تلك الازمنة ويمكننا حصر بعضها , وسنأخذ على سبيل المثال بعض تلك المهن والحرف التى سادت فى بلادنا البحرين وانتسب اليها اصحابها واخذت كألقاب للعديد من العوائل والاسر , وتوزعت على العديد من مناطق البحرين ، التى اخذت كذلك اسمائها من اسماء المهن والحرف ومنها :
البناى - السقاى - الخضار - الطحان - المحسن - الخياط -النجار - القلاف - الحداد - التناك - النحاس - الخراف - القصاب - الخراز - العكار - الزراع - البقال - الصباغ - الصايغ - نحات - الزرى - الحمار - السماك - الحلواجى - القطان - الدباغ - المأذن - الحمالى - الساعاتى - اسكافى - الوزان - القاضى - الطبال - الطباخ - الغواص - الطواش - المقهوى - المطوع - ناطور - الشربتى - التنباكى - الجزاف - الخمام - الحبال - البزاز - العبار - الكاتب - سماسرة - الصراف - الدلال - الصياد - الحواج - التتان - هذه بعض الحرف والمهن التى سادة فى تلك الازمنة , واخذت طابع التنظيمات الحرفية او النقابية وقد سادت جميع البلدان العربية والاسلامية ورغم علاقاتها المتميزة كجماعات حرفية تحكمها روابط العمل والمهنة او الحرفة لكنها لم ترقى الى الشكل او الاسلوب النقابى المتعارف عليه ,ذلك ان تلك النقابات الحرفية هى فى الواقع روابط مهنية او حرفية نشأت فى الاساس كتنظيمات طبقية تحمى مصالح اصحابها وتقود شؤونهم وانشطتهم اليومية , وكان النقيب يعمل على اشاعة الروح الابوية بين اعضائه ويحثهم على اتقان الحرفة والجودة فى الصنعة ويساهم فى حل خلافاتهم ومشاكلهم وكانت النقابة تأخذ على عاتقها مساعد المرضى والعجزة من اعضائها الحرفيين وتقديم العون لابناء وزوجات المتوفين , وكانوا يحكمون فى المنازعات , ويأخذون فى احكامهم واعرافهم بما جاء فى كتاب انتشر بين اصحاب الصنايع والمهن والحرف وكان مرشدا لتلك النقابات وهو بمثابة المرجع لجميع امور المهنة والحرف وشؤون العمل واصحاب الحرف ونظام النقابات ولم يعرف صاحب او كاتب هذا المؤلف التاريخى الضخم , وهو كتاب (( الذخائر والتحف فى بير الصنائع والحرف )) وتضمن الافكار الرئيسية لاصحاب المهن والحرف وقد وردت بعض الاشارات لماقاله الرضى عن الحسن البصرى ردا على سؤال لبعض النقباء الحرفيين بشأن معرفة هؤلاء المشايخ الذين لاكملون الشد او الربط بحضرتهم حتى يحترن منهم ويخير الناس عنهم , وبذلك لا يحصل الخلل ولا تظهر العلل , فقال الشيخ هكذا نكتبه مستورا ونعطيه لعلماء الطريق ولنقبائهم , وقال الشيخ الحسن البصرى من اخل بالطريق عمدا .. ويعنى طرق الدعوة النقابية لغرض ولشئ من حطام الدنيا مقت وظهر مقته وتعسر وقته واختل فى ايمانه فى عاقبة الزمان .
ان هذه الافكار وماتحمله من تأويلات هى خليط من افكار القرامطة واخوان الصفا وخليط من المدارس الفهية التى ظهرت فى تلك الازمنة , وكان الانحياز الى جانب الفقراء والعمال والكادحين امرا طبيعيا فى التاريخ الاسلامى لاعتبارات ان عددا من اصحاب الرسول كانوا من العبيد مثل سلمان الفارسى وبلال ابن رباح وصهيب الرومى وزيد ابن ثابت , وكانوا من خيرة اصحاب الرسول , وتعنى هذه الحالة ان هؤلاء الحرفيين والعمال قد انتقلوا من مرحلة المعرفة الحسية الى مرحلة المعرفة العقلية وكان ذلك بفعل نشوء مظهرين متناقضين من العلاقات الاجتماعية داخل الانظمة الاقتصادية فىتلك الحقب التاريخية ,كان المظهر الاول يتمثل فى علاقات الانتاج العبودية والتى انتجت ثورة الزنج ( العبيد ) والمظهر الآخر تمثل فى العلاقات شبه الاقطاعية , وبين هذا وذاك كان هناك نمط آخر من العلاقات المشاعية او الجماعية التىسادة فى بعض مناطق الجزيرة العربية وبلاد الشام والعراق وفارس وكانت تقترب للعلاقات الرعوية او البدوية ويمكننا القول ان هذه الانماط من العلاقات كانت متناقضة وكانت سببا فى اعاقة تطور تلك المجتماعات وعلاقاتها وانماطها الاقتصادية .
مما سبق يتبين لنا ان النقابة هي الإطار المهني العام لتجمع عمالي غايته الدفاع عن مصالح أعضائها والعمل على تحسين شروط العمل والمحافظة على حقوقهم الاقتصادية من حيث مستوى الأجور والتعويض والتقاعد والعلاقات ومع اتساع الصناعات وتطور الحياة ومستلزماتها اتسع معها تعريف مفهوم النقابة ليشمل مجالات أنشطتها جميع النواحي الاجتماعية
والإنسانية والترويحية والاستهلاكية والصحية والرياضية والثقافية الى جانب نشاطها الاقتصادي وبذلك يمكننا القول ان النقابة هي تنظيم مهني اختياري للعمال تجمعهم مصالح اقتصادية واجتماعية وقانونية وطبيعة مهنية وحرفية او صناعية محددة غايتها الاساسية تحسين الظروف المعيشية لاعضائها والدفاع عن حقوقهم ومصالحهم وفق البرامج والاهداف المرسوم لها , وهناك من يعرفها بأنها جمعية او هيئة او اتحاد حسب المفهوم الغربي تمثل عمال المؤسسة الصناعية او الشركات او عمال المهنة ولها الحق في التعبير عن طموحاتهم وتحقيق اهدافهم الاقتصادية , وبعبارة اخرى هناك من يقول ان النقابة هي تجمع عمالي لطبيعة مهنية واحدة ومكان عمل واحد , وتعمل بصورة جماعية لصالح اعضائها خاصة فى المسائل والامور التي لا يمكن القيام بها بطريقة انفرادية ومع ضخامة وتطور الصناعات كانت تزداد الامور تعقيدا بالنسبة لمجالات عمل ومهام النقابة وتتسع دائرة نشاطاتها لتشمل بالاضافة لمواضيع الاجور وتحسين ظروف العمل قضايا اخرى مثل المساومة الجماعية وامتلاك المشاريع الاقتصادية الضخمة مثل الفنادق واماكن الترويج السياحي لاعضائها ومعاهد دراسية وجامعات عمالية ومشافى وعيادات طبية واماكن علاجية مختلفة وصناديق ادخار ومساعدات ودور حضانة وروضات الطفال والاندية العمالية الثقافية والرياضية والاجتماعية والتعاونيات والمطاعم وغيرها من الانشطة ذات النفع العام , ومع هذا التطور اخذ النشاط النقابي اشكال وصيغ مختلفة في النية التنظيمة الداخلية للنقابة وبرزت انواع متعددة الاشكال للنقابة وذلك بفعل اختلاف الانشطة الاقتصادية والمؤثرات المهنية والسياسية التي تفرضها احيانا طبيعة المرحلة التي تمر بها الحركة العمالية وافرازاتها النقابية اضافة للانعكاسات القوية للتطور الاقتصادي والاجتماعي بالاضافة لطبيعة النظام السياسي وما يفرزه من قوانين ذات علاقة بطبيعة التنظيم النقابي وعلاقات العمل والانتاج , وهي مؤثرات اخرى قد تحدد طبيعة العمل النقابي حيث ان التنظيم النقابي يستند في الغالب على اسس مختلفة ومنها ...النقابات المهنية او الحرفية التي تقوم فى الاساس على طبيعة ونوع الانتاج او على وحدة الانتاج او تكامل الانتاج , وللدخول في التعريفات علينا البحث في اعماق التاريخ لمعرفة مشتقات ومرادفات كلمة النقابة التي يعرفها ابن منظور بأن (( كلمة النقابة قد اشتقت من النقيب ويعرف النقيب انه سيد وعريف القوم وجمعها نقباء ويقول ان النقيب هو شاهد القوم وضمينهم )) , وعندما نعود بها للأوزان والصرف نقف عند الافعال التالية نقب ينقبنقابة كما انزل الله في سورة المائدة الآية 12 (( بسم الله الرحمن الرحيم - وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا ... )) كما يعرفها عبادة بن الصامت ان (( النقابة اشتقت من النقيب وجمعها نقباء والنقيب هو من ينقب عن احوال قومه بمعنى يفتش في شؤونهم ويستدل اخبارهم )) ويقول آخرون ان النقابة اشتقت في اللغة من النقيب وهي مرادفه لكلمة الامين او الكفيل ومنهم ابو اسحاق كذلك , يقول ابن منظور في لسان العرب الجزء الاول (( قيل للنقيب نقيبا لانه يعرف دخيلة قومه ويستدل على مناقبهم )) ومع تطور الدولة الاسلامية اخذت النقابة ابعاد اخرى ودخلت ضمن التصنيف الحرفي وجرى تعريفها من قبل عدد من الباحثين انها تنظيمات حرفية تقوم بتعليم وحفظ اسرار المهنة , وتجمع بين العلاقات المهنية مع الحفاظ على مستويات عادلة لاسعار المنتوجات الحرفية , وتنظيم الجوانب الاجتماعية لاصحاب الحرفة والمهنة من خلال عقد تأسيسي يحدده العرف ويؤدون القسم على حمله واحترام هذا الدستور وتقاليد وقيم والمهنة , ويقول البعض الآخر ان النقابات الحرفية هي عبارة عن مجموعة من الناس الذين يعملون في حرفة معنية مثل نقابة البنائيين ونقابة الحداديين والسباكين والسقائين وغيرها ، وعادة ما تكون شبيهة بجمعيات اصحاب المهن , وهي عبارة عن فئة من الصناع اتحدوا في نقابة من اجل حماية مصالحهم وفي العادة يقوم عليهم رئيس , وينتمون الى صنعة او مهنة او حرفة واحدة , وتربطهم عقود تقوم على الاعراف والتقاليد .
الحلقــة ( 4 )
مما سبق اوضحنا فى الحلقة الماضية المعنى الحقيقى لكلمة النقابة ، ودخلنا فى الاوزان والافعال والصرف لنقف عند الافعال التالية : ( نقب .. ينقب .. نقابة .. ) وتحدثنا ان البعض قد عَرف كلمة النقابة أنها اشتقت من كلمة النقيب وجمعها نقباء ، وتعريف النقيب فى اللغة العربية من ينقب عن احوال قومه بمعنى يفتش فى شؤونهم ويستدل اخبارهم , ثم اخذت هذه التعريفات ابعادا اخرى اكثر شمولية فى صفتها للنقابيين من اصحاب الحرف والمهن والصناعات .. الخ , وتحولت من حالة اجتماعية الى وضع مهنى ذو ابعاد اجتماعية واقتصادية وثقافية وسياسية , وتنوعت فى اشكالها وعلاقاتها , وشملت الابعاد المختلفة للعمل وعلاقاته الانتاجية ،وقد سبق ان تحدثنا فى الحلقات الماضية عن بعض الاشكال من التنظيمات النقابية والحرفية ، ولكن اضافة لتلك الاشكال هناك النقابات التي قامت على الاعراف مثل النقابات الرسمية التى ترعاها الدولة , ويعرفها صاحب كتاب الاحكام السلطانية ..(( بانها نقابات تقوم على ثلاث قواعد صحيحة ، اما بأذن الخليفة المستولي على كل الامور ، واما من امير الولاية او الاقليم اومن نقيب عام للولاية استخلف عنه نقيبا خاصا اكثرهم فضلا واجزلهم رأيا ، وهي من شروط الرئاسة وعليهم طاعته والقبول بسياسته, وقد سميت بنقابة ذوي الانساب )) .. كذلك جرى تعريف هذه النقابات على وجهين الخاصة والعامة فتعريف النقابة العامة يرجع الى ان عمومها تشمل خمسة مهام وهي : (( الحكم بين اعضائها فيما تنازعوا , والولاية على ايتامهم واملاكهم , واقامة الحدود فيما ارتكبوه , وتزويج البنات اليتامى او الذين فقدوا رعاية الوالدين , وايقاع الحجر على المجنون او السفيه وفكه عند عودته الى رشده )) .. واذا توفرت هذه الشروط الخمسة صحة ولاية النقابة العامة واعتبر رئيسها عالما من اهل الاجتهاد ويصح حكمه وينفذ قضاؤه , اما النقابة الخاصة فقد اقتصر عملها على .. (( حفظ حقوق اعضائها ، والنيابة عنهم في الدفاع والمطالبة بحقوقهم دون الاحكام السابقة التي شملت النقابة العامة )) .
النقابات في العصر العباسي :
لقد بدأت تتكون نقابات اخرى فى العصر العباسى اكثر شمولا واتساعا للقوى المنتجة حيث اخذت شكلا آخرا من التنظيم النقابى والحرفى من خلال التجمعات المهنية والحرفية الاختيارية وقد جاء وصفها في كتاب الاسلام والحركة النقابية بأن (( هذه النقابات كان اعضائها ينتخبون رئيسا او نقيبا لهم , وكانت تقوم بمهام عديدة منها الدفاع عن اعضائها والفصل في المنازعـات وتقوم ايضا بولاية قضائية واسعة السلطات , وكان لها شأنها ومكانتها لدرجة ان حكام الاقاليم والخلفاء يكتبون عهودا تدل على مكانتهم ورفعة شأنهم ، حتى انه كثيرا ماكان يعهد اليهم سقاية الحج ، وديوان المظالم ,كذلك ظهرت تجمعات حرفية حملت اسماء مختلفة غير النقابة مثل اصحاب المهن والحرف وجماعة الاصناف وغيرها وقد استعملت كلمة الصنف للدلالة على الجماعة الحرفية او ارباب المهن والحرف , ويلاحظ ان هذه النقابات تركز انتشارها في محيط الاسواق التجارية الضخمة , وكانت هذه الاسواق تقرر حسب حاجات اصحاب الحرف والمهن فنرى الاسواق الاسلامية تتماثل في طبيعتها وتراثها وطرازها العمراني , ويلاحظ انها تتوزع حسب تصنيفات المهن فهناك سوق النحاسين والحدادين والدباغين وسوق النسيج وسوق الحرير ، اضافة الى مراكز تجارية اخرى سمية بالقيصرية شيدت بطريقة محكمة لخزن البضائع النفيسة ونلاحظ سباكي وصانعي الذهب والفضة وبائعي العطور والاقمشة النفيسة والمجوهرات والحلي وغيرها كانوا يتمركزون في اسواق القيصرية ويشير البعض ان القيصرية جاءت من القيصر وهو اسم بيزنطي ويقول الجاحظ ان .. (( هذه النقابات تتمركز في هذه الاسواق , وكانت تقوم بادوار كبيرة وقد اوجد بعضها نوع من الضمان او التأمين ضد النكبات , فاذا تعرض احد اعضائها لحـادث او لضيق اومرض او اراد الزواج لجأت النقابة الى مساعدته بطريقة تحفظ له كرامته وتعينه على قضاء حاجته ويضبف الجاحظ فى وصفه لهذه الحالة (( ان رجلا من القصابين تلف مالديه, فينجلي له القصابون سوقهم يوما , ويجعلون له ارباحهم ليربحها منفردا , ويبيع منفردا , وبذلك يقومون على مساعدته وعونه وحفظ كرامته )) , كذلك ظهرت في العصر العباسي مرتبة النقيب في جميع المهن والاصناف والحرف , اضافة الى المراتب المهنية والحرفية الاخرى مثل شيخ الحرفة والاستاذ والصانع , والصبي .
لقد افرزت هذه النقابات وبفعل تطور الحرف عاداتها وتقاليدها وتعدت مرحلة الاعراف والعادة بحيث اصبحت تمتلك دساتير لتنظيم عملها ونشاطها , وقد بلغت ذروتها في العصر الفاطمي , عندما لعبت دورا هاما في النشاط التجاري , وجرى الاعتراف بها من قبل الدولة , وتفرعت الى مجالات اخرى غير المهنية عندما انشأت نقابة طلاب واساتذة جامعة الازهر وقد اشار بعض المؤرخين مثل (المقريزي ) الى نقابة المعلمين ايام الدولة الفاطمية , ويصنف احدهم المراتب التنظيمية بدقة متناهية عندما اتخذوا من التربية الاخلاقية اساسا لرفع مكانتهم كصفوة تؤهلهم لمراكز القيادة وتسهل طريق النجاح امامهم , وكان للمهنة والمهنى او الحرفى تقديرا اجتماعيا عاليا , وهي من المبادئ الشديدة الاهمية في تاريخ المجتمع البحريني الذي اعطى للمهنة ابعادها الادبية ومكانتها الرفيعة في الانتساب اليها كألقاب للعديد من العوائل البحــرينــية
مثل عائلة الحداد والنجار والصباغ والجزاف والبحار والسماك والبناء والمطوع والعلاف, ويمكننا حصر مئات العوائل التي اتخذت لانسابها والقابها الصفات المهنية , مما يؤكد وبدلالات قاطعة المكانة الرفيعة للعمل والمهنة , وهي ظاهرة تميزت بها العديد من المجتمعات العربية والاسلامية .
يتضح من خلال البحث ان تلك النقابات كانت تنظيمات حرفية ذات ابعاد اجتماعية تجمع مصالح مشتركة لاصحاب الحرف في اطار المهنة , وقد تجلى طابعها الاجتماعي لاعتبارات تسمية النقيب لرئيس النقابة او الشيخ وهي مرادفة للوجيه او السيد مثل شيخ الحرفة او شيخ الكار في مصر وبلاد الشام اضافة لدورها الاجتماعي , وكانت تشكل الرابطة الاجتماعية بين افرادها , وتحكمها تقاليد واعراف وقواعد وسلوك يلتزمون بها , فلرئيس النقابة حقوق لايمكن تجاهلها وكانت موضع احترام للجميع , واهمها الامانة والاخلاق , ويلاحظ من خلال هذا العرض تقبل المجتمع الاسلامي لوجود هذه النقابات ، ولا يوجد في اصول الدين الاسلامي مايدعو لمنعها ,وانما جرى تشجيعها واصبحت جزء من ازدهار التراث الاسلامي , ومن الجازم ان الدولة الاسلامية قد اعترفت بها , واوجدت الروابط بينها وبين المحتسب الذي كان بمثابة الرقيب على حركة البيع والشراء والغش والجودة وغيرها , وقد ازدهرت هذه النقابات بشكل ملحوظ في الدولة الفاطمية .
مع انهيار الدولة الاسلامية تراجعت حركة التطور الاقتصادي والاجتماعي لبلدانه وبرزت انظمة سياسية ذات طبيعة استبدادية تحكمها فوضى علاقات العمل والانتاج , واثرت على التصنيفات المهنية وقضت نهائيا على تنظيم الحرفيين والعمال نقابيا لتبدأ مرحلة جديدة من العمل النقابي عندما اخذ التنظيم النقابي اشكال اخرى بفعل عوامل مختلفة تبعا لمستوى التطور الاقتصادي والاجتماعي لاي بلد وطبيعة الانظمة السياسية وما تفرزه علاقات العمل والانتاج واخذ بعضها يتأثر ببدايات النهضة الصناعية الاوروبية ومرحلة انتشار الاعمال الحرفية , وبرزت التنظيمات النقابية على اساس وحدة ونوع الانتاج وقد سميت بعضها بنقابات الحرف, لاعتبار ان معظم الاعمال كانت تؤدي فى ورش تختص كل ورشة بحرفة مهنية محددة , وكانت تساير فى تكوينها طبيعة علاقات الانتاج .
تأثيرات الثورة الصناعية الاوربية على النقابات فى البلدان العربية :
مع التطور الصناعي السريع الذي شهدته البلدان الاوربية وخاصة بريطانيا , اخذت الصناعات طابع الشمول على اساس تكامل صناعات المواد الاولية من خلال سلسلة واسعة من الاعمال المهنية يساهم فيها عمال تختلف طبيعة مهنهم واعمالهم داخل المصنع الواحد ويحكمهم تكامل عمليات الانتاج وبالتالي ايجاد اشكال من النقابات على اساس تكامل الانتاج وسمية بالنقابات العامة , وقد ظهرت هذه النقابات بصورة واسعة في بريطانيا كرد فعل ضد نقابات الحرف , التي اقتصر عضويتها على اصحاب الحرفة او المهنة الواحدة , وتجاهلت الاعداد الغفيرة من العمال خارج هذه الحرفة خاصة عمال الصناعات والخدمات الجديدة ومنها النقابات العامة او النقابات العمومية ، وتقوم هذه النقابات في تكوينها على اساس صناعى ومهنى شامل للعمل بحيث تشمل مختلف الصناعات والاعمال والمهن , ويتمحور حول نواتها جميع العمال في المصنع او الشركة او المؤسسة دون قيد او شرط لطبيعة العمل او المهنة , ويتم دعوة جميع العمال في تلك المؤسسات لعقد اجتماع او مؤتمر تأسيسى للنقابة العامة في المؤسسة او الشركة المحددة , وتتم الخطوات الاولى من خلال انتخاب او تسمية لجنة تحضيرية تقوم بمهام الاعداد لهذا الاجتماع او المؤتمر التأسيسى للنقابة العامة ,وتقوم هذه اللجنة بتحديد مكان وزمان عقد هذا الاجتماع او المؤتمر التأسيسيى للنقابة العامة والعمل على اعداد جميع مشاريع ومسودات اللوائح والبرامج والاهداف للنقابة العامة , كذلك تترأس اللجنة التحضيرية الجلسة الاولى لهذا المؤتمر او الاجتماع الى حين انتخاب اعضاء مكتب المؤتمر او الاجتماع التأسيسي للنقابة العامة ولاستكمال النصاب القانوني للجمعية التأسيسية يشترط ان لايقل عدد المشاركين من العمال عن العدد الذي يتم تحديده في القانون الاساسى للنقابة , فهناك دول تحددها ب 21-41-51-وكانت البحرين تحددها أي الجمعية العمومية لاجتماع اول مؤتمر تأسيسى للنقابة ب 21 عامل بمعنى انه يحق لكل واحد وعشرين عاملا تأسيس نقابة ويحق لجميع عمال المصنع او الشركة الانتساب اليها وفق لوائحها , ويجري في هذا الاجتماع او المؤتمر انتخاب مكاتب النقابة او هيئاتها الادارية او مكاتبها التنفيذية او الهيئة القيادية للنقابة حسب التسمية المتفق عليها شريطة ان تتفق مع هياكلها الدستورية ، وفي حال الانتهاء من مباشرة هذه الانتخابات يتم توزيع المناصب الادارية فيما بينها بأنتخاب رئيس النقابة وسكرتيرها والامين المالي والمساعدين وغيرهم الخ ... وهناك بعض النقابات التي تنتخب رئيس النقابة من المؤتمر او اجتماع الجمعية العمومية مباشرة ويتم ايضا انتخاب ممثليهم الى المؤتمر المهني والاتحاد العام لنقابات العمال, ان هذا الشكل من التنظيم النقابي هو الشكل النقابى السائد فى جميع بلدان العالم والتى تأثرت بها النقابات العربية وهذا الشكل من التنظيم النقابى قد تطور مع بداية الثورة الصناعية فى بريطانيا ثم فى عموم القارة الاوربية وانعكس ذلك على بلدان العالم اجمع ومنها البلدان العربية والاسلامية .
الحلقـة ( 5 )
افى الحلقات الماضية تحدثنا عن طبيعة النقابات والتعريف بها , النقابات العامة منها والخاصة ثم تحدثنا عن النقابات فى الدولة العباسية وطبيعتها واشكالها من حيث التنظيم والمضمون وصولا الى ذروتها فى العصر الفاطمى عندما افرزت ، بفعل تطور الصناعات انظمتها ودساتيرها , وتعدت مرحلة العرف والعادة ، وانتهينا عند تأثيرات الثورة الصناعية الاوربية على النقابات العربية كذلك تم استعراض اشكال اخرى من التنظيمات النقابية الحديثة ، واساليب عملها وطرق تأسيسها ومنها النقابات العامة ، والى جانب الحديث عن هذه النقابات , هناك شكل آخر من العمل والتنظيم النقابى رافق النمو الهائل للصناعة فى بلدان اوربا ، وتسمى فى العادة النقابات الصناعية او النقابات المهنية , وقد تأثرت بعض البلدان العربية بهذا الشكل او النمط من العمل النقابى , ومنهــا - النقـابـات الصنـاعيـة :
لقد تأثرت المنطقة العربية بأشكال اخرى من التنظيمات النقابية التى برزت مع تطور الصناعات فى الدول الاوربية والولايات المتحدة الامريكية وهى النقابات والاتحادات الصناعية او المهنية التى انتشرت فى بريطانيا وتأثرت بها بعض بلدان المشرق العربى وافريقيا ، بالاضافة الى التأثيرات الفرنسية على بعض بلدان شمالى افريقايا العربية خاصة تونس والمغرب والجزائر , وتأخذ النقابات الصناعية فى شكلها وفى بنائها التنظيمى الاسلوب الذى يقوم على تنظيم عمالي نقابي يعتمد فى هيكله على تكامل الصناعات وطبيعة الانتاج , وقد ظهرت هذه النقابات بفعل الصناعات الكبيرة التى شهدتها البلدان الاوربية والولايات المتحدة الامريكية , وتتميز هذه النقابات فى عضويتها التى تشمل جميع عمال تلك الصناعة وتشعباتها وفروعها , وفي العادة يكون تسميتها على سبيل المثال بنقابة عمال صناعة الالمنيوم او صناعات الحديد او البناء او الاخشاب او نقابة عمال الكهرباءالخ.. وهو اطار نقابي لا مركزي حيث يجري انتخاب اللجنة او اللجان النقابية في مختلف فروع واماكن تلك الصناعة وتنتخب هذه اللجان المهنية مندوبيها للمؤتمر التأسيسي للنقابة الصناعية او المهنية , وهى بمثابة الاتحاد المهني ، وقد تنبثق من هذه النقابات الصناعية او المهنية اتحادات صناعية او مهنية اخرى , كذلك يمكن ان تنبق عنها نقابات عامة اذا اتحدت اكثر من نقابة مهنية او صناعية فى نقابة واحدة ، عندها تتحول تلك النقابة التى تم تأسيسيها من تلك النقابات الصناعية او المهنية الى النقابة العامة لعمال ... ويمكنها ايضا انشاء اتحادات صناعية , وعلى سبيل المثال هناك اتحادات الصناعات الامريكية وعدد من البلدان الاوربية .
ان هذا الشكل من التنظيم النقابي يرسم الكيفية التي تتكون فيها هذه النقابات المهنية وطبيعة عضويتها من النواحي القانونية ومن هم في حكم انتمائها , والتي يمكن تحديدها وفق جداول التصنيفات المهنية او الصناعية المتشابهة والمترابطة في الصناعة ذات الطبيعة الواحدة وتعتمد هذه النقابات في بنائها التنظيمي على اللجنة النقابية كوحدة اولى للهيكل النقابي وهو شكل قد يُفَعل العمل النقابي ويخلق ترابط بين مختلف عمال المهنة على صعيد البلاد , مما يعطيها ادوار اكبر للنشاط والترابط بين الاعضاء , وهو اطار يستند الى قيادة نقابية مركزية موحدة تكون قراراتها ملزمة لجميع اللجان النقابية ضمن الخطوط العامة المرسومة لسياستها , وتنتفي مركزيتها عند اللجان النقابية فقط , ويتحدد مهامها من خلال تحديد طبيعة العلاقة بين اللجان النقابية ومدى تنسيق عملها ومتابعة ادائها وتمثيل العمال في المفاوضات الجماعية ، ومن مهامها ايضا تعميق الوعي النقابي بين العمال , وتعميم الثقافية العمالية ونشر المعرفة بينهم , كذلك متابعة تنفيذ السياسات العامة للحركة النقابية للنهوض بالمستوى المعاشى للعمال وتهيئة الاجواء لوحدتهم والعمل على بلورة وتنفيذ المشاريع العمالية مثل البيوت العمالية الشعبية والعيادات والمشافى الصحية والمدارس والمعاهد العمالية وخلق الوحدات الانتاجية وغيرها ويتخذ هذا التنظيم شكلا لا مركزيا حيث لايستند الى قيادة مركزية , وتمتلك اللجان النقابية جانيا كبيرا من استقلاليتها على الصعيد الداخلي , كذلك يتخذ هذا الشكل من التنظيم النقابي سلسلة من الحلقات المهنية تحت اسم اللجنة النقابية , وتؤدي كل حلقة الدور المرسوم لها ضمن الحيز المهني او الصناعي ولكل لجنة نقابية وظيفتها , ولا اعنى بهذا الحكم استقلاليتها او تحللها من المسؤولية ازاء اللجان الاخرى فالمسؤولية تبقى مشتركة وجماعية انطلاقا من مبدأ التكامل والتضامن في اداء العمل والمهمات النقابية , ووفق هذا المبدأ يمكننا القول ان هذه النقابة الصناعية او المهنية تتفرع في بنائها التنظيمي ابتداءا من اللجنة النقابية ثم النقابة المهنية او الصناعية او الاتحاد المهنى واخيرا الاتحاد العام لنقابات العمال , وفى بعض البلدان الكبيرة هناك نقابات او اتحادات الصناعية او اتحادات المحافظة او الولاية او المنطقة .. وغيرها , وهناك مصطلحات وتسميات اخرى على الساحة العربية مثل اتحاد الجهوى خاصة في دول المغرب العربي كذلك الجامعة الوطنية وتعنى النقابة العامة والاتحاد الجهوى يقصد به اتحاد المحافظة او الولاية او المنطقة اضافة الى مصطلح نقابة المصنع وتعنى اللجنة النقابية , وعادة تأخذ هذه النقابات فى بنائها التنظيمي المهني اشكالا اخرى لاتماثل فى بنائها التنظيمى النقابات العامة التى ترتكز على اساس من التنظيم العمالي العام بحيث تشمل النقابة العامة جميع العمال في المؤسسة او الشركة دون الاعتبارات لطبيعة اعمالهم ومهنهم بعكس النقابات المهنية او الصناعية التى تعتمد هي الاخرى على جميع اللجان النقابية في مختلف فروع وتشعبات الصناعة الواحدة وتبدأ باللجنة النقابية كوحدة اولى في البناء التنظيمي للنقابة المهنية وتعتبر اللجان النقابية الجزء المهم والاساسى في هيكل التنظيم النقابي وحجر الزاوية في البناء النقابي , وذلك بحكم دورها الفاعل في مجرى النشاط اليومي للحركة النقابية , وهي الادارة التي تعكس خطط وبرامج القيادات النقابية الى العمال , وتحديد مهامها في مجالات تنمية الوعي النقابي وتعميق شعورهم واحساسهم بروح المبادرة بما يضمن ويحقق النجاح لخطط الانتاج والتنمية الوطنية , والحث على قدسية العمل وحل المشاكل بين العمال والادارة والدفاع عن حقوق العمال , وينبغي على اللجنة النقابية التعرف على مشاكل العمال واحتياجاتهم وايجاد الحلول لها ، ولابد من توفر الثقة بين اللجنة النقابية والعمال وعلى ذلك يتقرر جدوى واستمرار قياداتها كما ان الواجب يقضي باتباع اساليب الافهام والاقناع والابتعاد كليا عن الاستخفاف او التقليل من شأن أي عامل مهما صغر شأنه المهني ، لأن مسؤولية القيادات النقابية تتلخص فى معالجة المشاكل والظواهر التي قد تعيق العمل والانتاج بموضوعية بحيث يكون من اهدافها تقويم الاتجاهات الخاطئة والنزعات التي قد تجر التنظيم النقابي الى متاهات وصراعات فردية او سياسية او طائفيـــة او عنصرية , لذا يجب ان يتسم العمل النقابي بالصراحة والموضوعية بحيث يشعر جميع العمال ان اللجنة النقابية تمثل فعلا الحلقة الرئيسية بين القيادة النقابية وبينهم , وان أي موقف غير هذا سيؤثر سلبا على عمل النقابة وسيعطل الحركة النقابية من اداء رسالتها بالشكل الامثل وبما يخدم المصلحة الاجتماعية العامة ويؤدي الى تعزيز الدور النقابي في التنمية الوطنية .
4 - آليـة التنظـيم النقـابـي :
أ - الجمعية التأسيسية : وهى جمعية تأسيسية تتشكل بدعوة عمال المنشأة او الشركة .. الخ بهدف تأسيسي النقابة او الاتحاد , ولذا تأخذ تسميتها من التأسيس وتنتهى صفتها التأسيسية او اسمها التأسيسى بمجرد الاعلان عن تأسيس النقابة لتتحول الى الجمعية العمومية او الجمعية العامة
ب - الجمعية العامة او العمومية : يعرفها البعض بالمؤتمر وهى صاحبة السلطة العاليا فى تحديد امور واوضاع النقابة , وتحديد برامج عملها وانظمتها ولوائحها واهدافها العامة ورسم مساراتها وخطط عملها وحسم القرارات النهائية فى جميع الامور المتعلقة بعملها وطبيعة نشاطها وعضويتها ... الخ ، وتتألف الجمعية العمومية من جميع اعضاء النقابة العاملين , ومن صلاحياتها انتخاب اعضاء المجالس الادارية للنقابات اضافة لتشكيل اللجان المتخصصة وانتخاب اعضائها ..الخ .
ج - مجلس ادارة النقابة : ان عضوية مجالس ادارة النقابات يتم انتخاب اعضائها مباشرة من الجمعية العمومية بالترشيح العلنى والاقتراع السرى ، وبذلك يتكون مجلس ادارة النقابة من الاعضاء الذين تم انتخابهم من الجمعية العمومية مباشرة فى الاجتماعات العادية او الاسثنائية بالاضافة الى انتخاب عدد من الاعضاء الاحتياطيين , ولايجوز انتخاب او ترشيح الاعضاء الذين لم يوفوا بالتزاماتهم المالية او شروط انتسابهم للنقابة .
د - مكتـب النقـابـــة : عند انتخاب مجلس ادارة النقابة , يجتمع مجلس الادارة هذا لانتخاب رئيس للنقابة وامينا للسر وامين او مسؤول للمالية ومسؤول للعلاقات الاقتصادية وللعلاقات الداخلية والعربية والدولية والعلاقات العامة ... الخ من المهام النقابية حسب ظروف ومتطلبات كل نقابة , ولهذه المسميات او التسميات اصول واسس وقواعد يمكن اتباعها حسب تسلسلها النقابى ، مثلا اذا تم تسمية رئيس النقابة بالامين العام للنقابة العامة لعمال ... يتم تسمية اعضاء هيئة مكتب النقابة بالامانة العامة وبالتالى نقول امين الشؤون المالية وامين الشؤون الاقتصادية وامين العلاقات الداخلية والعربية والدولية وامين شؤون الاعلام والثقافة .... الخ , وعندما نقول رئيس النقابة العامة لعمال ... يتم تسمية اعضاء هيئة مكتب النقابة ( بالمكتب التنفيذى للنقابة العامة لعمال .... ) وبالتالى نأخذ فى تسمية باقى اعضاء المكتب بمسؤول العلاقات العربية والدولية ومسؤول العلاقات المالية والاقتصادية ومسؤول العلاقات النقابية ومسؤول العلاقات الثقافية والاعلامية ... الخ .
هـ - اللجـنة التحضـيريـــة : في بداية تأسيس النقابة , يتم تشكيل لجنة تحضيرية , تقوم بالاعداد لتأسيس النقابة العامة او النقابة المهنية او الاتحاد العام لنقابات او الاتحاد المهـنى ولتأسيس النقابة العامة تقوم اللجنة التحضيرية باعداد جميع مشاريع او مسودات الاوراق واللوائح والانظمة والبرامج المطلوبة ، ودعوة جميع عمال المصنع او الشركة او المؤسسة وغيرها في ساعة ويوم محدد من خلال الاعلانات ووضعها في مكان بارز , وعند عقد اول اجتماع تأسيسى للنقابة واقرار جدول الاعمال الذي يكون بنده الاول انتخاب او تسمية اعضاء لمكتب الاجتماع التأسيسى للنقابة تنتهى مهام وصلاحيات تلك اللجنة التحضيرية , وفى بعض الحالات يمكن بدلا من الانتخاب تزكية اعضاء اللجنة التحضيري ذاتها اى السابقة , وتنتهى مهمة اللجنة التحضيرية بمجرد انتخاب اعضاء مجلس ادارة النقابة من الجمعية التأسيسية التى تتحول بدورها من جمعية تأسيسية الى الجمعية العامة للنقابة , ويتم الاعلان عن قيام النقابة بقراءة البيان التأسيسيى او ورقة اعلان تأسيس النقابة ، ومن ثم تسجيلها لدى الجهات المسؤولة , وعادة تكون وزارة العمل والاتحاد العام لنقابات العمال .
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. التضخم والبطالة والتهديد بترحيل المهاجرين.. كيف يمكن أن يحسم
.. #شاهد مؤيدون لفلسطين يحتجون أمام سفارة الاحتلال في واشنطن ت
.. موازنة تاريخية مؤلمة لبريطانيا.. هل تؤثر على الطبقة العاملة؟
.. تركيا.. وقفة احتجاجية تنديدا بوجود سفن تابعة لإسرائيل في مين
.. وزارة العمل تعلن عن 5548 فرصة عمل جديدة في 11 محافظة برواتب