الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أيّهما أفظع ، الذبح بسيف الله المسلول، أم بصاروخ كروز؟

حميد كشكولي
(Hamid Kashkoli)

2007 / 3 / 2
الارهاب, الحرب والسلام



ليتأمل عشاق الإمبريالية الأمريكية "اللبراليون" ، وعاشقاتها"اللبراليات" هذين المشهدين الذين أصورهما في هذا المقال، محاولا عرض الصورتين واضحتين قدر الإمكان ، باثارة التخييل. ليفكروا مليا في جريمتي ذبح ، يرتكب احداهما أحد السلفيين سليلي سيف الله المسلول، والأخرى يرتكبها طيار متحضر وسيم ، تعشقه البوشيات ، ويصفقن له وهو يقود طيارته هائلة التطور تقنيا وجماليا وديمقراطيا .

ليتأملوا هاتين الجريمتين ،عسى أن يقتنعوا ان جريمة صاحبهم وحبيبهم الأثير البوشي اللبرالي الديمقراطي الفدرالي أفظع بكثير من جريمة أحد جرذان السلفية .و يقينا سيشعر هؤلاء البوشيون والبوشيات أنهم يعيشون بربرية الرأسمالية في مرحلتها الإمبريالية والعولمية. و سيرون بأم أعينهم أية وحشية هذه !

وحشية ما بعد الحداثة " البوست موديرنزم" التي بالاضافة إلى كل آثامها ، قامت بزرع بذور الفتنة وروح الكراهية بين الناس ، وأطلقت من عنانها كل النوازع القاتلة من عصبيات قومية وطائفية ودينية . هذه البربرية التي وظفت وتوظف آخر ما توصل إليه التطور العلمي والتقني في قتل البشر، بالاستفادة في ذات الوقت من اعلى التقنيات في تلطيف جرائمها .



لنتأمل المشهدين:

المشهد الأول: مسلحون مقنعون بالنقاب الإسلامي ،يقفون أمام رايات ورموز إسلامية. يفاجئنا رئيسهم الجلاد ، وبيده سيف مسلول ، يضعه على عنق أسير لهم من الجهة العدوة لهم. يدمدم آيات من القرآن ، وأحاديث للرسول، وثم يضرب رأس الضحية ، وتتعالى صيحات التكبير: " الله أكبر! الله أكبر!" .

المشهد الثاني: طيّار جالس في قمرة طيارته المتطورة تطورا تقنيا هائلا. بعد أن يلمح إشارات تلمع في شاشة الكومبيوتر أمامه، وبعد تبادله ايعازات مع قائد السرب ، يدوس على زرّ يلمع أحمر، فتنهال القنابل الخبيثة على منطقة العدو ، يراها الطيار في الشاشة التي أمامه ، منطقة تنفجر وتحترق ، يتصاعد منها الدخان ، وتتناهى إلى أسماعه أصوات الإنفجارات ، شاعرا أنه يشم رائحة اللحم المشوي.




في المشهد الأول ثمة شخص يذبح على الطريقة الإسلامية أسيرا ، ربما لا يعرفه شخصيا، أمام عدسات الكاميرا تنقله وسائل الاعلام المرئية مثل قناة الجزيرة ، ويشاهد ملايين الناس هذا المشهد المرعب والمشمئز.

في المشهد الثاني تبقى مشاهدة صور جريمة ذبح جماعية بحق أناس يقيمون في أرض بعيدة عن موطن الطيار ورؤسائه ، حكرا على فئة يتحكمون بمصير العالم ، لغرض دراسة جريمتهم وآثارها على مستقبل سلطاتهم ورؤوس أموالهم. والضحايا في المشهد الثاني يتجاوز عديدهم ، ربما عشرات أو مئات المرات عديد ضحاياالذباح الاسلامي .

ولكن تبقى مشاهد الجريمة الأولى أفظع في أذهان الرأي العام ، وستظل كابوسا في خيال كثيرين ممن شاهدوا صورها الفظيعة المروعة على شاشات التلفزيون ، أو الفيديو . وكل ذلك لأن القوى العظمى ، أعلى مراحل الرأسمالية ، توظف العلم الحديث والتكنولوجيا في سبيل اضفاء ستار من البراءة والجمال على جرائمها.

إن الامكانيات التقنية تهيمن على ذهنية المشاهد لتحرفها بحيث تجعل من المشهد الأول ، أو الذبح الاسلامي من الرعب إلى حد يغطي على الجريمة الثانية المنفذة بواسطة آخر ما توصل إليه العلم من تقنيات ووسائل قتل . وتقوم بحفر الجريمة الأولى في الذاكرة ، ونسيان الجريمة البشعة الثانية، أو حتى تلطيفها.

في الحالة الأولى يبقى المشاهد مصدوما من هول الجريمة ، ومرعوبا منها لفترة طويلة ، بينما تمسي صدمته ممتصة في الحالة الثانية ، ومنطفئة لكونه لا يشاهد الجريمة وجها بوجه ، بل يتخيلها كأنه يسمع حكايات الف ليلة وليلة أو يلعب البلاي ستيشن. هذه الجرائم ، من النوع الذي نشهدها في المشهد الثاني ، أي العولمي الديمقراطي، أرتكب الطيارون الوطنيون الأمريكان الكثير منها في فيتنام وكمبوديا والعراق وأفغانستان وغيرها.

فحكومة هذا الطيار القاتل ، بعكس سلطات حامل سيف الله المسلول لها من الامكانيات الهائلة الاقتصادية و العلمية بحيث يمكنها بدل الابادة الجماعية لأهالي تلك القرية المنسيّة أن تعمرها و تجعل أهلها يعيشون حياة تليق بالبشر. ومن هذا المنطلق فمعظم الناس يتصورون أن جريمة الذبح بسيف الله المسلول هي أفظع من جريمة الذبح الجماعي التي ارتكبها هذا الطيار المتحضر بضغطه على زر ّ التفجير .




القتل جريمة ، مهما كانت وسيلة القاتل في القتل ،لكن ما تمتلكه الرأسمالية المعاصرة من علم وتفنية يعمل على وضع درجات لفظاعة الجرائم ، فبعضها تصبح أبعد ما تكون من الفظاعة ، والصدمة للمتلقي، مثل جرائم الذبح التي يقوم بها جنود الله الزرقاويون بسيوف الله المسلولة، وبامكان قادة الامبراطورية المعاصرة في هذه الحالة بتبرير جرائمهم البشعة، رغم أن ضحايا المذبوحين المذبوحين بسيف الله المسلول لا يشكلون الا جزء قليلا من ضحايا صواريخ سكود وشقيقاتها . باستخدام تقنيات التصوير التي تفتقر اليها الجماعات المتخلفة الارهابية، بامكان القوى العظمى اخفاء جرائمها بل حتى تلطيفها ، ويمكنها كذلك تشكيل رأي عام يرونها ضرورية لاستتباب الأمن والاستقرار في العالم.




إن القتلة ، سواء كانوا من "المتحضرين" الديمقراطيين والفدراليين ، أو كانوا من حملة سيوف الله الصديئة ، يدركون أن قتل الإنسان يعني قتل عالم كامل ، وتدمير حياة بتمامها. لهذا يحاولون أقصى جهودهم في اظهار قتلاهم ، سواء قبل قتلهم ، أو بعده ،بشعين واشباه بشر.

الارهابيون الاسلاميون يحفظون الآية القرآنية على ظهر قلب " من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا" . ولهذا يبررون جريمة القتل التي يرتكبونها بأنها لم تكن بغير نفس ، أو أنها كانت بحق ناس يستحقون هذا العقاب لفساد في الأرض ، وهذا الفساد يتم تفسيره وفق مصالح السلاطين . لذلك لا بد أن يبرروهابأي شكل .

المنطق نفسه يتذرع به بوش والمحافظون الجدد في كل جرائمهم التي يطلقون عليها الحرب على الارهاب، ودمقرطة الشعوب وتحضيرها.

انهاء حياة أي ّ إنسان إنما هو انهاء لعالَم ما. فالإنسان بحد ذاته عالما كاملا ،وإن القتل قتل ، ولا ثمة كيفية ونوعية فيه، سواء قُتلنا بخنجر صدئ بيد زرقاوي ما، أو بصواريخ كروز ، كروز العولمة والديمقراطية والفدرالية.

إن البربرية الديمقراطية باتت تحوز على آخر انجازات العلم والتقنية ، وأن جرائمها لا بد أن تكون أبشع ، وأكثر دمارا من بربرية صحراوية سلفية متخلفة. البريرية الديمقراطية بامكانها الاختفاء وراء ستارات ديمقراطيتها وغوغائية اعلامها، الذي بامكانه تشكيل الرأي العام وفق ما تقتضيه مصالح الرأسمالية.

لنتأمل المشهد الثاني الذي تناولته في بداية المقال، فنرى أن الطيار الذي هو أحد المحافظين الجدد ارتكب جريمة أبشع من جريمة الزرقاوي. هذا الطيار ارتكب جريمته بضغط على زر الحاسوب الذي أمامه في كابينة طيارته المتطورة تطورا هائلا، و ذبح آلاف الأبرياء وشواهم ، في رمشة عين ، وبدون أن يرف له رمش ، وبدون أن يدمدم بآية من القرآن ، أو مقطع في الإنجيل، وبدون أن يلعنه المشاهدون .

الرأسمالية العولمية ، وعلى راسها امبراطورية العصر الحديث لا يمكن إلا أن توظف التطورات في كل المجالات العلمية ، لإعمال سلطتها ، وتوسيع نفوذها ، بدلا من استخدامها في خدمة البشرية و سعادتها ورفاهها. ولذلك لا بد أن تستعلمها في دعم فلول الظلمات والارهاب في منطقتنا ، بدلا من اجتثاثها. ومن هنا تأتي الفاجعة ، وتأتي البربرية المعاصرة.


الخميس, 01 آذار, 2007








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرنسا: لماذا تتهم مارين لوبان الرئيس ماكرون بتنفيذ -انقلاب إ


.. إسرائيل تعاقب السلطة الفلسطينية: هدم منازل وضم مزيد من الأرا




.. تقدم ميداني روسي جديد في شرق أوكرانيا.. ما التفاصيل؟


.. من سيفوز بآخر بطاقتين لربع نهائي كأس أمم أوروبا؟




.. ماذا حصل بين محتجين والجيش التركي في شمال سوريا؟