الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دروب الضياع والتدمير الذاتي

بدر الدين شنن

2007 / 3 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


لم يعد خافياً على أحد ، أن تفاعلات المشاريع والمصالح الدولية ، وفي مقدمتها الأميركية ، في بدايات القرن الحالي ، المتأتية عن عملية الاستقطاب الدولي ، وأن أحداث دولية خطيرة ، خاصة مابعد 11 أيلول 2001 ، وما بعد الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003 ، ووضع مشروع إعادة تشكيل الشرق الأوسط ، الصهيو - أميركي ، قيد التطبيق ، وبعد اغتيال " الحريري " وانطلاق تداعيات التحقيق الدولي حوله ، قد وضع بقاء النظام رهن مفاعيل تلك التفاعلات والأحداث ، التي كان أخطرها العزلة الدولية التي فرضت عليه

في وقت كانت المعارضة السورية قد قطعت شوطاً هاماً في التصدي لاستحقاق انتقال سوريا من الديكتاتورية إلى الديمقراطية ، وإلغاء كل الإجراءات والتفاصيل التعسفية المرتبطة به والناتجة عنه ، وإعادة بناء سوريا ديمقراطية بمؤسساتها المتعددة المتفصلة .. قوية بوحدتها الوطنية .. مزدهرة باقتصادها المتحررالمتعدد ، الذي يحقق الوفرة والعدالة لكل أبنائها . ولتحقيق ذلك طرحت من خلال الربط العالي المسؤولية بين ا ستحقاق الداخل الوطني الديمقراطي المشروع ورفض أي تدخل خارجي .. بل والعداء لهذا التدخل المشبوه

وقد كان منطق الأمور ، لو أن الطبقة السياسية الحاكمة تمتلك الحكمة السياسية وحس المسؤولية الوطنية ، كان يستدعي التلاقي الوطني الشامل على برنامج التغيير الوطني الديمقراطي السلمي في البلاد ، ما كان سيؤدي موضوعياً للتعاطي مع الطرف الخارجي الاستعماري بقدرات وطنية شاملة تجنب البلاد العزلة والعجز والابتزاز والتهديد

غير أنه خلافاً لمنطق الأمور ، وخلافاً للمصالح الوطنية العليا ، اختار النظام مسلكاً لاعقلانياً مدمراً للإجابة على سؤال المصير الوطني والديمقراطي ، بمتابعة محورة كل شيء حول ذاته وحول مصالح أركانه وأتباعه ومحيطه ، بمتابعة اختزال الوطن بالنظام ، واختزال النظام بالشخص ، ما أفضى إلى خيار ضبط وقمع الداخل .. المعارضة .. وتكريس الجهد المكثف لاقتناص وتضخيم الفرص الدبلوماسية في أي اتجاه متاح ، والتهافت لتلقف أية علاقة دولية ، مهما كانت ضعيفة ونافلة من حيث التأثير الدولي ، ولو كانت في الشرق الأقصى أو في أميركا اللاتينية أو في مجاهل أفريقيا ، للتشبث بها ، وتجميعها كماً تراكمياً ، لتكذيب وتجاوز حالة العزلة المفروضة عليه في الخارج وحالة العزلة ، التي فرضها على نفسه ، بقمعه وأخطائه الاستهتارية ، في الداخل . والإعلام الرسمي .. صحافة .. تلفزيون .. انترنيت .. إذ يقدم ما أنجز من " نجاحات " في هذا الصدد ، يقدم في آن البؤس الذي وصل إليه الجهد الدبلوماسي والإعلامي . فعلى مدار اليوم والساعة تتضمن عناوين الإعلام ما ذكر هنا وهناك ، مهما كان مستوى المصدر بسيطاً أو هامشياً ، وهو الغالب في العرض ، حول أهمية " سوريا " و " دور سوريا " في صراعات الشرق الأوسط المحتدمة وعملية السلام في الشرق الأوسط المنشودة ، وحول النفوذ " السوري " في الساحات العراقية واللبنانية والفلسطينية تحديداً

وضمن هذا السياق يلاحظ مدى احتفاء وافتخار النظام السوري بدعوته لحضور مؤتمر بغداد في العاشر من الشهر الجاري ، بمشاركة الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا ودول الجوار العراقي ، لبحث شأن السلام والعملية السياسية في العراق . ويلاحظ التضخيم المتعمد لهذه المشاركة كمؤشر على انتصار السياسة " السورية " ونجاح الدبلوماسية السورية ، التي " دعمتها " تحولات سياسية هامة في الداخل الأميركي ، في حين تؤكد كل المعطيات ، أن هذه الدعوة والاشتراك مع أطراف دولية ومنها الولايات المتحدة الأميركية حول الشأن العراقي ، إنما جاءت من الجانب السوري تعبيراً عن تراجعه في دعم المقاومة العراقية ضد الاحتلال وتأكيداً على تعاونه مع قوى الاحتلال لإنجاح العملية السياسية ، التي تقودها القوى الموالية لواشنطن ، الأمر الذي تفوح من حوله روائح الصفقة ، التي قد تطاول لبنان ومعه قضية الحريري والمقاومة وفلسطين والمقاومة المسلحة ضد الاحتلال والداخل السوري والمعارضة السورية ، وقد تفكك تحالفات قائمة وتنشيء تحالفات جديدة في الشرق الأوسط

واللافت أنه كلما اقتربت الصفقة بين النظام السوري والخارج الدولي - الأميركي من اكتمال شروطها ، وتبعاً لمقتضياتها غز النظام السيرعلى دروب الضياع ، أملاً في تعزيز بقائه ، كلما أمعن وتوسع في اعتقال ومحاكمة المزيد .. والمزيد .. من المواطنين تعسفياً ، وأمعن في إبقاء العديد من حملة الرأي المعارض قيد الاعتقال . وآخر تجليات القمع الأكثر تعسفاً .. والأكثر إثارة للعار .. أن يطلب النظام رسمياً الحكم باسقاط الجنسية عن معارض له ، للدلالة على أنه نظام قوي ، وهو مطلق القدرة باتخاذ قرارات مصيرية

على أية حال ، إن التفاعلات السياسية في الشرق الأوسط حمالة تداعيات واحتمالات ذاتية ودولية لاحصر لها ، هي أكبر من إمكانية أية دولة لوحدها من دول المنطقة في التعاطي معها بفعالية مجدية ، ولاحصانة لأية دولة ، مهما عقدت من صفقات وتحالفات ، إلاّ وحدتها الوطنية ضمن أسوارها . ومن يفرط بالداخل الموحد .. ويراهن على إرضاء الخارج الاستعماري ، إنما يسلك دروب الضياع

وتأسيساً على ذلك ، إن البناء على إرضاء الخارج الاستعماري ، بعقد الصفقات غير المشرفة معه ، وعلى قمع الداخل وإفراغه من أية إمكانية على التحرك ، لتحقيق ا ستدامة النظام ، هو وهم وتدمير للذات . فالخارج لاحدود لمطامعه وابتزازه وجشعه ، وإرادة الشعب ليست دخاناً يمكن أن تتلاشى أمام رياح القمع

التاريخ يقول : إن خيار الشعب هو أبقى وأقوى ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إغلاق مراكز التصويت في الانتخابات البريطانية| #عاجل


.. إيران.. تعرف على مواقف جليلي وبزشكيان في ملفات السياسة الخار




.. مقابلة خاصة مع نائب وزير الخارجية التركي ياسين أكرم سرم


.. أوضاع الشرق الأوسط وحرب غزة تحظى باهتمام كبير في قمة شانغهاي




.. نتنياهو بين ضغط عائلات المحتجزين وتهديدات ائتلافه اليميني