الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الديمقراطية- أنظمة الحكم والدساتير

هوازن خداج
صحفية وباحثة

(Hawazen Khadaj)

2007 / 3 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


تقسم أنظمة الحكم في أي دولة من دول العالم من حيث الشكل إلى نظام حكم ملكي ونظام حكم جمهوري، ومن حيث صورة الديمقراطية إلى أنظمة دكتاتورية وأنظمة ديمقراطية وهناك أنواع متعددة للديمقراطية (ديمقراطية مباشرة، وديمقراطية شبه مباشرة، وديمقراطية نيابية)، ومن حيث تنظيم العلاقة بين السلطات الثلاث إلى: النظام الرئاسي والنظام البرلماني.
يقع الدستور في قمة الهرم القانوني للدولة، وتحتاج كل دولة قانونية لدستور يحدد طبيعة هذه الدولة وشكل نظام الحكم فيها، كما يحدد علمها وعاصمتها ولغتها وعقيدتها الفكرية والسياسية، والمسألة الثانية التي ينظمها الدستور هي السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية من حيث تشكيلاتها واختصاصاتها، وطبيعة العلاقة الدستورية فيما بينها، ويُنظم الدستور الحقوق والحريات السياسية والمدنية سواء على صعيد الفرد أو مؤسسات المجتمع المدني، وكلما تضمن الدستور في نصوصه على مبادئ حقوق الإنسان كان أكثر ديمقراطية، والأهم من ذلك تطبيق هذه النصوص، فالنصوص التي لا تجد طريقها إلى التنفيذ تعد نصوصاً معطلة.
في النتيجة إن هذا التقسيم يعتمد على كيفية تولي رئيس الدولة لمقاليد الحكم فيها، فإن كان طريق الوصول للسلطة هو الانتخاب اعتبر نظام الحكم في الدولة نظاما جمهوريا، وإن كان الطريق هو الوراثة اعتبر نظاما ملكيا، ويحدد الدستور الشروط الأساسية التي يجب أن تتوافر فيمن يتولى مهمة الحكم والأسلوب الذي يجب إتباعه لتوليه هذه المهمة.
فإن كان الذي يحكم هو الملك، فالدستور يحدد الشروط التي يجب أن تتوافر في شخص ما حتى يكون ملكاً وهو يتضمن في هذه الحالة نظاماً لولاية العهد أو الخلافة، وإذا كان الذي يحكم هو الرئيس، يحدد الدستور الشروط التي يجب أن تتوافر في شخص ما لكي يتولى هذا المنصب و أسلوب ترشيحه وانتخابه .
ولا يقتصر الأمر على ذلك بل يمتد إلى إيضاح وتحديد كيفية ممارسته لمهمة الحكم.
تقسم أنظمة الحكم إلى أنظمة دكتاتورية وأنظمة ديمقراطية، فالأنظمة الدكتاتورية تتميز بعدة سمات منها: احتكار جميع السلطات بيد سلطة أو شخص واحد، نظام الحزب الواحد وعدم الاعتراف بالتعددية السياسية والحزبية، حرمان المواطنين من التمتع بحقوقهم وحرياتهم الأساسية والتي نصت عليها المواثيق الدولية ....الخ .
ويمكن تقسيم طرق تولي الحكام لمقاليد السلطة في الدولة إلى الأساليب غير الديمقراطية وتشمل (الوراثة، الاختيار الذاتي، القوة)، أما الانتخاب فيعتبر من الأساليب الديمقراطية لتولي السلطة... فهو الذي يتيح للشعب اختيار المرشح الذي يراه الأقرب لتحقيق تطلعاته دون وضع حواجز أمامه تبطل نافذية الانتخابات الحرة.. ويمثل الدستور بشكل عام وثيقة مكتوبة لها صلة بكيفية ممارسة الحكم يقع وضعها وصياغتها وفق إجراءات خاصة وبناء على شروط خاصة يجب أن يخضع كاتبي الدساتير أو مسودات الدساتير إليها حكما ومنها أن يكونوا من ذوات الأخلاق الحسنه ويحظون بتأييد ودعم شعبي وغير محكومين بتهم فساد أو تعامل خارجي قد يسيء إلى مصداقيتهم الاجتماعية وألا يكونوا من المسترزقين الوصوليين الذين يتعيشون على بث بعض الأفكار التي يدعون من خلالها أنهم قد قطعوا خطوات باتجاه الديمقراطية التي ستبقى ضمن إطار الوهم الشخصي البعيد عن احترام الأخر أو من المتطرفين دينيا أو اثنيا أو أي التهم التي تفقدهم مصداقيتهم الاجتماعية ...وبقدر ما يشارك المواطنون في وضع الدستور وتنقيحه بقدر ما يكرّس الدستور سيادة الشعب، فالدستور ليس حكرا على فئة ويجب أن يكون الاستفتاء الدستوري الشعبي بندا أساسيا ينص عليه ويكفله الدستور حتى يوفر لهذا الدستور مناعة ضد التفرد باتخاذ القرارات.
على ذلك تشكل عملية وضع الدساتير وصوغها، بصورة تؤمن قيام نظام حكم دستوري على أسس متينة، عملية حاسمة بالنسبة لأي تجربة ديمقراطية حديثة، تسعى للقطيعة مع النظام الذي جاءت على أنقاضه... ويواجه الذين يكتبون دساتير الديمقراطيات الناشئة تحديات كثيرة. عليهم كتابة وثائق تمكّن المجتمع من اتخاذ قرارات في مسائل صعبة ومثيرة للانقسامات، وإرساء الظروف اللازمة لحماية حقوق الإنسان بما فيها حقوق الأقليات... في نهاية المطاف يجب أن يأتي هذا الدستور على أرضية ثقافة البلاد وتاريخها وتقاليدها وظروفها.. ولا يمكن نقل التجارب من مجتمع إلى مجتمع أخر إلا من باب الاستدلال فلكل مجتمع خصوصيته التاريخية التي تفرض على واضعي الدساتير مراعاتها وبناء القوانين على أساسها..
وقد تكون هذه هي أهم مشكلات البلدان المتنوعة اثنيا وطائفيا إذ أن الانقسامات والنزاعات تبدأ بسرعة كما أن حل تلك الانقسامات والنزاعات يمكن أن يخلق مشاكل طويلة الأمد... فحينما يتم الاتفاق على التغيير، كما حدث في معظم بلدان الاتحاد السوفيتي السابق، يحاول الخاسرون الاحتفاظ بأكبر قدر ممكن من السلطة...
وعندما تكون نتائج هذا التغيير الإطاحة التامة بنظام حكم، كما حصل في العراق، يتنافس الرابحون على السلطة. وكثيرا ما يتم شمل التسويات التي تحل تلك النزاعات في الدستور، الأمر الذي قد يؤدي إلى مشاكل كبيرة ومتعددة على المدى البعيد...
وان مراجعة تجارب الديمقراطيات الجديدة والقديمة تدّل على انه إذا لم تكن حقوق الإنسان محمية بصورة كافية منذ البداية، فإنه سيكون من الصعب حمايتها لاحقاً.. وإذا لم تكن الدساتير تحمل القدرة الكافية من المرونة فإنها لن تستطيع تجاوز المشكلات القادمة بالمستقبل...ولكي تحمل المرونة اللازمة يجب التعامل مع الدستور على انه ليس نصا مقدسا أبديا بل هو نص من وضع الإنسان ويبقى قابلا للمراجعة الجزئية أو الشاملة حسبما تقتضيه ضرورة مواكبة التحولات وما يمكن أن تفرزه من حاجة لتطوير النظام السياسي.
إن كل ما يحدث على ارض الواقع يخرج عن صيغة الدساتير لتبقى مجرد أوراق ونصوص ما لم تتم ممارسة هذه النصوص وتطبيقها على ارض الواقع حتى لا تنشأ حالة الاستبداد المباشر أو المبطن الذي يسمح ويبيح انتهاك كل المعايير الدولية بناء على الرغبة في السيادة وتحت شعارات متنوعة ومتعددة.. أو فرض الديمقراطيات بالقوة وعبر الحروب أو الاحتلال فهي هنا تأتي ناتج للمصالح الدولية وليست تعبيرا ديمقراطيا... وهذا الشكل يسمح للدول المتطورة المسيطرة أن تتبني انتهاكات حقوق الإنسان بشكل مثير رغم إنها تدعي دعم هذه الحقوق حتى النهاية في دساتيرها.. فهي هنا تدعم وتحفظ قوانين إنسانها الخاص ومصالحها الخاصة وليس حقوق الإنسان الذي نصت عليه القوانين الدولية..
على هذا فإن الديمقراطية كشكل حكم ليست بذات أهمية إذا لم يجري تحويلها إلى حالة حياتية وثقافة إنسانية يتم فيها غرس قيم حقوق الإنسان وعلى رأسها الشعور بالمواطنة وما يحمله مفهوم المواطن من حقوق أساسية: مدنية واقتصادية وثقافية. وإن قيم حقوق الإنسان ليست مجرد حملة تبشيرية تقوم بها منظمات حقوقية، إنما هي جزء من شخصية الفرد أي هي حالة ثقافية تظهر في تفكيره وتعامله اليومي. ومن هنا يأتي دور التعليم، إذ لابد من تدريس حقوق الإنسان وإدخالها في كل مناهج التعليم من المرحلة الأساسية حتى التعليم العالي. بالإضافة إلى دور الإعلام من خلال الإذاعة والتلفزيون والصحف والنشرات في نشر هذه الثقافة.. ولكي تتسع لابد أن تشمل الديمقراطية الاجتماعية والاقتصادية أي الاكتفاء الاقتصادي وتلبية الحاجات الأساسية وعدالة التوزيع، والاهتمام بالقوميات المقهورة أو المهمشة سياسيا بسبب الأصل أو العقيدة... وتوسيع قاعدة الداعين للديمقراطية والمستفيدين منها. وتأتي المرأة على قمة الأولويات، إذ لابد من دمجها في العملية السياسية كذات فاعلة وواعية وليست ديكورا.
كل هذا يفرض على الدول التي تطرح مسائل هامة مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان والمواطنة أن تتبناها كحالات ممارسة وثقافة اجتماعية فهي الأرضية الحقيقية للديمقراطية..التي تشكل التعددية السياسية عمادا لها فتتعدّد الأحزاب بناء على الاختلاف في الرؤى والتنوّع في البرامج، دون الاعتماد على الصفات التي تدعو إلى الانقسام والخروج عن حالة المواطنة مثل الأديان والقوميات، مما يفسح المجال لهذه الأحزاب أن تتنافس بصورة مشروعة على نيل ثقة القسط الأعظم من المواطنين. ويتم التعبير عن هذه الثقة عبر عملية انتخابية دورية يدعى فيها الشعب لاختيار ممثليه في البرلمان من بين مرشحي الأحزاب السياسية المتنافسة... ويمكن تدعيم هذه الممارسة الديمقراطية بالاستفتاء وهو احد أهم تقنيات الاستشارة الشعبية وتمكين الشعب من أخذ القرار السياسي بنفسه، عبر إخضاع المسائل الجوهرية والمصيرية إلى إرادة الشعب المباشرة، مع إعطاء الصفة الإلزامية لقرار الشعب الناتج عن الاستفتاء بالنسبة لمختلف السلطات.

فالاحتكام إلى الشعب للمصادقة على تعديل دستوري ما، يعطي للرأي المخالف، الذي قد تكون تبنته أحزاب المعارضة الممثلة في البرلمان أو غير الممثلة فيه، فرصة جديدة لعرض آرائها ومواقفها من المشروع بشكل مباشر للشعب والسعي من خلال الوسائل المشروعة إلى إقناعه بهذه الآراء والمواقف فهو الحكم في كل الأمور الهامة التي تخص المعارضة أو الموالاة، من هنا تأتي ضرورة إتاحة الفرصة لكافة الأحزاب السياسية القانونية، بغض النظر عن مستوى تمثيلها في البرلمان، أن تعبر عن أي موقف هام يخص البلد وتبين دواعي هذا الموقف وتدعو الشعب إلى تبنيه عبر الاستفتاء. مما يؤدي بشكل حتمي إلى ظهور جو تنافسي نزيه في المستوى الفكري بين مختلف التشكيلات السياسية من شأنه أن يزيد في تنوير الرأي العام ويشعره بأهمية دوره في هذا المجال وضرورة تحمله المسؤولية الكاملة تجاه بناء دولته.
وهذه المظاهر لا يمكن أن تتحقق إذا لم يرافقها إدراك عميق بالمسؤولية الوطنية الملقاة على عاتق كل الأطراف وفي مقدمتها أفراد الشعب بشكل عام وجمهور الناخبين بشكل خاص وما تحتمه من ضرورة التفاعل الإيجابي مع الأحداث من خلال التبني الواعي لمضمون المشاركة المكثفة في عملية الاقتراع.
فالديمقراطية بقدر ما تحتاج إلى قيادة حكيمة ترسي قواعدها وتضمن سيرها بصورة طبيعية بقدر ما تحتاج لشعب واع يمارسها ويكرّسها على أرض الواقع ويدافع عنها في كل مراحلها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تهدد بحرب واسعة في لبنان وحزب الله يصر على مواصلة ال


.. المنطقة الآمنة لنازحي رفح | #غرفة_الأخبار




.. وثيقة تكشف تفاصيل مقتل الناشطة الإيرانية نيكا شكارامي عام 20


.. تقرير إسباني: سحب الدبابة -أبرامز- من المعارك بسبب مخاوف من




.. السعودية تسعى للتوصل لاتفاقيات شراكة أمنية مع الولايات المتح