الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المثقف والمناخ السياسي

طاهر فرج الله

2007 / 3 / 3
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


كثيرا ما يوضع على عاتق المثقفين والأدباء مسؤولية تردي الأوضاع الاجتماعية والسياسية والثقافية إن كان ذلك في بلدنا أو بلدان الأرض قاطبة ، وكأن الأدباء عموما نتاج نسيج واحد منسجم يستلهم أفكاره من معين واحد لا ينضب ، وفي هذا الرأي الكثير من التجني على الأدباء والكتاب على حد سواء ، لان النبرة تحمل في طياتها العموم الشامل للجميع في حين أن الحقيقة تقول أن لكل فكر مفكروه وأدباءه وكتابه على إن الأديب قد يساعد وان كان باليسر القليل على بث النهج الثقافي في البلد ، إلا أن الدعم الأهم والاشمل في خلق التوجه الثقافي في طول البلاد وعرضها وتحديد هوية المناخ السياسي العام يبقى النظام الحاكم أو السلطة لما تملكه من إمكانيات مالية وتنفيذية وشرعية يفتقدها الأديب وبشكل خاص عندما يحمل توجها فكريا مختلفا عنها .
وعلى سبيل المثال فان كان النظام الحاكم قوميا متشددا سادت الأفكار الشوفينية المتطرفة وطغت ثقافة العرق الواحد رغم تعدد الأعراق في هذا البلد او ذاك ، وبوحي من أدبيات هذا الفكر تتجسد حقيقة تجعل من ذلك العرق نضيرا للشمس والقمر والبعض من الرموز الطبيعية العليا فتؤدي هذه الأفكار إلى إثارة النعرة القومية لتظهر أفكار تمجد العرق الأخر لترفع من شانه حداً ينافس عرقا في منزلة يرى انه أحق به من الأخر فتتضارب المصالح وتتقاطع لتولد الكوارث الوطنية وفي بعض الأحيان إلى الكوارث الإقليمية والدولية . وهذا ما أدت إليه السياسات العنصرية كدعوة هتلر بامتياز جنسه الآري عن بقية الأجناس الأخرى جاعلا من شعاره (ألمانيا فوق الجميع) إلى تسود جنسه وقوميته على الأجناس والأقوام الأخرى ، كما إن لظهور الفكر القومي العربي نفس النتائج التي أدت إلى حدوث المزيد من الكوارث الوطنية من هزيمة حزيران إلى الكوارث الأخرى المتلاحقة ومنها الكوارث التي حلت على وطننا بسبب هذه الأفكار التي تتحول بطبيعتها إلى العداء تجاه الأعراق الأخرى لبثها الأفكار التي تسبب ظهور النعرة القومية ، فكانت مجزرة الأنفال وجريمة حلبجه خير دليل على ما انتهى إليه هذا الفكر من سادية مجنونة متعطشة للدماء .
على إن الأمر سيان عندما يكون النظام السياسي إسلاميا فمهما كانت الدعوات لذلك الحزب الحاكم إصلاحية داعية إلى ركوب عباب التقدم والرقي والحضارة وبرنامجه يتسم بوضوح الرؤيا من اتباعه اليات النظام الديمقراطي الداعية الى حرية الفرد في اختيار العقيدة التي يرتأيها وحرية الرأي التي يمارسها من دون أي ضغط يمارس ضده ، الا انه أي الحزب الاسلامي الحاكم من حيث لا يعلم ولا يقصد تجد ان المناخ السياسي أضحى مضطربا ومعبأ بالنزاعات والمشاحنات وذلك لايقاضه فتنة كانت نائمة لسبب بسيط جدا الا وهو ان الاسلام الحالي ليس اسلاما محمديا موحدا بل انه اسلام طائفي وقد تشعب هذا الدين الحنيف الى ملل ونحل منذ عشرات القرون ، وبمجرد تربع حزب اسلامي على السلطة في العراق ومهما كانت نواياه سليمة وهادفة الا ان الطوائف الاخرى تستنفر جميعا وكانها في نفير عام لحرب اقتربت اوارها ، ولم تسعف كل محاولات التوافق وترميم الصدع والفجوات التي تحاول القيام بها بعض الجهات في لم الشمل والخروج بأوضاع طبيعية متميزة ، علما أن المناخ السياسي الذي تخلفه الدولة الدينية واخص بالذكر هنا الاسلامية يتميز بظهور الافكار المتشددة والمتطرفة المنبثقة عن فكر متزمت والباحث في الملل والنحل يجد منها الكثير لذا تتهاوى الدعوات الاصلاحية وبشكل خاص عندما يصرح هذا أو ذاك بتصريحات غير مسؤولة فتتردى الاوضاع وينتقل الصراع بين الازقة والحواري ويتحول زعماء المرحلة التاريخية الى ما يشبه اشقيائية بغداد كل يحاول الدفاع عن محلته وكل يحاول السطو على المحلة الاخرى فتضيع الهوية الوطنية وينغمس الشعب في متاهات الفرقة والانقسام ، لتظهر على وجوه الساسة والمنظرين الاسلاميين مشاعر الصدقة والاستغراب ويبدو هذا واضحا من خلال ترديدهم قولا للامام علي بن ابي طالب (ع) الداعي الى التسامح والبعد الانساني بين البشر والذي ينص [من لم أكن نظيراً له في الدين فانا نضيره في الانسانية] ليكون الجواب على هذا القول البليغ دون الخوض في أبعاده الإنسانية بشقين إثنين الأول :
- كيف واجه المسلمون وفيهم فضل السبق في الاسلام الامام (ع) بما يحمل من آفاق البعد الانساني ليكون الجواب بطبيعة الحال هو المزيد من الحروب كحرب صفين والنهروان ، اما الشق الثاني فيتميز بجملة من اراء الباحثين من المستشرقين والمغتربين الذين بحثوا في التاريخ الاسلامي فصنفوا رموزه الى يمين ويسار فكان نصيب الامام علي (ع) زعيما لليسار الاسلامي ليدرجوا معه اتباعه المخلصين للدين والانسانية لما يملكوه من حس طبقي مناصر للضعفاء والبسطاء من الناس ، كما ان الدعوات الفكرية للامام في الجانب الاقتصادي بغية تحسين اوضاع المسلمين والمساواة فيما بينهم ، ادت بهم أي المفكرين على ان يدمجوا الامام كرافد للافكار المتطورة الا وهي الماركسية في تعاليمها الاقتصادية فقد دعا الامام الى اعتبار دون مبلغ (4000) دينار نفقة والاكثر من ذلك كنز حرمه على نفسه في حين دعى صاحبه المقرب ابو ذر الغفاري الاثرياء من المسلمين على اعطاء أموالهم كلها الى الفقراء والمساكين من المسلمين مستشهدا بالاية الكريمة (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب اليم) .
إن الدعوة الى الدولة الاسلامية مهما كانت النوايا صادقة وسليمة لزعمائها لما يحمله الفكر الاسلامي من دعوات انسانية خالصة ، هي بالنتيجة ومن حيث تدري او لا تدري هي دعوة لبث الروح الطائفية وخير دليل على ذلك ما نعيشه اليوم من احداث مروعة ، ولا اعتقد ان الدعاة لها بافضل من الامام علي بن ابي طالب (ع) ولا باقوى واشجع منه ، الا ان حكمه آل الى ما آل اليه بسبب كم المؤامرات والحركات التي حيكت ضده ، لذا ادعو لمن يدعو الى ضلال الانسانية من اليسار الاسلامي والمعتدل ان يعتنق الية تحقق تلك الاهداف السامية التي دعا اليها علي (ع) واتباعه ، ولكن بمسميات وآليات أخرى تتمثل بحقوق الانسان التي اتفقت عليها الانسانية قاطبة من حرية الرأي وحرية المعتقد وتحت ظلال الدولة المهنية الداعية الى فصل الدين عن السياسة ، والاحداث التاريخية في العالم اكدت لنا ان ثورة المحتجين التي قادها مارثن لوثر ضد الكنيسة الكاثوليكية ، وادت الى حدوث الاصلاحات في اوربا، فلو قدر لدعاتها وهم البروتستات استلام السلطة في فرنسا على سبيل المثال ، لتحالفت الدول الاخرى ضدها ولرأينا الانتحاريين من الكاثوليك والارثدوكس والسيارات المفخخة تنفجر بالعشرات يوميا في شوارع باريس ، لذا فسلامة للوطن الجريح والشعب الذي تحول الى قوافل للهجرة والشهداء ، لهذا فانني ادعو الى انشاء الدولة المعتدلة التي تنسجم مع تطلعات الانسان وتوفر له مقومات الحياة والعيش الرغيد .









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الخارجية الروسية: أي جنود فرنسيين يتم إرسالهم لأوكرانيا سنعت


.. تأجيل محاكمة ترامب في قضية الوثائق السرية | #أميركا_اليوم




.. دبابة إسرائيلية تفجّر محطة غاز في منطقة الشوكة شرق رفح


.. بايدن: لن تحصل إسرائيل على دعمنا إذا دخلت المناطق السكانية ف




.. وصول عدد من جثامين القصف الإسرائيلي على حي التفاح إلى المستش