الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مع الانتخابات الفرنسية

عزيز الحاج

2007 / 3 / 3
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


تشتد الحمى الانتخابية الرئاسية الفرنسية مع اقتراب موعد جولتها الأولى في نيسان القادم، وراحت تستعمل فيها أساليب رخيصة لتشويه سمعة الخصوم وإثارة البلبلة بالاستفادة مما تبقى من الوقت. لقد قادت حملة التشهير هذه مجلة يسارية وأعقبتها صحيفة يومية يسارية هي لبراسيون. وتركزت الحملة ضد مرشح حزب الأكثرية ووزير الداخلية سركوزي باتهامه بالتلاعب العقاري. إن هذه ليست أساليب جديدة في الحياتين السياسية والإعلامية بفرنسا ولا في دول متقدمة أخرى ولكن مجال كشف الاختلاق واسع من خلال الشفافية والصحافة والقضاء.
معلوم أن المرشحين المتقدمين في الاستطلاعات هما رويال الاشتراكية ونيقولا سركوزي، يليهما فرنسوا بايرو، الذي يصف نفسه في الوسط والذي ترتفع أسهمه في الاستطلاعات من يوم لآخر ولكن ليس متوقعا في نظرنا أن يتقدم على منافسيه. وللعلم فإن الاستطلاعات الفرنسية تعطي أحيانا مؤشرات قريبة من الواقع ولكنها لا يمكن اتخاذها معيارا دقيقا للفوز وخصوصا والتقلبات في مزاج ومواقف الرأي العام هي في حركة. أما لوبين مرشح حزب أقصى اليمين فيلي الثلاثة ولكنه لم يستطع بعد الحصول على العدد المطلوب من توقيعات رؤساء البلديات كما ينص القانون الفرنسي الانتخابي الذي هو موضع تساؤل.
بدأت رويال حملتها الانتخابية وكأنها تمثل نفسها وبرنامجها مع ندرة الإشارة للحزب الاشتراكي. وكانت الـ"أنا" تسيطر على خطابها. بدأت ببعض الوعود الإصلاحية الجديدة عن الاشتراكيين، مما أغضب "فيلة الحزب"، أي القادة التقليديين، ولاسيما فابيوس رئيس الوزراء الأسبق وزعيم التيار الاشتراكي الذي يقف إلى يسار بقية قادة الحزب. وكان فابيوس هو الذي قادة حملة رفض الموافقة على الدستور الأوروبي مستغلا مخاوف الفرنسيين من الاتحاد ولاسيما المزارعين والعمال. ومعروف أن موقف الرفض هو الذي نجح في كل من فرنسا وهولندا مما أفشل الدستور. أما اليوم فإن رويال أخرى تعرض نفسها كأمينة لبرنامج حزبها وقريبة من يسار اليسار، وفي حملتها الأخيرة أظهرت معها فابيوس وأبرزته.
سركوزي كان جريئا في طرح برنامج تجديدي عنوانه "القطيعة" مع النموذج الاقتصادي والاجتماعي المتكلس والذي يفرخ الركود الاقتصادي والبطالة العالية، وحيث تدهور مستوى التعليم. وبينما تعمل المرشحة الاشتراكية على كسب سكان الضواحي بوعودها وملاينتها ودون تقديم برنامج لحفظ الأمن وتحديد الهجرة، فإن سركوزي يعرف بعنايته الفائقة بالقضية الأمنية ويدعو لضبط الهجرة وعدم منح هوية الإقامة جزافا ومرة واحدة بالآلاف، كما فعل الاشتراكيون منذ حكم ميتران في 1981. لقد أثار وزير الداخلية غضب واحتجاجات أبناء الهجرة الأفارقة والعرب عندما صرح قبل عامين خلال عمليات العنف التي اندلعت في الضواحي بأن مصمم على تطهير الضواحي من "الأوباش". هذه العبارة تعمدت الجمعيات المناهضة للسامية والتنظيمات الإسلامية تفسيرها باتهام جميع سكان الضواحي بكونهم أوباشا. وطبعا هذا غير صحيح، فمع أن صوت الجمعيات الإسلامية تلعلع فوق الآخرين فإن سركوزي هو الذي قدم للمسلمين وجمعياتهم خدمات كبرى في 2002 بالموافقة على قيام المجلس الأعلى للمسلمين في فرنسا وتأسيس مجلس الإفتاء الإسلامي الأوروبي، الذي كان الحكم الاشتراكي سابقا ضد إنشائه في فرنسا، وقد تصاعدت حملة الإسلاميين ضد المرشح الديجولي لكونه وقف لجانب مجلة فرنسية ساخرة كانت قبل عام قد أعادت نشر بعض الرسوم الدانيماركية، فأقام جامع باريس والتنظيم الأخواني دعوى قضائية ضد تلك المجلة في تحد لحرية التعبير والنشر المقدسة في دول الغرب.
إن برنامج سركوزي المجدد هو أيضا اصطدم بمعارضة قوية من المقربين من شيراك المعروف بعدم حبه لسركوزي. ومن هنا نجد تعبير "القطيعة" يصبح "قطيعة هادئة" ولكن المحتوى لم يتغير كثيرا.
البرنامج الانتخابي الاشتراكي يصر على قانون 35 ساعة عمل وعلى الحفاظ على الوضع القائم في حين يدعو الديجوليون لتعديل القانون بالسماح بساعات عمل أسبوعية أكثر لتنمية الاقتصاد والثروات العامة وبالتالي رفع المستوى المعيشي للمواطنين.
إن مفهوم "يمين" و"يسار" في فرنسا قد تعرض لتبدل في المحتوى منذ بروزه خلال الثورة الفرنسية حيث كان الثوريون يجلسون في البرلمان على اليسار والمحافظون على كراسي جانب اليمين. أما اليوم، فلن يكون دقيقا وصف الاشتراكيين والتيارات التروتسكية وبقية التيارات المتطرفة "ثورويا" بأنهم يمثلون يسارا تقدميا. إن اليسار الحقيقي يعني تجديد المجتمع باستمرار وليس المحافظة على الأوضاع القائمة، في حين نجد الاشتراكيين وبقية أطراف اليسار الرسمي متكلسين على ما يسمونه بالنموذج الفرنسي، الذي يتفوق في نظرهم على النموذج الأنجلو – سكسوني. كما كان رفضهم القوي للدستور الأوروبي دليلا آخر على نزعة الانطواء والمحافظة. ونعرف أن مفكرين لبراليين فرنسيين جريئين مثل جان فرانسوا ريفيل يصفون أنفسهم بيساريين لنزعة التجديد وعدم الخوف من الإصلاحات الجذرية المطلوبة، ونرى اليوم الفيلسوف اليساري المعروف كلوكمان الذي ظل سنوات طويلة مع أحزاب اليسار يبدل موقفه ويعلن عن دعمه لسركوزي.
في السياسة الخارجية كشفت رويال عن قلة الخبرة مما أثارت بعض تصريحاتها ومواقفها سخطا داخل حزبها أيضا. ففي زيارتها لأراضي الدولة الفلسطينية قبلت باللقاء مع وزير من حماس خلافا لقرارات الاتحاد الأوروبي، وفي زيارتها لكوبيك الكندية دعت لاستقلال كوبيك خلافا لموقف كندا وزعماء كوبيك. وفي الصين أشادت بـ"العدالة الصينية" لكونها أحيانا "أسرع من العدالة الفرنسية"؟ السرعة ربما في قمع المعارض وحكم الإعدام!! كما أن المرشحة تقلل من أهمية تعزيز الدفاع الفرنسي وضد مشروع بناء حاملة طائرة جديدة بحجة وجوب صرف الاعتمادات على التعليم، وهذا قول جذاب ولكنه لا يتفق مع مستلزمات الدفاع الفرنسي. أما المرشح الديجولي فهو مع الدستور الأوروبي ومع بناء حاملة الطائرات. وفي الموقف من الولايات المتحدة لا تقدم رويال موقفا يخالف السلبية الفرنسية المزمنة. أما سركوزي فقد تعرض لحملة من الاشتراكيين واليسار ومن داخل حزبه أيضا خلال زيارته في أيلول الماضي للولايات المتحدة والثناء عليها وأخذ الصور مع بوش. هذه الحملة أجبرته على تعديل خطابه مؤخرا حيث قال إنه يطلب من أمريكا القبول بعلاقات ودية مع فرنسا على أساس الند للند. أخيرا فإن المرشحين كليهما ضد حصول إيران على السلاح النووي وتذهب رويال لحد منعها من الحصول على أية تقنيات نووية.
هذه بضع كلمات عن البرامج والتوقعات وهي غير مؤكدة. إن الكثير يعتمد على أصوات مؤيدي "الوسطي" بيرو الذي يطرح شعارا مغريا للفرنسيين وهو جمع اليسار واليمين معا في حكومة واحدة لو نجح. هذا الشعار جذاب ولكنه في الحالة الفرنسية غير واقعي لأن الوضع الألماني مخالف لما في فرنسا من نواح كثيرة، والخلافات والصراعات وتباين التوجهات السياسية الفرنسية لا يمكن أن تسمح بقيام "حكومة الوحدة الفرنسية." بيرو يتقدم في الاستطلاعات بعد المرشحين السابقين. وقد ركز هذا المرشح على محاولة كسب أنصار الحزب الاشتراكي باستعارة عدد من شعاراتهم ووعودهم، مما دفع بالاشتراكيين لفتح النار عليه وتبعهم في الحملة المرشح الديجولي، الذي وصفه بمرشح الركود وعدم الحركة.
إن بروز بيرو على المسرح بهذا الشكل يجعل صعبا جدا إعطاء رأي حاسم في نتائج التصويت في الدورة الانتخابية الثانية في بداية أيار. ثم هل سيصعد بيرو للدورة الثانية؟ ولمن سيصوت مؤيدوه في حالة تعذر نجاحه؟ كما لدينا أنصار مرشح أقصى اليمين ونسبتهم هي الرابعة في الاستفتاء. كيف سيكون تصويتهم في المرحلة الثانية علما بأن لوبين يهاجم الجميع.
هذه بضع ملاحظات ونقاط ليس إلا، في موضوع ساخن ومركّب والقضية في حركة مستمرة وقد تشهد تقلبات في التحالفات وفي مزاج الناخبين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سيلين ديون تكشف عن صراعها من أجل الحياة في وثائقي مؤثر


.. -هراء عبثي-.. شاهد رد فعل مؤرخ أمريكي على الديمقراطيين الذين




.. نيويورك تايمز: تجاهل البيت الأبيض لعمر الرئيس بايدن أثار الج


.. انتخابات الرئاسة الإيرانية.. مسعود بزشكيان




.. بزشكيان يحصل على 42 % من أصوات الناخبين بينما حصل جليلي على