الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


/ كتاب شهر اذار/ كيف يمكن ان نعيش سويا ومختلفين

مهدي النجار

2007 / 3 / 3
الحوار المتمدن - الكتاب الشهري 2 : المصالحة والتعايش في مجتمعات الصراع العراق نموذجا


كيف يمكن أن نعيش سويّاً ومختلفين
" الطُّرق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق"
ابن عربي
دأبت كل مجموعة من الناس (ملة/فرقة/طائفة/...الخ) على التمسك بمعتقداتها، خاصة الدينية والمذهبية، وراحت تزعم بأنها وحدها على حق ووحدها من يمتلك الحقيقة دون الناس أجمعين، فشكَل هذا الاعتقاد سمات هويتها وشخصيتها لذا اجتهدت في الدفاع عنه بالغالي والنفيس وصارت حتمية إقصاء الآخر شأناً مرتبطاً بالعقيدة ذاتها وأصبح ما يقره رجال الشرع من هذه الجماعات المنغلقة فيما يتصل بمن يخالفونهم الدين أو المذهب يمثل سقفًا نهائياً للعلاقة مع المختلفين لا يمكن تخطّيه، وبتعبير آخر مثلت ثقافة العداء والتصادم مع الآخر عنصراً أساسا في المكوّنات الذاتية التي لا يجوز التخلي عنها بأيّ حال، وبرزت نماذج متعددة وواضحة ومؤثرة في الثقافة العربية الإسلامية في العقود الأخيرة من القرن الواحد والعشرين، لعل أكثرها وضوحاً وتطرفاً نموذج الثقافة اللادنية (نسبة إلى أسامة بن لادن) التي أجهضت في مدها المتسع والمتطرف الكثير من جهود الإصلاح والتحديث وحالت بينها وبين فاعلية النسيج الثقافي والاجتماعي العربي/الإسلامي، فحصيلة هذه الثقافة المتشددة من خلال انطوائها على نفسها وسخطها المزمن على الأزمنة الحديثة ورفضها القاطع للتغيرات المفهومية والقيَمَية إهمال الحس التاريخي الذي يقول عنه ابن خلدون: " ومن الغلط الخفيّ في التاريخ الذهول عن تبدّل الأحوال في الأمم والأجيال بتبدّل الاعصار ومرور الأيام"، أو كما يقول الكاتب التونسي د.أحميدة النيفر(جدل العالمية والخصوصية) : فإنها لا تريد أن تباشر التراث الديني والفكري إلا متقيّدة بالمستوى الذهني والمعرفي الذي وقع ضبطه من قِبَل السلف. مؤدى هذا الفهم"التقديسي" هو تحويل حقبة من الحقب التاريخية إلى منظومة مرجعية في فكرها وأنساقها الاجتماعية والقيَميَة، على اعتبار أنها تقدّم أفضلَ صور الالتزام بحقيقة الرسالة الدينية ودلالاتها الحضارية.
إن هذا التزمت ألمعتقدي (الديني و/أو المذهبي) يقفز فوق الوقائع التاريخية ولا يكترث بمشروطياتها وعواملها التي تؤثر بالنشأة الدينية والاعتقاد بحقانية هذا الدين أو هذا المذهب دون سواه، حيث من السهل أن نجد إن الدين و/أو المذهب الذي يعتنقه الإنسان هو ابن بيئته (خاصة بيئته العائلية) التي ولد فيها، وكثيراً ما ينكر المتشددون هذه المسالة البديهية أو يتغافلون عنها بسبب تعصبهم المفرط لما استورثوه عن آبائهم من اعتقاد وغِيرتهم الشديدة على نصوصهم باعتبارها هي النصوص الثابتة والصحيحة مهما تغيرت الأمكنة والأزمان. إن البديهية التي ذكرناها تواً تشير إلى أن الإنسان حين يولد ليست أمامه اختيارات أي الأديان (أو المذاهب) سينتمي إليها، ومن هي الصحيحة ومن هي الخطأ، ليست أمامه حيلة أن ينتمي إلى الإسلام أو إلى الهندوس، إلى الشيعة أو السنة، فمن يولد في عائلة مسلمة معتقدة بالإسلام في السعودية أو باكستان أو حتى بريطانيا على اغلب الاحتمالات سوف ينشأ مسلماً، ومن يولد في عائلة هندوسية وان ولد في إيران على أقوى الاحتمالات سوف يكون هندوسياً، أو من يولد في عائلة بوذية في تايلاند أو بورما أو حتى في باكستان على أقوى الاحتمالات سوف يكون بوذياً.
على أي حال فمن حق كل إنسان أن يعتقد بان دينه هو الدين الحقيقي الوحيد لأنه نشأ في بيئة مقتنعة بهذه الفكرة، فترسخت في ذهنه وتطابقت مع تصوراته بشكل لا يستطيع التفكير بوجود دين حقيقي آخر لذا يجب عليه الالتزام به وعدم التخلي عنه، لكن يجب على هذا الإنسان المؤمن بدينه أن يلتفت إلى ما حوله وأن يقرَّ بان أتباع سائر الأديان والمذاهب يفكرون كما يفكر هو، ولا يجيزون لأنفسهم ترك دينهم ومن حقهم ممارسة عباداتهم وطقوسهم.
على ضوء ذلك ينبغي استخلاص سؤال العصر الراهن: هل يمكن أن نعيش سويّاً ومختلفين؟! إن الشفاء من مرض الانغلاق الديني والانسداد المذهبي وأعراضهما الاقصائية والعدائية، وهو من اخطر أمراض المجتمعات البشرية المعاصرة، يجعل الناس باستطاعتهم أن يقدموا أسوة حسنة من المتدينين الأصحاء المتجاوزين للتشدد والانغلاق وينظرون إلى سائر أخوانهم وأخواتهم في البشرية من أتباع الأديان الأخرى بنفس العين للاستفادة من أفكارهم ومعتقداتهم وممارساتهم وإلغاء النظرة العدائية والاحتقارية للآخرين وان يسعى الجميع إلى محورية الحقيقة الإلهية التي نسميها الله والتي تدعونا لحب أبناء جنسنا، وحين تمتلئ النفوس بهذه الحقيقة التي يسميها القديس بولص: "فاكهة الروح" تتسامى وتنتعش، لأنها في حقيقة الأمر تمتلئ بأمور كثيرة كالحب والأمان والسلام والصبر والحنان والإحسان والوفاء والصفح وضبط النفس والعدالة الاجتماعية، وهذه أمور تدعو إليها مختلف الشرائع وتعتبرها سبباً لتعالي الإنسان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أوضاع مقلقة لتونس في حرية الصحافة


.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين: ماذا حدث في جامعة كاليفورنيا الأ




.. احتجاجات طلابية مؤيدة للفلسطينيين: هل ألقت كلمة بايدن الزيت


.. بانتظار رد حماس.. استمرار ضغوط عائلات الرهائن على حكومة الحر




.. الإكوادور: غواياكيل مرتع المافيا • فرانس 24 / FRANCE 24