الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المفتي - الأنواري- والبعث .. الظلامي !

نزار نيوف

2007 / 3 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


ما قاله مفتي سوريا أحمد بدر حسون قبل أيام قليلة في ندوة مغلقة ، ليس بالأمر العادي ، ولا ينبغي له أن يمر على هذا النحو كأن شيئا لم يكن ، أو كأنه حديث عابر في قضية عابرة . المفتي أطلق ما يمكن تسميته دون تردد بـ القنبلة " الشرعية" أو" الفقهية " . أكثر من ذلك ؛ إنه قنبلة في مستنقع منظومة القيم والمعايير البدوية لـ " الأخلاق " كما درجت مجتمعاتنا على اجترارها منذ أربعة عشر قرنا بعد تطعيمها بأحاديث نبوية لا يعرف أحد من أين وكيف جاءت ، وآيات قرآنية حمالة أوجه لم يتفق عليها حتى الصحابة الأكثر علما في دينهم . ولولا أن مراسل " الحياة " نشر تقريرا حول ذلك ، لكان الأمر مر دون أن يسمع به أحد . فالندوة رتب لها كما لو أنها اجتماع لمحفل ماسوني أو لحياكة مؤامرة ضد أمن الدولة ؛ والإعلام الرسمي لاسيما التلفزيون ـ وكعادته دائما في مثل هذه الأحوال ـ لم يسمع بها .. حتى الآن ؛ أما الحضورـ المدعوون لسماع حديث المفتي فـ " نخبة " يمكن معرفة جدية اهتمامها بالأمر حين نعرف أن من تقدم صفوفها شخص يدعى مصطفى طلاس وآخر يدعى محسن بلال وثالثة تدعى ديالا الحاج عارف ، وهي سيدة بلهاء بمرتبة وزيرة كان آخر إنجازاتها الثورية مطالبة القضاء بتجريد المحامي أنور البني من جنسيته وحظر نشاط جمعية نسائية (!) ؛ فضلا عن بعض أصوليي المعاهد والمدارس الطالبانية التي أنشأها حافظ الأسد في سياق توليد مشروعه الأيديولوجي النغل ، وانتهى بعض خريجيها مؤخرا إلى صفوف " القاعدة " في الجزائر واليمن وأفغانستان!

صحيح أن المفتي وصل متأخرا جدا إلى حيث سبقه الكثيرون ، ومن ضمنهم جمهورعريض مصنف بشكل أو بآخر كفئة محافظة ، ولكن عقلانية ؛ إلا أن وقع ما تقوله مرجعية روحية في أوساط جمهورها المؤمن والملتزم دينيا ، ليس كوقع ما يقوله " العوام " ، ونحن منهم ، في أوساط هذا الجمهور الذي ينبذنا ويعتبرنا من الفئة الضالة ! ولا يغير من هذه الحقيقة شيئا أن الكلام يصدر عن مرجعية دينية متطرفة في رسميتها إلى درجة تلاشي الحدود التي تفصلها عن أجهزة السلطة ، العلني منها والسري ! فحين يجاهر شخص مثل المفتي حسون المعتبر أعلى مرجعية روحية في مجتمع مسلم كمجتمعنا الذي يستمد تسعة أعشارقوانينه المدنية من الشريعة كما لو أننا في ظل حكم طالباني أو وهابي ، و تتلخص وظيفته الأساسية في تقديم الغطاء الديني لسلطة مغرقة في انتهازيتها الأيديولجية والسياسية ، بتقديم مفهوم " غير مألوف " لـ " الشرف " و " الزنى " يكاد يلامس فيه الدلالات " المدنية ـ الأنوارية" لهذا المفهوم ، لا يعود الأمر مجرد " شقشقة " كلام ، بل مقال " تأسيسي " ينبغي البناء عليه بالسرعة القصوى قبل أن تطيحه انتفاضة فقهية مضادة على يد البوطي وحزبه الطالباني كما أطاحت من قبل مشروع إصلاح التعليم الديني الرسمي !
المناسبة غير المباشرة للندوة التي دعت إليها منظمة نسائية شبه مجهولة ، كانت عمليات الذبح التي تعرضت وتتعرض لها فتيات ونساء سوريات بسكاكين المطبخ وبنادق صيد الخنازير بتهمة ارتكاب " فاحشة الزنى " ، أو ما يسمى بـ " جرائم الشرف " ؛ أي الشرف الذي حصرته الأمة وعلماؤها بالأعضاء التناسلية .. أو بتعبير أدق : بالمسالك البولية ! أما المناسبة المباشرة فهي المادة 528 من قانون العقوبات التي تعطي ضوءا أخضر للذكر بممارسة القتل " .. إذا فاجأ زوجته أو أحد أصوله في فروعه أو أخته في جرم الزنى المشهود أو في صلات جنسية فحشاء مع شخص آخر " ، وتمنحه أسبابا مخففة للعقوبة على سلوكه الإجرامي إذا أقدم على " على قتلهما او ايذائهما او على قتل او إيذاء أحدهما بغير عمد" حتى وإن كانت إحداهن " في حالة مريبة مع آخر" ، وليس فقط في حالة الفعل الجنسي السافر ! ولا يغير من هذا الأمر شيئا أن النص الشرعي نفسه يقتضي وجود أربعة شهود عدول ( غير مطعون في شهادتهم ) يقرون جميعا بأنهم شاهدوا فعل " الزنى " مشاهدة تامة . وهذا ما لا يمكن حدوثه ، حتى في أفلام الكرتون ، إلا إذا وضع الشهود الأربعة ( الذين يمكن أن يكونوا ثماني نساء !) رؤوسهم بين أفخاذ المتضاجعين وصوبوا أعينهم إلى عضويهما التناسليين! وبتعبير آخر : إن فعل " الزنى " أمر لا يمكن إثباته عمليا حتى وإن وضعت كاميرا فيديو بين أفخاذهما . وحتى في هذه الحالة لا يمكن الاعتداد بالفيلم كقرينة إثبات ، لأنه يمكن المحاججة تقنيا بأن الصورة ليست للشخصين المعنيين !

بعيدا عن السخرية السوداء ، وبالعودة إلى صلب الموضوع ، أشار المفتي حسون في محاضرته إلى أن " أكثر أبناء أمتنا ربط الشرف بالأنثى ، أي شرف الرجل في زوجته وابنته وأمه وأخته " . وفيما يبدو استنكارا سافرا من قبله لهذا المفهوم البدوي للشرف ، حدد الانتهاك " الأول " للشرف بأنه " انتهاك كرامة الأمة ". ولم يتوقف المفتي عن هذا ، بل ذهب إلى أبعد من ذلك حين أشار إلى عبثية القوانين الشرعية ذات الصلة ودعا ، وإن بشكل غير مباشر ، إلى عدم الأخذ بالحدود التي أقرتها الشريعة في هذا الأحوال " لأن من لا تصنه قيمة وأخلاق لا تصنه الأحكام والحدود " على حد تعبيره الحرفي! (*)

لكن ، ولكي يرفع التهمة عن السلطة ( والدولة ) باعتبارها مسؤولة عن جميع " جرائم الشرف " التي ارتكبت منذ الاستقلال حتى اليوم ( و دعونا الآن من جرائمها الأخرى !) ، حاول المفتي أن يرمي المسؤولية على الاستعمار الفرنسي حين تساءل عما " إذا كانت المادة (528 من قانون العقوبات الصادر في العام 1949 ) موافقة للشريعة أو للشرائع ، أم هي قانون فرنسي صيغ بأيد عربية ابتعدنا فيها عن الشريعة وسمحنا للعادات بأن تتحول إلى أعراف " وقوانين !؟

هنا بيت القصيد ، وهنا جوهر المشكلة برمتها . ودون الإشارة إليها وفضحها ، يبقى كل كلام في هذا المجال بلا معنى وبلا طائل ، ومجرد فعل تضليلي يرقى إلى درجة الضحك على الذقون . صحيح أن السلطات الاستعمارية الفرنسية عمدت إلى تصعيد الكثير من الأعراف والتقاليد الاجتماعية إلى مرتبة " القانون " حين صيغت أول مسلة قانونية في ظل الإنتداب ، ولكن الأصح أن قانون العقوبات الساري المفعول الآن صيغ بعد الاستقلال بثلاث سنوات ، وليس في ظل الجنرال غورو أو الجنرال دو مارتيل . وإذا كان " العهد الوطني " الذي تلا الاستقلال واستمر حتى استيلاء البعث على السلطة في العام 1963، موصوفا بـ " الرجعي " والـ " إقطاعي " و " المتحلف " من قبل البعثيين ، فماذا فعل هؤلاء البعثيون " الثوار والتقدميون " خلال أكثر من أربعة عقود في مجال مسلة قوانين الأحوال الشخصية والقوانين الأخرى ذات الصلة بحقوق المرأة ( كيلا نسألهم عن إنجازاتهم الأخرى في السياسة والاقتصاد والثقافة ) !؟ باختصار : لا شيء . أو بتعبير أدق ، لقد تقهقر وضع المرأة في ظلهم إلى دون المستوى الذي كان عليه قبلهم ، إذا ما أخذنا الأمر بالمعايير النسبية التي ترى في التطور سيرورة تراكمية . بل إن بلدانا عربية و / أو إسلامية عانت ظروفا اجتماعية تاريخية أقسى وأصعب مما عانته سورية ، مثل تونس واليمن الجنوبي والصومال ( نعم الصومال وليس غيرها !) حققت للمرأة ما لم يتجرأ دجالو البعث ومنافقوه حتى على التفكير به . في صومال محمد سياد بري واليمن الجنوبي ( قبل الوحدة التخريبية المشؤومة مع ظلاميي اليمن الشمالي بقيادة مفتي الإرهاب عبد المجيد الزنداني ) ، و تونس بورقيبة ( الذي لا يتذكر البعثيون من إنجازاته إلا ما قاله في أريحا عن الحل السلمي ) ، ألغي دون تلكؤ أو خوف القانون الإسلامي الوضيع الذي يشرّع الدعارة الجماعية ، وأعني قانون " تعدد الزوجات " . أما في سوريا ، وبعد 44 عاما من ثورة البعث المظفرة فما تزال السلطة تتواطأ ـ من خلال قوانينها وأجهزتها القضائية ـ مع أحط أشكال الممارسات الاجتماعية وتقاليدها . وفي مناطق شاسعة من سوريا ، لاسيما شرقها وشمالها ووسطها ، تكاد المحاكم "تختفي من الوجود" وتصبح بلا عمل ، ليس بفعل فسادها فقط ، بل ـ وهو الأخطرـ لأن سلطة أخرى حلت محلها هي سلطة شيخ العشيرة والقبيلة وزعيم الطائفة الذي عاد إلى ممارسة دوره كقاض كما كان عليه الأمر في غابر الأزمان ! ويكفي للإشارة إلى عمق الهوة السحيقة التي ارتد إليها وضع المرأة في ظل ثوار البعث أن المطمح الأكبر للمنظمات النسائية ( التي سلمت حتى الآن من سكاكين الوزيرة الغبية ) ليس المطالبة بإلغاء القانون الذي يشرّع الدعارة ( قانون تعدد الزوجات) ، وهو ما لم تتجرأ أي منظمة أو حزب في سوريا على الاقتراب منه باستثناء منظمة واحدة ، بل مجرد وقف ذبح النساء بسكاكين المطبخ تحت رعاية وإشراف قوانين البعث التقدمي ، والسماح لهن بالسفر دون إذن " أولياء أمورهن " ! ولا داع لسرد الأمور الأخرى كقوانين الإرث و حق الجنسية لأبناء النساء المتزوجات من أجانب ، والطلاق الذي يمكن للمرأة أن ترى " نجوم الظهر " قبل أن تراه ، وحضانة الأولاد التي كرستها قوانين البعث كـ " خدمة سرلنكية " تؤديها المرأة مقابل أكلها وشربها !
الأغرب من هذا كله هو أن المعارضة التي تسمي نفسها ديمقراطية وليبرالية وعلمانية وحداثية ، وتقدم نفسها بديلا سياسيا وحضاريا لهذه السلطة ، لم تتجرأ على قول حرف واحد في قضايا من هذا النوع ؛ بل إن برامجها ( إذا كان لديها برامج ) تخلو من مجرد الإشارة إلى ذلك ، في الوقت الذي تتنطح فيها لقضايا لا زالت أغلبية الشعب السوري ترى فيها مجرد سفسطة وثرثرة " مثقفين " عاطلين عن العمل !

فإذا كان الأمر كذلك ، وهو فعلا كذلك ، وإذا كانت الأمور نسبية ، وهي فعلا على هذا النحو ، أليس من حق المفتي علينا ، رغم كل ما يقال فيه وعنه ، ورغم موقعه كناطق رسمي باسم الشريعة ، أن نطلق عليه لقب " المفتي الأنواري " ، وأن نسمي البعث و معظم معارضيه ، على حد سواء ، بالظلاميين والطالبانيين!؟ وإذا لم يكن من حقنا ذلك ، سيكون من حقنا أن نطالب المعترضين بتقديم أدلة تثبت وجود أي فرق بين دولة يحكمها الملا عمر ، أو أي شيخ وهابي ، تجز فيها رقبة المرأة بسكين مطبخ تنفيذا للحد الشرعي ، وبين دولة يحكمها البعث منذ أربعة عقود ويكرس فيها قوانين تشرّع الدعارة باسم تعدد الزوجات ، وتجز فيها رقبة المرأة كالنعجة .. بالسكين ذاتها وبتواطؤ من القانون ذاته !؟

www.syriatruth.org
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) ـ تقرير " الحياة " وحديث المفتي :

http://syriatruth.org/Al-Hakikah/index.php?option=com_content&task=view&id=375








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البنتاغون: أنجزنا 50% من الرصيف البحري قبالة ساحل غزة


.. ما تفاصيل خطة بريطانيا لترحيل طالبي لجوء إلى رواندا؟




.. المقاومة الفلسطينية تصعد من استهدافها لمحور نتساريم الفاصل ب


.. بلينكن: إسرائيل قدمت تنازلات للتوصل لاتفاق وعلى حماس قبول ال




.. قوات الاحتلال الإسرائيلي تهدم منزلا في الخليل