الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجدار العازل في العراق

خالد عبدالله

2003 / 8 / 5
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


 
كاتب عربي يقيم في وارسو

لقد أدى قيام السلطة الفلسطينية بموجب اتفاقيات أوسلو إلى قيام جدار عازل بين إسرائيل والشعب الفلسطيني على مدى سنوات سبع، قامت خلالها إسرائيل بخلق الحقائق على الأرض حثا للخطى نحو مراميها. وقد تسلق الشعب الفلسطيني هذا الجدار ثم هشمته إسرائيل برعونتها. وهي تريد الآن ترميمه حتى يعود إلى وظيفته الأساسية.

لقد كان بإمكان إسرائيل أن تبني سلطة فلسطينية من الداخل لكنها كانت تدرك أن نجاحها محدود. فالنجاح يقتضي استقطاب المؤثرين في الشارع الفلسطيني. كما أنها أدركت بعد قيام الانتفاضة الثانية أن مخزون التأثير الذي كانت تسحب منه أوشك على الانتهاء بعد أن استنفذته استهلاكا. وهذا يفسر قسوتها على الجدار الفلسطيني لأنه أصبح في نظرها دون تأثير. وهذا يفسر أيضا عدم استعدادها لتقديم تنازلات ثانوية للديمقراطي الفلسطيني.

ومن طبيعة الأمور أنه حينما يحصل الفراغ تتفاعل الأحداث لتملئه. ولذلك، فقد أخطأ الكثير، ذوو النوايا الحسنة، حين ظنوا أن قوة المقاومة الإسلامية كانت نتيجة لغض النظر الإسرائيلية عنها منذ عقدين. لقد أصبحت قوية لأن الناس أصبحت تعتقد أنها تدافع عن مصالحهم. وسيكون تأثيرها حال تأثير السلطة إن بدأ ظن الناس يضعف فيها.

وقد وصلت الإدارة الأمريكية إلى نفس القناعة. لقد كانت تفكر في البداية في أن تكتفي بمن ركبوا دباباتها فعلا من اللصوص، وأصدقاء الموساد، والباحثين عن المال والجاه. ولكنها رأت بالفعل، المظاهرات المليونية والاحتجاجات المتواصلة والمقاومة المسلحة، أن تأثير أية سلطة من هؤلاء لن يفضل تأثير روابط القرى الفلسطينية. ولذلك، بذلت كل جهدها خلال الأشهر القليلة الماضية لتطويع إرادة البعض من ذوي التأثير للانضمام إلى مجلس حكمها. فاستعملت الترغيب والترهيب. وهي تشمل أساليب متنوعة تجمع الاثنين، مثل الورقة الطائفية، والضغط على إيران، والتخويف من عودة صدام أو أنصاره، وفتنة المنصب وغير ذلك كثير. وقد تمكنت أن تضع اللصوص وأصدقاء الموساد جنبا إلى جنب مع الذين يرفعون شعارات المبادئ. وأقول شعارات، لأن المبادئ حينما لا تترجم في أرض الواقع أو أن الممارسة تشي بغيرها فلن تعدو أن تكون شعارات.

وكم كان يبدو كبيرا ابراهيم الجعفري قبيل الحرب وهو يعض على جراحه ليقول إنه ضد الحرب الأمريكية. وكم بدا صغيرا حينما ظهر على شاشة المنار بعيد أن أصبح أول رئيس، هجائيا، للسلطة العراقية المنتخبة أمريكيا. لم يكن فقط متناقضا، ومدافعا، بعد أن كان من قبل متسقا ومهاجما، وإنما أيضا أصبح يعبث بالترهات التي لا تليق. وهي حال من الإفلاس السياسي المعيب. فقد تحدث عن المقاومة بأنها قتل طبيب هنا، وسيدة هناك. ولم يأت حتى على ذكر أن القتل يطول الأمريكان.

وقد كان يمكن أن يظهر كرجل فكر لو قال أن المقاومة أشكال، ونحن لا نرى ضرورة المقاومة المسلحة الآن، وإن كنا نحترم من يقول بها من الآخرين. ويمكن حتى قبول القول منه لو أخرج منها فلول النظام. لكنه كان خائفا على المنصب إلى درجة أنه لم يستطع أن يجيب على إمكانية ركوب منهج المقاومة المسلحة في المستقبل إن بدا ذلك ضروريا. فقد هيمن العي والغمغمة على من كان مفوها قبل أن يصبح رئيسا للسلطة المنتخبة أمريكيا.

والأنكى أنه تعرض لموضوع يثيره أعضاء الحزب الأمريكي، مع الاستئذان من علاء اللامي، في العراق. وهو موضوع التدخل العربي في العراق. وهو ذو شقين. الأول، أن العرب لم يدينوا جرائم صدام. الثاني، أهل مكة أدرى بشعابها.

أما الأول فهو تعتيم الأمور حتى لا تتضح. وهو تمييز لا داعي له. فإن كان المقصود من العرب الحكومات وأجهزتها، فالفروق ليست إلا في الدرجة. وما مس أهلنا في العراق مس أهلنا في كل مكان. والحكومات في العادة تتبادل الهدايا بالتكتم على منكر بعضها البعض إلا في حالات مكيافيلية. أما القتل الجماعي، فهو ممارسة عربية حينما يتعرض أي نظام للخطر من الناس. هل نسيتم ما حصل بين الفلسطينيين والسلطة الأردنية، والحرب الأهلية في لبنان، وما جرى من اقتتال في اليمن بين شطريه، وما يجري في الجزائر. ولا يمكن أن نضع استثناء لأي نظام يتهدده خطر من الناس. ألم يحصد الشاه الآلاف المؤلفة في إيران. حتى بين الحركات الكردية حصل القتل الجماعي في صراعها على السلطة.

فالعرب،كما الأكراد وغيرهم، جميعا هم موضوع للتعذيب، أو للقتل، أو للسجن في بلدانهم إن تعرضوا للنظام بما يعتبر خطرا عليه. فصدام لم يكن يعفو عن أحد يسيء إليه حتى لو كان من عظم الرقبة. ولو ثارت عليه تكريت لحرقها.

أما أن الإعلام العربي أخفى جرائم صدام، فقد أخفاها من قبل الأمريكان. بل أن الأمريكان كانوا طرفا أساسيا لما حصل من قتل في مدن الجنوب. ولكن الحزب الأمريكي الذي ينتقد العرب الذين لا يدرون ينسى الأمريكان المشاركين.

أما أن أهل مكة أدرى بشعابها، فهو في قمة الوقاحة السياسية. فإن كان المقصود العرب الرسميين فهؤلاء لا يتدخلون إلا بمقدار ما يريده سيد مجلس الحكم الأمريكي. وإن كان المقصود ما يقوله العربي العادي أو المثقف المنفك عن السلطة، فهو لا يعدو أن يكون تضامنا مع إخوانهم في العراق ضد الاحتلال. لكن هذا هو ما يوجع أعضاء الحزب الأمريكي، عدم التحريض على الأمريكان. فهل كانت هرولة العراقيين إلى القتال في فلسطين وسوريا ومصر، وإسناد الثورة الجزائرية ضد فرنسا  تدخلا في شؤون هذه البلدان.

وحتى إن صح أن بعض العرب يقاتلون الأمريكان في العراق، فأنى لهم أن يقوموا بذلك إن لم تكن بيوت العراقيين وقلوبهم مفتوحة لهم. ولكن من المخجل أن يطرح هذا الموضوع ممن يرفعون الشعارات الإسلامية.

لكن سيتسلق الشعب العراقي الجدار العازل، غير أن الجدار بدأ يحدث أضراره. فالعالم كله يريد من الولايات المتحدة أن تسلم الأمم المتحدة زمام الأمور الأمنية والإعمارية. وقد أصبح الموقف الأمريكي ضعيفا في مواجهة هذه الضغوط بسبب المقاومة العراقية، المظاهرات، والاحتجاجات، والهجمات المسلحة. فهذه تسقط الدعوى الأمريكية بالتحرير. وقد حاول حتى رئيس الوزراء البريطاني مع بوش، لكن خاب جهده لجبنه كما تقول الوزيرة المستقيلة من حكومته. وقد قوى تشكيل مجلس الحكم اليد الأمريكية، لأنه ضم عناصر هامة من الشعب العراقي. ويمكننا أن نتصور كيف سيكون موقف أمريكا في الأمم المتحدة لو ذهبت إليها بمجلس يضم فقط من يمثلون أنفسهم من اللصوص وأصدقاء الموساد.

كما بدأت أمريكا تعطي تحت مظلة هذا المجلس عقود تشغيل آبار النفط وخطوط نقله للشركات الأجنبية، وهي بداية لخصخصة النفط. وأعطت أيضا إدارة المصارف العراقية لشركات خاصة. فكل هذا تمهيد لخصخصة العراق حسب المواصفات الأمريكية. وأمريكا تريد أن تعد الدستور قبل الانتخابات. ويجري هذا بموافقة المجلس. فالمفترض أن ممثلي الشعب يضعون دستور البلاد، لكن حسب النموذج الديمقراطي للعراق، أخر طبعات الديمقراطية الأمريكية، يضع الأمريكان الدستور ثم يوافق عليه الشعب العراقي.

وسيضمن الأمريكان الموافقة إن تمت الأمور على هواهم. ألم تسمعوا باستفتاء اللاجئين الفلسطينيين الذي قام به مركز فلسطيني ممول من أمريكا، الذي تقول نتائجه أن أكثر من تسعين بالمائة من اللاجئين الفلسطينيين لا يريدون العودة، تكاد تقترب من نسبة انتخاب صدام لحكم العراق !

ولو نظر المجلس الإسلامي الأعلى، ولو نظر حزب الدعوة، ولو نظر الحزب الإسلامي في تجربة السلطة الفلسطينية، لأدركوا أنهم يسيرون في طريق الهاوية. وأظنهم بدأوا من الآن يدركون أن الرصيد الذي يملكونه لدى الشارع العراقي أصبح ينضب تدريجيا، ولكنهم سيشهدون قعره إن أمعنوا في طريق الضلال الذي سلكته السلطة الفلسطينية من قبل.

كنعان








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل نجح الرهان الإسرائيلي في ترسيخ الانقسام الفلسطيني بتسهيل


.. التصعيد مستمر.. حزب الله يعلن إطلاق -عشرات- الصواريخ على موا




.. تركيا تعلن عزمها الانضمام إلى دعوى -الإبادة- ضد إسرائيل أمام


.. حراك الطلاب.. قنبلة موقوتة قد تنفجر في وجه أميركا بسبب إسرائ




.. لماذا يسعى أردوغان لتغيير الدستور؟ وهل تسمح له المعارضة؟