الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تطور الحركة الإجتماعية الإحتجاجية بتماسينت بالريف بالمغرب

امال الحسين
كاتب وباحث.

(Lahoucine Amal)

2007 / 3 / 5
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


إن الدارس للحركة الإجتماعية الإحتجاجية بالريف يقف عند مدى تطور هذه الحركة عبر الأجيال منذ تأسيسها من طرف قائدها العظيم محمد بن عبد الكريم الخطابي ، الذي ينحدر من بلدة "أجدير" على بعد حوالي 8 كلم من مدينة شرق الحسيمة و الذي قاد المقاومة الريفية ضد التحالف الإمبريالي الإسباني الفرنسي من 1912 إلى 1923 ، و كان للدعم الذي تتلقاه بلدة "أجدير" من المناطق الريفية أثر كبير على الهزائم التي لحقتها المقاومة الريفية بالجيوش الإسبانية و الفرنسية ، و تعتبر بلدة "تماسينت" من بين القلاع الصامدة في وجه التحالف الإمبريالي الإسباني الفرنسي و الدعامة الأساسية للمقاومة التي قادها البطل عبد الكريم الخطابي ببلدة "أجدير"، و التي عرفت امتداداتها مع المناضل الثوري الشهيد حدو بن عبد السلام أقشيش القائد المؤسس لحركة التحرر الوطني الثورية بشمال أفريقيا ، و الذي تم اختطافه و تعذيبه و قتله من طرف ميليشيات حزب الإستقلال في أواخر أبريل 1956 ، و لا غرابة أن تقود بلدة "تماسينت" اليوم الصراع ضد النظام القائم و هي المنطقة الوحيدة التي قاومت المشروع المغشوش فيما يسمى بإعمار المناطق المنكوبة بزلزال 24 فبراير 2004 ، هذا المشروع الذي يهدف إلى تحميل السكان المنكوبين بالريف أعباء الإعمار بشكل يجعل النظام القائم يتملص من مسؤولياته ، في الوقت الذي يشوب فيه الغموض التصريح بالمبالغ المالية التي تلقاها النظام القائم من المنتظم الدولي و المنظمات غير الحكومية وطنيا و دوليا و المأجورين و عن كيفية صرفها.
هكذا تقاوم بلدة "تماسينت" هذا المشروع المغشوش تارة بالرفض عندما يرغب المسؤولون لأول وهلة إستدراج السكان للوقوع بهم في فخ المسؤولية المشبوهة ، و تارة بالإنتفاضة الشعبية عندما يحاول النظام القائم إجبارهم بالقوة على قبول مشروعه التضليلي ، و كان موقف بلدة "تماسينت" واضحا و هو المطالبة المشروعة في الحق في السكن الذي يصون كرامة جماهير الريفيين ، و أصبحت بلدة "تماسينت" في واجهة الصراع مع أجهزة النظام القائم و في ظل حركة اجتماعية احتجاجية تقدمية .
فمنذ الغزو الروماني لشمال أفريقيا و المنطقة تعرف تفاعلات سياسية و عسكرية حولتها إلى موقع ثوري يقاوم جميع التدخلات الإستعمارية الإمبريالية ، و تعتبر معركة " أنوال " بقيادة الشهيد محمد بن عبد الكريم الخطابي أروع ما أنجزته الريف من بطولات تاريخية ، و التي أبهرت الدارسين لتاريخ حركة التحرر الوطني الثورية و أصبحت من بين التجارب الإستراتيجية العالمية في مجال المقاومة الشعبية ، و يعتبر التشبث بالخصوصيات السوسيو ـ ثقافية بالريف في أبعادها السياسية والإقتصادية و الإجتماعية و الثقافية ذات الشرعية التاريخية دعامة أساسية في الصراع بين جماهير الريفيين و النظام القائم .
و كان للثورة الريفية أثر كبير في تركيز بعد المقاومة الشعبية ضد تحالف الإستعمار و الإقطاع بالمغرب في مرحلة الإستعمار المباشر، و ذلك بالتحام الجنوب بالشمال مع تأسيس " جيش التحرير " بالريف بقيادة الشهيدين حدو أقشيش المنحدر من الريف و عباس المساعدي المنحدر من الجنوب و بدعم من القائد الشهيد محمد عبد الكريم الخطابي بالمنفى ، و لعب جيش التحرير دورا أساسيا في مقاومة تحالف الإمبريالية الإسبانية الفرنسية ، و لم تقف ثورة الريف عند هذا الحد بل عرفت امتدادات كفاحية في مرحلة الإستقلال الشكلي مع الإنتفاضة ضد استبداد النظام القائم في 1958/ 1959 و التي تم قمعها بالحديد و النار ، و تم نهج سياسة التهميش بالريف من أجل ضرب دوره التاريخي باعتباره المحرك الأساسي في استقرار و زعزعة الأوضاع السياسية بالمغرب .
و الاوضاع الاقتصادية و الاجتماعية المزرية لجماهير الريفيين ما هي إلا نتيجة للسياسة الطبقية للنظام القائم ضد امتدادات حركة التحرر الوطني الثورية ، هذه السياسة التي حولت المنطقة إلى بؤرة لترويج المخدرات و السلع المهربة من أوربا و تصدير الطبقة العاملة إلى دول أوربا الغربية و انتشار الفقر و الأمية في صفوف جماهير الريفيين ، و الصراع التاريخي بين الريف و النظام القائم بالمغرب لا يمكن تحليله بمعزل عن الصراع التاريخي لجماهير الريفيين ضد تدخل الرأسمالية الإمبريالية و من أجل التحرر الوطني ، و سيبقى صراعا مفتوحا ما دامت مظاهر هذا التدخل قائمة و لن يهدأ إلا عند نفي هذه المظاهر التي أصبحت عائقا أمام استقرار الأوضاع بالريف ، إن الأوضاع المزرية التي تعيشها جماهير الريفيين بعد كارثة الزلزال يوم 24 فبراير 2004 ما هي إلا وجه آخر من الأوجه المظلمة لسياسة النظام القائم بالمغرب ، و الذي يعبر عن استمرار السياسات القمعية المتبعة اتجاه الحركات الاجتماعية الاحتجاجية لجماهير الريفيين منذ أمد بعيد ، ففي الوقت الذي يحاول فيه النظام القائم الظهور بمظهر المعني بالأوضاع الريفية يجد نفسه بعيدا كل البعد عن هموم جماهير الريفيين و تطلعاتهم ، بالتورط أمام مطالبهم المشروعة التي فاقت منظوره الضيق لكارثة الزلزال التي حاول استغلالها لفتح باب " التصالح " مع الآخر / النقيض التاريخي ، و كعادته حيث يحاول استغلال جميع الأحداث المفرحة و المحزنة لإبراز وجهه بحثا عن الشرعية التاريخية التي افتقدها في سنوات القمع الأسود ، حاول فاشلا استغلال محنة زلزل الحسيمة للظهور بمظهر البريء متجاهلا بصمات الماضي الأسود التي مازالت موشومة في ذاكرة الريفيين معقل حركة التحرر الوطني الثورية .
إن أرض الريف الثورية لا يمكن أن تبقى عاقرا و كانت الكارثة الأليمة لزلزال الحسيمة مناسبة لتعرية وجه النظام القائم حيث ووجه بحركة اجتماعية احتجاجية تقدمية تجاوزت أساليبه المعهودة ، فكانت حركة التنظيمات الذاتية لجماهير الريفيين أروع ما أنجبته الريف في الآلفية الثالثة و التي تعتبر الإستمرارية التاريخية للثورة الريفية ، لكن إرادة النظام القائم في الهيمنة على الأوضاع بالقمع وضعته في صراع دائم مع الحركة الإجتماعية الإحتجاجية بالريف التي لم يستطع احتواءها خاصة بتماسينت ، و تراجع النظام القائم أمام دينامية هذه الحركة و بقيت الأوضاع على ما هي عليه دون أن يصل إلى هدفه في احتوائها حيث فاقت تطلعاتها ما يطمح إليه من هيمنة ، فكان لابد من الاصطدام و كعادته تدخل بكل عنف أمام المطالب المشروعة لحركة اجتماعية احتجاجية تقدمية ، في ظل صمت الأحزاب البورجوازية التي لا تستطيع الخروج عن دائرة الطاعة في وقت يتم فيه محاولة تمرير قانونين خطيرين ، الأول قانون تأسيس الأحزاب الرجعية الذي يسعى إلى تحويل هذه الكائنات إلى متنافسين حول التفوق في تنفيذ برامج النظام القائم ، و الثاني قانون منع الإضراب الذي يكبل أيادي الطبقة العاملة و يصادر منها آلية من آليات الدفاع الذاتي المشروعة التي تم تحقيقها عبر نضالات تاريخية مريرة تم فيها إراقة دماء العاملات و العمال ، و كان لابد من التدخل بقمعه المعهود ضد الحركة الإجتماعية الإحتجاجية بتماسينت و اعتقال المناضلين الثوريين وإقامة محاكمات صورية لهم لتجسيد كيانه كنظام تناحري .
كان لتأجيج الحركة الإجتماعية الإحتجاجية أثر كبير في تطور أساليب التعبير و المواجهة فاق التصورات بعد تنظيم مسيرة احتجاجية من "ماسينت"إلى "جدير" على مسافة 28 كلم يوم 14 أبريل 2005 ، و تستمر المسيرات بإعلان مسيرة تماسنت إلى الحسيمة على بعد 35 كلم يوم 19 ماي 2005 و إعلان قافلة المساندة من طنجة إلى تماسينت ليوم 29 ماي 2005 الشيء الذي أثار غضب النظام القائم ، في الوقت الذي لم يستطع فيه احتواء حركة اجتماعية احتجاجية حضارية تعبر بالفعل عن دور التنظيمات الذاتية لجماهير الريفيين ، و كان لابد مرة أخرى من التدخل بالقمع المعهود بعد اعتقال بعض مناضلي جمعية تماسينت في 11 ماي 2005 و محاكمتهم و إدانتهم بالسجن ، و كان لإصرار جماهير الريفيين بتماسينت على تنظيم المسيرة وقع كبير على رغبة النظام القائم في التدخل بقمعه المعهود في مسيرة يوم 19 ماي 2005 ، و كان لابد من الصمود و التحدى لمواجهة القمع الأسود للنظام القائم ، و كان لتنظيم قافلة التضامن مع تماسينت يوم 29 ماي 2005 وقع كبير على تجديد دماء الحركة الإجتماعية التضامنية حيث شارك فيها ممثلون عن جل مناطق المغرب ، و زاد أشكال التضامن تطوير إعلان اليوم الوطني و العالمي التضامني يوم 12 يونيو 2005 ، الذي أعطى للقضية بعدا وطنيا و دوليا حيث تنظيم الإحتجاجات في عدد كبير من المناطق عبر المغرب و أوربا الغربية و خاصة مسيرة برشلونة بإسبانيا .
و النظام القائم كعادته حاول قمع جماهير الريفيين بإصدار أحكام قاسية ضد مناضلي جمعية تماسينت و لم يعلم أن ذلك لن يزيد الحركة إلا صمودا ، في الوقت الذي تحول فيه ملفهم المطلبي إلى شقين الأول سياسي يتمحور حول إطلاق سراح المعتقلين قبل و بعد مسيرة 19 ماي 2005 و عددهم 16 معتقلا و الثاني اجتماعي و هو إعمار المناطق المنكوبة ، و رغم القمع و الحصار فقد تمت قافلة التضامن بنجاح و كذا الوقفات الإحتجاجية بجل مناطق المغرب و التي لم تسلم هي الأخرى من المتابعات و الإدانات ، كما هو الشأن في وقفة تازة التي تمت فيها إدانة شاب بسنة سجنا نافذا و إدانة رئيس جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية بغرامة .
و كان لتورط الأحزاب البورجوازية في هذا الملف صارخا عندما أقدمت أجهزة النظام القائم على تشكيل لجنة من تضم هذه الأحزاب في محاولة أخيرة لاحتواء الحركة ، و في كل مرحلة من مراحل الصراع بين جماهير الريفيين بتماسينت و النظام القائم يحاول هذا الأخير الظهور بمظهر المنتصر و الضابط لزمام الأمور ، كيف لا و هو الذي وعد لجنته الأخيرة بعدم متابعة مناضلي الجمعية في الوقت الذي يتم فيه متابعة 12 مناضلا أمام المحكمة الإبتدائية بالحسيمة ، و كيف لا و هو الذي أصدر عبر أجهزته القضائية أحكاما قاسية تتراوح بين 6 و 7 أشهر في 20 يوليوز 2005 ، و حتى لا يظهر بمظهر المنهزم أمام إصرار جماهير الريفيين بتماسينت على الصمود و التحدي أعطى أموامره لأجهزته القضائية لإنزال الأحكام القاسية في حق مناضلي تماسينت .
و لكن قسوة الأحكام التي أصدرتها الأجهزة القضائية في حق المناضلين لا تزيد جماهير الريفيين بتماسيت إلا صمودا و كفاحا من أجل مطالبهم المشروعة السياسية و الإجتماعية ، و كان تنظيمهم لعدة مسيرات شعبية في 04 غشت و 01 شتنمبر 2005 و 19 ماي 2006 و 21 و 24 فبراير و 01 مارس 2007 و عدد من الوقفات الإحتجاجية و تجمعات جماهيرية دليلا على استمرارية الحركة الإجتماعية الإحتجاجية بتماسينت ، و في كل مسيرة ينزل النظام القائم بكل ما يملك من قوات القمع لمحاصرة امتداد هذه المسيرات الشعبية لجماهير الريفيين بتماسينت ، دون أن يقدر على الإصطدام مع جماهير المنتفضين كما هو الشأن في 19 ماي 2005 عندما أراد قتل الحركة في مهدها ، و تعتبر هذه الحركة رسالة من جماهير الريفيين بتماسينت على أنهم صامدون يقاومون و أنهم بلا شك يستحضرون بطولات القائدين الريفيين العظيمين ، محمد بن عبد الكريم الخطابي و العقيد حدو بن عبد السلام أقشيش باستحضار التحالف التاريخي بين أجدير و تماسينت ، و لا شك أنهم صامدون ما دام الصراع قائما بين جماهير الريفيين بتماسينت و النظام القائم .

تارودانت في : 04 مارس 2007
امال الحسين








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقابلة خاصة مع رئيس تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية السودا


.. ارتباك في فرنسا مع انطلاق الجولة الثانية للانتخابات.. واليسا




.. شرطة نيويورك تقمع بالضرب متظاهرين داعمين لغزة


.. الشرطة الإسرائيلية تستخدم مضخات الماء لتفريق متظاهرين طالبوا




.. بريطانيا.. الحكومة الجديدة تعقد أول اجتماع لها عقب الانتصار