الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثقافة الحجاب من حجز المرأة بالبيت إلى توظيف الحجاب أيديولوجيا

امال الحسين
كاتب وباحث.

(Lahoucine Amal)

2007 / 3 / 8
ملف 8 اذار / مارس يوم المراة العالمي2007 -حجاب المرأة بين التقاليد الأجتماعية والبيئية والموروث الديني


لقد اطلعتنا السيرورة التاريخية للحركة الإجتماعية أنه بعد تعدد المصالح و تعارضها و بروز السيطرة و الهيمنة بالقوة أصبح الفرد في حاجة ماسة إلى من يحميه من بطش الآخرين ، فكان لا بد من صياغة قوانين من أجل حماية مصالحه هذه القوانين التي ربطها بالتعلق بالقوى الميتافيزيقية التي استعان بها لتفسير جميع الظواهر الإجتماعية و الطبيعية ، و استمد الفرد قوته خارج العالم المادي الذي يعيشه فوضع لكل ظاهرة تفسيرا ميتافيزيقيا و أصبح الدين جزءا من حياته اليومية ، و الذي تطور مع مرور الزمان إلى أن يصبح شموليا يتدخل في كل تفاصيل حياته .
و تعتبر ظاهرة المعتقد ظاهرة طبيعية في حياة الشعوب و الذي عرف تعبيرات متعددة و متنوعة حسب خصوصيات كل حضارة ، و تعتبر الكنيسة و الدير و المسجد أهم رموز المعتقدات الدينية الأساسية و الأكثر انتشارا في العالم ، و التي تملكت الشرعية التاريخية لما لها من تأثير كبير في تطور المجتمعات البشرية حيث ارتكزت على نشر العدل و المساواة بين البشر ، و لم تخل من صراعات تاريخية ما زالت مستمرة إلى يومنا هذا حيث تسعى كل ديانة إلى السيطرة و الإستمرار على أنقاض الديانات الأخرى ، هذه الصراعات التي عرفت انتهاك حقوق الإنسان و سفك الدماء ، خاصة في الوقت الذي أصبح فيه الدين جزءا من منظومة الدولة يتم استغلاله أيديولوجيا .
و برزت اليهودية كأول ديانة سماوية على أنقاض تناقضات الدولة الفرعونية كما جاء في أساطيرها انطلاقا من الصراع ضد الحكم الفرعوني المستبد ، و جاءت الديانة اليهودية من أجل بسط العدل و المساواة بين الناس و القضاء على استبداد الفرعون و أصبحت ديانة عالمية ، و حاولت توحيد الآلهة و نقل مركزها من الأرض إلى السماء انطلاقا من إيجاد حلول القضايا الإجتماعية في السماء ، و تم تجاوز منظور تجسيد الآلهة في الأصنام كرموز مادية للآلهة بتجسيد الإله الواحد و الموحد خارج الواقع الطبيعي الذي يعيشه الإنسان ، كل ذلك من أجل إسقاط نظام الفرعون و إقامة نظام بديل مكانه تسود فيه العدالة و المساواة و توالت الديانات السماوية مع بروز ضرورة التغيير فظهرت المسيحية ثم الإسلام .
إن الدين باعتباره منظومة فكرية ميتافيزيقية يستمد قوته من خارج العالم الطبيعي يحاول بسط سيطرته على الواقع المادي ساعيا في نفس الوقت إلى تغيير هذا الواقع و التحكم في أحواله المادية و المعنوية ، و لا يمكن أن يتم الحديث عن الدين خارج منظومة المجتمع الذي نشأ فيه و تطور داخله بحكم العلاقة الجدلية بين الدين كحركة فكرية و الحركة الإجتماعية ، و هو يعتبر إفرازا طبيعيا للمجتمع الذي نشأ في أحضانه وفق أهميته التاريخية و الضرورية حسب متطلبات المجتمع في مراحل تاريخية محددة حيث شيوع سيادة الفكر الميتافيزيقي.
و خلال عصور المشاعة التي يمكن اعتبارها أرقى ما وصل إليه الإنسان على مستوى العلاقات الإجتماعية لكون الفرد يعمل لصالح الجماعة التي تعمل على حمايته من داخل الجماعة و لصالح الجماعة ، كانت المرأة هي المؤهلة لقيادة هذا الصراع ضد الآخر/ الحيوان و قساوة الطبيعة بفعل مكوناتها الفيزيولوجية و السيكولوجية و السوسيولوجية التي تضعها في موقع المسؤولة على استمرار الحياة ، و في مجتمعات تعتمد على الجماعة نظرا لما تتطلبه تكنولوجية تلك العصور التي هي عبارة عن وسائل إنتاج بدائية ، تعتمد على العمل الجماعي أكثر من اعتمادها على الفرد الذي لا شأن له إلا من داخل الجماعة ، تلك هي حتمية الوجود في العصور الحجرية و ما قبلها و التي تحتم على الإنسان التعاون الجماعي من أجل البقاء و استغلال الطبيعة ، في هذه الظروف التي أسست لبناء المجتمعات البشرية كانت المرأة تتحكم في الإقتصاد و كانت أسعد المراحل التاريخية التي عاشتها البشرية .
و استمر الحال هكذا لملايين السنين اعتبرت فيها المرأة المكون الأساس في المجتمعات البشرية التي حظيت فيها بالسلطة في ظل المجتمعات المشاعية كأنظمة ذات أبعاد اشتراكية عفوية ، و لم يتم التحول و الإنقلاب على نمط العيش المشاعي إلا عبر المراحل التاريخية المتقدمة من حياة البشرية بعد التطور الذي لحق وسائل الإنتاج ، عبر تطوير أساليب استغلال الطبيعة بعد استئناس الحيوان و تربيته و استغلاله في وسائل الإنتاج ، و تم توزيع الأدوار بين المرأة و الرجل حيث تقوم المرأة بالأشغال الإجتماعية التي لها العلاقة بالإستقرار الشيء الذي حتم عليها البقاء في بقعة ذات حدود جغرافية محددة ، و أصبح عملها مزدوجا بالإشتغال بأعمال الفلاحة و تدبير شؤون البيت بعد بناء الأسرة بما في ذلك دور الأمومة التي تستغرق زمنا طويلا و معاناة شاقة ، و أصبحت حياة الرجل غير مستقرة حيث تتسم بالتنقل لمطاردة الحيوان بحثا عن الصيد و استئناس الحيوانات التي استغلها كوسائل الإنتاج .
و أحدث اكتشاف المحراث الخشبي ثورة خطيرة في حياة البشرية و خاصة حياة المرأة التي ستصبح فيما بعد وسيلة من وسائل الإنتاج يتحكم فيها الرجل و يستغلها ، و امتلك الرجل الأراضي و المواشي و استعبد المرأة و ظهر أسلوب الرق الذي طال المرأة كعاملة و نشأت بوادر الإقطاعي ، الذي حول المرأة من موقع السلطة داخل المجتمعات المشاعية إلى وسيلة من وسائل الإنتاج في النظام الإقطاعي تتعرض للإستغلال المزدوج بالبيت و المزرعة ، و نشأ النظام الإقطاعي الذي لعبت فيه المرأة دورا هاما في الإنتاج كعاملة دون مقابل يذكر و استولى الرجل على السلطة السياسية و الإقتصادية ، و امتلك وسائل الإنتاج و سن قوانين الرق و الإستعباد التي توفر له السيادة على المرأة أولا و على الرجال العبيد ثانيا .
و أصبحت المرأة خادمة للرجل بالبيت في أحسن الأحوال و خادمة بالبيت و الأرض في أسوئها بعدما فقدت مكانتها و إلى الأبد عندما نشأة الدولة و سنت التشريعات من طرف الرجل ، و استمر الصراع بين المرأة و الرجل على السلطة السياسية كوسيلة للتحكم في الإقتصاد و الإجتماع لآلاف السنين من عمر النظام الإقطاعي الذي شرعن استعباد المرأة من طرف الرجل ، لكن هذا لا يمنع أن تقوم أنظمة اجتماعية في ظل النظام الإقطاعي في عصور متقدمة تبوأت فيه المرأة مكانة عليا في المجتمع حيث استطاعت الوصول إلى السلطة السياسية و قيادة الدولة ، ذلك ما سجله التاريخ في العديد من المجتمعات البشرية في الجزيرة العربية مع مملكة سبأ باليمن و ما وصلت إليه الحضارة البشرية في تلك العصور و خاصة تنظيم الري ، و في عهود الممالك الأمازيغية بشمال أفريقيا و ما وصلته الحضارة الإمازيغية من تقدم خلال تلك العصور التي حكمت فيه المرأة ، و لعبت المرأة دورا هاما في بناء هذه الأنظمة السياسية التي تعتبر جد متقدمة .
و فرض على المرأة حصار الرجل الذي يسعى أن يجعلها خارج الصراع بمحاولة حجزها بالبيت و فرض القيود عليها حتى لا تخرج إلى الميدان السياسي و الإقتصادي ، و ظهرت المرأة المتحجبة المحرومة من الإحتكاك بالرجال حتى لا يفتح لها المجال ثانية للوصول إلى السلطة السياسية و الإقتصادية ، أما المرأة التي يتم استعبادها في المزرعة في ظل ظروف استغلالها فهي تعيش استغلالا مزدوجا بالبيت و المزرعة ، و كانت نساء البلاط من زيجات و جاريات لا يحق لهن الإحتكاك بالرجال إلا في ظل ممارسة سلطاتهن على العبيد الخدم بالبيوت الذين تعرضوا لأبشع ممارسات الحرمان الذي يصل حد خصيهم ، و أصبحت المرأة مادة يستغلها الرجل في ممارسة الجنس الذي لا يريد أن يشاركه فيها أحد من بني جنسه و فرض الحجاب على المرأة ، و الذي له انعكاسات سلبية على موقع المرأة في المجتمعات التي ما زال الدين طاغيا في سلوكاتهم اليومية ، حيث تحول الحجاب من ممارسة تعسفية للرجل على المرأة إلى تشريعه عقائديا ليتم تكريسه في القوانين العرفية خاصة في مراحل سابقة من استغلال الدين أيديولوجيا .
لقد مر حجاب المرأة من عدة مراحل كما رأينا كان الهدف الأساسي وراءه هو استغلال المرأة و فصلها عن الحياة السياسية و الإقتصادية حتى لا تنافس الرجل ، و أصبح الحجاب أداة للتحكم في المرأة و قد أخذ شكله الأول بحجز المرأة بالبيت من طرف الحكام الذين لا يرغبون في ظهور زيجاتهم خارج البيت ، إلا أنهم في نفس الوقت يستغلون المرأة العاملة في المزرعة في ظل استعباد العاملات و العمال في الأنظمة الإقطاعية ، و تطور حجاب المرأة مع تطور المجتمعات البشرية ليصبح ثقافة سائدة في ظل استعباد و استغلال المرأة و حجزها في البيت ، خاصة عندما تم الإستغناء عن بعض النساء في العمل بحقول الإقطاعيين و ظهرت الحرف و الوظائف الإجتماعية و الإدارية في مراحل متقدمة من بروز الدولة ، و أصبحت ثقافة الحجاب سائدة في ظل الإنظمة الإستبدادية التي تتحكم في الدين و السياسية و الإقتصاد ، وتم استغلال المعتقد لبسط سيطرت الرجل على المرأة بشرعن الحجاب و فرضه .
و هكذا نرى أن الصراع بين المرأة و الرجل يكمن في الصراع من أجل التحكم في الإقتصاد عن طريق الإستيلاء على السلطة السياسية التي تتحكم في جميع مناحي الحياة في ظل الآنظمة الإقطاعية المتعاقبة عبر التاريخ ، و من أجل الإستمرار في السلطة عمل الرجل على استغلال عامل الدين كبعد أيديولوجي جديد من أجل التحكم في السلطة و خاصة في الأنظمة الإستبدادية التي تحالف فيها الملك و النبلاء و رجال الدين ، في ظل الحكم المطلق من أجل السيطرة على الموارد الإقتصادية عبر استغلال السلطة السياسية بسن تشريعات تعتمد على الدين و تضع المرأة في مقام الدونية قصد إبعادها عن السلطة لتسهيل استغلالها .
و سادت ثقافة الحجاب بسيادة الفكر الفيودالي الذي استغل الدين للسيطر على الموارد الطبيعية و لعبت الكنيسة دورا هاما في نشر ظاهر الإستعباد ، و ذلك بتحالف رجال الدين و الملك و النبلاء لشيوع ثقافة السيطرة كما هو الشأن في استغلال الدين الإسلامي خاصة في عصور الإنحطاط ، من أجل نشر ثقافة الحجاب و شرعنتها فأصبحت ثقافة موروثة تطورت مع تطور المجتمعات البشرية ، لتتحول من الحجز في البيت إلى حجب الجسد عند الخروج إلى الشارع و عدم الإحتكاك مع الرجال ، و التي تحولت مع مراحل متقدمة إلى الإكتفاء بحجب الوجه والشعر ثم حجب الشعر فقط فيما بعد ، إلا أنه بدأت تظهر ظاهرة حجب الجسد بالشارع مرة أخرى مع ظهور بعض التيارات الأصولية التي قامت بتكريس هذه الظاهرة من المنظر الديني ، و الذي بلغ مداه ليصل حد حجز المرأة بالبيت في ظل حكم طالبان بأفغانستان حيث استغلال عامل الدين بشكل بشع حرم المرأة من حقوقها كاملة ، و أصبحت ثقافة الحجاب منتشرة بسرعة فائقة بظهور ظاهرة الحركة الأصولية منذ الثمانينات من القرن 20 .
و بلغت ثقافة الحجاب مداها في هذا مع استغلال الدين أيديولوجيا من طرف الجماعات الأصولية حيث أصبح رمزا من رموز الإنتماء السياسي ، بعد أن كان في وقتا سابق ظاهرة طبيعية بعدما تحول إلى عرف خاصة في المجتمعات المحافظة في البوادي ، التي أصبح فيها لباسا تقليديا ذو الجذور الدينية الذي تحول إلى ممارسة ثقافية عرفية أكثر منها ممارسة عقائدية دينية ، و كان لإعادة توظيف الحجاب أيديولوجيا أثر كبير في نشوء الصراع من جديد داخل المجتمعات المحافظة ، و الذي يهدف إلى تكريس استغلال المرأة و السيطرة عليها بفصلها عن واقعها الإجتماعي الذي تتعرض فيه للإستغلال من طرف الرجل ، و أصبحت المرأة من جديد معرضة للحجز و ذلك بتوظيفها كأداة أيديولوجية يتم التحكم فيها بتكريس ظاهرة الحجاب .
تارودانت في : 05 مارس ‏2007‏‏








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حزب الله يهدد باستهداف مواقع جديدة داخل إسرائيل ردا على مقتل


.. المجلس الوزاري الأمني الإسرائيلي يبحث اليوم رد حماس بشأن الت




.. مصادر فلسطينية: ارتفاع عدد القتلى في غزة إلى 38011 | #رادار


.. الناخبون البريطانيون يواصلون الإدلاء بأصواتهم لاختيار الحكوم




.. فرنسا.. استمرار الحملات الانتخابية للجولة الثانية للانتخابات