الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حجاب العقل.. أخطر

نوال السعداوي
(Nawal El Saadawi)

2007 / 3 / 8
ملف 8 اذار / مارس يوم المراة العالمي2007 -حجاب المرأة بين التقاليد الأجتماعية والبيئية والموروث الديني


حين تنتقل عيناى من الصحف الحكومية الى صحف المعارضة أشعر كأنما أسافر من بلد الى بلد آخر.
مثلا المانشيتات والصور المنشورة عن جلسة مجلس الشعب 30 ابريل 2006 فى الصحف الحكومية توحى بأن الجلسة كانت هادئة، ووقورة، والأعضاء جالسون فى مقاعدهم يستمعون فى تركيز وانتباه، وأن أغلبية المجلس وافقت على مد حالة الطوارئ لمدة عامين.
لكن الصور والمانشيتات فى صحف المعارضة تصور لنا الفوضى التى سادت الجلسة، والأعضاء الحكوميين والمعارضين يتعاركون، صدورهم مغطاة بأوشحة سوداء مكتوب عليها لا للطوارئ، يهجمون على منصة فتحى سرور بأجسادهم وأذرعهم وأصابعهم الممدودة المصوبة الى المنصة كالمسدسات، أغلبهم من أعضاء الاخوان المسلمين، وأنا أختلف معهم فى أغلب شعاراتهم السياسية والدينية والثقافية والاجتماعية، كما أننى ضد استخدام العضلات والحناجر فى الحوار السياسى أو غير السياسى.
كما أختلف أيضا مع منصة فتحى سرور المهزوزة المتأرجحة ما بين التأييد الحكومى والتهاون مع الاخوان، واختلف ايضا مع أعضاء الأحزاب المعارضة، الذين جفت حلوقهم على مدى السنين مطالبين بإلغاء قانون الطورئ ثم إذا به يغيبون عن الجلسة المخصصة لهذا القانون!
هل أدركوا أن حضورهم كغيابهم، أو أن الغياب قد ينقذهم من الحرج أن يصبحوا فى خندق واحد مع الاخوان، أو فى خندق واحد مع الحكومة؟!
تكشف الأزمات دائما عن المواقف، وتتفجر عنها الحقيقة التى يحجبها الهدوء الزائف.
إن ما تفجر فى جلسة مجلس الشعب 30/4/2006 يكشف عن الخلل السياسى والثقافى فى بلادنا، وأعتقد أن هذا التفجر أشد خطورة من التفجر فى دهب أو شرم الشيخ، لأن قتل المئات بالمواد المتفجرة أقل خطورة فى رأيى من قتل ملايين العقول من الرجال والنساء والشباب والأطفال بالثقافة المضللة والإعلام الكاذب المراوغ، والعمل السياسى الهابط.
أما ما حدث فى المظاهرات والاعتصامات من ضرب وسحل واعتقال للشباب وبعض القضاة فليس إلا جزءا من الخلل العام، والانحدار السياسى والانسانى، وفقدان الاحساس بالعدالة أو المساواة بين المواطنين، بصرف النظر عن الطبقة أو المهنة أو النوع أو الجنس أو العقيدة أو غيرها.
وكان المفروض ألا يطغى تقديرنا لمهنة القضاء على إحساسنا بالعدالة والمساواة بين المتظاهرين سواء كانوا من الشباب غير المعروف أم من القضاة المعروفين، ونحن نعرف مدى القسوة التى يعامل بها رجال البوليس أفراد الشعب العادى، فما ان يدركوا انه ليس منهم، وأن له هوية أعلى ومهنة أرفع حتى يطلقوا سراحه!
مع انه بدون هذا الشعب العادى، بدون مساندة الملايين من الشعب لهذه المظاهرات محدودة العدد، فلن يكون هناك تغيير حقيقى فى بلدنا، وسوف يواصل البوليس ضرب الشباب وسحلهم، واجهاض أى عمل سياسى أو ثقافى أو اجتماعى.
لقد استطاعت المظاهرات فى فرنسا أن تهز الحكومة والدولة، وأن تجبرهما على تغيير القانون، أما عندنا فإن قانون الطوارئ لم يحدث له أى تغيير، وسوف يستمر عامين ثم يستبدل بقانون آخر أشد قمعاً اسمه قانون الارهاب!
هذا الخلل السياسى والثقافى وانخفاض الوعى العام والخاص، لدى القيادات النخبوية، المتأرجحة بين الحكومة والمعارضة، بين مصالح رجال الأعمال البزنيس وبين مصالح العمال والفقراء، بين مصالح الرجال وبين مصالح النصف الآخر من المجتمع النساء، وفصل قضية المرأة عن قضايا الديمقراطية والحرية والعدالة وحقوق الانسان.
أليست المرأة انسانة وقضاياها لابد أن تشملها حقوق الانسان؟!
إلا أن الخلل السياسى والثقافى والإعلامى، وعمليات التمويه الحكومية وغير الحكومية، الداخلية والخارجية، قد فرضت الحجاب على عقول الجميع رجالا ونساء، من فئة المثقفين والمثقفات أو من الفئات الأخرى، ولم يعد أحد يعرف شيئا مما يدور فى العالم، والعلاقة الوثيقة بين الداخل والخارج، الخاص والعام، والفتنة الطائفية فى العراق وفلسطين وأفغانستان بالفتنة الطائفية فى أحداث الاسكندرية الأخيرة، والتهويل من مخاطر البرنامج النووى الايرانى، والتعتيم على البرنامج النووى الاسرائيلى الأمريكى، والتجهيل الكامل بأسباب التفجيرات فى سيناء، هل هم أهل سيناء من البدو، أو التيارات الاسلامية الارهابية فى الداخل أو الخارج، أو اسرائيل وأمريكا أو غيرهما.
واذا تخبطت النخبة المثقفة المسيطرة على التعليم والثقافة والإعلام، وزادت كثافة الحجاب على عقولها جهلا أو خوفا أو مراوغة فماذا يكون الحال بالنسبة للرجال والنساء من الشعب؟!
اتصل بى تليفونيا أحد قادة الرأى العام فى مصر، وهو صديق قديم لى، كان يعاتبنى على مقال لى طالبت فيه بإلغاء دار الإفتاء فى مصر، بعد فتوى المفتى بتحريم التماثيل، وقال لى هذه قضايا فرعية، والمهم الآن التركيز على الفقر والبطالة وغياب الحريات! قلت له، وهل يمكن الفصل بين هذه القضايا والقضايا الثقافية والابداعية مثل فن النحت؟! ثم قرأنا فى الصحف عن هذه السيدة المنقبة التى أمسكت السكين وتسلقت السور لتدخل الى المتحف بالمطرية وتحطم بالسكين خمسة تماثيل وهى تصرخ: التماثيل حرام يا كفرة!
حين بدأنا إعادة تأسيس اتحاد نساء مصر اتصلت بى واحدة من قيادات المنظمات النسائية غير الحكومية أو النصف حكومية وسألتنى: هل للمرأة قضية والمرأة تعمل فى كل مكان بما فيها أعمال البيزنيس والسياسة والإعلام وكل شيء، المفروض أن نقدم مشروعات تنموية فى العشوائيات وأن نرفع شعار المواطنة!
وكأنما كل ذلك ينفصل عن قضية نصف المجتمع من النساء، وكأنما الفقر الاقتصادى منفصل عن الفقر الثقافى، وكلاهما منفصل عن القوى الخارجية الاستعمارية والقوى الداخلية الاستبدادية، والقوانين العامة والخاصة، بما فيها قانون الطوارئ وقانون الزواج والطلاق والنسب والحضانة وغيرها.
إن اضطهاد آلاف الأطفال فى بلادنا من جراء قانون النسب لا ينفصل عن اضطهاد الفقراء والنساء والأقليات الدينية أو الإثنية أو غيرهما.
يؤدى حجاب العقل الى الفصل بين هذه القضايا، مما يؤدى الى التجهيل أو الجهل السائد حتى بين أساتذة الجامعات من النساء والرجال، والفصل التعسفى بين القهر الطبقى والأبوى.
قالت لى إحدى الاستاذات الجامعيات المرتدية الحجاب إن كونداليزا رايس نموذج المرأة المتحررة، وكانت كونداليزا قد صرحت فى الصحف أن خطورة ايران النووية ليست على اسرائيل ولكن على جيرانها من البلاد العربية.
لقد صدقت الاستاذة هذا الكلام وراحت تردده عن لسان كونداليزا رايس معبرة عن إعجابها بها كامرأة!
أخطر من هذا أننى قابلت أستاذة مصرية متخرجة فى الجامعة الأمريكية، كانت تسبح بالمايوه البكينى فى حمام السباحة بالنادى، اعترضت طريقى وأنا أسبح إلى جوارها وسألتنى: إنتى نوال السعداوى؟ قلت: أيوه، قالت: إيه رأيك فى الست المنقبة اللى نازلة المية بالنقاب والجوانتى مع إن النهاردة هو اليوم المخصص للسيدات ومافيش راجل واحد فى الحمام!
وراحت السيدة ذات المايوه البكينى تحكى لى عن مهازل النقاب والحجاب، وعن الشابات اللائى يغطين شعورهن ويكشفن عن بطونهن فى البنطلون الجينز، ثم سألتنى فجأة: صحيح انتى بتطالبى إن المرأة تتجوز عشرة رجال؟! وسألتها: مين قال كده؟ قالت: جوزى، على فكرة هو متحرر وبيشجعنى على السباحة وكل حاجة، إلا الجواز من عشرة رجال! وكمان قال لى إوعى تكلمى نوال السعداوى لو قابلتيها فى النادى، أحسن بعدين تقنعك بآرائها الشاذة.
قلت لها: وهل ممكن تقتنعى بأن المرأة ممكن تتجوز عشرة من الرجال؟
قالت: جوزى بيخاف على من الفتنة!
ضحكت وقلت: إشمعنى عشرة ما ينفعش تسعة؟!
قالت: جوزى بيقول........
قلت: وبتصدقى الكلام الفارغ ده؟
قالت وهى تتلفت حولها فى خوف:
خايفة يشوفنى معاكى، هو اللى بيصرف على البيت والعيال وما عنديش ايراد بعد ما سبت شغلى وقعدت فى البيت، وكمان باخاف على جوزى، هو من رجال الأعمال، له مشاريع كتيرة مع الحكومة وأمريكا، وأخاف يضطهدوه.
أليس الحجاب المفروض على عقل هذه السيدة المثقفة المرتدية المايوه البكينى أخطر من النقاب المفروض على وجوه النساء











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصادر: ورقة السداسية العربية تتضمن خريطة طريق لإقامة الدولة 


.. -الصدع- داخل حلف الناتو.. أي هزات ارتدادية على الحرب الأوكرا




.. لأول مرة منذ اندلاع الحرب.. الاحتلال الإسرائيلي يفتح معبر إي


.. قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم مناطق عدة في الضفة الغربية




.. مراسل الجزيرة: صدور أموار بفض مخيم الاعتصام في حرم جامعة كال