الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحجاب.. اغتيال للعقل والأخلاق والطفولة

إيمان أحمد ونوس

2007 / 3 / 8
ملف 8 اذار / مارس يوم المراة العالمي2007 -حجاب المرأة بين التقاليد الأجتماعية والبيئية والموروث الديني


ما يحدث اليوم، وما نراه في مجتمع دخل الألفية الثالثة وهو أشد تخلفاً وانحداراً في القيم والمفاهيم الأخلاقية والإنسانية. مما يمكن اعتباره نكوصاً للخلف أكثر من أيَ وقت مضى. لأن منطق التطور يقتضي التقدم في كل مجالات الحياة، ولكل شرائح المجتمع بجنسيه( الأنثى والذكر) وخصوصاً الأنثى، وخصوصيتها تأتي من كونها تشكل نصف المجتمع، وتنجب وتربي النصف الآخر، فهي إذاً الحامل الأساسي لتطور الحياة والإنسان والارتقاء به ليكون إنساناً فعلاً بكل ما تعنيه هذه الصفة.
ففي كل المجتمعات الإنسانية وعلى مر التاريخ، يتم العمل غير المباشر، بناءً على تحديد وضع ومكانة المرأة سلباً أم إيجاباً. لأنها إن تطورت ووعت ذاتها وخصوصيتها واستقلاليتها، تطور المجتمع وارتقى بأفراده إلى مراتب عليا من التحضر والعلم. والعكس صحيح.
وأكثر ما يلفت الانتباه في وقتنا الحالي من تطورات سلبية طالت المرأة بشكل عام، هو تفشي ظاهرتين متناقضتين من حيث الشكل، إلاَ أن الأهداف والغايات من ورائهما هي بقاء المرأة أسيرة ما يُفرض عليها من استغلال ومن قيود متعددة الأشكال تؤطرها في دور نمطي مستلب، الهدف منه إرضاء الرجل بكل أشكال صلته بها ( أب، أخ، زوج، وحتى ابن) وأيضاً إرضاء منظومة قيميه دينية – اجتماعية- سياسية- اقتصادية سائدة تسعى لفرض منهجها وعقد نقصها على أضعف كائن تبسط سطوتها عليه( المرأة)
- ظاهرة انتشار الحجاب بسرعة مرعبة ومخيفة شملت حتى الفتيات الصغيرات ما قبل سن المدرسة.
- ظاهرة التعري الفاضح، وغير المبرر، والذي لا يمكن أن يعبر عن تحرر فكري أو أخلاقي، وإنما العكس.
فإذا أردنا أن نكون منطقيين في تناولنا لواقع المجتمع وظواهره السلبية، علينا أن نأخذ بالحالتين معاً، وتأثيراتهما على المرأة بكل الاتجاهات، وأيضاً الأهداف والغايات المقصودة من ورائهما، لأنهما تقعان في فضاءات الحيز الأنثوي من المرأة.
والآن، وفي هذه الفسحة سأتناول موضوع الحجاب أولاً.
لقد برزت قضية الحجاب في الأعوام الأخيرة كظاهرة ملفتة للانتباه، حتى باتت سمة شبه عامة في المجتمع، ولكل الأعمار، وهذا لايعني إلاَ توجهاً حثيثاً لإبقاء المرأة أسيرة مفاهيم وقيم تعمل جاهدة على حبسها في زاوية ضيقة تمنع عنها رؤية الأمور رؤية صحيحة وسليمة، بل تعمد هذه المفاهيم إلى تكريث أنوثتها حجباً أو تعري بعيداً عن محور إنسانيتها، وبالتالي السيطرة عليها، عبر فتاوى رجال الدين المتزمتين والذين يخافون تطور وعيها، والذي إن تمَ تقلصت وتقوضت مساحة سلطتهم، وتكشفت عوراتهم ونواقصهم. فهم بفرض هذا الحجاب حتى على الطفلات يعتقدون أنهم يحمونها من الفاحشة، بينما هم يحاولون إخفاء غرائز وهمجية رجال تتحكم بهم أهواءهم الجنسية أكثر مما يتحكم العقل، وطالما هم غير قادرين على امتلاك زمام تلك الغرائز، فإن هذا العجز واقع لا محالة على أضعف الكائنات في محيط سيطرتهم- المرأة-
ورغم قلة اطلاعي على تشريعات القرآن، إلاَ أنني لم أعرف طوال حياتي، وحتى أثناء مراحل الدراسة أن هناك في القرآن ما يحث على الحجاب وجعله فرضاً كما باقي الفروض الخمس المعروفة. فقط جاء تفسير مسألة الحجاب على أنها ستار لفصل المدعوين يوم زواج النبي من السيدة زينب بنت جحش، حيث أطال هؤلاء المدعوون البقاء، مما أثار غضب النبي، فنزلت آية بهذا الخصوص( الآية 53 من السورة 33 التي نزلت في السنة الخامسة للهجرة، 627م). وما عدا ذلك لم نسمع بما يعزز مسألة الحجاب في النص القرآني.
أيضاً ، إن مسألة الدين مسألة اختيار شخصي لا علاقة له بالأخلاق، فهل من يبتعد عن التدين هو إنسان عديم الأخلاق..؟
لا أعتقد، لأن المهم هو إنسانية الإنسان بالدرجة الأولى وما يحمله من قيم وأخلاق تعزز هذه الإنسانية التي تفضي إلى روح المودة والإخاء في المجتمع. لا إلى التعصب ونبذ الآخر إن لم يكن مماثلاً للنمطية المطلوبة. وهذا لا علاقة له بما يرتديه الإنسان من ثياب. وإلاَ لكانت المرأة في الديانات الأخرى غير مؤمنة، أو غير أخلاقية أو غير إيجابية، وهذا مخالف للمنطق.
كما أنني لا أرى في الحجاب إلاَ حجباً للعقل والتفكير بما هو أبعد من تلك القطعة القماشية التي توضع على الرأس، والتي استُخدمت كموضة لدى الكثير من النساء المحجبات، حتى بتنا نرى موديلات لم نعهدها من قبل، كأن توضع قبعة للزينة فوق الحجاب، وهذا ما رأيته مؤخراً ودُهشت له، إضافة إلى باقي اللباس الذي ترتديه بعض المحجبات، والذي يساير الموضة في آخر وأتفه صرعاتها، مترافقاً مع مكياج مثير للاستغراب وملفت لانتباه الشباب أكثر من فتاة غير محجبة. وأعتقد أن كل هذا مناقض للحجاب وما هو مطلوب منه. ومن هنا، ولأنه مفروض فرض على قسم كبير من الفتيات، أصبح موضة أكثر منه زي ديني.
والأمر الآخر، والذي يدعو للاستهجان، لاسيما كما يقال أن الإسلام دين المساواة والمحبة، اعتبار أن هذا الحجاب معيار للفضيلة عند المرأة، ومن هنا نرى بعضاً من النسوة المحجبات يتقززن من الجلوس بجانب امرأة غير محجبة، وكأنها وباء أو خطر سيداهمهن، أو رجسٌ سينقض طهارتهن ووضوئهن، خاصة في شهر رمضان(وهذا ليس ادعاءً، وإنما معايشة واقعية شبه يومية) وهذا فيه جرح لكرامة المرأة الأخرى، وإلغاء لإنسانيتها من قبل المرأة ذاتها، وهو لا يخدم قضايا النساء في المجتمع بل يزيدها توتراً وابتعاداً عن الجوهر الأساسي، ويؤكد أن العدو الأول للمرأة هي المرأة ذاتها.
فهل العفة والأخلاق والفضيلة مقتصرة على النساء المحجبات فقط؟؟؟!!
أعتقد أننا جميعاً نعرف ونسمع بوجود حالات وعلاقات مشبوهة تعيش منفلتة من عقال الأخلاق، ولكن تحت ستار الحجاب والنقاب، ألم يخفِ هذا الزي ملامح صاحبته، حتى يكاد بعض الأبناء لا يستطيعون التعرف على أمهاتهم أو أخواتهم في الطريق.!!! فأيهما أكثر وضوحاً وجرأة .. الحجاب، أم نقيضه المعتدل..؟؟
وأيضاً لا تتوانى بعض النساء المحجبات من ركوب وسائط النقل العامة وخاصة الحكومية دون أن تدفع الأجرة، فهل هذه السرقة من أصول التدين والحجاب..؟؟!! هل مازالت العفة والفضيلة محصورة بالنساء المحجبات فقط...؟؟!!!!!!!
هل نسي جهابذة الفقه والتشريع أن عدداً لا يستهان به من علماء الإنسانية وعلى مر العصور هن من النساء السافرات( ماري كوري، فالنتينا تيرشكوفا،...الخ) وأيضاً عبر التاريخ العربي المجيد!! هناك نساء تبوأن عرش الحكم بكل جدارة واقتدار، وكن سافرات( بلقيس، زنوبيا، نفرتيتي، شجرة الدر....) فهل يتطابق منطق الأصوليين والمتزمتين الذين يفرضون الحجاب لأهداف تخدم إيديولوجيتهم فقط، في بقاء المرأة تابعاً لا حول لها ولا قوة إلاَ من خلالهم، وإغوائها بأن هذا الحجاب رمزاً للفضيلة والأخلاق، هل يتطابق مع منطق التاريخ والعلم والعقل..؟؟؟!!ثمَ هل يستطيعون إنكار دور المرأة( هدى شعراوي، مي زيادة، ماري عجمي، و...) في نهضة المجتمع بداية القرن الماضي للخلاص من موروث الخلافة العثمانية التي جثمت فوق عقولنا أربعة قرون، عززت من خلالها ليس تخلف المرأة فقط، بل تخلف المجتمع بأكمله على مدار هذه القرون. وللأسف على ما يبدو ستعود نمطية هذه القرون، لكن بلبوس حضاري يكون أكثر قبولاً في المجتمع، وتحت ستار الدين ثانيةً. وإلاَ بماذا نفسر حجاب طفلة لا تتجاوز من العمر خمسة أعوام تحتضنها والدتها أثناء فعالية ثقافية في المستشارية الإيرانية بدمشق، وغيرها الكثير من مناظر زهرات صغيرات تقبع رؤسهن الصغيرة تحت غطاء لا يأسر طفولتهن وحسب، بل يغتالها عنوة، يقصيها عن عالم البراءة والنقاء، متجاوزاً مرحلة هامة وضرورية من حياة كل كائن حي- الطفولة- مرحلة تشكل الدعامة الأساسية والمخزون العاطفي الذي يرتقي بهذا الكائن إلى مراتب الإنسانية والنضج بكافة مستوياته( ذهني، عقلي، عاطفي، واجتماعي) لأنه يتم زجها مباشرة في عوالم النساء والنضج المبتور والموتور الذي سيزعزع عوالمها النفسية والروحية.
فلا أحد يستطيع إلقاء اللوم على هؤلاء الزهرات إن هن تمردن يوماً ، أو نكصن في تصرفاتهن بعد البلوغ نحو الطفولة، لأنه تمَ الحكم على طفولتهن بالإعدام عندما حوصرن بشرنقة الفكر الأصولي المتزمت، والذي قد لا تستطيع بعضهن لاحقاً الفرار منه بسبب تأصله في ذاكرتهن اللاشعورية، والذي سينتج عنه صراعات فكرية وقيميه وأخلاقية كبيرة، خصوصاً عندما تصبح أماً توكل إليها مهام التربية وخاصة للإناث، فإما ستكون تقليدية متزمتة في تربيتها لهن، وإما ستتمرد على واقعها، منتقمة لطفولتها المغتصبة في الصغر ، وبالتالي ستمنح بناتها طفولة حقيقية، وهذا شبه مستبعد في بيئات منغلقة على ذاتها، لا تستطيع السيطرة على سلوك الرجال الغرائزية النهمة للفحش إلاَ بتحجيب حتى الفتيات الصغيرات، لهذا لا يمكننا التعويل عليها في التحرر من شرنقة الأصولية. وكما قال نضال نعيسه عبر هذا الموقع:
" الحجاب في هذه الحالة ليس سوى سجن مؤبد للبراءة والطفولة، يجب أن تتحرر منه قبل أن يشوهها، وقبل أن تقتلها النفوس المسكونة بحمى الجنس، والمهووسة بثقافة النكاح."








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو بين إرضاء حلفائه في الحكومة وقبول -صفقة الهدنة-؟| ال


.. فورين أفارز: لهذه الأسباب، على إسرائيل إعلان وقف إطلاق النار




.. حزب الله يرفض المبادرة الفرنسية و-فصل المسارات- بين غزة ولبن


.. السعودية.. المدينة المنورة تشهد أمطارا غير مسبوقة




.. وزير الخارجية الفرنسي في القاهرة، مقاربة مشتركة حول غزة