الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول تعريف حقيقي لليسار

فواز فرحان

2007 / 3 / 7
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


لم يكن تعبير اليسار شائعا منذ انطلاق الفكر الماركسي كعلم حتى منتصف التسعينيات من القرن العشرين لا في وسائل الاعلام العالميه ولا حتى في الادبيات الماركسيه فكانت تعابير الاحزاب الشيوعيه والمنظمات الثوريه وغيرها من الاسماء هي التي تحدد انتماء تلك الاحزاب للمنظومه الاشتراكيه ولم يكن هناك تركيزا محددا على هذا المصطلح طوال الفتره التي عاشتها الاشتراكيه كقوى مؤثره في الساحه الدوليه,وبعد انسحاب الاتحاد السوفيتي والدول التي كانت تدور فلكه من تلك الساحه والتطور التقني الهائل الذي طرءا على وسائل الاعلام العالميه منذ العقد الاخير من القرن العشرين برز بقوه هذا المصطلح للتعبير عن تلك القوى والاحزاب التي تتخذ من الاصلاحات الاشتراكيه طريقا لاحداث التغييرات على نمط الحياة الاجتماعيه والاقتصاديه لبلدانها وهو ما يحدث اليوم في معظم دول امريكا اللاتينيه مع الاخذ بنظر الاعتبار ان الاطار العام الذي يغلف هذا اليسار هو الاشتراكيه بتوجهاتها المختلفه(الماويه,التروتسكيه,البوليفاريه)لانها تمثل بطبيعة الحال توجهات الاحزاب اليساريه في تلك البقعه من العالم بعد ان كان هذا المصطلح مركونا في احدى زوايا القاموس اللغوي مشبعا بالغبار.لقد انبرى الكثير من الكتاب الماركسيين وغير الماركسييين لايجاد تعريف دقيق لمعنى اليسار ولا بد من الاعتراف ان البعض اقترب الى حد ما من هذا الهدف والبعض الاخر ابتعد,وكثيرا ما شاب تعريف اليسار قصورا واضحا وكلما اقتربنا من دراسة الاسباب التي تقف وراء ذلك القصور فاننا نجد ان اسبابا ايدلوجيه بحته يتبناها الكتاب هي التي كانت تتحكم في طبيعة ايجاد تعريفا منطقيا لليسار.ومن خلال متابعتي لما يكتب على صفحات الحوار المتمدن قرات باهتمام مقالات المفكر العراقي المبدع حزقيل قوجمان التي تناولت تعريفا مفصلا لليسار واسهمت الى حد بعيد في اعطاء صوره واضحه للقارئ حول معنى اليسار ولا بد هنا ان اسجل اتفاقي معه في ما ذهب اليه من تعريف عام لليسار والذي عرفه على انه مجموعه من البشر تتطلب مصلحتهم تغيير النظام القائم واستبداله باخر جديد ولكن..تعريفه لليسار في العراق على انه القوى التي تعارض الاحتلال الامريكي وتجسد معارضتها تلك بالمقاومه المسلحه ,وهو في تقديري لم يكن موفقا في تعريف اليسار في العراق على هذا الشكل.فالحاله العراقيه حاله استثنائيه بكل المقاييس فلو اخذنا مثلا ما حدث في فنزويلا وباقي الدول التي نجح فيها اليسار في الوصول الى الحكم من خلال صناديق الانتخابات فهذه الاحزاب تشترك في حكومات كانت الولايات المتحده قد انشاءتها لكنها غيرت من اساليب نضالها الثوري مستفيده من الثغرات الموجوده في النظام السياسي واستطاعت توظيف برنامجها بما يتلائم مع المرحله الحاليه واستغلت نافذة الديمقراطيه لتحقيق هذا الهدف اي انها اتبعت سياسة الغايه تبرر الوسيله.واتسائل هنا هل يمكن اعتبار تنظيم القاعده الارهابي اوجيش محمد او الجيش الاسلامي اطرافا محسوبه على اليسار؟ والحزب الشيوعي وباقي الاحزاب المشتركه في الحكومه على اليمين؟ بكل تاكيد لا يمكننا تعميم تعريف المصطلح على المفردات السياسيه اي ان تعريفا دقيقا لليسار يجب ان يشمل كل موضوع بحد ذاته فلماذا يحق لنا ان نطلق اسم اليسار على تلك الاحزاب في امريكا اللاتينيه ولا يحق لنا ان نطلقه على الاحزاب المعارضه للاحتلال والمشتركه في العمليه السياسيه في العراق؟وهو تسائل برئ طبعا.ولا انسى هنا الحاله الاستثنائيه المتمثله في الاحتلال الامريكي المباشر للبلاد فهذه الحاله في نظري تتجاوز حدود العراق الجغرافيه لانها تمثل ازمه اخلاقيه حقيقيه في الوجدان الدولى.ولو اردت اعطاء تعريفا مناسبا لليسارينطبق على جميع الحالات فانني اجده منفصلا من مكان لاخر تبعا للحاله التي يمكن حصره فيها وبدءا من الانسان ككائن حي يحتوي دماغه على اكثر من اثني وعشرين مليون خليه تشطر هذا الدماغ الى جزئين يمثل احدهما اليمين وله وظائف كثيره واخر في اليسار يمتلك هو الاخر وظائف لكنها تعاكس تماما الموجوده في الجانب الايمن منه وفي تناولنا لمعظم وظائف الجانب الايسر من الدماغ فاننا نجد فيها الكثير من الوظائف لا تتلائم مع طبيعة تفكير الكثيرين ممن يتخذون من العلمانيه شعارا لهم في الحياة كالعاطفه والخيال والغريزه على الرغم من انها قادمه من نفس الجهه التي تدفعه للانتفاض على الخطا وتمده بالمعلومات لمعالجة بعض المواضيع,وفي نفس الحاله قمنا بدراسة اليمين واليسار في حياتنا اليوميه فانه لا بد لنا ان ناخذ كل مو ضوع بشكل مستقل انطلاقا من قاعده وجود النقيض في الموضوع ذاته. فمثلا لو اخذنا الاسلام نموذجا في العراق لانه موضوع خلافنا فهو ايضا ينقسم الى شطرين احدهما يعارض الاحتلال ويقاومه واخر مشترك في العمليه السياسيه التي اسسها الاحتلال فالاول نستطيع تسميته باليسار كما اطلق عليه مفكرنا حزقيل قوجمان ولكن ذلك يمثل تسميه لموضوع الاسلام وحده لا لمفهوم اليسار بشكل عام او المقاومه الوطنيه ,لان هذا النوع من اليسار لا يمكنه اعطاء المجتمعات اكثر من ادارتها بعقلية القرون الوسطى فهي تنطلق من قناعه عقائديه مفادها تحقيق مجتمع الشريعه الاسلاميه بقوة السلاح اما الثاني فيمكننا اطلاق عليه اسم اليمين في الاسلام,اما الموضوع الثاني فهو الشيوعيه فهي الاخرى في العراق تكمن في اتجاهين الاول يمثله الحزب الشيوعي العراقي المشارك في العمليه السياسيه والاخر تمثله اكثر من تسعة احزاب خرجت من رحم الاول واطلقت على نفسها تسمياتا مختلفه ,ولو رجعنا لوصف المفكر قوجمان فاننا نرى الحزب الشيوعي في اليمين وباقي الاحزاب التي تعارض الاحتلال من منابرها في السويد والدنمارك واستراليا والباكستان في اليسار فهذا في نظري يمثل تجنيا على الواقع,فالحزب الشيوعي العراقي ليس اول من ساير الولايات المتحده ولن يكون اخرها فالدوله السوفيتيه بعظمتها ومنذ الايام الاولى لنجاح ثورة اكتوبر الاشتراكيه حتى عام 1928 كانت تعتمد بالدرجه الاولى على المساعدات الامريكيه والصين الشيوعيه هي الاخرى اعتمدت منذ نهاية الحرب الكوريه عام 1953 حتى وقت قريب على المعونات الامريكيه للقضاء عاى المجاعات التي كانت تعصف بمعظم اقاليمها,وكوريا الديمقراطيه هي الاخرى تتلقى سنويا ملايين الاطنان من المساعدات الامريكيه.لذلك ارى ان الحزب الشيوعي يحتل موقع اليسار هنا وليس العكس وهذا التعريف ايضا ينطبق على المسيحيه واحزابها في دول الاتحاد الاوربي الا ان هناك استثناءا ربما لم يتطرق اليه احد في موضوع تعريف اليسار في الحاله الامريكيه واذا ما استثنينا اليسار الحقيقي المهمش فاننا سنكون امام النظام السياسي التقليدي المتمثل بالاوليغاركيه الماليه الحاكمه والتي وزعت ادوار تحقيق مصالحها العليا على الحزبين اللذين يحكمان البلد منذ تاسيسه واذا ما حاولنا ايجاد تعريف لليسار في هذا النظام السياسي مع الاخذ بنظر الاعتبار خلفيته العقائديه فاننا سنجد الايه معكوسه تماما في هذا النموذج فالمتعارف عليه في وسائل الاعلام العالميه ان الحزب الجمهوري يمثل اليمين المحافظ والحزب الديمقراطي يمثل الاتجاه النقيض اي اليسار ولكن الحقيقه عكس ذلك اي ان الحزب الجمهوري يمثل اليسار المتطرف الساعي لتحقيق مصالح الامبرياليه الامريكيه بقوة السلاح وهو الدور الذي تقوم به الاداره الجمهوريه في العراق واماكن عديده اخرى في العالم والحزب الديمقراطي في الاتجاه الاخر يمثل اليمين التقليدي.لهذا السبب ارى ان تعريف اليسار يجب ان ياخذ بنظر الاعتبار موضوع الحاله المطلوب تعريفه في اطارها فاليسار في الحاله الاسلاميه والذي تمثله القاعده وطالبان لايمكن موازاته باليسار في الاشتراكيه العلميه والذي تمثله الاحزاب الماركسيه التقليديه وايضا لايمكن موازاة الحالتين باليسار في الحاله الامريكيه المتمثل بالاداره الجمهوريه او حتى بالاحزاب اليساريه في الحكومات الاوربيه المسيحيه.ومن هنا يمكنني التاكيد على ان اعطاء تعريفا دقيقا لليسار في الحاله العراقيه التي تطرق اليها المفكر قوجمان لم يكن موفقا به.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الانتخابات التشريعية الفرنسية: البحث عن تحالفات للتصدي لليمي


.. حزب الله يعلن قصف مقار عسكرية إسرائيلية ردا على -اغتيال- أحد




.. بايدن يسعى لطمأنة الحكام الديمقراطيين حول قدرته على مواصلة ح


.. تحديد موعد الانتخابات الرئاسية التونسية في السادس من أكتوبر




.. ترقب للجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الإيرانية بين جلي