الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التفاوت الطبقي في مصر مشروع انفجار

هويدا طه

2007 / 3 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


تبدو مجرد حادثة سير مؤلمة.. لكن وجوه الناس وعيونهم وكلماتهم وتعليقاتهم عليها.. حملت أكثر كثيرا من مجرد الألم المتوقع جراء حادثة سير مروعة، فتىً في السادسة عشرة من عمره قاد سيارة والده في طريق الهرم- وهو بالطبع ليس بحوزته رخصة قيادة بسبب سنه- وبسبب هذا السن المزعج ذاته كانت قيادته للسيارة هوجاء.. فتسبب في مقتل خمسة أفراد من عائلة واحدة من بينهم أطفال.. كانوا يقفون على محطة أتوبيس، الحادثة مؤلمة بلا شك.. وهي أيضا وبسبب حجم الخسارة الإنسانية فيها تثير فضول الإعلام، البرامج الحوارية التي تهتم بالقضايا اليومية وتتابع الشأن الجاري في مصر.. مثل برامج العاشرة مساء على قناة دريم والقاهرة اليوم على أوربت وتسعون دقيقة على المحور وغيرهم.. تطرقت بالطبع إلى الحادثة، وكانت هناك لقاءات مسجلة أمام مبنى المحكمة أو النيابة مع أهالي الضحايا.. واتصالات بأسرة الفتى الذي يواجه تهمة القتل الخطأ.. وتفهم من التقرير في برنامج العاشرة مساء أن والد الفتى عرض مبلغ (الدّية) على أهل الضحايا (81 ألف جنيه عن كل ضحية)، وأن أهل الضحايا رفضوا.. وبدا أنهم مواطنون مصريون بسطاء فقراء مثل الغالبية الساحقة من هذا الشعب.. صرخ أحدهم قائلا:(مش حيبّرد ناري- فيهم- إلا القصاص.. القصاص.. القصاص) وصرخت امرأة ملفحة بالسواد من أهل الضحايا:(سايبينهم كده طايحين في البلد)، الجميع يغلي غليانا فوق العادة.. الجميع يشير إلى طرف آخر بضمير (هم)، خلفية المشهد تخطت مجرد حادثة السير.. هناك طرفان.. ابن مدلل لأسرة غنية.. وضحايا فقراء، وإعلام يغطي في ظاهره المباشر حادثة بعينها.. وفي العمق.. يعري هذا التطاحن المكتوم بين الثراء والفقر في مصر، في حلقة سابقة من برنامج القاهرة اليوم كان هناك شيء مماثل.. صبية في العاشرة من العمر لأب مصري بسيط.. عضها كلب حراسة أمام فندق يقيم فيه أمير سعودي.. ويقف على بوابة الفندق حراس الأمير بكلابهم.. كان هذا الكلب أحدهم، الصبية في المستشفى والأب مذهول.. البرنامج يبث على قناة أوربت التي يمولها أمير سعودي.. والاتصال الهاتفي كان مع أحد الأمراء للاستفسار عن المدى الإنساني الذي يتمتع به الأمير في تفاوض ممثليه مع والد الضحية.. مرة أخرى كان العرض.. دفع الدية، ومرة أخرى كانت تعليقات الناس تدور حول (هم.. ونحن)، يذكرني المشهد بتحقيق تليفزيوني قام به صحفي من تليفزيون BBC عن (الفقر والثراء) في البرازيل.. التحقيق رصد تجمعا سكانيا يضم فيلات أنيقة في حي برازيلي راق.. حوله سور.. داخل السور وفي تلك الفيلات الأنيقة تسكن أسر برازيلية من الشريحة العليا في الطبقة المتوسطة من ذلك المجتمع شديد التناقض.. خارج السور.. يدور أطفال الشوارع الجوعى حول صناديق القمامة التي تلقي فيها تلك الأسر مخلفاتها.. المحقق الصحفي المخضرم استمع للطرفين، سيدة من السكان داخل السور أعربت عن خوفها من (هؤلاء المجرمين الصغار) خارج السور.. تقول إنها تظل خائفة على صغارها (منهم) حتى يعودون من مدرستهم إلى أحضانها.. سالمين.. تقول إنه (خوف يومي).. تقول إنها لا ذنب لها أنها هنا و(هؤلاء) هناك، صبي في الرابعة عشر من عمره ممزق الثياب ملطخ الوجه حافي القدمين قال للصحفي بغضب مشيرا نحو الفيلات داخل السور.. أسأل نفسي كل يوم لماذا (هم) يأكلون في الداخل وجبات ساخنة وأفتش أنا عن مخلفاتهم في تلك الصناديق.. لماذا هم ينامون في دفء الداخل تحت أغطية نظيفة وأفترش أنا هذه الجرائد هنا.. في العراء.. خارج السور، كان هذا الفيلم التسجيلي من أكثر الأفلام الوثائقية التي شاهدتها إثارة في النفس لما يمكن أن تسميه (ذعرا إنسانيا)، الآن.. في مصر.. نستمع إلى (هم.. ونحن).. كل يوم وبشتى الطرق.. في بيوتنا وعلى شاشات تليفزيوناتنا وعلى كل قارعة طريق.. والد الفتى الذي قاد السيارة في طريق الهرم هو الآخر مأزوم.. قلق على مستقبل ابنه الذي (ضاع) بسبب تصرفه الأهوج.. قلق عليه إذ يرقد في المستشفى بسبب إصابته في الحادثة.. خائف عليه (منهم).. يعرض ما يملك في مقابل أن يخفف (حقدهم) على ابنه.. ويعترف أن حقدهم مفهوم بل ومشروع لكنه لا ينسى أن هذا الحقد الذي يتفهمه موجه في الوقت ذاته ضد ابنه.. خائف (منهم) رغم قلة حيلتهم.. وعلى الجانب الآخر.. صرخة مدوية سأمت الفقر.. ضجرت من ديمومة العوز.. يطلقها أهالي الضحايا المكلومين.. تصرخ المرأة الملفحة بالسواد.. (سايبينهم) كده طايحين في البلد.. هم ونحن.. نحن وهم، لكنك تتساءل.. الفقر بالفعل يثير السأم والضجر لكنه أيضا يثير الغضب.. من تراه في مصر الأولى بالغضب؟ لا تقولوا إنها مجرد انفعالات عاطفية.. الفقر في مصر يرتب في الظلام صفوفا تواجه ثراء- ليس مدانا في حد ذاته- لكنه ثراء أخذ- رغب أو لم يرغب- موقع الصفوف المواجهة.. هذه الثنائية القبيحة التي وصفها الدكتور جلال أمين بقوله (انقسمت الأمة المصرية إلى أمتين.. أمة غنية.. أفرادها قلة.. في مقابل الغالبية من المصريين التي أصبحت أمة الجوعى).. كان الفقر موجودا في مصر منذ الأزل.. لكن الجوع ندر أن يكون هناك على تلك الضفاف.. الآن .. تسمع كل يوم تقريبا عن أب انتحر لأنه لم يتمكن من شراء البيض لكل أبنائه.. أم أحرقت نفسها بسبب صراخ.يخرج لا من حنجرة أطفالها وإنما من خواء بطونهم.. أخ قتل أخاه من أجل رغيفين وقطعة جبن.. رجل أعمال ينفق على غذاء أسد يربيه في قصره ثلاثين ألف جنيه شهريا.. قديما قال فيلسوف كبير:(ليس من المهم تفسير العالم.. المهم تغييره) هذه ليست انفعالات عاطفية (وبالمناسبة.. لا يضير المرء أن تنفعل عواطفه ضيقا بهكذا قبح).. إنما هي تساؤلات يطرحها تأمل ما وراء الحوادث.. يطرحها عليك سواء كنت داخل السوار.. أو خارجه.. إلى أين.. نحن وهم؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد الجامعات الأميركية.. عدوى التظاهرات تنتقل إلى باريس |#غر


.. لبنان وإسرائيل.. ورقة فرنسية للتهدئة |#غرفة_الأخبار




.. الجامعات التركية تنضم ا?لى الحراك الطلابي العالمي تضامنا مع


.. إسرائيل تستهدف منزلا سكنيا بمخيم البريج وسط قطاع غزة




.. غزة.. ماذا بعد؟ | جماعة أنصار الله تعلن أنها ستستهدف كل السف