الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ليست الليبرالية نموذجا

أحمد شهاب
باحث كويتي في شؤون التنمية السياسية .

(Ahmad Shehab)

2003 / 8 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


 


كثيرة هي الأسباب الداعية لإعادة الاستفهام من جديد عن معنى احترام الرأي الآخر، وتطبيق العدالة السياسية في المفهوم الليبرالي ، لاسيما والليبراليون يمارسوم النقد الحاد ضد كل من يخالفهم الرأي ويشيرون عادة الى الاطراف الاخرى بغموض التصورات السياسية، وغياب المشروع الواضح، رغم انهم لم يعلنوا عن شكل النظام الذي يريدونه الا بشعارات تنفع في افضل الاحوال للتحول الى لافتات جميلة في مقدمة مظاهرة شعبية او مسيرة سلمية وليس أكثر.


مفزع فعلا هذا التصور المبتور لمفهوم الديمقراطية والحرية عند تيار عريض من الليبراليين العرب الجدد، ومن كنا نأمل منهم المساهمة في تقديم حلول واقعية وجريئة للمأزق السياسي العربي الراهن، فاذا بهم ينظّرون ويحثون على إلغاء الآخر وقمع المختلف بذريعة الدفاع عن الديمقراطية والذود عن الحرية، وخلال الايام القليلة الماضية استنفر الليبراليون العرب جهودهم خشية ان يختار الشعب العراقي حكومة اسلامية شيعية او ان يكون للاسلاميين دور أساسي في السلطة القادمة.


ليس موضوعيا ولا ليبراليا نفي حق الاخرين بتبني الخيار الاسلامي شيعيا كان او سنيا طالما عبر عن قناعات الشعوب، وهو في حقيقته لا يقل سوءا عن محاولات المصادرة التي تقوم بها الانظمة الشمولية ضد القوى السياسية الفاعلة. وكما هو مرفوض ان تلغي القوى الاسلامية حق الاخرين في الوجود السياسي او الفكري ، فمرفوض ايضا الغاء التيار الاسلامي اذا اختاره الناس بذريعة انه اختيار متخلف او رجعي فهل سيكرر هؤلاء مأساة الجزائر؟


اذا كان الخيار الإسلامي هو ما يرغبه الشعب العراقي او غالبيته الواضحة فما المانع من الحوار الجاد بشأنه مع وضع كافة الضمانات لحفظ حقوق الاقليات الاخرى والاطياف السياسية واشراكهم العادل في السلطة وفي اتخاذ القرار، اما الغاء ارادة الاكثرية، فسيتسبب في خلق الكثير من الضغائن والانسدادات السياسية والشعور بالغبن لدى شريحة واسعة من المجتمع العراقي، وهو ما سيصب لغير صالح بناء الدولة الحديثة في العراق الذي ينتظر ان يبحث ابناؤها بذاتهم عن خياراتهم المناسبة، لا سيما وان جميع الخيارات ستكون متاحة امامهم وبمقدورهم تطوير تجربتهم حتى تصل الى صيغة الدولة المأمولة، القائمة على أسس وطنية كاملة بعيدة عن الانتماءات الطائفية او العشائرية.


افهم ان من يدعو الى (احترام الاخر) ويؤمن بحق الاختلاف وينافح عن الحريات العريضة، ويتحدث باسم الشعوب والامم وحقها في تقرير مصيرها، يفترض على أقل التقادير ان ينتظر اختيار الناس، ويتفهم رغباتهم، فان كان اسلامي التوجه والمجتمع يميل الى الليبرالية، فهو مطالب باحترام رغبات الاكثرية، والعودة الى وسائل دعوته التقليدية او الحديثة لاقناع الناس بصحة نظريته الاسلامية وصلاحيتها للتطبيق، وهو تحد متوقع على الاسلاميين ان يثبتوا انهم اهلا له.


وان كان ليبراليا في مجتمع يتبنى الخيار الإسلامي فعليه ان يتفهم رغبات شعبه ويبشر في ذات الوقت بنظريته الليبرالية وجدوى تطبيقها، ويضع الية تحويل الشعارات الجميلة الى تطبيقات عملية، وبغير هذا فان اي حديث عن الحرية وحق الاختلاف لا يعدو كونه حديثا تجاريا يتعاطى مع المفاهيم الحضارية كسلع للاستهلاك السريع.


ويبقى الحوار وليس الصراع هو الشرط الضروري الذي يمكن ان يقلص الفجوة بين الطرفين (الليبرالي والإسلامي) عن طريق النقد الذاتي الموضوعي، الذي ينطلق من نقد الذات والافكار الذي يمارسه كل طرف حيال نفسه اولا ثم حيال الاخرين، وهذا بظني جوهر مفهوم «الحوار» بين المثقفين، اما ما يحصل حاليا فهو تحقيق مكاسب عاجلة عبر لي عنق الحقيقة حينا والقفز عليها كثيرا، وعبر هجوم متبادل يلغي كل طرف من خلاله منجزات الطرف الاخر وينظر الى ذاته بنرجسية بعيدة عن الواقع، وهو حوار السياسيين الذي يحقق انجازات سريعة ولكنه يهدم كل المستقبل، فاغلب التيارات اعلنت فشلها الذريع لكونها تنطلق من موقف سياسي لتتبنى موقفا فكريا وليس العكس، وقد آن الاوان لتغيير هذه المعادلة البائسة والخصومة الفاجرة.


واعتقد من الاخلاص لقيمة الحرية والتنوع والتعددية التي ندعو لها ويدعو لها الكثيرون معنا ان نترك للشعب العراق مسؤولية اختيار حكومته المقبلة، وانتخاب من يرونه اهلا لتحمل مسؤولية القيادة نحو المستقبل، سواء كانت هذه الحكومة ليبرالية، او حكومة وفاق اسلامي وطني تحفظ حقوق الجميع، ويظل هذا قرارا عراقيا صرفا ليس من حق احد التدخل لاعاقته او النيل منه او المطالبة بتنازل هذا الطرف او ذاك لانه غير مرغوب لاعتبارات خاصة، فمن المعيب ان تطالب طائفة وحدها بالتنازل عن حقوقها حتى وان عبرت عن اتجاه الاغلبية.

* كاتب كويتي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيطاليا: تعاون استراتيجي إقليمي مع تونس وليبيا والجزائر في م


.. رئاسيات موريتانيا: لماذا رشّح حزب تواصل رئيسه؟




.. تونس: وقفة تضامن مع الصحفيين شذى الحاج مبارك ومحمد بوغلاب


.. تونس: علامَ يحتجَ المحامون؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. بعد لقاء محمد بن سلمان وبلينكن.. مسؤول أمريكي: نقترب من التو