الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ضحايا العراق في الميزان

يارا رفعت

2007 / 3 / 10
الارهاب, الحرب والسلام


الضحايا في العراق من كل شكل ونوع. الأحياء منهم..فقراء دون خط الفقر،ويتامى، وأرامل يشكلن 11% من نساء العراق،ومعاقين، ومهجرين بلغوا في بغداد وحدها حوالي 54 ألف عائلة. والأموات منهم..قتلى مغدورين،وجثث مجهولة الهوية،واشلاء نثرتها التفجيرات الأرهابية،وأهداف بشرية سال لها لعاب القناصين،وأرقام عشوائية تدخل ضمن حسابات الهستريا الطائفية. وإن تباينت اساليب الموت أو الحياة لهؤلاء.. يبقى أمر واحد قائم وتبقى حقيقة واحدة راسخة،وهي أن الضحايا كلهم يجتمعون على الهوية العراقية. نعم..أنهم عراقيون بغض النظر عن انتماءاتهم. إنهم ضحايا العراق الذين كان من الممكن أن ينمو البلد ويكون ديمقراطيا وحرا تعدديا قبل أن يدفعوا الأثمان الغالية. لكن يبدو أنها الفدية التي يدفعها أي شعب يتطلع الى السباحة في بحار العدالة والمساواة بأرقى صورها. وحين يتذوق أبناؤه طعم التسامح فيما بينهم فلن يطيب لهم طعمٌ من بعده حتى يصير التسامح بينهم ثقافة سائدة وسلوك أنساني قائم وأسلوب أوحد في الحياة
كلنا يقول ويصرح ويصرخ ويقسم، بأن لافرق بين سني وشيعي،بين عربي وكوردي،بين مسلم ومسيحي،بين أيزيدي وصابئي وتركماني،وبين إمرأة ورجل وطفل وشيخ،وبين فقير ومترف،وبين عسكري ومدني،وبين حزبي ومستقل وبين..وبين لحظة الموت القسري. لكن علينا الاعتراف بأن العراق..كوطن، كحضارة، كحاضر ومستقبل بلد يريد أن ينمو ويتقدم ويزهو بين البلدان قد لاينظر الى الأمر من هذا المنظار. العراق لاينظر الى الضحايا بعين العاطفة بل بعين العقل. الواقع أن العراق كبنية دولة قائمة أساسها السلطة والمجتمع يحزن على ضحاياه، لكن على أيّ الضحايا هو أكثر حزناً؟. لابد وأنه أشدّ أسفا على ثروات بشرية يفتقدها أكثر من غيرها،الا وهي العقول الأكاديمية والعلمية والثقافية المفكرة والمبدعة والتي تشكل طاقات بشرية خلاّقة يعوَلُ عليها الكثير لأجل النهوض بالبلد في المرحلة الحالية ورسم الخطط المستقبلية لبلوغ الهيكل التنموي الذي يطمح اليه العراق بعد عهود التخلف. صدقوني العراق ميزانه غير عادل حين يزن ثقل ضحاياه ومعياره يأخذ في الحسبان المستوى الثقافي والتعليمي والفكري لهؤلاء الضحايا. لايستهين بأرواح الأبرياء من الأميين والمهمشين والعاطلين..،لايسترخصها سواء في ساحة الطيران أم مدينة الصدر أم الفلوجة والرمادي أو في كركوك وبعقوبة والبصرة وتلعفر. لكنه يقلق أكثر على الكفاءات العلمية والأكاديمية من باحثين وعلماء ومخترعين وأساتذة جامعات سنخسر المزيد منهم إذ يقتلون على أيدي من لايعرفون حتى كتابة أسمائهم. إنهم يهاجرون خارج البلد أو ينزوون داخله خوفا من الوضع الأمني ومن تهديدات تصلهم من فئات تعبد الجهل والكفر.
العراق..دولة،والدولة فيها ماهو حيّ وماهو غير حيّ. والأنسانية مشاعر تقتصر على الذات البشرية. لكن العراق يتساءل بعقلانية: من سيعيد البلد! من سيعمر أبنيته ويضيف الصروح إليه! من سيكسو مدنه أشجارا وزروعا تقيها من الرياح والتلوث! من سيملأ مكتباته بأسماء المبدعين! من سيملأ مستشفياته بأطباء مهرة! ومن ظلّ فيه ليدفع بميدان التقنيات الحديثة الى الأمام! ومن سيؤسس اقتصاده الحر المتين! ومن سيحيي الرقي في ميادينه الفنية!. من سيحقق البرامج المستقبلية العظيمة التي ينتظرها أهالي العراق مع كل هذا النقص في الخبرات العلمية والأكاديمية والأرقام المتزايدة من ضحايا العنف والجهل والطائفية والأرهاب! والتي لاتفرق بين مثقف أو صحفي أو أديب أو فنان أو رياضي أو أكاديمي أو رجل قانون. والأمثلة كثيرة: أغتيال عميد كلية في جامعة بغداد مع زوجته وإبنه،إغتيال مدير مركز البحوث التربوية والنفسية في نفس الجامعة، وأخصائي الأمراض القلبية في مستشفى الشهيد عدنان، وعميد كلية القانون في المستنصرية ثم معاون العميد، وقبل أيام قتل شيخ المخرجين العراقيين على يد خاطفيه حين عجزت عائلته عن دفع الفدية لهم،وفنانين ومدربين رياضيين وكثيرين غيرهم يرحلون بصمت بلا تظاهرات أو مواكب عزاء ولاترفع صورهم في ضجة إعلامية. نأسف على هذه الشخصيات ولا نعير أهمية لانتماءاتها أو درجتها الحزبية أيام النظام المباد لأنها تحمل الأرث الأكاديمي والعلمي والفني والأدبي والثقافي للبلد،وفي أسوأ الأحوال لايمكن لهذه الشخصيات أن تكون أكثر إجراماً بحق أبناء الشعب العراقي من أفراد لازالوا طلقاء بيننا وربما نالوا من العزّ والمناصب ما لم ينله الفرد العراقي المخلص الذي صان ضميره في بلورة لم يخدشها الفكر السائد آنذاك ليجد نفسه اليوم مهمشاً ومهدداً بالموت في كل لحظة.
يتمنى العراق أن يركز قادته الحاليون على تخفيض أعداد المشمولين بالقتل من كفاءاته العلمية والأكاديمية مع توفير الفرص لهم بدل الاهتمام بتخفيض المشمولين بقانون اجتثاث البعث وإن كان للأمرين صلة ببعضهما... ويتمنى العراق من الزعماء السياسيين العرب والعقائديين المسلمين كنصر الله وغيره، أن يهتفوا باسم شهدائنا من أولي العلم والمعرفة حين يعلنون وقوفهم مع المقاومة الشريفة جداً... ونأسف كثيرا على ضحايانا جميعهم، لكن العراق يعاير ضحاياه على كفتي ميزان حرصاً على مستقبله.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصر تحذر من أن المعاهدات لن تمنعها من الحفاظ على أمنها القوم


.. وزير الدفاع الأمريكي: يمكن شن عمليات عسكرية بفاعلية بالتزامن




.. نقل جثامين الرئيس الإيراني الراحل ومرافقيه من تبريز لطهران ا


.. استشهاد 4 وإصابة أكثر من 20 في قصف إسرائيلي لمنزل عائلة الشو




.. هل تسير مجريات محاكمة ترامب نحو التبرئة أم الإدانة؟ | #أميرك