الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العراق وبناء الدولة الحديثة

أحمد شهاب
باحث كويتي في شؤون التنمية السياسية .

(Ahmad Shehab)

2003 / 8 / 7
اخر الاخبار, المقالات والبيانات



قليل من الناس اصيبوا بالدهشة حينما وقعت دولة الكويت بعد ازمة الخليج الثانية اتفاقية للحماية مع الولايات المتحدة وبريطانيا، فقد كان من المقدر بعد المواقف العربية العاجزة عن ردع العدوان ان يتم اللجوء الى القوة الخارجية والاعتماد عليها، رغم صعوبة مثل هذا الخيار وكلفته العالية ليس على المستوى المادي فقط وانما على مستوى الشعور بالعزلة عن المحيط العربي والاسلامي.


ورغم محاولات الدولة لاعادة الاعتبار لمثل هذه العلاقات المتوترة مع عدد من الدول الا ان الغربة النفسية كانت لها تأثيراتها الواضحة حتى الوقت الحاضر، فلا يزال الشارع الكويتي يعيش تبعاتها، كما تعيش تبعاتها الشعوب العربية ولعل هذا ما يفسر بعض المظاهرات الصاخبة التي خرجت ضد الكويت تحديدا، وضد موقفها المعلن المؤيد للتدخل العسكري في العراق.


هذا السيناريو يتكرر اليوم في العراق، فثمة عجز عربي من تخليص الشعب العراقي من محنته المستحكمة برز واضحا طوال السنوات السابقة في مقابل مبادرة امريكية ـ بريطانية واضحة المعالم تدعو لايجاد حل جذري عبر ازالة رأس النظام البعثي ورفض الاصلاحات الجزئية والعمليات الترقيعية، وتشكيل حكومة تمثل الشعب العراقي.


لم يكن في وسع الشعب العراقي ان يرفض هذا العرض المغري مع مرارة الحرب ورغم انها مكروهة بالنسبة لهم، ورغم ان الغالبية يتفقون انها حرب نفوذ ومصالح وليست حربا اخلاقية بالتأكيد، لكن الحكومة المقبلة أيا كانت هويتها مضطرة لابرام معاهدات امنية مع الولايات المتحدة، كما هي مضطرة للاعتماد عليها في اعادة البناء والاعمار، لكن الفرق الجوهري بين التجربتين الكويتية والعراقية، ان الاولى لم تتطلب تدخلا من الولايات المتحدة لاختيار حكومتها الموجودة سلفا، بينما «الحكومة» العراقية تخضع للتعيين الامريكي، وهو ما سيخلق تشنجات وتوترات مستمرة لا تصب في المصلحة الوطنية عموما.


ان أي حكومة قادمة في العراق هي بالتأكيد افضل من الحكم السابق بكثير ولا مجال للمقارنة اطلاقا بينهما، لكن السؤال يظل عن ماهية السلطة التي يمكن ان تكون محل اجماع وطني وقادرة على قيادة العراق مع القرن الجديد؟ قيادة يلزم ان تتجاوز سلبيات المرحلة السابقة بما فيها السياسات الهزيلة المتبعة من قبل دول المنطقة، واعادة النظر في نظام العلاقة بين النخبة الحاكمة وبقية القوى السياسية والاجتماعية، ومراجعة الأسس التي شيدت على اثرها العلاقات مع الخارج.


العراق الجديد بحاجة الى بناء دولة لا تصارع مجتمعها، ولا تقف حائلا امام تطلعات واحلام ابنائها فتقدر الكفاءات التي يحويها المجتمع، وتدفع الى المزيد من النمو والبناء الايجابي.
لا بد من الاعتراف ان القوى السياسية والاجتماعية والثقافية في المجتمع العراقي والذي تشكل جزءا كبيرا منه في الخارج وفي ظل انظمة منفتحة وديموقراطية لم تعد قيادته ممكنة بالاساليب التقليدية المتبعة في الدول العربية.


فمعظم القوى والشخصيات الفاعلة تبحث عن موقع في السلم الاجتماعي، وترغب في ممارسة دور فاعل في هذه المرحلة الفاصلة في حياة المجتمع العراقي، ولا اعتقد من المبالغة القول ان معظم الطاقات تشعر بانها اكثر تفوقا من اهل الحكم والاجدر بالقيادة.


وهو ما يدفع لاعادة النظر في الأسس التي تقوم عليها الدولة الحديثة واعادة التفكير في تعريف الدولة القوية، فليست الدولة القوية هي التي تقمع شعبها وتجرده من صلاحياته، ولا تلك التي تكمم افواه الطامحين والمصلحين، بل هي الدولة التي تخرج من رحم الاجماع الوطني وتكون خيار الناس ورغبته وأداة تنفيذ ارادته، ان الدولة القوية في عالم اليوم هي الدولة المتصالحة مع المجتمع لتكون جسرا يحقق من خلالها آماله، وهو ما نأمله للدولة الحديثة في عراق المستقبل.

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الاتحاد الأوروبي.. مليار يورو لدعم لبنان | #غرفة_الأخبار


.. هل تقف أوروبا أمام حقبة جديدة في العلاقات مع الصين؟




.. يديعوت أحرونوت: إسرائيل ناشدت رئيس الكونغرس وأعضاء بالشيوخ ا


.. آثار قصف الاحتلال على بلدة عيتا الشعب جنوب لبنان




.. الجزائر: لإحياء تقاليدها القديمة.. مدينة البليدة تحتضن معرض