الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تعاطي المجتمع المدني مع السلطة التشريعية

فوزية مطر

2003 / 8 / 7
مواضيع وابحاث سياسية



 
لمؤسسات المجتمع المدني وأفراده أثر عظيم في نجاح العملية البرلمانية أو فشلها في أي بلد من البلدان. فإما أن يكون المجتمع المدني رافدا للعمل البرلماني ومعززا لمسيرته وإما عائقا ومعرقلا لعمله وتطور دوره في المجتمع. وليس المقصود برفد العمل البرلماني وتعزيزه الموافقة الدائمة والتأييد المطلق لكل ما تتخذه السلطة التشريعية من مواقف وتقره من قرارات، بل هو اتخاذ الموقف الداعم للسلطة التشريعية حين يصب أداؤها في صلب الدفاع عن حقوق الشعب ومصالحه، واتخاذ الموقف المناهض لها حين ينتقص أداؤها من حقوق الشعب ومصالحه.
وبين فصل تشريعي وآخر تقرر مؤسسات المجتمع المدني -السياسية منها على وجه الخصوص- نوع ومستوى تعاطيها مع السلطة التشريعية.
طبقا للتكتيكات المرحلية التي تتخذها تلك المؤسسات وفقا لأوضاعها الخاصة وبرامجها العامة ووفقا لما يتمخض عنه كل فصل تشريعي من قوانين وتشريعات مجتمعية. وفي كل الأحوال تبقى تلك المؤسسات صوت الشعب الذي يتفاعل بإيجابية مع السلطة التشريعية. وكلما تفاعل المجتمع بمؤسساته وأفراده مع السلطة التشريعية، وكلما أخضع عملها للتقييم المستمر، أمكن تحقيق التقويم المطلوب لتطوير العملية الديمقراطية وإثرائها. ويمكن للتقويم المتواصل أن يحدث التغييرات المطلوبة ويرسي النصوص المعززة لدور السلطة التشريعية الرقابي والتشريعي. الأخذ والعطاء، الثناء والمحاسبة، التقييم والتقويم.. تلك هي سبل التعاطي الحيوي والإيجابي للمجتمع المدني مع السلطة التشريعية.
ودور المجتمع المدني ليس حكرا على المؤسسات السياسية ورموزها البارزة. التعاطي مع السلطة التشريعية منوط بكافة المؤسسات المدنية بشتى اختصاصاتها ومناحي نشاطها ودورها في المجتمع. فلا بد أن يجس نواب الشعب نبض قطاعات المجتمع ويتعرفون على مشاكلها واحتياجاتها من خلال ما تطرحه مؤسساتها وشخصياتها من آراء وفعاليات تعبر عن حقوق وتطلعات من تمثلهم من أعضاء. ذلك -برأينا- أهم الضمانات لوضع السلطة التشريعية بشكل مباشر أمام مسئولياتها الجوهرية نحو المجتمع.
وتشكل المؤسسات والأجهزة الإعلامية بكافة قنواتها منبرا أساسا يفترض توظيفه للتعبير عن مطالب وطموحات الناس. فالإعلام هو أحد الجسور الهامة التي تربط المجتمع المدني بسلطته التشريعية. وبالمقابل يشكل انفتاح ممثلي الشعب على المجتمع المدني ومد جسور التواصل الدائم والحوار البناء معه عاملا فعالا في التزام السلطة التشريعية بحقوق الناخبين وطموحاتهم. وفوق ذلك يمكن لهذين المنبرين الهامين أن يسهما بشكل فعال في تنمية الوعي الشعبي بدور البرلمان مما يحقق تجذر تعاطي أفراد المجتمع وعامة الناس مع سلطتهم التشريعية.
وبإلقاء الضوء على تجربتنا الديمقراطية الوليدة بعد انقضاء دور الانعقاد العادي الأول من الفصل التشريعي الأول، يمكننا ملاحظة تراوح دور المجتمع المدني بمؤسساته السياسية والاجتماعية وشخصياته المؤثرة بين الإيجابية والسلبية. فقد أظهرت بعض القطاعات المجتمعية ديناميكية اجتماعية مؤثرة حيال ما يدور تحت قبة البرلمان وشكلت درجة وفاعلية تعاطيها عاملا إيجابيا مؤثرا - في بعض الأحيان- أسهم في تفعيل دور المجلس وبث الحيوية اللازمة في الأداء المثمر لأعضائه تجاه بعض القضايا. فقد دعّم الرأي العام البحريني طروحات النواب ومواقفهم في قضايا مجتمعية ملحة وأسند فاعلية دورهم في وجه دفاع الوزراء المستميت عن أداء السلطة التنفيذية. كما شكّل رأي المجتمع حيال قضايا أخرى سبيلا لتقويم أداء ومواقف أعضاء المجلس. وعلى ضفة أخرى كان لخطاب عدم التعاطي مع السلطة التشريعية بما تهيأ له من منابر سياسية، إعلامية وكارزمية شخصية أثرا سلبيا على مستوي التزام النواب بالقضايا الأولية والمحورية بالنسبة للمجتمع، وعلى غياب عامة الناس عن التفاعل المطلوب مع البرلمان، وعلى نوعية ومستوى تعامل السلطة التنفيذية مع القضايا المطروحة في المجلس.
كانت التجربة - رغم قصرها- صعبة بكثير من المقاييس بالنسبة لنواب الشعب. وصعوباتها لم تزل قائمة ومرشحة للاستمرار طوال الفصل التشريعي الأول من عمر البرلمان ما لم يتطور التعاطي المجتمعي مع السلطة التشريعية. ومما يمنح الصورة بعدا قاتما ما ورد بأحاديث العديد من النواب من غير اتجاه حينما تصدوا لتقييم التجربة بعد أن غاصوا في أتونها وكانوا أهم عناصر تكوينها. حديث النواب يقطر مرارة تعكس حجم الصعوبات وماهية التعاطي المجتمعي العام مع المجلس.
تعددت وتنوعت الصعوبات التي اعترضت المجلس النيابي فمنها هامش الحركة والإنجاز المحدود والمقيد، وجدة التجربة بالنسبة لكافة النواب، والتأثير السلبي لخطاب عدم التعاطي مع البرلمان، وقلة الأعضاء المسلحين بتجارب العمل السياسي والخبرة السياسية اللازمة لارتياد هذا الغمار ومواجهة ما يعتمل به من زوابع مقابل تمترس السلطة التنفيذية وراء خبرة سياسية تربو على الثلاثة عقود تهيئها لإدارة دفة المعركة بالحنكة اللازمة حين الاحتياج لإجهاض أي تفعيل لدور النواب الرقابي. السلطة التشريعية التي انتخب المجتمع إحدى غرفتيها وقعت على كاهلها مهمة إنجاز المرحلة الثانية من الخروج من عنق الزجاجة عقب مرحلة التصويت على الميثاق. وقد أظهرت التجربة -على قصرها- أنه أمامنا مراحل لاحقة ينبغي التعامل معها بالحكمة والحنكة اللازمتين للإفلات المحقق من عنق الزجاجة. ونحسب أن تواضع حجم التفاعل المجتمعي مع السلطة التشريعية ضاعف وقد يضاعف من صعوبات العمل البرلماني ويعوق تطوره، مما يطرح مسئولية تاريخية على أقطاب البناء المجتمعي وأطرافه الفاعلة لضمان استمرارية الإصلاح وصموده أمام أعاصير عاتية تشد المجتمع نحو التراجع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استعدادات دفاعية في أوكرانيا تحسبا لهجوم روسي واسع النطاق


.. مدير وكالة المخابرات الأميركية في القاهرة لتحريك ملف محادثات




.. أمريكا.. مظاهرة خارج جامعة The New School في نيويورك لدعم ال


.. إطلاق نار خلال تمشيط قوات الاحتلال محيط المنزل المحاصر في طو




.. الصحفيون في قطاع غزة.. شهود على الحرب وضحايا لها