الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الزعاترة وتسويق كوابيس-الثنائية الحدّية-

رشيد قويدر

2007 / 3 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


طالعنا السيد ياسر الزعاترة عضو مجلس شورى الاخوان المسلمين ـ نسخة الأردن، بمقالٍ تحت عنوان "حواتمه إذ يتفنن في هجاء حماس !!" الدستور، (25/2/2007) قال في مطلعه: "منذ فوزها في الانتخابات لم يتوقف السيد نايف حواتمه الأمين العام للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين عن استهداف حركة حماس، أحياناً بشكل مباشر، وأحياناً بقدر من التذاكي، وفي كلا الحالتين بتحامل ليس فيه الكثير من المنطق ...". أما ما هو هذا التحامل فيجيب السيد الزعاترة "في الأسابيع الأخيرة حاول ضم حركة فتح إلى ذات مربع الهجاء مع حماس على خلفية الاقتتال الذي وقع في قطاع غزة، لكن القارئ لم يكن في حاجة إلى كبير عناء كي يكتشف الفرق بين الموقفين، أي الموقف الحاد من حركة حماس مقابل الموقف الناعم من حركة
فتح ...".
ناهيك عن لا أخلاقية الحديث عن تراث الجبهة الديمقراطية بالشكل الذي تحدث به الزعاترة، كونه تراث شهداء وأسرى وجرحى، لقد ابتلع السيد الزعاترة تسعة أعشار ما قاله حواتمه في "الفرق بين موقفين ناعم وخشن"، مغيباً أيضاً مجموع أدبيات وبرامج الجبهة الديمقراطية، حول استعادة منظمة التحرير الفلسطينية دورها، باعتبارها الإطار المؤسساتي الائتلافي لعموم الحركة الوطنية الفلسطينية، واستعادة نموذجها في الوحدة الائتلافية، والذي لم يطبق حتى الآن، ولم يطبق شيء من الوحدة الائتلافية بحكومات فتح التسعة (من عام 1996 ـ كانون الثاني/ يناير 2006)، ومن ثم حكومة حماس (آذار/ مارس 2006 ـ شباط/ فبراير 2007). بل قفز عن الكتب، والتي قدمها حواتمه بقلمه ومنذ مطلع التسعينيات، وعالج فيها واقع الفكر السياسي الفلسطيني وتحولات واقع النضال الفلسطيني، ومن موقع نقدي برنامجي وللتيارات المساومة والانهزامية في القيادة المتنفذة في منظمة التحرير، وللتيارات المغامرة والمتطرف في آن معاً، ونحو مواصلة الجهد الوطني لاستكمال الشرط الذاتي، وتوجيه الجهد لأحداث التحول المطلوب في الموقف الفلسطيني، في صناعة القرارات والتحركات الفلسطينية بعيداً عن التجاذبات الإقليمية والعربية وضغطها، بالاستناد إلى استمرار تعزيز الوحدة الوطنية على قاسمها السياسي المشترك، تعبيراً عن وحدة مصالح الطبقات الاجتماعية الأساسية للشعب الفلسطيني في الاستقلال والعودة وتقرير المصير، وبالائتلاف الوطني الكامل (راجع كتابيّ حواتمه "أوسلو والسلام الآخر المتوازن" و "أبعد من أسلو ... فلسطين إلى أين ؟").
نعذره في "الابتلاع والقفز" طالما أنه قد ابتلع فكر جماعة الأخوان دون مضغ أو هضم، ولا نعذره في ابتلاع حقبة هامة في تاريخ الفكر السياسي الفلسطيني" يمرون على الآيات وهم عنها معرضون"، لا تحتمل "التقويل والتأويل" و"النقل علىالعقل" تمثل المنهج الذي يعمل به الزعاترة ومن يشايعونه، تقديم اجتزاء متعمد خارج نص التحليل والواقع، وفي تجاوز للواقع الفلسطيني التعددي، اجتزاء لإيقاع خلطٍ مقصود. أما المحصلة فهي القاعدة المعروفة التي تقول، حين يتعطل العقل عن فهم مصادر الحقيقة، لا تفيده أية حقيقة، وإن حمل على ظهره أسفاراً. وبالذات حين يمر "على خلفية الاقتتال الذي وقع في غزة" مرور الكرام، ينتقل أخونا من داء الغلو والتطرف بالاجتزاء وادعاء احتكار الحقيقة، إلى داء التبسيط للاقتتال الذي أوشك أن يغرق السفينة، وحصد ما حصد من قتلى وجرحى وتدمير المؤسسات التعليمية والاقتصادية، الإرهاب الذي لم يرحم الأطفال، الجريمة المدانة من أي طرفٍ كانت، ولم ترحم البؤساء المكدودين المحاصرين صهيونياً، والباحثين عن لقمة الخبز، فأي انحطاط أصاب المفاهيم التي لم تتحسس هذا المرض الخبيث القاتل في ثقافتنا، بؤس احتكار السلطة من أي طرف كان، عمليات اختطاف واغتيال وقصف الأحياء، فهل العلاقة بين الحركتين "قشطة وعسل" ؟! ألا يستحق هذا الشعب شيئاً من الاعتذار والندم ونقد الذات !
نعذره مرة أخرى، وبما اقتبسه وابتلعه من أفكار متطرفة عن "جاهلية" المجتمعات، وفي حقبة مرت بعقدين على الاحتلال، أراد لجماعته بها أن تبقى تربوية دعوية أخلاقية أقرب ما تكون إلى "المجموعات الكشفية" تحت سقف قوانين الاحتلال، والنأي بالذات عن دفع الضريبة في معركة التحرر الوطني الفلسطيني، نحو "تورا بورا" في نموذج الغلو الذي لا علاقة له بدين. عقدان دون أي دور مؤثر ضد الاحتلال، وفي مساكنة وزواج المسيار مع الأنظمة، وأسلحة التخويف وتحريض الأجهزة، وسلاح التكفير ومهنة "المكفراتية"، ذلك السلطان على النفوس في عصر الحاسبات و"الحسبة" الأخوانية، وتجنب النقاش الفكري العصري الذي لا ينال من العقيدة بشيء ومن الإسلام المتنور بشيء، بل يجعل الإنسان أكثر وعياً وتفتحاً. وهكذا؛ فأخينا ككل من يطالب مجتمعه بالخضوع لعملية تغيير، وبالإدراك أن التفويض الانتخابي ليس مطلقاً ومفتوحاً، وبأن الفائز في الانتخابات يفعل ما يشاء "كارت بلانش"، بل محدد قانونياً وموضوعياً بالقوانين الأساسية، والالتزامات الدولية للنظام السياسي الفلسطيني، ولشعب ما زال يرزخ تحت الاحتلال. يدخل اللعبة الديمقراطية بتلك الشروط، ثم ينقلب عليها إثر وصوله.
في تضاعيف السيد الزعاترة من حيث نطاق المشكلات، "المسموح" بمناقشتها عقلياً، فإن المناطق "المحرمة" تزداد اتساعاً، لتختفي بيئة الحوار الحر، فيختلط الأمر عليه، بين الدولة الدينية والدولة المدنية، بين تطبيق الشريعة وتطبيق القانون المدني. محظورات وممنوعات في بيئة الحوار الحر، والخلاصة تدهور مستوى التسامح، وهبوط الخط البياني للفكر، وانسدادات في شرايين المجتمع، ما يدفعنا بالتأكيد أن نشكر العولمة والفضائيات والإنترنت، وكل ما زاده انفتاحاً، وإن لم يخرجه من أدبيات التزمت، "القيادة في الإسلام فردية وليست جماعية، والشورى استشارية وليست ملزمة، دون ذلك فلا خير ومنفعة من الديمقراطية وقيودها، ومزايا تداول السلطة"، إن هذا النمط من التفكير هو ما يهدد الفكر، بدءاً بحامليه وليس بالإسلام، فالوطن يبنى بالحرية والفكر والتعددية السياسية وحق الاختلاف "كلكم راد وكلكم مردود عليه".
لم يتقدم الفكر الإنساني إلا بالخروج من أقنية التفكير المغلقة، المشادة على المنطق الصوري، القائم على الجدل المسمى بيزنطي، أي عقم محاولة الفهم القائمة على الافتراض الخاطئ، فالبداية خاطئة أما النتائج فخطيئة. أما المسألة فهي استخدام العقل لفهم مصادر المعرفة والتحرر من المسلمات والثقافات المريضة، والتي باتت تتحكم بشكلٍ مذهل، في ترتيب الأولويات، وصياغة الخيارات والتفكير، وهي بذلك تحجزه داخل نطاقها الضيق، وقد باتت غير ذي جدوى في زمننا المعاصر، عندما تخرج بشكلها المتعسف من سياقها الزمني الذي عاشته، وتتحول إلى بوصلة "ليس في الإمكان أبدع مما كان" ومثيلاتها بما تحتوي من مغالطات شرعية وعقلية، تحيل مركزية القديم على المعاصر، فالنصوص تستخدم ضد النصوص، وبتعبير الصادق النيهوم "إسلام ضد إسلام".
على كتف هذا؛ يطيب للسيد الزعاترة المقام، وهذا حقه وكلما أزعجه الحاضر، ولكن ليس حقه وعندما يتدخل شعوره النفسي الخاص بالاجتزاء والإحالة، ممزوجاً بذكريات معينة ليحيل ذاته حاكماً منهجياً على التفكير وسائر طرق العلم والحياة. وهو يطالب المجتمع بالخضوع لعملية تغيير، دون أن يخضع مسيرة هذا التغيير للتقييم والنقاش وحرية الفكر والأمن الثقافي.
إن النهضة ليست برلمان ومدرسة ومصنع وحتى صرف صحي ...الخ، بل هي مع هذا، حرية نقاش للتخلص من التخويف، ونعذره أخيراً في مقالته، ضحية لمفهوم أعوج، لا يكاد يستقيم في أسطره حتى ينبعج وينطعج، وينفتق عن جروح التخلف وعداوة العصر، وبؤس الثقافة الديمقراطية لمن استمرأ التكسب بأدوات الاستقطاب المدمر وتقسيم المجتمع على حساب وحدته الوطنية، الكلفة الغالية.
الزعاترة الغاضب على الجبهة الديمقراطية وأمينها العام، بسبب انتقاد سياسات حماس، يتخذ موقفاً حمائمياً من سياسات وممارسات "القاعدة"، ففي حلقة برنامج "الاتجاه المعاكس" بثت في 29/10/2002، وعلى حد وصف الزعاترة: (ظهرت فيهم بعض أشكال العنف "المقصود تنظيم القاعدة"، هؤلاء خرجوا دفاعاً عن الأمة أيضاً، هم مجتهدون في كل الأحوال لا تستطيع قول غير ذلك).
وفي النهاية يكونون وحدهم الفائزين ولكن على أكوام خربة، حينها يكون الثمن من رصيد الشعب والوطن. وإن تقاطعت سلفية الزعاترة ومنهجيته في تسويق كوابيس "الثنائيات الحديّة"، فالدعوة موجهة لكبار التيار لوقف غلمانهم.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لماذا قررت مصر الانضمام لدعوى جنوب إفريقيا في هذا التوقيت؟ |


.. بيسان ومحمود.. أجوبة صريحة في فقرة نعم أم لا ??????




.. دول أوروبية ستعترف بالدولة الفلسطينية في 21 مايو/أيار


.. -مطبخ مريم-.. مطعم مجاني ومفتوح للجميع في العاصمة اللبنانية




.. فيديو مرعب يظهر لحظة اجتياح فيضانات مدمرة شمال أفغانستان