الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الطارئ والمطروء في ذكرى إعلان حالة الطوارئ

بدرالدين حسن قربي

2007 / 3 / 12
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


تتكرر في مثل هذه الأيام ككل عام ذكرى أليمة ونكدة على السوريين، تُذَكِّر الناسَ بيوم نحسٍ مستمر، استولى فيه حزب البعث على مقاليد نظام حكمٍ مدنيٍ ديمقراطيٍ تعدديٍ في سورية بالقوة العسكرية الباطشة وليُؤسِّس نشوء نظامٍ احتل مراتب متقدّمة على مستوى العالم قمعاً وديكتاتوريةً وفساداً.
فبقراءة السيد/ صابر فلحوط للأمر العسكري رقم 1 مع بيان الثورة في 8 آذار/مارس 1963 دخلت سورية وناسها نفقاً مظلماً عرفت بدايته ولعل نهايته قريبة قريبة. ثم كان البيان الثاني من نفس اليوم:
استنادا إلى المرسوم التشريعي رقم 51 تاريخ 22 / 11 / 1962 تُعْلَنُ حالةُ الطوارئ في جميع أنحاء الجمهورية العربية السورية وحتى إشعارٍ آخر.
لكلمة الطارئ والطرء في العاميّة الدمشقية معانٍ متعددة تجمع بين اللطافة والطرافة حسب مكانها من الاستخدام وطريقتها في اللفظ، والمناسبةِ التي تقال فيها. وللقارئ أن يدخل فضاءاتِ هذه الكلمة نحواً وصرفاً، معنىً واستخداماً ليتأكد من عظمة الطرء وأثره في حياة الطارئين والمطروئين. ونكتفي هنا بما يعنينا من الطارئ والطارق فنقول: قد يكون نوعاً من إبدال القاف إلى همزة في العامية، فكثيراً ماينادي السوريّيون والمصريّيون مَنْ اسْمُهُ طارق: يا (طارئ). ومِنَ الطارق إلى المطارق، ومن طارئٍ إلى طوارئ لنرى البلاد محكومةً بقوانين الطوارئ، والعبادَ يواجهون حالة الطوارئ منذ 44 عاماً مع بداية ثورة الطوارئ.
ومابين الطارق والمطروئين بمطارق حالة الطوارئ، نجد شعبنا بملايينه من عمالٍ وفلاحين وكادحين فقراء، ومحرومين مستضعفين قد أُشْبِع طَرْءاً وطرقاً وبلغة أهل الخليج (طْرَاقَات). وبما أن الطرء مَنْقَبَةٌ لايقدر عليها إلا من كان حكومةً أو مع الحكومة أو من شراشيب الحكومة، فلنتصور حال جماهير الناس المطروئين بعد عشرات السنين من تواصل عطاءات وإنجازات الطرء الحكومي على مدار الساعة. وبما أن بلاد الطوارئ والكوارث والفواجع السيادة فيها للقانون، والحكم فيها للشعب، والطرء فيها للحكومة ومن اختصاص الثورة والثوار الصامدين والمقاومين، فليس لطارئٍ أن يطرء إلا بقانون الطوارئ، وبما أن العين تَطْرُؤ ولها طَرْأ (فالعين تطْرُؤُنْ) إن شاء الله وترتاح البلاد منهم.
قالواعن قوانين الطوارئ وإعلان حالة الطوارئ: إنما هي لحالات الخطر الطَوَارِئيّة التي يتعرض فيها الوطن للخطر، ويُحِسّ فيها المواطن بعدم الأمان، فيتخلى الناس (طَوَارِئياً) عن جزءٍ من حرياتهم في مقابل مساحات تحركٍ أكبر للحاكم بأمره للتعامل مع هذه الأخطار، ليتحقق للمواطنين إحساسٌ أكبر بالأمان. والأمر في عمومه محكوم بظروفٍ طارئةٍ، فَيُفْتَرَضُ فيها محدودية الوقت وقصر الزمن، فهي ليست حالة أصيلةٌ وطبيعية لوضع البلاد والعباد بل طارئة.
ولكن بما أن إعلان حالة الطوارئ يُعطي الحاكمَ والحكومةَ صلاحياتٍ مطلقة في التحرك، فإن النظام الحاكم مع هذه الحال يستمرئ هذه الصلاحيات الواسعة ويُدْمِنُها بما فيها من الاعتقالات التعسفية والمحاكم الأمنية والعسكرية وسياسة تكميم الأفواه ومراقبة الصحف والاعلام، وامتناع المحاسبة والمساءلة، ليقيم بصيغةٍ ما دولة القمع والاستبداد التي تنشأ في كنفها طبقة من الفاسدين والشبيحة واللصوص الذين يمارسون بجمعهم دوراً قميئاً في تدمير السلام المجتمعي وإشاعة قيم الفواحش استبداداً وقرصنةً وامتهاناً لكرامة الإنسان وحقوقه، ولتجتمع ثروة البلاد ورزق العباد في يد مجموعةٍ محدودةٍ نسبياً فاسدةٍ ومفسدةٍ من الحيتان والهوامير والقطط السمان التي يَتَجَمَّع في حساباتها قَطْرُ عرق الملايين والملايين من الكادحين والمسحوقين والجياع المقهورين لتُِكَوّن أصفار ملياراتهم وتزيد في أرصدتهم الدولارية.
من الفساد السياسي قهراً وبطشاً من جهة، والفساد المالي نهباً وتشبيحاً وشفطاً وهبشاً مع ضرب منظومة القيم الأخلاقية المجتمعية من جهة أخرى، يكوِّن الثوار الصامدون ثنائيةً عصيةً على المواجهة والمجابهة عضوياً ولاسيما مع تغطيتها بقوانين الطوارئ المعلنة والمفعلّة آناء الليل وأطراف النهار، فضلاً عن أنهم يُشرعنون هذا الفساد ثورياً ونضالياً، ويُدَثِّرُونَهُ بأغطيةٍ شعاراتية وإعلاميةٍ لاحصر لها من الصمود والتصدي والمقاومة، ويُمسكون بمفاصل الدولة بطريقةٍ بعيدة عن المسؤولية والمساءلة والمحاسبة وبعيدةٍ عن الشرعنة القانونية، ويشكّلون في هذه الأجواء المحاكم الاستثنائية والميدانية ومحاكم أمن الدولة العليا الاستبدادية، والتي ماتوقفت – جميعها - منذ تشكليها عن محاكماتها الصورية وإصدار الأحكام التعسفية والقمعية تجاه الأفراد ومنظمات المجتمع المدني ومنتديات الفكر والرأي الآخر عموماً، مما أنتج عشرات الآلاف من الضحايا والمفقودين من مجهولي المصير أحياءً وأمواتاً حتى يومنا هذا.
لذا يكون مطلب المعارضة ومنظمات المجتمع المدني بإلغاء حالة الطوارئ عمليةً تستدعي مواجهةً حقيقيةً قاسيةً ومكلفةً لجماهير المطالبين بها وهو الراجح، لأنها تواجه جهةً ربطت مصيرها ووجودها وحياتها استراتيجياً وعلى المدى البعيد باستمرار القمع والقرصنة والشفط فضلاً عن التشويش والتهويش الإعلامي للنيل من سمعة المطالبين والتشكيك بهم. وما كان خلال الجلسة الختامية للمؤتمر الرابع للإصلاح العربي الذي اختتم أعماله في الإسكندرية منذ أسبوع يؤكد البروباغندا الإعلامية للنظام. فعندما تكلم المعارض السوري د. محي الدين لاذقاني بأن وضع النظام السوري يفتقر إلى الشرعية السياسية، ويهدد الوحدة الوطنية، ويكرس الفساد والاستبداد وسياسة القبضة الأمنية كأسلوب وحيد في العمل السياسي إضافة إلى انه يشرد مئات الآلاف من السوريين، ويعمل بانتظام على تفريغ البلد من الأدمغة والكفاءات العلمية في تبديد واضح لرأس المال الاجتماعي الذي لا تتم دونه أية نهضة حضارية، كان رد د.عدنان عمران وزير إعلام النظام السابق: إن جميع السوريين الذين يقيمون خارج وطنهم إما هاربون من الخدمة العسكرية الإلزامية أو متورطون في جرائم ضد الوطن. وأكملت النائبة/ ابتسام صمادي: إن اللاذقاني وأمثاله نتاج للوعي الزائف الذي لم يدرك أصحابه بعد أن المطلوب من هكذا طروحات رؤوس الرئيس شافيز ونصر الله و المقاومة.
إن استمرار إعلان حالة الطوارئ يعني انتقاصاً معيباً من حريات المواطنين، وازدراءً حقيقياً لكرامتهم، ومصدراً رئيساً لكافة انتهاكات حقوقهم الإنسانية، ويمنع بشكل قاطع تحقيق أيَّ برنامجٍ جادّ للإصلاح السياسي والديمقراطي والنهوض والمواجهة. إننا نوافق الطارئين يقينَهم أن إعلان حالة الطوارئ والعمل فيها لأكثر من أربعين عاماً لاشك كانت له منافع كثيرة وفوائد جمّة لطبقةٍ محدودة على حساب جماهير الفقراء والمسحوقين، ونوافقهم اعتقادَهم أن استمرار حالة الطرء ضرورةٌ استراتيجيةٌ لبقائهم. ولكن دوام الحال من المحال، فلكل طاغية أجل، ولكل ظالمٍ نهاية، ونعوذ بالله من حال أهل الطرء ونعوذ به أن نكون من المطروئين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بوتين ووسائل الإعلام الحكومية الروسية يسخرون من أداء بايدن و


.. الانتخابات الفرنسية.. الطريق إلى البرلمان | #الظهيرة




.. إيران أمام خيارين متعاكسين لمواجهة عاصفة ترامب المقبلة


.. الناخبون في موريتانيا يدلون بأصواتهم في انتخابات الرئاسة | #




.. بعد قصف خيامهم.. عائلات نازحة تضطر للنزوح مجددا من منطقة الم