الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


علاء اللامي وبئر يوسف

حمزة الحسن

2003 / 8 / 9
مواضيع وابحاث سياسية



لكي نعيد العمل بأخلاقيات التضامن بين المثقفين


لست أدري، في النظام الديمقراطي الجديد، كيف يظل علاء اللامي وأمثاله أحياء يرزقون حتى اليوم مع أن تاريخ بئر يوسف لا يزال طريا في التقليد المشرقي؟

وأظن ان علاء اللامي كان سيبتهج لو أن جهة ما خطفته نحو تل أو جبل أو بئر وسيكون أفضل نحو عشب مقمر على طريقة لوركا، وطلبوا منه ، مثله، أو يركض، كما اعترف أحد قتلة لوركا بعد صحوة متأخرة، وأطلقوا عليه النار من الخلف.

 هذا النوع من الموت الجميل سيرحب به هذا العراقي المخمور بحب العراق وهي تهمة ستليق بالعشاق الكبار أو الأطفال الكبار أو المجانين الكبار.

وهناك نوع من النشوة القاتلة قد يدفع بصاحبه كالطائر السويسري الخرافي الموجود في جبال الألب إلى التحليق الفرح والمسرور إلى الأعالي في ليلته الأخيرة حتى يسقط ميتا من ارتفاع شاهق جدا، وهي الطريقة المفضلة لموت النسور.

ومشكلة علاء اللامي مثل مشكلة استاذه النائم في مقبرة السيدة زينب المرحوم المفكر الكبير هادي العلوي، كلاهما لا يأكل لحما ميتا، بل العلوي لا يأكل ـ مثلي ـ حتى اللحم العادي، وتلك تهمة جديدة تضاف إلى القائمة الطويلة في كوني هندوسي الأصل متنكرا بجنسية عراقية حصلت عليها من أجل اللجوء السياسي كما ابلغ أحد هؤلاء البوليس هنا في منتهى الأناقة والوضوح والشفافية!

ومشكلة علاء اللامي ايضا مثل مشكلة كل غفاري حرون، مثل غرامشي حين قال في مؤتمر عاصف للحزب هو القادم من المصح العقلي:( إن فضيحة حياتي هي أنني معكم وضدكم!).

ومشكلته أيضا تشبه، مع فارق التجربة، حكاية المرحوم عزيز السيد جاسم الذي حاول أن يعيش مستقلا داخل الحراب والتحزب والكراهية لكنه سقط في منتصف الطريق وحيدا محروما حتى من الرثاء هو الذي أنقذ عشرات الأرواح من حبال كانت جاهزة ومعدة للعمل وأحدهم كاتب هذه السطور الذي أخفى حين عمل معه فترة شهور أنه كان سجينا سياسيا سابقا وتلك تهمة تعد خللا في الأمن القومي والأمن السياحي والأمن الوطني والأمن الوحشي، وتوضع عادة تحت عنوان "إخفاء معلومات عن السلطات المختصة" ولا تقبل بعقوبة غير الموت مع شكر الضحية على كرم تسليم الجثة!

اللامي يريد أن يرقص مثل كل ذاهب إلى المقبرة مبكرا على رجل واحدة في حفل الزور والبيع والشراء، وهو جالس في محفل الوشاية دون أن يبيع أو يشتري وكل شيء معروض أمامه في المزاد، اشجار الوطن، وتماثيله، ومدنه، وسائله النفطي والمنوي، ومنائره، وقبور موتاه، وسيادته، وشرفه، ومستقبله..الخ. الخ.

لا أدري لماذا يصر علاء اللامي على أن يكون وحيدا وأعزل في محفل البيع والشراء ولا ينضم إلى هذه الوليمة الكبرى التي يشترك فيها جنرالات وضباط مخابرات ورجال استخبارات ومستشارون سابقون للدكتاتور وأعضاء مكاتب قومية وقطرية وعنصريون صغار وكبار وأطباء وخبراء قبضوا "أجرة العازف" ويعزفون كل يوم على جثث موتانا لحن الفرح الهمجي؟

لماذا حزين علاء اللامي على شعب يقتل كل لحظة في أسرّة النوم وفي الطرقات وحتى  داخل الحلم؟ لماذا لا يبتهج، مثله مثل ثوار "الأزمنة الحديثة" على هذا الموت العلني المفتوح؟

لماذا يردد صرخة بابلو نيرودا وهو يرى شعبه يساق الى المجزرة:( تعالوا انظروا الدم في الشوارع، تعالوا أنظروا الدم في الشوارع، تعالووووو!)؟

في تاريخ المساومة والبيع والشراء تمكنت مجموعة من العنصريين الصغار بشراء حفنة من الأقزام الصغار على قدر قاماتهم لغرض تأهيلهم في موقع قيادي لن يستمر طويلا قبل أن تأتي الشاحنة أو السيارة المفخخة أو الكاتم، مقابل أن يقوم هؤلاء الأذلاء والجبناء بدعمهم في مواقف سياسية قادمة على حساب مصير الوطن، ومن هؤلاء الذليل مشعان الجبوري والذليل سعد البزاز وهؤلاء لم يكن في وسعهما دخول العراق، بسبب ماضي معروف، لولا صفقة البيع والشراء هذه.

هذا الوهم، هذه السهولة في منح النفس، أعطت الانطباع أن الجميع يمكن أن يبيعوا ويشتروا، ومن يرفض هناك التهديد والابتزاز والغوغأة والتشنيع حتى يركع من بقى من اصحاب الرؤوس الحارة.

لا تاريخ ولا طبع علاء اللامي ولا تاريخ ولا طبع سليم مطر ولا تاريخ ولا طبع  الأشباه أن يركعوا لهذا النوع الجديد من التخويف الجسدي أو المعنوي، ولهذه الفاشية الجديدة الزاحفة في صمت وبماركة من اصحاب النوايا الطيبة مثل كل مأزق تاريخي مفزع.

نحن نرفض حتى ظهور المنقذ القادم من بين أكواخ القصب والنخل، أن نكون أسرى كأعضاء الحكم الصوري القائم في القصر الجمهوري الجديد غير قادرين حتى على رؤية عوائلهم بلا دبابة أمريكية ودون قدرة على الاختلاط بالناس، لأن السيارة المفخخة في الانتظار.

حتى لو هدأ الوضع فإن" القوة الثالثة" السي، أي، ايه، وتاريخها العريق في الاعمال القذرة، ستتكفل بتصفية من يتذكر منهم أنه عراقي ووطني وشريف في لحظة ما من لحظات يقظة الضمير، وبالطبع سيكون "أنصار الإسلام" وغيرهم هم الشماعة الجاهزة التي ستسحق بها رؤوسا كثيرة.

على شاشة تلفاز عربي شاهدت يوما برنامجا وثائقيا عن الأعمال القذرة للمخابرات الأمريكية، ولفتت انتباهي شهادة سيدة متقاعدة  كانت مكلفة بفتح رسائل لمسؤول كبير في الجهاز لأن يده مقطوعة في حادث وتجهز له الرسائل، لكنها دهشت يوما لأنها قرأت في تقرير مقدم اليه أنه تم ( نسف جسر في دولة..) لا تذكرها السيدة لكنها تقول أنها في جنوب شرق آسيا وعلاقات أمريكا معها طيبة جدا، وحين سألت هذه السيدة متعجبة المسؤول وهي تعطيه التقرير عن معنى هذه الجريمة غير المبررة، تقول أنه نظر إليها قائلا:ـ ( أنت  صغيرة بما يكفي لفهم مثل هذه الأمور!). وتضيف هذه السيدة انه حتى في هذا العمر المتقدم لا تزال لا تفهم هذه الامور، وهذه " الأمور" قد تتعلق مثلا بمقاولة اعادة بناء هذا الجسر، أو اسقاط حكومة خرجت عن المسار، أو ابتزاز شركات أو صراعات قوى مالية الخ..وهو أمر فعلا لا تفهمه شابة جميلة في مقتبل العمر لا تعرف غير الجرائم الواضحة.

ليس اللامي ولا غيره ملائكة وليس كل ما يفعلونه أو يكتبونه صحيحا حالهم حالنا، لكن من المؤكد قطعا، أن علاء اللامي صورة زاهية مشرقة من موجة الكتاب العراقيين الجدد الخارجين من الفاشية  توا وذاهبين لمواجهة الاحتلال والعنصرية الجديدة.

قد يذهب علاء اللامي يوما مع إخوة في نزهة صحراء في يوم مشرق وجميل وقد لا يعود، لا يعود أبدا، لأن بئر يوسف مفتوح هذه الأيام في انتظار طيور صحراوية خرافية تنتشي في يومها الأخير حتى الثمالة وتهوي في البئر!  

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل تتقرب سوريا من الغرب على حساب علاقتها التاريخية مع طهران؟


.. حماس: جهود التوصل لوقف إطلاق النار عادت إلى المربع الأول




.. هل تنجح إدارة بايدن في كبح جماح حكومة نتنياهو؟


.. الجيش يوسع عملياته العسكرية على مناطق متفرقة بشمال قطاع غزة




.. مقتل العشرات في فيضانات جرفت قرى بولاية بغلان بأفغانستان