الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بن لادن...سنة حلوة يا جميل

راني خوري

2007 / 3 / 14
كتابات ساخرة


نقولها لأسامة بن لادن الذي يطفئ شمعته الخمسين في هذه الأيام، بعدما أطفأ شمعة برجي التجارة العالميين في 11 سبتمبر 2001.

أجمل ما في الموضوع أن التنبيه لعيد ميلاده تم من قبل وكالات الأنباء الغربية قبل العربية، وهو ما يؤكد بأن أسامة بن لادن وتياره باتا يقضا مضاجع الغرب النائم والحالم والآمن (حيث أننا اعتدنا على أمثاله في بلداننا) لدرجة أن يطل علينا نبأ عيد ميلاده (وهو بدعة غربية) من قبلهم، لا من قبل أتباعه (الذين لا يؤمنون بهذه البدعة، لعدم إيمانهم بأهمية الوقت!! فما بالنا بعمر بكامله.

بن لادن الذي له الفضل بإيقاظ العالم كله على ما حكم منطقتنا البائسة لمدة أربعة عشر قرنا، كان سببا في إيضاح مأساة الشعوب العربية (والإسلامية) التي ابتلت بهذا الفكر لقرون طويلة من الزمان. وأن العالم كله في اللحظة التي انشغل فيها بالحديث عن إعطاء المزيد من الحقوق للإنسان (عبر تشريع المثلية الجنسية، أو حقوق المهاجرين، وحقوق الأقليات وغيرها)، صفع -بضم الصاد- بكف يعود إلى القرن السابع الميلادي ليتم تذكير العالم بأن العالم كله ليس سواء. وأنه لا زال هناك من يمكنه أن ينقض بناء الإنسانية جمعاء بسبب فكرة واحدة تعود إلى زمن جاهلية الإنسان.

بن لادن أكد بأن أخطر ما يمتلكه الإنسان هو العقل، فهذا العقل عندما تحرر (بالغرب أو الشرق) أخذ يبني فعلا حضارة أوصلت الإنسانية إلى الفضاء الخارجي، حضارة جعلت من الأجرام السماوية التي كانت آلهة للإنسان في زمن ما (ولا زال البعض يتبع بعضها إما لأسباب دينية، أو لخرافات حول الحظ وما شابه) لعبة يسهل الوصول إليها، بل دخلت الحضارة ذاتها في سباق مع ذاتها حول من له السبق في فعل وإنجاز الشيء، فمن هو أول من صعد للفضاء، ومن هو أول من دار حول الأرض، ومن هو أول من هبط على سطح القمر وأول من سيصل للمريخ أو الزهرة وو..إلخ (دون ذكر باقي المجالات والعلوم التي لا تعد ولا تحصى). ولكن ليثبت لنا بن لادن بالمقابل أن العقل ليس فقط ذو حد واحد، وإنما هو ذو حدين. فكل هذا البناء والتقدم والعلم والحضارة الذي دفعت البشرية (البناءة) قرونا من الزمن للوصول إليها وجهودا ودماء وعرق وكد وتعب، لا تحتمل أكثر من صفعة بربرية بفكرة تعود إلى القرن السابع الميلادي (أو الأول الهجري إن شاء البعض!!) من قبل شخص أو قلة من الأشخاص المؤمنين بهذه الفكرة (فما بالنا بمجتمعات كاملة حاضنة ومؤمنة بهذه الفكرة، بل ومدافعة عنها.

لقد كانت صفعة بن لادن للبشرية درسا مهما للإنسانية، لأنه أيقضها من سباتها، وأوضح أن هنالك ما هو أهم من حقوق الإنسان (حيث يجب إعادة تعريف مصطلح إنسان)، وهو حماية المجتمعات، بل حماية الإنسانية وإن كانت على حساب بعض من حقوق الإنسان، فمجتمعاتنا التي وقف الإنسان عاجزا عن حمايتها تحولت إلى طالبانستان منذ زمن بعيد دون أن نشعر، فالقيم الطالبانية هي التي حكمت مجتمعاتنا حتى بعد الاستقلال عن الاستعمار الحديث، فمن خلافة راشدية إلى أموية إلى عباسية إلى عثمانية، مع ظهور دول أو دويلات صفوية وحمدانية وفاطمية وأيوبية كلها صبت في اتجاه واحد وهو إلغاء الآخر مقابل المكسب الشخصي، وبظهور حركات سياسية جديدة استغلها أفراد (كالبعثية والاشتراكية والشيوعية) في وطننا تحولت إلى نمط آخر من الخلافات، وهذا تأكيد على أن مصيبة أفغانستان صدرت من قيمنا، وأن طالبان ما هي إلا تتويج لأفكارنا القذرة مركزة في بقعة من الزمان والمكان في العصر الحديث، عندما تدخلت السعودية بغناها ونفوذها المالي مدعومة بسياسة أمريكية لحد انتشار المد الشيوعي كانت النتيجة طالبان وأفغانستان، وتحول الحكم من مجتمع ملكي (وهو نظام أفغانستان السابق) إلى خلافة إسلامية حرقت الأخضر واليابس ودمرت الإنسان في أفغانستان قبل أن تدمر تماثيل بوذا!!.

بن لادن الشاهد الحي والإثبات العملي لنظرية داروين حول تطور الإنسان من أصول حيوانية، نحن مدينون له أكثر من غيره ممن حكم منطقتنا بالسيف المقدس تارة وبالحذاء العسكري تارة أخرى، لأنه بين أن السبب في تخلفنا هو عدد الصفعات التي توالت على مجتمعاتنا حتى جعلت قيامتنا مستحيلة (ولعله لهذا السبب يحلم جميعنا بيوم القيامة!!)، فصفعة واحدة من هذه الفئة جعلت حضارة كاملة آمنة في دارها تشعر بعدم الاستقرار والخوف الدائم والتوجس والارتباك، فما بالنا بمن ينام ويستيقظ ويسير ويجلس ويقعد وهو يتلقى الصفعات!!

طوال أربعين عاما من العداء البشري في حرب باردة بين فكرتين (ولا أقول بلدين أو قوتين عظميين، لأن الحرب فعلا كانت بين عالمين مختلفين، وشملت القارات الستة) لم يحدث أن أحست البشرية بتهديد لوجودها، ولكن ما أن دخلت الفكرة الوحيدة المقدسة على الخط، حتى دفعت البشرية ونزفت دماء وأمنا ومالا وسلاما، هذه الفكرة الآن مقيمة في قلب البلدان التي أنتجت الحضارة الحالية (في الغرب أو الشرق)، ويعمل أصحاب هذه الفكرة ليل نهار على تحطيم الحضارة التي آوتهم وحوتهم وأمنتهم وآمنت لهم مستغلين قيمها، ولكي لا يبيعنا أحد أن هؤلاء الغادرين المقيمين (كإقامة أمية بن عبد شمس الذي أسس لاحتلال الشام وتحويلها إلى خلافة أموية من قبل أحفاده لاحقا) هم من أسس لهذه الحضارة وساهم في إغنائها ثقافيا وحضاريا وعلميا نقول: فاقد الشيء لا يعطيه والبلدان التي أتوا منها هي قمة خراب الدنيا والتاريخ فلا يمكن لها أن تصدر للأمم العريقة حضارة وعراقة وقيما وأخلاقا، إن أميريكانستان وبريطانستان وفرنساستان وألمانستان (بل ربما أوروباستان) لن تكون أبدا هي ذاتها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وألمانيا ( أو أوروبا). والدليل أن الهند الواحدة بالسابق ليست كهند اليوم والتي قسمت إلى هند وباكستان وبنغلادش، حيث ما زالت الهند تحتفظ بقيمها الديمقراطية، وأما الأجزاء الأخرى فما زالت تصفع بيد القرن الأول الهجري من جهة والحذاء العسكري من جهة أخرى.

في الختام لا يمكننا أن ننسى المناسبة الأساسية لكتابة هذا المقال، وهي ميلاد الصحابي الجليل أسامة بن لادن ونقول له كلمات مفكرنا الحر د. سيد القمني : شكرا بن لادن!!، وعلى الطريقة الغربية "هابي بيرث داي تو يو !!! وبالعربي: سنة حلوة...يا جميل؟!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الرباط تستضيف مهرجان موسيقى الجاز بمشاركة فنانين عالميين


.. فيلم السرب لأحمد السقا يحصد 22.4 مليون جنيه خلال 10 أيام عرض




.. ريم بسيوني: الرواية التاريخية تحررني والصوفية ساهمت بانتشار


.. قبل انطلاق نهائيات اليوروفيجن.. الآلاف يتظاهرون ضد المشاركة




.. سكرين شوت | الـAI في الإنتاج الموسيقي والقانون: تنظيم وتوازن