الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المرأة والانتخابات بين -الكوتا- العالمية والمناصفة في مجلس النواب

عادل سمارة

2003 / 8 / 9
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


د. عادل سمارة
رام الله المحتلة


يعيش العالم اليوم عصراً مميزا من حيث المبنى الاجتماعي للسلطة السياسية. فإلى جانب السلطة الذكورية، وهي هيمنة قديمة جداً تعود على الأقل لبداية انتقال المجتمع البشري الى الملكية الخاصة، وتكوين أول دولة في التاريخ في العراق القديم ( 6000 سنة قبل الميلاد)، هناك سلطة المال الذي توارثته الذكورية منذ الانتقال الى الملكية الخاصة وحيازة النقود وصولاً الى النظام الرأسمالي. بعبارة أخرى، فإن تحالف الذكورية والملكية الخاصة التي يشكل راس المال آخر طبعاتها هو تحالف ممعن في القدم. وعليه، فإن فك هذا التحالف والانتصار عليه يحتاج الى نضال مرير. لذا، ستبقى حقوق المرأة، كما كانت، مسألة خلافية، نقاشية، نضالية على صعيد عالمي. أما والبشرية تدخل نفقاً مظلماً جداً منذ ثلاثة عقود، أي نفق العولمة، فإن مشكلة المرأة سوف تزداد تعقيداً، رغم تغليفها بقرارات تبدو اكثر انسانية وحضارية مثل تخصيص "كوتا" للنساء في البرلمانات.

قد يجوز لنا القول ان الحركة النسوية الاكثر نشاطاً التي اجتاحب الغرب الرأسمالي في الستينات والسبعينات من القرن العشرين، كانت على ما يبدو "الشهقة" الاخيرة لمحاولات المرأة تحصيل المساواة عبر مشروع نضالي، بغض النظر عن سماته الاكثر لبرالية، والأقل اشتراكية. وقد لا تكون صدفة اذن ان هذه الحركة النسوية قد تراجع مدها، وخبت جذوتها بالتواكب مع دخول النظام الرأسمالي العالمي حقبة العولمة، اي منذ ثلاثة عقود.

حملت لنا العقود الثلاثة الماضية انتصار راس المال على العمل، وتفكك الكتلة الاشتراكية، وهيمنة راس المال التابع والكمبرادوري في محيط النظام العالمي، وبدون ان نشعر وجدنا ان الحركة النسوية قد هُزمت وتراجعت كما تراجع العمل والمعسكر الاشتراكي مع ان هذه الحركة، معظمها على الأقل، حاولت أن تنأى دوماً بنفسها عن الاشتراكية المحققة ممثلة في الدولة وعن الفكر الماركسي  كنظرية. قد يكون هذا التطور مدهشاً، وقد لا يكون قراراً مقصوداً ولكنه حدث على الارض.
اما في الاراضي المحتلة، فقد لعب وجود الاحتلال دوراً كبيراً في تأخير توليد حركة نسوية الى جانب الحركة النسائية الموجودة في فلسطين منذ بداية القرن العشرين. أذكر اننا خصصنا، بالشكل التقليدي المألوف، في جريدة الفجر صفحة للمرأة في منتصف السبعينات، ولكن ذلك لم يقد الى فرز حركة نسوية، ولم يكن قصدنا فرز ذلك التيار اللبرالي وغير الاشتراكي الذي أتى لاحقاً.

واثناء حملة الانتخابات البلدية في الضفة والقطاع في منتصف السبعينات، كتبت مطالباً بحق المرأة في الترشيح لمقاعد المجالس البلدية ولكن قطاعات من الحركة الوطنية نقدت ذلك الموقف واعتبرته "تجذيفاً".

وازداد نشاط المنظمات النسوية في الاراضي المحتلة في عقد الثمانينات وخاصة مع بداية الانتفاضة الاولى نهاية 1987، وبرزت منظمات بين نسوية ونسائية وما بينهما، وبين خيرية ويسارية ولبرالية واسلامية...الخ.

اما انتخابات "المجلس التشريعي" الاولى عام 1996، فقد شاركت فيها المرأة كناخبة ومرشحة في الوقت نفسه، وفاز فيها عدد قليل من النساء. أذكر حينها ان نقاشاً دار حول حصة المرأة في المجلس، وانتهت المنظمات النسوية الى المطالبة ب 30% من المقاعد. اي توافقت المنظمات النسائية وتصالحن مع البنية الذكورية. وقد كتبت حينها في جريدة القدس ( لا اذكر التاريخ) انه إذا كان المطلوب مساواة فلتكن مساواة حقيقية اي مناصفة بين الرجال والنساء. ولكن هذه المرة لم ينقدني أحداً، ولكن بما لم يوافق على الاقتراح أحد ايضاً.

وبدوره شهد المجتمع الدولي في السنوات الاخيرة تطورات بصدد إعطاء المرأة "كوتا - حصة" ولا سيما في بلدان المركز الرأسمالي الغربي وهي الكوتا التي التقطتها بلدان العالم الثالث كحالة من الاستمرار في تبعيتها للمركز الراسمالي. وفي هذه التبعية والتقليد تتساوى كل من نسوية العالم الثالث ومشرعيه ونظمه السياسية. ومع ذلك، سنحصر نقاشنا هنا في الجانب العملي والجانب المبدئي من هذه المسألة.

صحيح انه من الناحية العملية لا تستطيع المرأة تحصيل مقاعد حتى في حدود "الكوتا" المعطاة لها. وليس هذا مجال التحليل الاجتماعي الاقتصادي لاسباب ذلك. فكما اشرنا اعلاه، لم تفز بعضوية "المجلس التشريعي" للحكم الذاتي سوى عدد محدود من النساء.

فعلى سبيل المثال، لم تفز في الانتخابات الاخيرة في الاردن اية امرأة بعضوية مجلس النواب. كانت الحكومة الاردنية قد رفعت مع نهاية عام 2002 شعار "الاردن أولاً"، وهو شعار المقصود به تقوية العوامل القطرية على حساب العامل والقضايا القومية وزيادة الارتباط بالمركز الرأسمالي العالمي ولا سيما الولايات المتحدة. وتضمن برنامج الحكومة الممثل ب "الاردن اولا" تخصيص كوتا للنساء في مجلس النواب تصل الى 8 مقاعد من اصل 104 مقاعد ثم انتهت الى 6 مقاعد من أصل 110 مقاعد. وبالتالي سمحت الكوتا لستة نساء بدخول مجلس النواب، هن اللواتي حصلن على اعلى عدد اصوات من بين النساء المرشحات للانتخابات التي جرت يوم 17-6-2003 ، علماً بأن اياً منهن لم تنجح في المنافسة العادية. هذا رغم ان عدد النساء المشاركات في الانتخابات في الاردن هو 713614 امرأة اي 52,12% اما الرجال فكانوا 655512 اي 47,88%.

ولكن من ناحية مبدئية، فإن الامر اكثر تعقيدا من ان يُحل بحصة للمرأة تأخذها سواء نجحت أم لم تنجح. لا بل ان الكوتا قد تؤدي بالمرأة الى التقاعس عن المشاركة السياسية عامة والانتخابية خاصة طالما ان الكوتا مؤكدة ومعروفة نسبتها. ان الموقف المبدئي هو ان المرأة وهي نصف المجتمع لها الحق بنصف مقاعد مجلس النواب.

وبدورها، فإن القوى السياسية والمنظمات النسوية والنسائية الفلسطينية في المناطق المحتلة تتمسك اكثر بقضية الحصة التي اصطلح عليها المجتمع الراسمالي الدولي، وبالتالي فانها تتراجع عن النسبة التي كانت قد اقترحتها سابقاً، وهي 30 بالمئة.

تقول مذكرة وقعت عليها قوى واحزاب سياسية ومنظمات مجتمع مدني وشخصيات فلسطينية حول قانون الانتخاب الفلسطيني، المنشورة في الايام 26-7-2003 ص 5:

"اتخاذ تدابير مؤقتة تضمن مشاركة منصفة للنساء وذلك بتخصيص حصة للنساء بحد ادنى 20% "كوتا مفتوحة" من المقاعد المخصصة للدوائر في المجلس التشريعي، وحث القوى والاحزاب السياسية على ان تضمن قوائم مرشحيها (وفقا للنسبية) حصة للنساء لا تقل عن 30%".

تجدر الاشارة في هذا الصدد ان حركة فتح وهي الحزب الحاكم لم توقع هذه المذكرة، وبالتالي من غير الواضح فيما إذا كانت مع هذه المقترحات أم لا. أما قوى الاسلام السياسي فلم توقع عليها أيضاً، وقد يعود هذا الى انها لم تغير موقفها الرافض للانتخابات.

بقي ان نقول انه ليس شرطاً ان نعتبر الموقف الصحيح والمبدئي هو الذي توصلت له الانظمة الحاكمة في الغرب الرأسمالي حتى لو تمثل في تبني مؤسسات الامم المتحدة لهذا الموقف. إن إعطاء المرأة حصة محددة تقل عن النصف تعني بلا مواربة ان النساء لا يستطعن تمثيل انفسهن في مجلس النواب. وعليه، فإن الطريق الطبيعي لتحقيق المساواة هو ان يكون لنساء نصف المقاعد، اللهم إلا اذا كنا نعتقد ان كافة النساء في هذه البلاد لا يمكنهن فرز 50-60 إمرأة في مستوى القدرة على عضوية مجلس النواب!

كنعان








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من يتحمل مسؤولية تأخر التهدئة.. حماس أم نتنياهو؟ | #التاسعة


.. الجيش السوداني: قواتنا كثفت عملياتها لقطع الإمداد عن الدعم ا




.. نشرة إيجاز - الحكومة الإسرائيلية تغلق مكتب الجزيرة


.. -تجربة زواجي الفاشلة جعلتني أفكر في الانتحار-




.. عادات وشعوب | مدينة في الصين تدفع ثمن سياسة -الطفل الواحد-