الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جدلية المعارضة في الممارسة السياسية

جان الشيخ

2003 / 8 / 9
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


 

في تاريخنا القريب, تمكنت القوى الوطنية و الثورية , في الساحة اللبنانية, من ان تصد العديد من الهجمات الشرسة من قبل تحالف القوى الامبريالية و الصهيونية والرجعية العربية, و ذلك بفضل أفعال مناضليها الرائعة في الحياة و في الشهادة, اللذين واجهوا قوى القدر و الامر الواقع بكل بطولة ملحمية, في بيروت و الجبل و الجنوب و الشمال و غيرها.
نحن الشيوعيين اللبنانيين, حين ننظر بعين التفاؤل التاريخي في سيرورة الحركة التحررية العربية, و بالرغم من الواقع المؤلم و المتقهقر اليومي. لا نفعل ذلك استنادا" الى النظرية المادية العلمية فقط, بل بالاستناد الى التحليل الواقعي لمجريات الامور, مدركين فعليا" اننا امام صعوبات اضافية, و امام ظروف نضالية أشد قساوة, و أمام ثمن أكبر سوف نضطر الى دفعه.
و لكن هذا التفاؤل ينبع من القناعة المنطقية, بأن الخصم الذي نواجه يدخل مأزقه الاستراتيجي, و يسير في الطريق المقفل الذي لا مخرج له, انها طريقه الحتمية نحو الموت. انه الاحتضار الطويل و العليل,  ليس في لبنان فقط بل في المنطقة العربية , و العالم بصورة عامة. و ليست الحروب الامبرالية الدائمة ( في فلسطين و العراق ) الا صورة من مشاهد نزاعه مع الموت.
تعلمنا من الماركسية اللينينية, و بالممارسة الثورية, بأن هذا التفاؤل التاريخي دوما" مأسوي, التي هي الحركة الدياليكتية للصراع الطبقي. و خاصة في العلاقة المتنافرة بين الخط القومي,  الرجعي  و مأزقه الاستراتيجي وبين الخط الوطني الثوري.
اننا نستطيع ان نؤكد أن نضالنا و تضحياتنا وفق النهج الذي سرنا عليه بتوجيهات مؤتمري الحزب الثاني و الثالث, قد اعطت حزبنا رصيدا" نضاليا", استمر خلال السنوات اللاحقة من الحرب الاهلية في لبنان, و من شأنه أن يزيد من  دورنا اللاحق في معركة البديل الجذري لنهج التراجع و الاستسلام في قيادة حركة التحرر الوطني لشعبنا ليس فقط في لبنان بل ايضا في العالم العربي عامة.
اننا نؤكد من رحم هذا الوعي الثوري , بأن الشيوعيين ربطوا مصيرهم بمصير حركة التاريخ, بمصير انتصار ارادة الشعوب العربية. و ربطنا مصير القوى المنحرفة قوميا" مصيرها بمصير المد الامبريالي الؤقت في منطقتنا الذي هو اليوم في أوجّه. بمصير الصهيونية و الرجعية العربية.
من هنا الذي طرح فكرة البديل, لا يمكن ان يتعايش مع عدوّه الطبقي, مهما اشتدت الازمة و قسوة المأساة. و من دخل اللعبة السياسية القذرة و صراعاتها لينفي وجود الجماهير الشعبية في هذه اللعبة, و حيث اقتصر و جودها السياسي في تبعيتها السياسية الطبقية لاحد أطراف اللعبة البالغة الاتقان البرجوازية الكولونيالية, التي وحدها تقرر و تختار زعيما" تجعله يلعب دور الطرف في هذه اللعبة السياسية القذرة, زعيما" منحه التاريخ, بالوراثة حق الوجود و التمثيل و اللعب, تنتقيه الجماهير من بين  العشرات من أمثاله الذين تعرضهم البرجوازية عليها في سوق النفايات التاريخية. ( أعني الانتخابات النيابية). فقواعد اللعبة تقتضي ان تكون الجماهير في هذا المسرح السياسي في موقع المتفرج, لا دور لها الا التصفيق لمن يمثلها. يتغير الممثلون حسب الظروف و المراحل و الحاجات و يبقى المتفرجون حتى تختل قواعد اللعبة و تخرج عن قواعدها, فلا بد و لا مفر حينها من أن تدخل الجماهير هذه كطرف في اللعبة , و لكن الاختلاف كبير فيما لو دخلت في دور ثانوي ام في الدور الرئيسي. و ينقلب و يتوقف تاريخ المسرح هذا ليتحول الى مسرح التاريخ و في قلب حركته المادية. حينئذن تنقلب المهزلة مأساة و تنكشف اسرار اللعبة.
من هنا ضرورة الاستقلال السياسي للطبقة العاملة في ممارستها السياسية لصراعها الطبقي ضد البرجوازية و رموزها. و أهمية و مركزية الدور الاساسي للحزب الشيوعي و استقلاليته السياسية في البنية الاجتماعية اللبنانية. و طرحنا لفكرة البديل الطبقي و اللا طائفي كقرار سياسي لا رجوع عنه.
و تصورنا الفعلي على كونه الطريق الفعلي و العملي و الواقعي لأيجاد حل عادل لامراض هذه الدولة المزرعة و ضعفها العليل و التاريخي.
يقول مهدي عامل: ( ليست الطوائف كيانات اجتماعية قائمة بذاتها الا في ايديولوجية البرجوازية اللبنانية الكولونيالية المسيطرة, و ان بدت كذلك لبعض المتمركسين من المفكرين او المثقفين. بل انها وليدة العلاقات السياسية القائمة, في حقل الصراع الطبقي, و لا وجود اجتماعي سابق على تلك العلاقة السياسية).
معنى ذلك ان الطوائف ليست تلك الكيانات او الوحدات الاجتماعية, بل هي علاقات سياسية تحددها حركة الصراع الطبقي في هذه البنية الاجتماعية اللبنانية.
أظن ان جدلية المعارضة منافية لفكرة النقد الواعي و المنطقي, و خاصة في حال نقضت و نفت طبيعة هذا الواقع و حقيقة الصراع الطبقي, و ألياته و ادواته, فلا وجود و لا امكانية لتبرير الواقع و التعايش معه او مع رموزه, و الا انزلقنا من دون ان ندري الى مواقعه الطائفية و الطبقية, و افرازاتها, و أصبحنا جزء من ادواته , و ممثلين على مسرحه السياسي, و بذلك انتحارنا السياسي و انتصاره علينا.

أن من يهلّل و يردد عبارات التغيّير وشعارات المرحلة و غيرها, و ينتقد التجربة السوفياتية و يجلدها, و يدعو الى التغيير دون تحليل واقعي و علمي, و تغيّير الاسماء و ما اليها من التنكر للماضي النضالي و ايجابياته و غير ذلك من مواقف سياسية, ليس الا احد التابعيين له, فمتى سقط و انهار هذا النظام, انهاروا و سقطوا, و دعوا للتغيير. و الى لبننة الحزب و حصره في زنازين المزرعة عبر رؤية محدودة قصيرة المدى و التحليل, و نفي امميته, و عزله عمّا يدور من حولنا في العالم و في المنطقة. أما هذا انتحار سياسي برأيكم؟؟؟
أما نحن ننتقد الواقع و نحلله, و نرى الضرورة في الاستمرار و اكمال الطريق, دون تبعية لقوى الماضي و انظمته, و ننستنتج من وعيّنا الفكري الثوري مقومات تلك الضرورة العملية في الصراع الطبقي والضرورة التاريخية لوجود حزب شيوعي لبناني مناضل, مستقل في قراره السياسي, نقيض في طروحاته السياسية, قوي في برنامجه, شعبي في انتمائه, علماني لا طائفي في ممارسته, تغييري و ذو طرح بديل وواقعي. يفضح اللاعبين و نفاياتهم السياسية و رموزها, و يحاربها و لا يهادنها, في رؤية واقعية مادية واسعة أممية, يرفض زجّه في سجن التقوقع الجغرافي و المناطقي و الطائفي, و تجاذباتها السياسية. و يرفض الركض وراء القوى الطائفية و احزابها, لخلق المبرر لوجودها, عبر تحالفات هي كالاوكسجين لوجودها و استمراريتها و حياتها.
 فلماذا المساهمة في احيائها؟ بدل فضحها و تدميرها, و ايجاد البديل لها؟
علينا التعلم من تجارب الاحزاب الشيوعية الشقيقة الاخرى في العالم العربي بالاخص, و العالم بصورة عامة, و التعلم من أخطائها, و ضرورة تفاديها, و عدم تكرارها, ( كما حصل مع الشيوعيين العراقيين و انقساماتهم, و الشيوعيين السوريين و غيرههم).
  فالانقسام تهميش و تغييب و ضغف و خسارة, و الوحدة ضرورة و قوة و مواجهة.
  فكيف ندعو الى وحدة اليسار عامة, لخلق جبهة وطنية رافضة تقاوم المشاريع العميلة الرجعية و الامبريالية و حروبها التدميرية الطبقية و العسكرية, ونحن منقسمين مشتتين كالماعز و الخراف الضعيفة, الخائفة من انقضاض الاعداء عليها من كل حدب و صوب؟؟؟ نلتهي بالتناحرات الشخصية التافهة و الكراسي القيادية المكهربة, و مشتتين بين معارضة و موالاة, غائبين عن الساحة عن الشعب, عن المسرح السياسي, الذي اعتلاه ابرع الممثلين للوطنية و العروبة, بينما هم خبز العمالة ووقاحتها المتجسدة رأسمالية , وعفن التاريخ الذي يعف من كهوف الجهل و الظلام الفكري و الطائفي المخيف.

لماذا لا نتعلم من الوعي السياسي للشعب الفلسطيني, المتمسك بوحدته الوطنية و انتفاضته الباسلة, رغم كل المحاولات الوسخة لضرب هذه الوحدة, و اشعال الاقتتال الداخلي و فتيله, و هذا مشروع الصهيونية السابق الذي لعبته في لبنان, و الذي كنا اول من واجهناه و فضحنا خيوطه العفنة و العميلة, و مازالت تلعبه الان في العراق بنجاح, الذي يعيش حلة ضياع و دوخان سياسي عقيم, و انقسامات طائفية و مناطقية, تنقض على مقاومته فتضعفها و تدمرها و تنهشها من الداخل.
شعبنا الفلسطيني هو مثال للوعي الوطني, في وحدته, و في استمرارية نضاله. بمختلف فصائله على اختلافاتها النظرية و الفكرية و السياسية. وحدته ضرورة لمواجهة العدو الرئيسي الشرس المتربص فيه و فينا.
وجود التيارات غنى و ضرورة, في حياة اي حزب, فكيف لا اذن بحياة الاحزاب الشيوعية؟ التي تعددت فيها المدارس الفكرية و النظرية, في علاقة جدلية في ما بينها.
 و لكن الضرورة الاكبر و الأهم هي الالتزام بالبرنامج العام و بالخط السياسي المستقل و النقيض الطبقي للوضع الراهن في لبنان و المنطقة. فعدم الوحدة ليس الا شلل و هزيمة تاريخية لخطنا الوطني التغييري البنّاء, و هدف نسجله على انفسنا لصالح اعداءنا الطبقيين الكثر, اولاد الامبريالية و الصهيونية العالمية, و اولاد و احفاد الرجعية العربية و الطائفية السياسية اللبنانية.
الوحدة و الالتزام انتصار في معركة التغيير, فعلينا بالانتقال من النظرية و الطرح, الى الممارسة العملية و الواقعية لهذا الفكر و لهذه السياسة في صراعنا الطبقي ضد البرجوازية و الطغمة المالية و رموزها.
فكما ان اعداؤنا يعون ضرورة وحدتهم لتأمين الاستمرارية و القوة, علينا التمسك بالوحدة كطريق و حل و اداة للمواجهة و النقض و المقاومة.و كشف تناقضات البرجوازية هذه التي تتنتفع من وحدة المصالح, و تمثله في نظام حكم, يدعي المصلحة العامة. و تقوم كل سياستها على تأمين الديمومة و شروط الاستمرارية لها.
في تبعيتنا لها نساهم على استمرارها و ديمومة شرها,و اعادة اشكال انتاجها المتعددة, و عجزنا على القضاء عليها بتعايشنا معها مبررين وجودها و ضعفنا في مواجهتنا.
و هذا ليس من عاداتنا , و نقيض لفكرنا, و تبري من تاريخ نضالنا, و دماء شهدائنا, و معارك حزبنا ضد اعداء الشعب و حقوقه و المسمسرين على خبزه و كرامته و حياته.
فلنتوحد ايها الرفاق عبر برنامج و طني نقيض, عملي, من الشعب و اليه, عبر الشباب المهمش و المبتلع من افواه الاحزاب الطائفية, و رموزها في السلطة و المعارضة.
من اجل مستقبل افضل, و عدالة اجتماعية, و نظام علماني لا طائفي, و حقوق مدنية عبر حقنا في المواطنية, و ليس الاستمرار في السير وراء زعامات الاقطاع السياسي و الطائفي. و ذلك عبر تحويل المزرعة الى دولة قوية, تجابه  المؤامرات و المشاريع الوسخة المتعددة, و بذلك فقط تكون المصالحة الوطنية الصحيحة و الصحية. و نخلق البديل القوي لهذا النظام العفن المهترئ الغارق في وحول الطائفية و افرازاتها.

 عاش الحزب الشيوعي اللبناني
المجد للشهداء و الحرية لاسرى الحرية.
 جان الشيخ
ايطاليا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حاكم دارفور: سنحرر جميع مدن الإقليم من الدعم السريع


.. بريطانيا.. قصة احتيال غريبة لموظفة في مكتب محاماة سرقت -ممتل




.. عائلات المحتجزين الإسرائيليين يضرمون النيران بشوارع تل أبيب


.. بإيعاز من رؤساء وملوك دول العالم الإسلامي.. ضرورات دعت لقيام




.. بعبارة -ترمب رائع-.. الملاكم غارسيا ينشر مقطعاً يؤدي فيه لكم