الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حجاب المرأة بين العادات الموروثة ورؤى التغيير في الجزائر

زيان محمد

2007 / 3 / 15
ملف 8 اذار / مارس يوم المراة العالمي2007 -حجاب المرأة بين التقاليد الأجتماعية والبيئية والموروث الديني


أولا وقبل كل شيء تستند دراستنا على العلاقة الموجودة بين"الأخلاق والجسد" في المجتمع الجزائري المتقلب والثائر دوما، منذ ما نقله ابن خلدون في التاريخ عن البربر وأسلمتهم، وكيف لقى الإسلام صدا عنيفا ترجمه التذبذب والتأرجح بين العادات البربرية الوثنية القديمة أو تلك الموروثة عن الرومان، وبين الاسلام دين التسامح والحق، وما إن حصلت الألفة بين العرب والبربر،حتى بات من الطبيعي جدا أن يتخذ فقهاء الأمة موقفا حازما في إعادة هيكلة النظام القبلي البربري، حسب تعاليم الدين، الى غاية القرن 18م، وسقوط الجزائر في يد الاستعمارالفرنسي، الذي قام بتفكيك نظام القضاء(عزل القاض والمفتى)،وإستولى على أملاك الوقف(أموال الزكاة الفقراء والمساكين). وحدوث القطيعة بين الروح والجسد، أدى الى تشيد "النظام الأبوي" المتشبع بمورثات الحضارت قبل الإسلام وبعده، ثم لعبت المرأة دورا كبيرا إلى انتاجه وإعادة إنتاجه.
نتساءل: كيف تبدو ظاهرة "حجاب المرأة" في الجزائر؟ ما مميزاتها؟
وكيف تم الفصل بين الجنسين؟

الغزو واخضاع الطبيعة

كان الاتجاه الطبيعي للرجل المغاربي نحو صنع القرار، أساسا بالغزو والجهاد( وقد ثبت حسب كل المراجع التاريخية أن العنصرالبربري كان دائم البحث عن الحرية)، وكل ما كان يلزم الرجل هو فضاء يشجعه على بناء ذاته الرجولية(الفروسية والتدرب على حمل السلاح)، أولا كنظام للإعداد التربوي الرمزي، وثانيا المرور الى مرحلة إخضاع الطبيعة(الفتح ونشر الاسلام).
أما النساء فكانت مكانتهن مرتبطة بالبيت منذ عصور بعيدة، والخيمة والدار، وارتبط دورهن في الولادة(إنتاج النوع البشري وهي سنة الله في خلقه)، وتربية الأولاد ورعايتهم، إنهن الرأسمال الثقافي(الرمزي) في كل الحضارات.
أما الصاقهم بالدونية(الصفات) فترجع أصلا للحضارات البائدة التي سبقت الاسلام، فهي ذلك الكائن المحتقر، "غير الانساني" حسب المفهوم الأفلطوني، أو العنصر"الفتاك" حسب فلسفة أرسطو أو"المتاع" الذي يباع ويشترى في الأسواق، كما في جاهلية شبه الجزيرة العربية، هذا قصد توضيح كون المجتمع الغربي، يحمل الإسلام وزر التصورات الثقافية المهينة للمرأة، وهذا ما هو سائد في الصحافة الغربية(وهو حكم مسبق حسب قواعد المنهج السوسيولوجي لدوركايم) .
فكون مسألة تحرير المرأة من هذه المسلمات الموروثة عن الحضارات القديمة هي صلب الحديث نحو الموضوعية، فيجب التخلي عن الأحكام الجوفاء، فيما يخص لبس الحجاب في المجتمع المغاربي والعربي،التي تبدو كمسلمات وبديهيات، بل يجب طرحها كتساؤلات منهجية قصد التفسير والتحليل السوسيولوجي والأنثروبولوجي.

الحجاب وإكراه الظاهرة الاجتماعية:
ظاهرة" حجاب المرأة" هي كغيرها من الظواهر الاجتماعية، التي يعرفها دوركايم على أنها" ذلك الحدث الذي يجري داخل المجتمع، وتكون له أهمية اجتماعية، كل أسلوب في التصرف ثابت أو عرضي بامكانه أن يفرض نفسه على الفرد في عملية قسر خارجي"، قد مارست دورها قسرا على المجتمع، ولم يصبح للفرد أي سلطة عليها، بل لعبت دورا في الحفاظ الأخلاقي بالنسبة للممارسيها، واتخذت أبعادا متعددة في عصرنا(سياسية واجتماعية وايديولوجية).
ومن حيث أنتمي إلى المجتمع الجزائري، سأحاول أن أقدم تحليلا من الداخل(دخلاني)، لما تفرضه "ظاهرة الحجاب" منذ مجيئ الفاتحين العرب، ووفود المرابطين نحو الشمال المغاربي، ونشرالتعاليم الدينية حسب المفهوم الجهادي، أصبحت تمارس إكراهها، وتدخل في تحديد الإنتماء القبلي والنسبي(الشرف العلوي والعمري والأبوبكري)، فيظن الرجل أنه في مرحلة جهاد دائم(النفس، والعدو الآخروالظروف الاجتماعية القاسية).
أذكر مقولة أخرى لدوركايم" أن كل منا يحمل المجتمع في عقله على شكل معان، واتفاقات، ومبادئ أخلاقية اكتسبها الفرد من خلال عملية الطبيعة الاجتماعية، وأصبحت جزء من الذات لديه"، والتي نبهتي لما يحدث في المجتمع الجزائري من تغيرات سريعة تصعب على الأكثر من عمل السيوسولوجي.

لم تعد المدينة في المجتمع الجزائري ذلك المكان الذي يحوي أقلية من الناس محاطة بمجموعات بدوية(الأهالي في العهد الكولونيالي)، بل أصبحت تضم مختلف الأصول الاجتماعية والاثنية(مبنية على الأساس الجهوي والنسبي والعرقي لكن يجمعها الدين)، وجدت صعوبة كبيرة في التأقلم وفق نظام أخلاقي وضعي موحد، خاصة بعد اندثار الأعرف القبلية بفعل طمس الاستعمار لها (إلا في بعض المناطق النظام الإباضي مثل غرداية)، مع بداية زوال الأسرة الممتدة، وخروج المرأة للعمل وطلب العلم، وتوسع حركة التصنيع، ومع تراجع متدرج للتضامن الآلي، وحل محله التضامن العضوي، هذا لتناسي الصلات القرابية، ورغبة الفرد في بناء حياة جديدة بعيدا عن مجموعته النسبية، ما أدى إلى فوضى حضرية خطيرة.
فالتمس الاسلام، لتسهيل مسألة التحكم والضبط الأخلاقي، الذي بني من البداية حول ثنائية الأخلاق الدينية وعلاقة الجسد(الرجل-المرأة) بالفضاء، وأهم ما ميزها هو النظام الأبوي في تسير لأسر بالتشريع القانوني، ومن علاماته تحجيب النساء، وفرض أخلاقيات الطريق، والتعامل معهن بتحفظ كبير، فيما ترك الفضاء العمومي لدولة الاسلام السياسي.

الفصل بين الرجل والمرأة:
من شروط خروج المرأة للشارع والأحياء في السبعينيات، إرتداء لباس تقليدي، عدا في بعض الحواضر، يشمل إزارا(مكون من قطعتين، القطعة الأكبر تسمى الحايك والأخرى النقاب أواللثام)، لقد كان يسترها من الرأس إلى القدمين، مع وضع اللثام على الوجه، فهو يفصلها جنسيا كونها أنثى رمز الشرف وأصل الرغبة الجنسية لدى الرجل(رقيقة وضعيفة، وغزال نادر)، وكائن متحرش به، والرجل كونه رجلا بكل الصفات التي تدل على قدرته الجسمانية والمظهرية(الخشونة، الشعر الكثيف، القوة والشجاعة ويقابلها الشهامة، وصاحب البرنوس واللباس التقليدي الأصيل)، ثم تقسيما حسب الفضاءات، هي في الفضاء المنزلي وربته، وملكته، وهو في الفضاء العمومي وسيده المهيمن(الأرض، الفلاحة والحامي)، ثم تقسيما للأدوار، عمل البيت للمرأة والتربية أما الإعالة فهي للزوج أوالرجل.

لقد أصبح الرجل في الجزائر يهيمن على الشارع، فيعتبر المرأة التي تسير لوحدها موضوعا لاثبات رجولته خارج الأسرة، فيتحرش بها، ويغريها بكل الطرق حسب الغريزة والحكمة الالهية، التي تجعل من الرجل يتوجه نحو الأنثى، لذا وحفاظا على مبدأ أخلاقيات الطريق تتحمل المرأة مسؤولية انتهاكها لمكان مهيمن من طرف الرجال، لأنها تنتمي الى الفضاء البيتي، في المقابل يعتبر الرجل الذي يبقى في البيت طويلا، مخنثا أي الشبيه بالمرأة، وينعت بصفات تمس شرفه وهي الفحولة، إذن فهو لا ينتمي للبيت، وكتناقض ينعت رجل حسن الأخلاق بإبن الأسرة(وليد الفاميليا، أو ناس ملاح أو ابن الدار الكبيرة)، والرجل السيء هو إبن الشارع المتشرد، الذي لا ينتمي للأسرة(اللقيط، الشرير، )، لذا يتعلق الأمر بأنظمة رمزية تتصدرها في المقام الأول اللغة حسب كلود ليفي ستراوس.
في المخيال الجماعي، يعتبرالفرد ذاته متحررا اجتماعيا من الإرتباطات الحكومية، إذ لا يعتبرالملك العام في خدمته وخدمة المجموعات، بل يعتبره ملكا للدولة أو كما هو شائع بالعامية ملك البايلك (نسبة للتقسيم الاداري في عهد البايات)، ما يدل أنه لا يعي كون الملك العام امتداد لسلطته (طريق ، إنارة، شجرة، مرفق عام...)، كما أن المرأة التي لا تنتمي لنسبه، و تسير لوحدها في الشارع تنتمي للملك العام(بنت الشارع أو السايبة)، أما الداخل فهو يخضع لهيمنته ووعيه (يقال أنا رب الأسرة أو داري تستر عاري، داري تخصني)، لذا تقبل الفرد التيسيرالحكومي في الحالة المدنية، التي بنيت حسب تفكيره الرمزي،. في القانون المدني Le code civil(النيف، الشرف،المرجلة...)،كما لعبت التصورات الأبوية دورا في المدن، رغم نسيان العلاقات القرابية، يستحضرالفرد سلسلته النسبية وأصله الاجتماعي متى دعت الضرورة لذلك، خاصة في حالة التشكيك في نسبه(يقول أنا ابن فلان أوابن المدينة الفلانية أو وابن صفة مكتسبة كابن الشهيد والمجاهد والعسكري أو غيرذلك من الأعمال)، حتى أن الفرد في الأسرة النووية يرى أن إخوته ونسبه لهم فضل عليه، ويعتبر ذلك خاصية أخلاقية إجبارية.
بعد التسعينيات توجهت الجزائر نحوالانفتاح، ما أدى الى تغلل أفكارجديدة وفدت بأفكار اصلاحية من جهة، وهدامة من جهة أخرى، منها تطبيق النظام رأسمالي، ومنها ما كانت تسعى لإقامة دولة إسلامية دون أية شرعية، دون أي تأطير، لا رجل قانون يقيم حدود الله،ولا قاضي عادل، بل كانت عاطفية ارتجالية، أنبأت بتغير جذري للنظام السائد الذي لا يحكم بحكم الله حسبهم، وكانت من ميزاته ظاهرة حجاب المرأة ولو بالقسر، ثم كما هو الحال اليوم، يرضخ لكل وسائل الموضة، ما يحسن صورته(قيمة جمالية)، بالألوان الزاهية والحريرالمطرز، وبالأثمان المعقولة، ولكن يبقى دائما في خدمة الحماية التي كان يؤديها الحايك التقليدي، ما يهم حسب المفهوم العام، أن يستر المرأة(الجسد).


الاصطدام بالنظام الأبوي
عندما نفكر في المجتمع الجزائري وكل هذه المفاهيم، ما يميز الروابط الاجتماعية وعلاقة الرجل بالمراة هو سلطة النظام الأبوي، المشيد للشفرات الرمزية، والمؤثر على المواقف الفردية والاجتماعية.
لذا تظهر لنا فكرة "نزع الحجاب" والتلويح لها دون تأسيس، تصطدم حتميا برد فعل معاكس تماما، لا يلق سوى التشبث به كقيمة أخلاقية ضد التغيير، ولاعجب أن نجد المرأة في حد ذاتها قد ترفض التخلي عنه(للحصول على زوج، وكوسلة للتجميل...)، كما يحدث للعديد من الجمعيات النسوية التي رفضت من وزارة الشباب والرياضة تعليم "الباليه" و"الرقص"، لإنها تخالف السلطة الأبوية، فأعتقد أن نزع الحجاب أصغر من أن يقف وببساطة في وجه "رأسمال وراثي" إنتقل من الأب إلى الإبن، وهذا الأخير ينتمي إلى الجماعة التي تسير وفق استراتيجية إحترام قطعي للتقاليد الإسلامية، فالفرد هو ابن فلان كما قلنا، لأن الجسد هبة الآلهية، لا يجب أن تزول منه الذكريات، ويرضخ للتحكم والضبط الآلي للأفعال الجنسية(الزواج)، لأن الجنس أيضا ليس ملكا للفرد، إنه امتداد لنسب الأجداد، وملكا لهم، ويكون استعماله تخليدا لذكراهم.
نحن أمام منظومة ضخمة من المكانزمات المترابطة فيما بينها، غير أن اختلالها يتوضح أكثر عندما يفقد الأفراد صلتهم بموروث الأجداد، فيقعون في تقليد لا معنى له، وهنا تكمن الخطورة الحقيقة، لذا وحسب كل التغيرات الجارية، نتساءل بصراحة هل تملك المرأة الجزائرية(في كل شرائح المجتمع، وبين الريف والمدينة) وعيا موحدا لتحررها؟.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجزائر: مجلس النواب يقرّ أكبر ميزانية في تاريخ البلاد


.. الخارجية الجزائرية تنفي تصريحات منسوبة لتبون على صلة بإسرائي




.. هل عيّن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وزيرا للخارجية معاديا ل


.. نائب مجلس النواب الليبي يتهم السفارة الأمريكية بتقويض عمل ال




.. مراسل الجزيرة يرصد آخر التطورات الميدانية في شمال قطاع غزة