الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التجويف كآلية للإجهاض

علي جرادات

2007 / 3 / 15
القضية الفلسطينية


بصورة لافتة، بل مسعورة، تحاول السياسة الإسرائيلية، عبر جهود دبلوماسية مكثفة، التأثير على مجريات القمة العربية المزمع عقدها في الرياض نهاية الشهر الجاري، وتتركز هذه الجهود على مطلب إجراء تعديلات على صيغة المبادرة العربية للسلام التي صدرت عن القمة العربية في بيروت عام 2002، خاصة على البند المتعلق بعودة اللاجئين الفلسطينيين، وبالتحديد على دعوة القمة المتوقعة إلى شطب إقتران حق العودة بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 194، أي القرار الذي يدعو إلى عودة اللاجئين إلى ديارهم وممتلكاتهم التي شردوا منها إثر حرب العام 1948 (النكبة)، عدا دعوة هذا القرار إلى حق هؤلاء اللاجئين بالتعويض أيضا.
في إطار هذه الحملة الإسرائيلية المكثفة، وبعد تصريحات وزيرة الخارجية الإسرائيلية ليفني قبل أسبوعين في مقابلة مع جريدة الأيام والقناة العاشرة للتلفزيون الإسرائيلي، طالبت فيها القمة العربية إجراء تعديلات على بنود المبادرة العربية، وذكرت بالاسم البند المتعلق باللاجئين، وأعلنت أن مِن المستحيل على إسرائيل قبول عودة اللاجئين وفقا للقرار194، وأن إسرائيل ترى في قيام دولة فلسطينية حلاً قوميا لقضية اللاجئين، أي إغلاق ملفها. نقول بعد تلك التصريحات عادت ليفني، وخلال كلمة لها في مؤتمر اللوبي اليهودي (إيباك) في الولايات المتحدة، وكررت ذات المطلب مِن القمة العربية، وإن بصياغة جديدة، حين دعت الزعماء العرب إلى إجراء تغييرات على معادلة "السلام أولاً ثم التطبيع"، وإستبدالها بمعادلة "التطبيع أولا"، وقالت تخاطبهم "إهتموا في تطبيع العلاقات، وهذا مِن شأنه أن يدفع فرصة السلام". وبدوره قال رئيس الوزراء الإسرائيلي أثناء إجتماع الحكومة الإسرائيلية الأخير (وفقا لصحيفة هآرتس)، أنه يجب التعامل بمنتهى الجدية مع المبادرة العربية، وأضاف أنه يأمل " أن تظل العناصر الإيجابية في المبادرة سارية المفعول لتتيح تعزيز الإحتمالات بإجراء مفاوضات مع الفلسطينيين".
ويلفت الإنتباه ما يقال ( على ذمة هآرتس أيضا) عن أن الإدارة الأمريكية تُجري هذه الأيام إتصالات منفردة مع إسرائيل والسعودية، إرتباطا بقرب موعد عقد القمة العربية، الأمر الذي يشي بأن واشنطن تضع ثقلها للتأثير على قرارات هذه القمة، ولا نظن أن وجهة محاولة التأثير الأمريكي ستكون بعيدة عن الموقف الإسرائيلي ومطلبه مِن القمة. وتشير مصادر سياسية أمريكية (حسب موقع عرب 48) إلى أن زيارة مستشار الأمن القومي السعودي الأمير بندر بن سلطان إلى الولايات المتحدة تأتي بصورة موازية لزيارة وزيرة الخارجية الإسرائيلية إلى هناك. ورجحت المصادر أن مساعدي أولمرت الذين زاروا واشنطن مؤخرا، قد ناقشوا المبادرة العربية مع المسؤولين الأمريكيين، وتضيف هذه المصادر أن تحديد توقيت زيارة كونداليسا رايس للمنطقة في الأسبوع القادم، يرتبط بإقتراب عقد القمة العربية.
على كل حال، ما تشير إليه المصادر الصحفية والسياسية، لا يحمل جديدا فيما يخص الموقف الإسرائيلي مِن قضية اللاجئين، ومِن القرار 194 تحديدا، كما لا غرابة أنْ تحاول تل أبيب، وعبر دعم واشنطن الفاعل، التأثير على قرارات القمة العربية، فهذا مفهوم ومتوقع لكل مَن يعرف ألف باء السياسة في هذه المنطقة. وليس في غاية هذه المقالة معالجة هذا الموقف. بل إن ما نريد الإشارة له، إنما نريد التنبيه إلى خطورة المنهجية "الجديدة" للتعامل الإسرائيلي مع المبادرة العربية للسلام، وهي المبادرة التي كان شارون قد رفضها يوم صدورها، بل ردَّ عليها قبل جفاف حبرها بإجتياح الضفة الغربية، وإعادة احتلال مناطق "أ" فيها في نهاية آذار 2002؛ والسؤال ترى ما هو هذا "الجديد" في منهجية التعامل الإسرائيلي مع المبادرة العربية، ولماذا جاء؟!!! وإلى ماذا يهدف؟!!!
بداية تتلخص المنهجية الإسرائيلية "الجديدة" بالإنتقال مِن صيغة الرفض الكلي والقاطع "للمبادرة" إلى صيغة "التعامل بمنتهى الجدية معها" (لاحظوا ليس قبولها) حسب أولمرت، ولكن شريطة إجراء تعديلات عليها، وخاصة على البند الأساسي فيها، أي البند القائل "بإيجاد حل عادل ومتفق عليه لقضية اللاجئين وفقا للقرار الدولي 194"، كشرط مُضاف إلى شرطَيْ الإنسحاب الإسرائيلي مِن الأراضي العربية التي أحتلت عام 1967، وإقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع مِن حزيرن 1967 بالقدس عاصمة، وهي الشروط التي كانت قمة بيروت عام 2002 قد حدَّدتها لتطبيع العلاقات العربية مع إسرائيل.
إن إمعانا للنظر في هذه المنهجية "الجديدة"، سيلحظ إندراجها في إطار ما يمكن تسميته جزُّ الرأس بخيط حرير إبداء "منتهى الإهتمام" بجمال الجسد، وبلغة السياسة فن الحراك في الشكل والثبات في المضمون، أو إجهاض العرض عبر تجويفه، وجرجرة أصحابه إلى مهالك تقديم التنازلات النوعية، وذات الأبعاد الإستراتيجية في الحالة قيد البحث، لقاء الإستعداد "للتعامل بمنتهى الجدية" (الله أكبر) مع ما هو معروض. طبعا هذه منهجية أذكى، وتنطوى على طريقة سياسية بارعة، وفيها دهاء كبير، خاصة إذا كان الحديث يدور عن قضية مثل قضية عودة اللاجئين وفقا للقرار الدولي 194، كقضية تمثل لُبَّ القضية الفلسطينية التي تمثل بدورها جوهر الصراع العربي الإسرئيلي، والمدخل الأساسي الذي لا يمكن تسوية الصراع بدونه، فما بالك بحله ووضع حدِّ له؟!!!
هذا هو "الجديد" الذي لا جديد فيه مِن حيث المضمون، إذ يُذَكِّر "جديد" أولمرت وليفني فيما يخص التعامل مع مبادرة السلام العربية، بما كان مِن قبول إسرائيلي (حتى مِن قبل شارون) بقيام دولة فلسطينية، "رآها" بوش "قابلة للحياة" مرة، وحدَّد مواعيدَ لقيامها عدة مرات، جرى إرجاؤها لإعطاء المزيد مِن الوقت لإجهاضها عبر فرض المزيد مِن وقائع الرؤية الإسرائيلية على الأرض، ومِن خلال تجريد هذه الدولة واقعيا مِن حق:
السيادة على الأرض، والنظافة مِن الكتل الإستيطانية الأساسية في الضفة، والسيطرة على الأحواض المائية، والحدود ولو على خطوط الرابع مِن حزيران، فضلا عن حقها في القدس عاصمة.
أما أهم ما يُذَكِّرُ به "جديد" أولمرت وليفني في التعامل مع المبادرة العربية، فيتمثل بما كنت قرأته مرة للأخ الرئيس أبو مازن في كراس صدر عن ندوة ألقاها بُعَيْدَ فشل مفاوضات كامب ديفيد 2000، والرفض الفلسطيني لما عرضه باراك-كلينتون خلالها مِن عرض، حيث قال بما معناه، أن "بعض الهواة لدينا" فوجئوا مِن قبول باراك فتح ملف القدس للتفاوض، وإعتبروه بمثابة تقدم نوعي في الموقف التفاوضي الإسرائيلي، غير أنهم صعقوا حين تبين أن قبول فتح ملف القدس مِن حيث المبدأ شئ، وأنَّ ما طرحه الوفد الإسرائيلي بخصوصه بالملموس شئ آخر تماما، أي أنه لم يتجاوز ثوابت الموقف الإسرائيلي تجاه المدينة، ولم يمس جوهره بصورة نوعية.
أجل، إن سياسة القيادات الإسرائيلية وحبالها أطول بكثير مِما يعتقده "الهواة" عنها، وما يظنه قليلوا الخبرة بها، فما بالك بطول حبال السياسة الأمريكية وصناعها في البيت الأبيض؟!!!
والمقلق أن لا يلقى ما نشهده هذه الأيام مِن هجمة في الموقف الإسرائيلي الأمريكي تجاه قضية اللاجئين والقرار الدولي 194 حيالها، تعقيبا عربيا رسميا جادا، خلا ما أصدره أمين عام الجامعة العربية الأخ عمرو موسى مِن موقف رافض للمطلب الإسرائيلي بإجراء تعديلات على المبادرة العربية.
صحيح أننا نشك أنَّ بمقدور مركز القرار العربي الرسمي الوقوع في خطيئة شطب حق العودة مِن النص، حتى ولو أراد ذلك، لكن عدم الرد عليه يعكس الحفاظ عليه كنص فقط، ويشي بما يعيشه مركز القرا العربي مِِن نَخْرٍ أمريكي لعظْمهِ، فما يريد المطلب الإسرائيلي إجهاضه بالتجويف هي قضية العودة، وتستحق ردا واضحا وصريحا، وبدون أي تلعثم، أو ليِّ لزوايا الكلمات، إنها قضية عودة اللاجئين جوهر القضية الفلسطينية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرنسا تحاول فرض إصلاح انتخابي على أرخبيل تابع لها وتتهم الصي


.. الظلام يزيد من صعوبة عمليات البحث عن الرئيس الإيراني بجانب س




.. الجيش السوداني يعلن عن عمليات نوعية ضد قوات الدعم السريع في


.. من سيتولى سلطات الرئيس الإيراني في حال شغور المنصب؟




.. فرق الإنقاذ تواصل البحث عن مروحية الرئيس الإيراني إبراهيم رئ