الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إشكاليات المعارضة السياسية في سوريا الجزء الثاني

معتز حيسو

2007 / 3 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


ــــ أما المستوى الأخر من أزمة المعارضة السياسية يتجلى و يتمحور في أشكال الفكر الأحادي الذي لايمكن فصله عن جذوره التاريخية العميقة والغائرة ، والذي يتجلى بوضوح في الآونة الأخيرة ، ذلك لأن الأزمة المعرفية والسياسية ذات الأبعاد التاريخية تتجلى بجانب منها في البنية النظرية المرتبطة مع واقع اجتماعي وسياسي محدد تعبر عنه في سياق الممارسة السياسية عن الفكر الأحادي المأزوم .
ونلاحظ بأن التفكير الأحادي أو العقل الأحادي لا يمكنه رؤية إمكانية التنوع و التعدد حتى لو كان على ذات الأرضية المعرفية ، بل كان و ما يزال رهين نمطية من التفكير والتحليل ذات الشكل الواحد والاتجاه الواحد ، ولأنه يرى في التنوع مصدراً للضعف والتشتت والتشوش الذهني والمعرفي .. ولا يرى فيه مصدراً للغنى المعرفي والسياسي ، ولأنه يرى الفرد مجرد عدد يغيب في الكل المنقاد على شاكلة القطيع ، مجسداً بذلك مفهوم القطيع الذي لا يحتمل التفكير التناقضي على قاعدة الندية .
وقد تجلت أشكال الفكر الأحادي بلحظات تاريخية متعددة يمكن رصد تجلياتها وأشكالها العريضة من خلال تبعيتها إلى المراكز التي تشكل المرجعية المعرفية لكل منظومة معرفية على حدى ، وعليه نرى بأن المرجعية المعرفية للتنظيمات الإسلامية النص الديني ، بينما مرجعيته السياسية نظماً سياسية إسلامية ، أما فيما يخص التشكيلات السياسية الشيوعية عموماً فإن مرجعيتها المعرفية محصورة بالنص الماركسي ( اللينيني) المقدس وسياسياً بالمنظومة الدولية الشيوعية وتحديداً الإتحاد السوفيتي . أما المنظومة المعرفية القومية فبقيت رهينة للمفكرين القوميين وبعض التجارب السياسية القومية الشكلانية في خطابها السياسي وفي ممارستها اليومية .
وقد تجلت الأشكال الأحادية في التفكير السياسي جراء مجموعة من المتغيرات السياسية العالمية ، وتحديداً بعد سقوط التجربة السوفيتية وما تركته من آثار سلبية على القوى اليسارية العالمية .
إن سقوط التجربة السوفيتية كشفت بشكل واضح أحادية التفكير عند الكثير من القوى والشخصيات السياسية ، لنرى تمسك بعض التنظيمات السياسية اليسارية شكلاً أو الشخصيات السياسية والفكرية بالنصوص الكلاسيكية الشيوعية و بالتجربة السوفيتية ورموزها باعتبارها التجربة الرائدة التي يجب أن يحتذي بها كافة المناضلين الثوريين على المستوى العالمي لتكون المثال في الممارسة السياسية على كافة المستويات السياسية والإقتصادية .... بعد أن أثبت السياق العام للتطور الإجتماعي بمستوياته الإقتصادية والسياسية أسباب الأزمة الحقيقية التي عانت منها التجارب السياسية الدولانية وتحديداً ذات السمات الشمولية المفتقدة إلى الديمقراطية التي تعتبر أحد ركائز التنمية الحقيقية ، وبغيابها يغيب الإنسان( المواطن) عن مشروعه التنموي ، مما يؤدي إلى تقديس الدولة والحزب والأمين العام .... وهذا بالمطلق لا يغيب الجوانب الإيجابية في بعض التجارب الدولانية وتحديداً على مستويات التنمية البشرية. لكن بقيت التجربة ( الإشتراكية ) معترضة وفق أشكالها المطبقة في السياق العام للتطور الموضوعي للمجتمعات البشرية رغم كل إنجازاتها .
أما في الجانب الأخر فقد شكل سقوط المنظومة السوفيتية وهيمنة التأثير الأمريكي عالمياً لدى بعض الأطراف نقلة نوعية على المستوى النظري والفكر السياسي في سياق الممارسة ليكون المقدس في هذه المرحلة الولايات المتحدة باعتبارها المخلص الوحيد وصاحبة المشروع الإنساني والحضاري مغيبين ومتناسين المجازر الإنسانية المرتكبة والتي مازلت ترتكب بحق الإنسان والإنسانية وفلسطين ليست أولها والعراق ليست آخرها .
أن الولاء للمقدس الجديد لا ينحصر في مستوى واحد بل يمتد إلى المستوى الإقتصادي من خلال تقديس الليبرالية واعتبارها المخرج الوحيد و الموضوعي من الأزمة الإقتصادية الراهنة متناسين الكثير من التجارب الدولية الليبرالية المأزومة وكل الدراسات الإقتصادية والقوانين النظرية التي تحدد الأزمات التي تنتج عن العلاج بالصدمة الليبرالية ، أو الخضوع الكلي لليبرالية من دون أية ضوابط أو تحديد لخطط تنموية بشرية تعمل على الإرتقاء بالمستوى الإجتماعي، ويرتبط المستوى الإقتصادي بمستوى آخر يمكن أن نلاحظه في المماهاة والمطابقة بين الديمقراطية والليبرالية والتي أثبتت التجارب الدولية للدول الصناعية الكبرى عن السفح والطلاق بين الليبرالية بمستواه الإقتصادية وبين الحريات السياسية ، لنؤكد مرة الأخرى بأن تبني الليبرالية في أشكالها النظرية والسياسية والإقتصادية بشكل إطلاقي على أساس أنها هي الحل والمخرج لأزماتنا الراهنة سوف يقود في بلداننا إلى كوارث إجتماعية واقتصادية تتمثل في ظهور أشكال إقتصادية ليبرالية مشوهه ومقزومة لا تشابه بالمطلق ما تم إنجازه في البلدان الصناعية الكبرى ، إضافة إلى إمكانية تحول ديمقراطي ليس بالمستوى الشكلي الموجود في الكثير من الدول الرأسمالية بل إلى القضاء على الديمقراطية بكونها مشروعاً اجتماعياً يخص مجتمع بسمات محددة والتي أن تكون معبرة عن القاع الإجتماعي لتنحصر في حرية النخب السياسية والإقتصادية المعبرة عن ضرورة إطلاق العنان لحرية رأس المال والمنافسة والسوق الحرة ....وفي الجانب الآخر نرى من خلال الهجوم الشامل والكلي على المفهوم الليبرالي بكافة مستوياته وأشكاله ، تقديس أشكال إقتصادية كان من الممكن أن تكون متناسبة مع ظروف مرحلة الحرب الباردة بنفس الوقت الذي يتناسى فيه دعاة العودة بالتاريخ للخلف بأن لينين قائد ثورة أكتوبر هو أول من نظّر وأسس لتطبيق سياسية النيب والتي تعتبر أول أشكال رأسماليات الدولة ، وذلك بعد إن فشل في إنجاز مشروعه الإقتصادي وفق منظور شيوعي .
ونلاحظ بأن انقلاب الكثيرين إلى حقل الممارسة السياسية بـأشكالها الدينية والمذهبية كان نتيجة فشل أو تراجع أداء التنظيمات السياسية العلمانية لأسباب بنيوية داخلية ( نظرية ــ سياسية ) وأخرى موضوعية ، وأيضاً نتيجة المد الواضح للحركات الإسلامية على أرضية فشل النخب السياسية عن إنجاز مشروعها التنموية والسياسي الحضاري الذي يفترض أن يكون من وجهة نظر الحركات الإسلامية ذا سمة إسلامية ، ونتيجة لتراجع المشاريع السياسية العلمانية المعارضة لأسباب دولية وداخلية ــ ذاتية وموضوعية . ليعود الخطاب الإسلامي ممثلاً للمشروع المستقبلي لدول المنطقة ببعد اقتصادي ليبرالي على قاعدة إيديولوجية إسلامية تكفر الأطراف المختلفة معها إيديولوجياً ، ليبقى خطابها الديمقراطي ( المعتمد على الشورى لأولي الأمر ) يحمل الكثير من الإشكاليات في المرحلة الراهنة .
وهنا نصل إلى إشكالية انقسام الخطاب السياسي على ذاته بعيداً عن المهمات الداخلية الأساسية والتي يفترض أن تكون هي المحدد في هذا الانقسام ، لتلعب الإستقطابات والمتغيرات الدولية وتقديس المرجعيات والمنظومات المعرفية الدور الأساس . لتكون الإصطفافات السياسية قائمة على التناقض السياسي والقائم على نفي الآخر ، والتي تنبئ بانقسامات حدية وبأشكال من المواجه الجبهية ، بين دعاة المشروع الديمقراطي الذي يُصنف رموزه بالمولاة للمشروع الأمريكي ، وبين دعاة المشروع الوطني الديمقراطي الذي يُصنف ناشطوه بدعم استمرار النخب السياسية المسيطرة ، ليغيب فعلياً عن حقل الممارسة السياسية التحليل الموضوعي للواقع الراهن والذي يفترض موضوعياً تبني المهمات المرحلية المعبرة عن الحاجات الإجتماعية من خلال عمل النخب السياسية الساعية في ممارستها السياسية لترسيخ المفاهيم الديمقراطية في الممارسة السياسية اليومية لكونها الهاجس الأساسي ، ولكونها مخرجاً من الأزمات الراهنة ذات العمق السياسي .
وتفترض الممارسة السياسية بأشكالها ومستوياتها الموضوعية من التشكيلات السياسية طرح مشاريعها السياسية و مهماتها الموضوعية ذات البعد الواقعي والملموس لكونها فقط تمثل في اللحظة الراهنة مهمات مرحلية يفترض أن تكون مخرجاً من الأزمات السياسية والإقتصادية والاجتماعية المستعصية ، وفق مشروع استراتيجي بعيداً عن الدوغمائية والتعصب الإيديولوجي الذي لا يعبر عن الواقع وقضاياه الحقيقية بقدر ما يعبر عن حالات عصبوية تعيد إنتاج أشكال الممارسة السياسية المنغلقة والمتمحورة حول ذاتها مفترضة في ذاتها الحقيقية المطلقة التي تمثل مركز الحركة السياسية التي يجب أن تدور في فلكها بقية الأطراف .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصر تكثف اتصالاتها لوقف حرب غزة.. وتنفي -نقل معبر رفح-| #مرا


.. كيف يمكن توصيف ممارسات الاحتلال واستخدامه لأسرى دروعا بشرية




.. اللواء فايز الدويري: لا أعتقد أن الاحتلال قادر على أن ينجز ع


.. أحداث شغب و تخريب بولاية قيصري التركية بسبب شائعة اعتداء سور




.. الرئيس الفرنسي وزوجته يمشيان بملابس غير رسمية في شوارع لو تو