الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ابداعات الدُرّه تجريب تجريدي

ناظم الديراوي
(Nazim Al-Deirawy)

2007 / 3 / 18
الادب والفن


تبقى التجريدية العربية،في رأي الناقد الفني البهنسي،أكثر تعبيراً عن فلسفة الفن العربي الإسلامي،لأنها تقوم على مبرر ثقافي عريق.استلهمت منه،في مسيرتها الفنية،عدداً كبيراً من العلامات الثقافية في التراث العربي الإسلامي وخصوصاً ما يرجع إلى الثقافة الشعبية.بل استوحت رموزاً ثقافية من مختلف الثقافات ما قبل الإسلامية ومنها السومرية والبابلية واليمنية والفرعونية والبربرية وغيرها..
في لوحاته الفنية يكرس الرسام العربي مُهنا الدُرّه،تداخلاً غريباً بين التعبير الفطري والمدلول الفلسفي الغارق في الرمزية،مازجاً في توليفة لونية السريالية بالتجريد،باحثاً عن حيواة تحكمها جغرافية الذات وروح المكان العادي المتساوق مع الطبيعة البكر.فتراه يرسم و يلون دون قيود مستوحياً اللون من روابي وأغوار الأردن وفسيفساء أزهاره اللامحدودة،ممزوجة بأكوان رمادية عريقة تحاكي هيام بتراء وعراقة جرش وتبحر في تطوان المتلألئة وترسي في فضاء روما الليلكي وإنس روسيا المضطربة المشاعر.
تتميز نتاجات الرسام الدُرّه بتلك اللمسات اللونية الكثيفة وتكديس العناصر المعبرة عن دراما تنفرد بطابعها الرقيق وبأحاسيس متدفقة حيوية تعكس،وهنا المفارقة العجيبة؛الوحدة والانزواء والقلق والشعور بالحساسية وبالخيبة أحياناً ووضوح وإدراك مغزى ورسالة عمله الفني.و يبدو أن تعرجات اللون وظلاله منفذنا الوحيد إلى فكفكة رموز الرؤية الفنية،للرسام الدُرّه،الغارقة في تجريب لا منتهي،من أشكال غير مألوفة منطوية على أسطورية سريالية مغلفة بألوان صاخبة منسابة راكزة تفصح عن تعرجات ومنحدرات ترمي بإيماءات طقوسية لا تخلو من مناخ سحري ترفل فيه هياكل هلامية تكاد تستحيل لولا التطابق بين الألوان والعلاقات القائمة بين الأشياء المكونة للمشهد الفني التجريدي.
ورغم الغموض الواضح!في أعمال الرسام الدُرّه،تبقى لوحاته بقاع لونية زاهية تتخللها دروب متموجة،تؤطرها فضاءات عارية تبوح اضطراب نفس معتكفة زاهدة،متوسدة رياض من قرنفل ونسرين،متدثرة بوشاح مغري بهي..
في خريف حياته اعترف الفنان إدوارد مونش بأنه لولا قلق الحياة والمرض لأصبح سفينة بلا شراع.وعلل جوهر هذا القلق في مقولته"إن جذور فني تكمن في فكرة كيف أستطيع توضيح سوء التفاهم بين ذاتي و الحياة.إن فني هو اعتراف ذاتي".هذه الرؤية يمكن تلمسها في لوحات الرسام الدُرّه فهي تجسد موقفه تجاه العالم،في الصراع بين التفاؤل والخيبة في حياته.فتراه يستر كل هذا بالغموض الشفاف في لوحاته التي يستخدم فيها اللون دون حدود كاشفاً عن سر التنوع والتداخل المتجانس في لوحاته التجريدية التي يرفض فيها فرض التفاصيل لأن"في ذلك طغيان على المشاهد"الذي لابد أن يكتشف تكوينات تشكيلية لا يراها سواه..لاشك أن الدُرّه يصوغ في أعماله تشكيلات مبتكرة بأدوات ووسائل شعبية صانتها المخيلة العربية طوال العصور.
يقول الدُرّه؛في لوحاتي لا توجد أشياء وتفصيلات ليس لها معنى..وأنا لا أخلط بين الرسم و الأدب،لذا أنا أرى من الخطل أن يرى اللون بمنظار أدبي.وأن يحاول البعض معرفة "قصد"اللون،فالألوان عندي ليست ألوان الزي الأصيل..نعم للوحة تأثير مرئي يريحك أو لا يريحك..وأنا لا أعتقد بوجود لون نشاز،لا توجد ألوان بشعة.المهم،في رأي الدُرّه،أن يوفق الفنان في وضع ظلالها مع بعض..كانوا يقولون أن الأخضر والأزرق لا يجتمعان مع بعض.!أليست الأرض خضراء والسماء زرقاء؟ ألوان اللوحة لابد أن تكون متناسقة،لأن اللون يعبر عن مزاج معين…اللون هو كل شيء..
تشير مسيرة التطور الفني للرسام المبدع مُهنا الدُرّة إلى غنى قابليته الإنتاجية الفذة،وقدرته الكبيرة على التشكيل وتحويل صور الواقع إلى تكوينات تجريدية ذات جمالية عالية.في لقاءاتنا يرفض الفنان الدُرّه الحديث عن مغزى ومضامين إبداعاته فتراه يقول:لو كنت قادراً أن أعبر لك ببلاغة عن هذه اللوحة أو تلك لما كان هناك حاجة إلى رسمها..أنت كالذي يطلب مني أن أصف له نغمات القيثارة!لو جلست"مائة سنة"وأنا أقول لك صوتها هكذا وهكذا..لا أصل معك إلى جوابٍ شافٍ.ولكن في ثانية واحدة أسمعك نغماتها،حينها تسمع وتتحسس وتتذوق وتدرك صوت القيثارة.فالنغمات تسمع ولا تقرأ ولا ترسم..والرسم يرى.فأنا ،يسترسل الدُرّه،مهما بلغت من طلاقة اللسان والقدرة في معرفة تنميق الكلام وجلت أصف لك الحركة في هذه اللوحة أو تلك،لا يغنيك هذا الوصف عن رؤية اللوحة ولو للحظة واحدة. وعند الدُرّة لا يكفي أن ينفعل الإنسان حتى يقوم بعمل فني.
ويبدو أن معرفة ألغاز اللون ورموزه غير كافية لسبر أغوار عالم الفنان المبدع الدُرّه،بعد أن مازج دبلوماسية الفن التجريدي بفن الدبلوماسية التجريبي،وحسبي في الأولى يخفي ثورته في اللون وفي الثانية يلوذ بالعبارة المهذبة المتزنة،وفي كلا الحالتين خلق وصبر وإبداع…








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المخرج الأمريكي كوبولا على البساط الأحمر في مهرجان كان


.. ا?صابة الفنان جلال الذكي في حادث سير




.. العربية ويكند |انطلاق النسخة الأولى من مهرجان نيويورك لأفلام


.. مهرجان كان السينمائي - عن الفيلم -ألماس خام- للمخرجة الفرنسي




.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية