الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حرب العراق وسطوة الرسالة الاعلامية

حارث محمد حسن

2007 / 3 / 24
ملف / الكتاب الشهري - في الذكرى الرابعة للغزو/ الاحتلال الأمريكي للعراق وانهيار النظام البعثي الدكتاتوري , العراق إلى أين؟


ان كانت هناك حقيقة اساسية اكدتها حرب العراق ، فهي قوة وسائل الاعلام كمصدر لصناعة الرأي العام وانتاج المقولبات الفكرية او تفكيكها ، وهي بالتالي عامل رئيسي في التاثير على القرار السياسي . واذا كانت هناك ضحية مباشرة لسطوة الاعلام ، فانها " حكم التاريخ " الذي سيستعصي عليه ان يطلق رأيا موضوعيا على هذه المرحلة من التاريخ العراقي والعالمي وسط التدفق اللامتناهي من الرسائل الاعلامية المتناقضة . ان الحقيقة في عالم اليوم ، ليست مايجري على الارض فعلا ، بل ماتقول وسائل الاعلام انه يجري ، ولذلك فان الحديث عن حكم " موضوعي " هو امر مثير للسخرية لان وسائل الاعلام كلها تنطلق من متبنيات فكرية وسياسية مسبقة وتسقط منظورها على الحدث ليعاد انتاجه وفق الرؤية التي تنطلق منها.
ولو لم تكن القنوات التلفزيونية الامريكية الرئيسية ذات توجه ليبرالي ، اذا استثنينا الفوكس نيوز ، لما تسنى للرأي العام الامريكي ان يشهد هذا التحول المذهل خلال العامين الاخيرين وان يصل تأييد الحرب في العراق الى هذه المستويات المتدنية وتبدو اداة بوش في عامها الاخير واحدة من اكثر الادارات الامريكية عزلة عن توجهات الراي العام . لقد شهد المجتمع الامريكي منذ منتصف السبعينيات حزمة من التطورات الاقتصادية والاجتماعية والقيمية في اطار الانتقال من نموذج المجتمع الصناعي الى نموذج المجتمع مابعد الصناعي ، وتفككت العديد من المنظومات التقليدية ذات الصلة بمرحلة الحداثة لتخلي مكانها الى منظومات مابعد الحداثة حيث لم يعد المجتمع في وضع يسمح له بالتوحد خلف قيم مطلقة ونمط من السياسات التبشيرية ، لقد سعى الجمهوريون منذ عهد كلنتون الى شن هجوم على الانماط الثقافية الجديدة والليبرالية المتصاعدة ونجحوا باستثمار صعود النزوع الديني كأحد تجليات مابعد الحداثة في التمويه على الادراك العام وخلق تشويش عززته فيما بعد احداث 11 سبتمبر التي ايقضت فكرة التهديد واعادت احياء بعض النزعات القومية في مابدا فورة استثنائية عن حركة التاريخ ، لم تتمكن من الصمود امام رغبة المجتمع بالعودة الى حالة من الوعي الطبيعي ومغادرة وضع الاستنفار الذي بدا يغلب علية الافتعال لاسيما مع ماكشفته حرب العراق عن هشاشة الاسس الدافعة لشن الحرب و الخطط الموضوعة لادارة مرحلة مابعد التغيير . وهنا كان للاعلام اليساري والليبرالي الامريكي دورا رئيسيا ليس فقط في اعادة صياغة منظور الانسان الامريكي العادي لمنطق هذه الحرب ، بل وفي تشكيل المزاج العام الذي انتج الفوز الكاسح للديمقراطيين في انتخابات الكونغرس الاخيرة ويبدو ممهدا لمرحلة من تسيد الحزب الديمقراطي للحياة السياسية في الأعوام المقبلة .
بالمقابل ، لعب الاعلام العربي دورا رئيسيا في صياغة الادراك العراقي والعربي لهذه الحرب وتجلياتها وان بصور متفاوتة . القنوات الفضائية العربية تختلف عن الامريكية في كونها ممولة من الانظمة الحاكمة بطرق قد تكون مباشرة او غير مباشرة ، وبالتالي فانها رغم مساحة من الحرية الممنوحة تتحرك في اطار ماتمليه عليها المواقف الرسمية ، وفي اطار التناغم مع الاساطير السائدة في الشارع العربي باعتباره المتلقي لرسائل هذه القنوات . لذلك كان التعاطي السلبي مع الدخول الامريكي للعراق قاسما مشتركا لدى الوسائل الاعلامية العربية التي لم تستطع ان تتجاوز المقولبات الفكرية السائدة ، والمنظومات الثقافية المهيمنة ، والكوابح الرسمية الفاعلة ، ليندرج سلوكها في اطار هجوم مقابل ضد السياسة الامريكية في " مفصل دخولها العسكري الى العراق " تحديدا" . ومن هنا رحنا نبحر في بحر التناقضات العربية التي راكمها هذا البون بين الخطاب الرسمي والفعل الرسمي ، وبينهما وبين الاساطير المهيمنة شعبيا ، لنجد قناة فضائية ممولة من حكومة ترتبط بتحالف استراتيجي وامني مع الولايات المتحدة وكانت القاعدة المركزية لادارة الحرب تتبنى موقفا مؤدلجا متطرفا ضد الحرب وكل نتائجها ، وبتناغم ملفت بدت القنوات العربية الاكثر رسمية في الدول المرتبطة بتحالف عسكري مع الولايات المتحدة واسهمت بهذه الطريقة او تلك في تسهيل الحشد العسكري الامريكي ، تتبنى موقفا متشددا من الحرب ونتائجها . وبالطبع فان العلة تكمن في ماانتجته تلك الحرب من تغير جيوسياسي ومن تحول في المعادلة السياسية – الاجتماعية المهيمنة وتهديد للنظام الاقليمي المتشكل اثر صعود دور المال الخليجي وتحوله الى عصب الحياة الرئيسي في هذا النظام .
لقد امتلكت القنوات التلفزيونية العربية سطوتها على الشأن العراقي بفعل عامل اللغة ، وعندما تم الانتقال بعد سقوط النظام السابق من نمط العلاقة القائمة على القوة الصلبة الى نمط العلاقة القائمة على القوة المرنة حيث بدا الفشل الامريكي يتراكم بفعل هذا الانفصال الثقافي واللغوي والوجداني عن المجتمع العراقي ، وبعد ايام من الدهشة التي تلت الحرب اصبحت عناصر التخندق تصنع من قبل الاعلام العربي وبات على هؤلاء الذين صفقوا للدخول الامريكي ان ينتقلوا الى موقع الدفاع عن أنفسهم في الوقت الذي كانت البنية الاجتماعية – السياسية تشهد سيولة مفرطة ، ومعركة غير مرئية لصياغة المفاهيم خسرتها الادارة الامريكية تماما بفعل عجزها عن فهم المنظومة القيمية السائدة عراقيا . الرسائل الاعلامية الناقلة لنمطين مختلفين من التعاطي مع الدخول الامريكي بين المناطق الشيعية والكردية من جهة ، والمناطق السنية من جهة اخرى ، رسمت الطريق لتشكل بقية القصة ، حيث اصبح الشيعي ينظر الى رسائل هذه القنوات بوصفها رسائل معادية ، والسني يراها رسائل مساندة ، مع التاكيد على تباين بين سلوك هذه القنوات انعكس على تباين في حدية المواقف تجلى في مشهد قتل الصحفية اطوار بهجت عندما اصبحت مراسلة لقناة العربية " الاقل تشددا " بعد زمن من التغاضي عنها عندما كانت مراسلة لقناة الجزيرة " الاكثر تشددا " ، لقد اصبح التخندق غريزيا ومثله سلوك وسائل الاعلام لينتج حلقة مفرغة من ردود الافعال العقيمة التي كرست شكل الحالة العراقية كقصة فشل مزمن فكك تماما الاساطير التي روج اليها الفعل الامريكي كدمقرطة الشرق الاوسط ، لينتج اساطير بديلة ليهيمن عليها التخندق السلبي في حالة متواصلة من الدفاع عن الذات ضمن منظومة من العلاقات التي لايحكمها شئ بقدر فقدان الثقة بين جميع الفاعلين .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف يتصرف الألمان عندما يمرضون؟ | يوروماكس


.. لمى الدوري: -العراق يذخر بالمواقع الأثرية، وما تم اكتشافه حت




.. الهدنة في غزة على نار حامية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. مسلسل المانغا - بون- : وحدة تسافر عبر الزمن وتحي الموتى




.. -طبيب العطور- بدبي.. رجل يُعيد رائحة الأحبة الغائبين في قارو