الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


همسة في الشعر

أسامة عثمان

2007 / 3 / 18
الادب والفن


ذكر مندور في كتابه القيم : " الأدب ومذاهبه " من المعاني التي يشملها الأدب تلك " الآثار اللغوية التي تثير فينا بفضل خصائص صياغتها انفعالات عاطفية ، أو إحساسات جمالية " وجعل المميِّز له " أثره النفسي الذي ينبعث عن خصائص صياغته "
ومنه ومن غيره يظهر أن في النص الأدبي ، والشعر منه ، مكونين وجوديين ؛ يعتمد أولهما على ثانيهما ، وهما الخصائص الفنية والأسلوبية من جانب الشاعر المبدع ، و الانفعال العاطفي والإحساس الجمالي من جهة المتلقي الواعي .
ولا مانع من التأكيد على حقائق متصلة ، وفي أولها خصوصية اللغة الشعرية ؛ بما هي لغة همس وإيحاء وتكثيف ، لا لغة خطاب وإيضاح وشرح ، وهي لغة انزياح وخيبة توقع ودهشة ، يتعدد فيه المدلول والدال واحد ، وهي لغة منظمة منسقة ، لا مختلة مضطربة . ولغته من قبل ومن بعد لغة البعد والخيال، كما هي لغة القرب والتمعن والتقصي . وأن للمبدع مطلق الحرية في اتخاذ الأشكال الإبداعية والأساليب الجمالية التي يراها وفيّة بالرؤية الشعرية التي يريد .
والشاعر الفنان يدرك بحسه وذائقته وخبرته بأداته ، اللغة ، أنها - على حد تعبير مرتاض- إن لم تكن شعرية، رشيقة ، عبقة ، مغردة ، مختالة ، مترهيئة ، متزينة ، متغجرة ، لا يمكن إلا أن تكون لغة شاحبة ، ذابلة ، عليلة ، كليلة ، حاسرة ، خلقة ، بالية ، فانية ، وربما شعثاء غبراء . (1)
كل هذا وغيره حتى تستجمع الرسالة الإبداعية الجمالية عناصرها استعدادا للانطلاق إلى شقها الروحي ،وهو التلقي ، حتى تغدو عملية تفاعلية تبادلية ، تتوالد ، وتثمر . ولكي يتحقق ذلك ، فإنها تترك للمتلقي فراغا يملؤه ؛ فتمنحه الفرصة للاندماج بالنص مبدعا آخر من مبدعيه ؛ فيشعر بالمتعة والإيجابية والمشاركة .
وهذا ما تعنى به اللغة الإيحائية غير محسومة الدلالة بالاستخدامات الفنية ، و أهمها الرمز الذي لا بد له من شروط حتى يؤدي وظيفته ؛ فينجح في إيقاظ شعور المتلقي واستثارة خياله ، ليصبح عنصرا مشعّا في ذاته ، مشعلا سائر المكونات في جنبات النص ؛ فلا يكون مجرد علامة . (2)
هذا ، ونسبة نجاح الرمز تعتمد على مراعاة الشاعر للقواسم المشتركة بينه وبين الذين يستهدفهم ، يقول مصطفى ناصف :" إن استعمال شيء استعمالا مجازيا لا يبلغ غايته إلا إذا كان مألوفا محبوبا داخلا في حدود الخبرة المعتادة ذات الجذور العميقة في النفس ، ولا بد أن تكون الارتباطات حول الشيء الجديد مستقرة في اللاشعور العام ." (3)
وذلك ما قد يسهم في النأي بالشاعرعن الغموض والانغلاق ، ويجنبه الإلغاز والتعقيد والغربة عن المتلقي .وعودا على بدء ؛ فإن وظيفة الأدب الأولى التي لا ينبغي الغض منها هي توليد المشاركة الوجدانية بين المبدع والمتلقي ، فلِمَ يندّ قسم من الشعراء عنها أحيانا ؟! هل يتلاءم العمل الإبداعي المطلق إلى متلقيه والغموض ؟! إلا إذا قصد الشاعر الكتابة لنفسه ؛ فإن ثمة سؤالين يتعاندان أحيانا ؛ وهما : لماذا يكتب الشاعر؟ ولمن يكتب ؟ فإن كانت الكتابة للذات ؛ تنفيسا ، وتنظيما، وترميما ، فهي تختلف عنها بدوافع ومقاصد أخرى تتقاطع فيه الرغبة الفردية ، وتشتبك بالرغبات الإنسانية الجمعية الجماعية .

(1) مرتاض : " في نظرية الرواية " .
(2) ينظر : د. سعد الدين كليب : وعي الحداثة (دراسات جمالية في الحداثة الشعرية ) دراسة – من منشورات اتحاد الكتاب العرب 1997م .
(3) ناصف : " الصورة الأدبية" .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس


.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل




.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة


.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات




.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي