الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


منفى المثقف في شمال الكوكب

فاضل سوداني

2007 / 3 / 17
الادب والفن


اولا :المنفى الذاتي للمثقف العربي
يحدث التناقض بين ثقافة الفنان وثقافة المنفى عندما يعيش الاغتراب المفروض عليه بعيدا عن بيته الأول ، منبت الوعي التأسيسي،وعن تلك العوامل التي شكلت وعيه الفني والجمالي ،ولكن بالرغم من هذا، فإن المنفى يفرض حالة من دمج الثقافات و إغنائها. وبالتأكيد فإن هذا، يعتمد على وعي المثق او الفنان ذاته في إعطاء مهمته الفنية بعدا جديدا يؤدي إلى أن تتحول غربته إلى تاريخ جديد من الإبداع في مكان وزمان جديدين. وهذا هو جوهر مهمة المثقف او الفنان في منفاه .
إن ضرورة هذا الوعي، تحتمه طبيعة المجتمع الأوربي التجريدية ، لأنها تفرض على الفنان قيما جديدة لا تشكل ذات الاهتمامات الفنية للفنان سابقا والتي يحاول الفنان من خلالها معايشة الوجود والالتحام المصيري ، فتنشأ فوضى التناقض ، ويبدأ التصادم بين القيم الثقافية والحضارية التي تشكل وعيه الفني، وبين تلك التي تميز ثقافة المنفى،وعليه أن يحافظ على خلفيته الثقافية حتى يستطيع أن يتوصل إلى التفرد ،والأصالة ان يبتعد في فنه عن "استهلاكية الثقافة واستهلاكية الوعي ".إن مشكلة التكيف الايجابي لاغتراب الفنان، تكمن في أهمية مقاومته للضياع الفني الذي يحتمه المجتمع الاستهلاكي الجديد ( مجتمع المنفى ) . و تكتسب الحصانة الداخلية الواعية أهمية كبيرة هنا ، ليس في إبداع الفنان، وإنما في حياته الجديدة أيضا ، لأنها تساعده على إنقاذ فنه.
وهذه قضية أساسية ، لأن معايشة المنفى الأوربي الجديد في سنوات اللجوء الأولى، تخلق حالة من الانبهار والاندهاش،بسبب بهرجة الحياة الجديدة التي تصيب الفنان بالتوهان،وبلا وعي منه ينجذب إلى الحياة الاستهلاكية، فتخبو جذوة الروح، و تنطفئ شعلة النار التي اختزنها الفنان في روحه، فيخضع فنه لمتطلبات تجارة السوق في مجتمع المنفى الاستهلاكي،أو يجبره لمعان الذهب على التحول إلى تاجر، كما حدث للكثير من المبدعين في منفانا ، لأن الأشياء المستهلكة ، تصبح هي الجوهرية في مجتمع الوعي الاستهلاكي، فيتأثر الفنان بهذا التشيؤ ، ويصبح تأثيره كفنان حقيقي كالذي يعزف على طبل مثقوب .
وهنا تكتسب الحصانة الداخلية الواعية أهمية كبيرة ليس في إبداع الفنان، وإنما في حياته أيضا،وعلى عكس هذا،فإنه يفقد مصباح النور القدسي الذي عثر عليه في أحد دروب الدنيا المليئة بالأسى، فيتحول الوعي الفني إلى وعي استهلاكي ، يُخضع الفن الحقيقي للهامشية التي تحوله إلى لوحات تزين قاعات البنوك ومؤسسات الصيارفة التي تتحكم بالمجتمع المعاصر.
ولكن من جانب آخر، فإن العيش في المنفى، سواء أكان خارج الوطن الأول، أو منفى الإنسان في داخله وهو في وطنه، يمتلك أهميته وضرورته. ولهذا فإن الفنان عليه أن يعمل على نفي نفسه، وتغريب ذاته وهو في وطنه كامتحان، وهذا يعتبر جزء من تدريب الفنان لمواجهة ذاته الفنية من أجل أن يمتلك لغته الخاصة التي تختلف عن لغة مجتمعه الذي لايفهمه ويحاول تهميشه دائما . ففي المنفى تتجذر الأسئلة الأساسية لدى الفنان، ويستطيع أن يمتلك أدواته الفنية وأسلوبه الخاص . إن المنفى خارج الذات، وخارج الوطن هو المؤامرة المصيرية التي تضع الفنان على حافة الخطر، بل لا أكون مبالغا إذا قلت إن المنفى هو الحافة التي تجعل من الفنان إما لامباليا،و إما عصاميا ، ويتم هذا ـ فقط ـ من خلال وعي الفنان لدوره في المنفى الجديد، وبدون هذا فإنه يصبح في منأى عن أوليات الحياة، وليس الإبداع ـ فقط ـ وأوليات الثقافة، والمجتمع، واللغة، والحب، والجنس،وتعلم عادات جديدة، مثل الكره ،والحقد، والحسد من ابداع اقلرانه وتمايزهم ، والقلق، والخوف من عنصرية الآخر، ولكن وعيه بكل هذه الإشكاليات تحصن قدرته على القيام بهذه المزاوجة بين الثقافة الجديدة في الحضارة الجديدة وآلياتها وتكنيكها الفني ، وبين ذلك الغنى الروحي الذي يمتلكه الشرق والذي تفتقر له أوربا، أي هي المزاوجة بين العقل الأوربي والروح الشرقية، وبالتأكيد فإنه سينتهي إلى فهم جديد للحياة والعالم والحضارة والتاريخ، وهذا يؤدي إلى وعي فني جديد،يؤدي بالفنان إلى استعادة زمنه الذي سرق منه وهو في وطنه الأول،إن هذا هو الهدف الثاني من معاناة المنفى.
فالفنان غريب دائما ( بالمفهوم الوجودي )، ولهذا فان الإبداع ـ فقط ـ يجعله منسجما من جديد مع ذاته ـ أولا ـ ومع الآخر ـ ثانيا ـ ولهذا ، فإن المنفى الأوربي أكثر أهمية من الناحية الإبداعية والفنية والتقنية والمعرفية من المنفى في المجتمع العربي، لأن الفنان المنفي في أوربا يتعلم تكنينكا جديدا وآلية تفكير لفهم الحياة،و لفهم إبداعه من جديد وتحقيقه، ويتعرف على جوهر الأسئلة المصيرية.ومن الأهمية بمكان، عليه أن يعرف إلى أي جمهور يتجه، و ما الموضوعات التي تشكل اهتمام الفنان في المنفى والتي من خلالها يستطيع أن يخلق حوارا حضاريا ولغة تواصل بينهما، بالرغم من أن خطورة المنفى تمنح المهاجر عقلا تجريديا.
ويجب أن نفهم العمل الإبداعي الذي يقدم إلى جمهور أوربي من زاوية أخرى، حيث أن بعض الفنانين العراقيين والعرب مصابون بهوس الجمهور الأوربي، أي أنهم يعتقدون أن تقديم معارضهم الفمية وعروضهم المسرحية أمام جمهور أوربي يخلق عالمية الفن والفنان ، وبعضهم يفضل المنفى الاختياري فيدفع الكثيرمن المال والجهد من اجل العيش في هذا المنفى ولكنه بعد ذلك سيكتشف بانه قد تخرب وعيا وابداعا فيتحول الى( تاجر الخردة ) . كما يجاهد بعض الفنانين في استجداء العرض في أوربا، بدلا من بذل الجهد في إمكانية اكتشاف الأسئلة المصيرية التي تقلق الفنان والجمهور في محيطه ، وكذلك العمل على غنى أدواته الفنية ولغة خطابه الفني، بلا ثرثرة فكرية و فنية أو عاطفية وبلا سذاجة تجريبية.فاكتشاف الأسئلة الجوهرية التي تمس مصير جمهوره ومجتمعه هي التي تخلق عالمية الفكر والإبداع.اذن من الضروري البحث عن عالمية الابداع في محيطه وهذا بالتاكيد سيؤدي الى عالمية المبد ع كما هو الحال بالنسبة الى نجيب محفوظ الذي كان يهمه مجتمعه وقارءه المصري و العربي ،وتحليله الصائس والمبدع لمشاكل مجتمعه عي التي جعلته متميزا واوصلته الى العالمية . وبهذا فان المبدع سيكتشف اللغة الفنية التي من خلالها سيتحاور مع عصره وعالميته

.
وبالتأكيد، فإن المنفى يؤثر على رؤية الفنان، بل أحيانا، يغيرها جذريا،فمثلا يمكن أن تدخل مفردات ومفاهيم جديدة على تفكيره واهتماماته المتأتية من الفلسفة والثقافة الغربية وبالذات الفرنسية المعاصرة لقدرتها الشمولية في سبر أغوار النفس والحياة والعقل البشري ، فلابد إذن، أن يكون هنالك تأثير ما ، ولابد أن يعمد الفنان لمعالجة مشاكل الإنسان بشمولية كبيرة ذات فضاء واسع،فيصبح اهتمامه ليس في الإنسان ـ فقط ـ وإنما يضاف لها كل ما يتحرك في محيطه وفضائه، فالفن عموما موضوعه الإنسان، إضافة إلى اهتمامه بأشيائه أيضا، أي تلك الأشياء التي تقلقه ،وهذا واضح في الثقافة الغربية، وكذلك الحال في الرسم الحديث بحيث امتلكت الأشياء وجودها في فضاء اللوحة وامتداد معناها خارج هذا الفضاء .


ولكن هذه الأشياء لا يمكن أن تتكامل، أو تمتلك كيانها ومعناها في فضاء اللوحة،أو في الفضاء المسرحي إلا بجانب الإنسان ومن خلاله فقط، فتبدو علاقتهما أزلية .
ومن جانب آخر، يكون ضغط المنفى مضاعفا عندما تكون الدكتاتورية هي سبب نفيك،وعندما ترفض أن تكون فنانا متكيفا مع آليات التفكير الدكتاتوري، وهذا ما حدث في العراق حيث الكثير من الفنانين كانوا مع ثقافة النظام ، أما الآخرين فاضطروا لترك العراق هربا ليعيشوا في المنافي في حالة من اللااستقرار والتشتت ، فالدكتاتورية والحروب تسرق زمن الفنان أو المثقف، و المنفى يسلبه نصف طاقته على الإبداع، لأن عليه ـ أولا ـ أن يوفر معيشته الحياتية، مادام هو غريب في بلد الغرباء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت


.. تفاصيل اللحظات الحرجة للحالة الصحية للفنان جلال الزكى.. وتصر




.. فاق من الغيبوية.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي


.. شاهد: دار شوبارد تنظم حفل عشاء لنجوم مهرجان كان السينمائي




.. ربنا سترها.. إصابة المخرج ماندو العدل بـ-جلطة فى القلب-