الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الماركسية أم الماركسية اللينينية ؟ الجزء الثاني

امال الحسين
كاتب وباحث.

(Lahoucine Amal)

2007 / 3 / 18
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


في العصور اليونانية و الرومانية ظهر اهتمام الفلاسفة بالمادة بظهور النزعة الفلسفية المادية مع الفلاسفة الأوائل أمثال ديمقريدس و أبيقور ، من خلال علاقة المادة بالوجود في محاولة للوصول إلى تفسير عمق الوجود المادي للكون بما في ذلك وجود الإنسان ، و يقول ديمقريطس : "لا شيء يأتي من العدم " هادفا إلى مقاومة الخرافات و الوصول إلى القوانين التي تنظم الوجود بما في ذلك وجود الإنسان ، على اعتبار أن الكون و الوجود يمكن تفكيكه إلى أجزاء و بالتالي تفكيك كل جزء إلى أجزاء إلى حين الوصول إلى الجزء المؤسس لهذا الوجود ، من هنا يمكن التوصل إلى القوانين الطبيعية التي تحكم الحركة الطبيعية و سلك سقراط أسلوب الإستقراء في محاولته للوصول إلى ماهية الأشياء و اكتشاف الخصائص العامة للوجود هذا الأسلوب الذي يسمى الجدلية ، و قد اتخذ في طريقته شكل الحوارات التي سميت فيما بعد بالطريق السقراطية و ظلت هذه الطريقة تراوح مكانها خلال القرون الوسطى ، و كان لتأتير الفكر الديني عليها أثر كبير خاصة بعد سيطرة الكنيسة على أساليب الحكم الذي يتسم بالإستبداد ، و بالتالي سيطرة الفكر المثالي رغم بعض إرهاصات الحركة المادية التي عرفتها عند العرب خاصة عند ابن رشد.
كان لنمط الإنتاج الإقطاعي دور هام في جمود الحركة الفكرية التي أسس لها الفلاسفة اليونان و ذلك بعد ظهور الفكر الديني الذي ركز التفكير الميتافيزيقي ، فبعد تركيز أسلوب العبودية و بروز الأسياد و العبيد و ظهور التناقضات في المجتمعات البشرية بعد القضاء على المشاعة التي تعتمد على أسلوب الإستغلال الجماعي للطبيعة ، أصبح الإقطاعي يسيطر على وسائل الإنتاج و أبتدع علاقات الإنتاج الإقطاعية التي ترتكز إلى العبودية ، و ذلك بس قوانين تضمن للإقطاع سيطرته على القوى المنتجة و امتلك العبيد بما في ذلك المرأة من أجل مزيد من الإنتاج في المزارع الإقطاعية ، و استولى على الدولة التي عمل على تسخيرها لضمان نمط الإنتاج الإقطاعي بعقد تحالفات مع الكنيسة من أجل السيطرة ، و استمر نمط الإنتاج الإقطاعي لقرون من الزمان في ظل أنظمة استبدادية تستغل الدين أيديولوجيا من أجل استعباد العاملات و العمال في المزارع ، و ظهرت إمبراطوريات تعتمد أسلوب التوسع و الإستعمار كالإمبراطورية اليونانية و الرومانية التي التجأت إلى الحروب من أجل بسط سيطرتها على شعوب العالم ، و كانت الحروب اليونانية التي اسمرت لأزيد من 20 سنة دليلا قاطعا على استبداد الحكم الآثيني ، رغم ما وصل إليه المجتمغ الأثيني من تطور ، كذلك هو الشأن بالنسبة لحروب الإمبراطورية الروماتية على شعوب البخر الأبيض المتوسط .
أمام الحركة الإجتماعية في ظل الأنظمة الإستبدادية الإقطاعية نشأت الفيودالية كنتاج لنمط الإنتاج الإقطاعي الذي يرتكز على العبودية ، و لعبت الكنيسة دورا هاما في تركيز الفكر الفيودالي بأوربا الغربية و بكل الأنظمة الإستبدادية السائدة في القرون الوسطى ، و إلى جانب الزراعة ظهرت الحرف التي لعبت دورا أساسيا في توفير وسائل الإنتاج الإقطاعية و بالتالي وسائل الحرب بصناعة الأسلحة ، التي يحتاج إليها المستبدون لبسط سيطرتهم بالقوة على العاملات و العمال الذين يتم استعبادهم في المزارع و بالتالي بسطها على الشعوب ، كما نشطت عمليات استخراج المعادن التي يستغلها الفيوداليون في صناعة الأسلحة و وسائل الإنتاج الإقطاعية ، و بالتالي ابتكار وسائل الرفاهية كالحلي و المجوهرات و الأواني و الأثاث المنزلية التي تملأ قصور الفيوداليين ، و تعتبر المعمار شكلا من أشكال إبراز القوة و السيطرة على الشعوب خاصة في بناء القصور و البايات الضخة ، و تعتبر الأهرامات من بين المآثر التاريخية الهامة التي تعبر عن مدى قوة الحكم الإستبدادي الفرعوني و التي تبرز بجلاء تركيز أسلوب الإستعباد في العصر القديمة .
و الحركة الإجتماعية في ظل الأنظمة الإقطاعية أفرزت طبقتن أساسيتين و هي جمهور العبيد في المزارع و المناجم و الأوراش المعمارية و الطبقة الإقطاعية ، و من أجل تركيز النظام الإقطاعي أقام الإقطاعيون الفيودومات و هي القطع الأرضية التي ليسوا بحاجة إليها و التي يمنحونها لمناصريهم و خاصة الجيوش ، من أجل حماية مصالحهم و نشأت الأنظمة الفيودالية في أوربا في القرون الوسطى التي عرفت أنظمة استبدادية ، كما ظهرت فئة من التقنيين الذين يسيرون الأوراش الحرفية و المعمارية الكبرى و هم فئة من الحرفيين المحظوظين الذين يملكون تقنية عالية في المجالات الحرفية ، و كانوا يحضون برعاية خاصة من النظام الفيودالي لما يقدمونه له من خدمات و ازدهرت الحرف على حساب جمهور العبيد في الورشات الحرفية و الأوراش المعمارية الكبرى و المناجم ، كما تخصص لهؤلاء التقنيين أجور مهمة لتشجيعهم على الإبداع و العمل و البحث مما ساعد على تطور العلوم بتطور التجارب العلمية التي يقوم بها هؤلاء التقنيون ، و ظهر نظام العمل المأجور في أوربا في القرن 14 التي عرفت فيه الصناعة الحرفية تطورا هاما خاصة بعد تطور الأسلحة عند اكتشاف "البارود" ، و ازدهار التجارة و تحول الورشات الحرفية إلى منيفاكتورات و نشأت الإرهاصات الأولى للرأسمال الصناعي و تطور الرأسمال التجاري و البورجوازية التجارية.
و كان لتطور العلوم الفيزيائية على يد إسحاق نيوتن دور هام في تطور الحركة الإجتماعية بعد القفزة التوعية التي حققتها الصناعة في عصر النهضة ، مما له تأثير كبير على الحركة الفكرية التي ثارت على قيود الكنيسة الكاتوليكية و الفكر المثالي الميتافيزيقي الذي ساد في العصور الوسطى ، و ظهرت الفلسفة ذات النزعة الإنسانية التي تسعى إلى تحرر الإنسان من قبضة المؤسسة الدينية مما أعطى دفعة قوية للفلسفة المادية ، و خاصة بعد ميلاد النزعة المادية الفيزيائية التي تتسم بالتفسير الحركي الفيزيائي للوجود المناقض للتفسير المثالي الميتافيزيقي ، و الذي بلغ أشده مع بروز الثورة الصناعية حيث يرى المؤمنون بهذا المذهب أن العالم عبارة عن أجسام مادية تجري وفق قوانين صارمة ، و أن وعي الإنسان مرتبط أشد الإرتباط بتكوينه الجسماني و مصدر الأفكار مادي حيث أن المخ البشري عبارة عن مادة تنتج هذه الأفكار ، كان للنزعة الإنسانية دور هامة في تحرر البشرية من قيود الكنيسة الكاتوليكية و فتح المجال أمام بروز الفكر المادي ، و لم يحدث ذلك إلا عندما حصلت القفزة النوعية في الحركة الإجتماعية بعد التحول الهائل الذي شهدته وسائل الإنتاج بفضل تتطور الصناعة .
إن الحركة الإجتماعية في تحولات دائمة مع وجودها في بنية معينة/ نوعية معينة هذه البنية التي في تغيرها و تحولها تؤدي إلى التحول الكمي ، الذي لا يمكن ملاحظته إلا عندما يصل إلى مستوى معين ، و الذي يتحول فيه التحول الكمي إلى تحول نوعي إبتداء من ذلك المستوى المعين ، و لا يحصل ذلك بكيفية تدريجية بل يحدث في شكل قفزة نوعية يبرز فيها التحول النوعي نتيجة التحول الكمي الذي وصل إلى سقف معين يحتم ضرورة التحول النوعي / الكيف ، فالتحول الكمي للصناعة بالمدينة في القرن 17 عندما وصلة مستوى معين حدث تحول نوعي/ الكيف في الحياة الإجتماعية و ظهرت الطبقة العاملة و ظهر معها الصراع الطبقي بين العمل و الرأسمال ، و الحركة الإجتماعية يحكمها منطق الجدلية بين العمل و النظر الذي يحيلنا إلى الجدلية بين النظرية الثورية و الممارسة العملية ، حيث نجد أن في كل حركة اجتماعية عمل و نظر و في كل نظر عمل و نظر ، فالمفكرون المبدعون حينما يصنعون إبداعاتهم الفكرية تصبح عملا ملموسا الذي ينطلق من الفكرة إلى الإنجاز، كما أن في كل عمل نظر و عمل حيث أن الفئات المحسوبة على العمل أثناء إبداعها تفكر و تعمل و تضع لعملها نظرا في تفاعل دائم مع العمل الذي يغني النظر و ينفي تناقضات الحركة الإجتماعية ، و لتطور العمل تأثير عظيم على تطور النظر الذي يسعى إلى التوافق مع العمل في حركة دائمة من أجل تطوير الحركة الاجتماعية.
و هكذا نرى أن وراء كل قفزة نوعية تحول كمي كما هو الشأن عند التحول الذي وقع في مجال العمل الحرفي ، الذي وصل إلى مستوى معين لبروز العمل المأجور و بالتالي ظهور الطبقة العاملة و ظهور الرأسمال ، كما أن وفرة السلع نتيجة تطور العمل الحرفي أدى إلى بروز فائض في السلع التي لا حاجة للإقطاع لاستعمالها ، و التي تم تحويلها إلى بضائع يتم تجارتها في الأسواق و ظهر بذلك العمل التجاري و بالتالي ظهور الرأسمال التجاري ، و نرى كذلك أن الحركة الإجتماعية في تناقضاتها التي تصل إلى مستوى معين تكون في حاجة إلى الإنتقال إلى بنية اجتماعية معينة عليا ، كما أن أساليب الإنتاج في البنية الإقطاعية قد تحولت بدخول الصناعة مرحلة جديدة و تطور التجارة و أصبح من اللازم حدوث قفزة نوعية ، و من الحركة الإجتماعية ذات البعد الفيودالي إلى الحركة الإجتماعية ذات البعد الرأسمالي و من الحركة الفكرية المثالية إلى الحركة الفكرية المادية ، فكان لا بد من إسقاط نمط الإنتاج الإقطاع و تغييره بنمط الإنتاج الرأسمالي ، ذلك ما حدث في القرن 18 مع نجاح الثورة البورجوازية و انتصار المغاهيم البورجوازية على مصالح الإقطاع.
من هنا نرى أن الحركة الإجتماعية يحكمها تناقضان أساسيان بين القوى المنتجة التي تختلف عن علاقات الإنتاج بكونها تتصف بالحركة والثورة فهي عنصر الإنتاج الذي لا يستقر على صفة معينة لمدة طويلة و الحاسم في أسلوب الإنتاج ، هاتين الخاصيتين اللتين تميز القوى المنتجة تجعلها تملك القدرة على تحديد صفة علاقات الإنتاج ، التي يجب أن توافق درجة تطور القوى المنتجة حيث لا يمكن اختيار نوع علاقات الإنتاج بين الناس الذين تربطهم صلات يجب أن توافق بالضرورة طبيعة وصفة ودرجة تطور القوى المنتجة ، وعلاقات الإنتاج بدورها تؤثر في تطور القوى المنتجة ، هذا التأثر والتأثير يمكن له أن يسرع في تطور القوى المنتجة كما يمكن له أن يؤخر تطورها ويعرقله ، والقوى المنتجة تسبق علاقات الإنتاج في التطور كما أن علاقات الإنتاج في جميع الأنظمة الاجتماعية تتأخر عن تطور القوى المنتجة ، حيث تتولد بينهما علاقات متبادلة تصبح فيها القوى المنتجة هي المضمون وعلاقات الإنتاج هي الشكل ، ذلك ما رأيناه في تأخر علاقات الإنتاج الإقطاعية عن القوى المنتجة المتقدمة بعد الطفرة التجارية و الصناعية ، و بالضرورة وجوب القفزة النوعية الضرورية نتيجة التحول الكمي إلى تحول نوعي من علاقات إنتاج إقطاعية إلى علاقات إنتاج بورجوازية و من الغبيد بالمزارع إلى الطبقة العاملة بالمعامل .

تارودانت في : 17 مارس 2007
امال الحسين








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بريطانيا.. الناخبون يدلون بأصواتهم لاختيار الحكومة الجديدة و


.. هز عرش المحافظين.. معلومات عن زعيم حزب العمال كير ستارمر




.. الغارديان: حزب العمال أمام انتصار كاسح في وجه المحافظين


.. فرنسا.. بين قبضة اليمين المتطرف وتحالف -شبه مستحيل- للمعتدلي




.. فرنسا: هل تراجعت فرص اليمين المتطرف بالوصول إلى السلطة؟