الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تزيين للمرآة أم تغيير للواقع؟

خالد عبدالله

2003 / 8 / 11
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


 

 

كاتب عربي يقيم في وارسو


إصلاح الجامعة العربية حديث قديم جديد، يغفو كثيرا ويصحو قليلا. وهو لا يعدو أن يكون اللافت للأنظار عن حقيقة الأحوال. وإذا كان موضوع إصلاح الجامعة العربية مفيدا للحكومات لأنه يحول سهام الرمي إلى الثقب الأسود حيث يبتلعها كلها ولا تصيب أحدا، إلا أنه مولد للإحباط. إذ يبدو للناظرين أن عتبة العبور إلى الخلاص تستعصي على الارتقاء. ولكن ذلك كله ليس إلا أوهام.

فإصلاح الجامعة العربية موضوع مضلل، لأنه يخلط أمرين، ولأنه يسدد إلى غير المرمى. فأما الخلط، فلأن كثيرا من الداعين إلى الإصلاح لا يفرقون، جهلا أو علما، بين جوهر الجامعة العربية وبين حيطانها. والحيطان هي الأمانة العامة، إداراتها المتنوعة وموظفيها المختلفين. وهي لا ريب تحتاج إلى إثراء بأهل الكفاءة، وتمكين بالتقانة الراقية، وتقوية بالإجراءات الحديثة. ثم لنفترض أنها أصبحت تضاهي في أدائها البحثي والإداري أرقى المنظمات الدولية، فهل سيصلح ذلك جوهر الجامعة العربية.

فالأمانة العامة ليس لها إلا أن تعد لصانع القرار العربي، مجلس الجامعة، جدول أعماله، وأن تتابع تنفيذ قراراته. فهل إذا كان إعدادها لجدول الأعمال، مذكراته وتقاريره لا ينافسه نظير عالميا، فهل سيجعل القرارات العربية أكثر تضامنا؟ وهل إذا كان تقرير متابعتها لتنفيذ القرارات محكما ليس له مثيل، فهل سيخجل ذلك الدول العربية ويضطرها إلى التنفيذ؟ لا أظن أن أحدا له خبرة بالجامعة العربية يرى ذلك، حتى وإن رأي ضرورة تطوير الأمانة العامة.

أما جوهر الجامعة العربية فهو مجالس صنع القرار فيها وأهمها مجلس الجامعة، بمستوياته المختلفة، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي. فهذه المجالس تأخذ قرارات، وتتعهد، على الأقل ضمنا، بتنفيذها. ولكن اتخاذ القرارات لا يحصل أثناء انعقاد الجلسات، فكل دولة تكون قد حزمت أمرها بشأن موقفها من أي موضوع قبل أن ترسل ممثلها، رئيسا، أو وزيرا، أو سفيرا، إلى الاجتماعات.

 والقرار الذي تصل إليه أية دولة يعكس ثلاثة أمور رئيسية. الأول، طبيعة بناها السياسية وهياكلها الاقتصادية. وهذا يشمل نمط الإنتاج الاقتصادي فيها، وعلاقاتها الدولية، والمساعدات التي تتلقاها. الثاني، قوة شعور الرأي العام العربي، والقطري تجاه المواضيع المعروضة على جدول الأعمال. الثالث، العلاقات الشخصية بين الحكام أنفسهم، أي تبادل السكوت على المنكر، أو المسايرة في تمرير بعض المواقف.

وتعمل العناصر الثلاثة كخليط نووي ضد التنفيذ. فالعنصر الأول، يفترض أن لا تأخذ الدول العربية قرارات اتخذتها فعلا. وذلك لأن معظم بناها السياسية وهياكلها الاقتصادية تندمج اندماجا يكاد يكون كاملا في البناء السياسي والاقتصادي الغربي، الأمريكي والأوروبي. ومن وجهة النظر المصلحية الصرفة فهي ينبغي أن لا تكون معنية بكثير من اتفاقيات التجارة ورؤوس الأ موال، ومقاطعة إسرائيل وغيرها. كما أن البعض بحكم الحماية السياسية والاقتصادية الأمريكية، تجعله ينفر من القرارات التي تعادي هذه الحماية.

ومع ذلك، توافق هذه البلدان على قرارات واتفاقيات لا تريدها أو تنفر منها مضطرة تحت تأثير العاملين الآخرين. فالدول العربية ليست مؤسسة على الشرعية الشعبية. إذ لو كانت كذلك، كما في البلدان الغربية، لسمحت لنفسها أن تمارس أحيانا سياسات تتعارض مع هوى أكثرية الناس. لكنها لأنها ليست كذلك، فهي تحتاط دائما لأن لا تظهر معارضة لمطالب الناس وميولهم. وكأنها بذلك تضفي على نفسها الشرعية. كذلك، تضطر بعض الحكومات مجاراة حكومات أخرى في مواقف أخرى مهمة لها تجاه شعوبها. فهي مواقف مسايرة. والمسايرة ليست إلا مجازا عن الرفض، الذي تعبر عنه بعدم التنفيذ أو التلكؤ في الإنجاز.

هذه هي صورة جوهر الجامعة العربية، مجالس اتخاذ القرارات. فهي ليست إلا مرآة لحال الدول العربية نفسها. فمن يريد أن يعمل يد الإصلاح في مجالس اتخاذ القرار العربي المشترك، فعمله لا يعدو أن يكون تذهيبا لهذه المرآة، لكنها لن تجعل الوجوه الناظرة فيها أكثر جمالا أو أقل قبحا.

فمن الممكن تعديل الميثاق. فهل من الممكن يا ترى أن نجعل العمل العربي الجماعي أكثر شفافية، وأكثر صلاحا؟ وهل سيرشح من أباريق الحكم الفاسد والمغلق في الدول العربية الصلاح والانفتاح؟ وهل من الممكن يا ترى أن نضمن الميثاق نصوصا لقيام قوات عربية مشتركة ضد الاحتلال الأجنبي، وكثير من البلدان العربية تتعاقد مع البلدان الكبرى من أجل احتلالها؟ وهل من الممكن يا ترى أن ننشئ محكمة عدل عربية عادلة، وكل منظمات حقوق الإنسان العربية تجأر بالشكوى من ندرة العدالة في بلدانها؟

فالإصلاح يحتاج إلى يد تؤمن به. فكيف نأمن للأيدي التي تنضح فسادا، وجورا، وتبعية، أن تنجب لنا إصلاحا يشرق بالصلاح السياسي، ويقوم على موازين العدل والنصفة، ويقود مسيرة التحرر الاقتصادي والسياسي.

لقد كان الأمين العام للجامعة العربية موفقا حينما قال " أقر أن عمل الجامعة العربية ليس على ما يرام، وأقر أن هناك الكثير مما يمكن فعله، ومما أمكن فعله. ومع ذلك، فحينما نتكلم عن أداء الجامعة العربية فإننا نقصد الإرادة العربية الجماعية لأقطارها". فهو قد حدد موقع الإشكالية، ولا أظنه يستطيع أن يقول أكثر من ذلك.

لكن لنا عتبا على الأستاذ عمرو موسى الذي ليس لدي له إلا التقدير لشخصه، ولعمله الشجاع في محيط السياسة العربية المظلم، حول منطلقه المفاهيمي الذي نسب إليه. فهو يرى أن التغيير الذي حصل فيما كان يدعى ماضيا " الأمن العربي الجماعي " أنه تطور إلى بناء " المصالح العربية الجماعية ". ولكن بعض البلدان العربية تروج لهذا المفهوم الناقص الذي لا يجوز قبوله.
 فالأمن الجماعي العربي هو قمة المصالح بين البلدان العربية، وهو منطلق بنائها. إذ كيف للبلدان العربية التي تفتش عن مظلة أمنية أخرى أن تستظل بها دون أن تعطي ثمنا سياسيا واقتصاديا. فاللبنات الاقتصادية والسياسية لا يمكن أن تتراكم إلا تحت مظلة الأمن الجماعي. لقد كانت المظلة الأمنية الجماعية الغربية أساس بناء لبنات التعاون الاقتصادي والسياسي. كما كان كذلك في ما سمي المعسكر الاشتراكي. فالأمن هو أولوية الأولويات للأفراد وللدول.

 ولقد رأينا كيف أن بناء المصالح الاقتصادية والسياسية مع الولايات المتحدة يزداد مع الاستظلال بمظلتها الأمنية.

 فالمنطلق ينبغي أن يبدأ من إعادة تأسيس الأمن العربي الجماعي، على الأقل مفاهيميا لحين يبعث الله فينا حياة جديدة.
 
كما أن المفهوم الآخر الذي عزي له لا يقل خطورة. فقد قال " دعونا أيضا نتفق أنه حينما يقول الفلسطينيون أنهم يريدون أن يتبنوا خريطة الطريق، فليس لنا أن نقول لهم ليس لكم ذلك ". وهذا القول مثال لما هو أسوأ ما في مفهوم السيادة القطرية. وهو نتيجة منطقية للقول بأفول مفهوم الأمن الجماعي العربي.

 لا يستطيع الفلسطينيون أن ينكصوا عن ضمانات قدموها لإسرائيل في إطار اتفاقيات أوسلو، فهذا خيانة للعهد. ولكن يستطيع الفلسطينيون أن يقولوا للدول العربية التي حاربت معهم وخسرت أراضي لها إننا في حل من تضامننا معكم، وسنقبل بخطط حتى ولو كانت مضرة بمصالحكم!!

 كما تستطيع الولايات المتحدة أن تقول للبلدان العربية عليكم أن تجروا هذا وهذا من التغييرات في بلدانكم، لأنه لا ينسجم مع المبادئ الدولية، لكن الدول العربية لا يمكنها أن تقول لبعضها البعض أن ما تقومون به يضر بالأمن الجماعي العربي. فإذا كانت الدول العربية لا تأمن أن تفي بواجباتها تجاه بعضها البعض في أخطر مسائل وجودها فكيف بها ستبني لبنات التعاون الاقتصادي؟ هذا مفهوم يعود بنا إلى ما قبل ميثاق الجامعة العربية، حينما كانت البلدان العربية تحت الانتداب الأجنبي. وهي بطريقة أخرى تعود إليه.

ولكن الإصلاح في بناء الجامعة العربية في ظل التدهور الحاصل لن يأتي إلا بأسوأ ما في الواقع العربي إلى ميثاقها. وحينما يتم الإصلاح القطري سنجده منسابا متدفقا إلى مناحي حياتنا الجماعية.

كنعان








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيطاليا: تعاون استراتيجي إقليمي مع تونس وليبيا والجزائر في م


.. رئاسيات موريتانيا: لماذا رشّح حزب تواصل رئيسه؟




.. تونس: وقفة تضامن مع الصحفيين شذى الحاج مبارك ومحمد بوغلاب


.. تونس: علامَ يحتجَ المحامون؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. بعد لقاء محمد بن سلمان وبلينكن.. مسؤول أمريكي: نقترب من التو