الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
مشارف .. تمحو الأرض
عبدالقادر حميدة
2007 / 3 / 20الصحافة والاعلام
(مشارف).. تمحو الأرض
حقيقة بدأت تتأكد لي تدريجيا .. منذ مشاهدتي الأولى لبرنامج (مشارف) التلفزيوني على القناة المغربية مفادها أن الجيد يفرض نفسه، وأننا في عالمنا العربي بحاجة إلى جودة وإتقان وتميز. بحاجة إلى روح أخرى.. و خاصة على مستوى ما نشاهد.. ما نسمع.. ما نناقش.. وما نقرأ..
في البداية كنت أعرف أن صديقي ياسين عدنان مميز في كل شيء.. بداية من طلعته البهية، إلى كتابته الأبهى، التي أذكر هنا مجموعته القصصية الأخيرة (تفاح الظل) دليلا عليها.. إلى طريقته المميزة في إدارة الحوار. فهو متمرس على ذلك من خلال عمله في الصحافة المكتوبة، وقد قرأت له ما هو مميز حقا وخاصة في جريدة (الحياة اللندنية) .. و كنت أظن أنه إذا ما أعد وقدم حصة ثقافية تلفزيونية فسيكون أبهى.. و أبهى.. و فعلا جاء ظني في محله..
و جاءت حصة (مشارف) لتؤكد لي أنه "سلطان" .. وهنا أستعمل هذه الكلمة بتعبير فريد الدين العطار في (منطق الطير).. حيث يقول ".. ليس سلطانا من لم تنفذ أفعاله في كل الأقاليم، والسلطان هو من لا شبيه له.." .. و فعلا ها قد نفذت (مشارف) إلى كل الأقاليم بفضل عوامل عدة.. أهمها في ظني شخصية مقدمها (ياسين عدنان)..
جاءت (مشارف) مميزة.. وشدتنا إلى موعدها الأسبوعي.. وصرنا ننتظرها (نحن المبعثرون في المنافي) على حد تعبير الدكتور محسن الرملي.. والمنفى هنا له انزياحات دلالية مغايرة.. صرنا ننتظرها بفارغ الصبر.. خاصة وأنها في كل موعد تعد بما هو مختلف.. و بما هو مغذ ومحفز ومبهج .. وقيمة هذه الحصة في رأيي تأخذ مناحيها و تجلياتها وإيحاءاتها من ثلاثة أبعاد رئيسية :
البعد الأول : شخصية معد و مقدم الحصة
البعد الثاني : الشخصية المستضافة ومكانتها الإبداعية وقيمتها النقدية ومركزها العلمي أو النوعي
البعد الثالث : القضية محل النقاش.. أو الإشكال المطروح.. و علامات الاستفهام المرسومة في البدء.
ومن خلال الأبعاد تفاعلتُ كمتلق (إيجابي) مع مختلف الإشكالات المطروحة.. انتبهت لها ولمعانيها و دلالاتها.. وعمقت البحث فيها استجلاءً لخبر يكتفي به السامع و يتم به المعنى للمبتدأ المطروح في الحصة .. كما أنني تعرفت من خلال (الشاشة البيضاء) .. وأسميها كذلك تمييزا لها عن الزرقاء التي صارت أداة معرفة أكيدة للمتلقي (الإيجابي).. تعرفت على شخصيات مرموقة.. و استمعت لها بانتباه.. و غبطت نفسي أنني أراها.. وقد كنت أقرأ عنها ولها.. و قد كنت أراها كنة في صور فوتوغرافية.. فها أنا أبصرها متحركة.. متفاعلة.. حية.. تدلي بآرائها.. و تبهج عقلي..
و لعل من أبرز الإشكالات و الاستفهامات التي تتبعتها عبر حصة (مشارف) أسئلة الهوية في أبعادها الأمازيغية والإفريقية والشعبية، وهي إشكالات مطروحة علينا نحن أيضا كمثقفين جزائريين بنفس القدر الذي تطرح فيه على المثقف المغربي.
و لعل من أبرز الشخصيات التي رأيتها و انتبهت لها الفنان محمد شبعة، والسينمائي المجدد مومن السميحي، الروائية ليلى زيد، والروائي سالم حميش، والدكتور محمد سبيلا، و الشاعر صلاح الوديع، وغيرها من الأسماء المغربية الكبيرة، وحتى الشابة التي اكتشفتها لأول مرة عبر هذه الحصة.
و لقد رأيت أيضا كيف كان ياسين عدنان يتحكم في سير الحصة من بدايتها.. و كيف يوجهها بمنهجية إبداعية تستثير زوايا كامنة تساعد المشاهد على تتبع مختلف جوانب الإشكال.. وتمكنه من الدنو من الفهم.. و تحقق له متعة أكيدة..
ولعلي بعد هذه المسافات من الكلام.. أملك بعض الحق في استعارة عبارة ل (كلود شاب) مخترع التلغراف البصري.. لأحيل معانيها و دلالاتها على هذه الحصة (مشارف).. والقارئ الحصيف يستطيع تخمين وجه هذه الاستعارة ..
يقول (كلود شاب) : ".. إن التلغراف يلغي المسافات، و يمحو الأرض، و يقلص فرنسا ليختزلها في نقطة واحدة.." و الترجمة هنا للمفكر المغربي عبد السلام بنعبد العالي الذي نتمنى أن يستضيفه (مشارف) هو الآخر..
إنها (كتابة المحو) تتجلى مغربية مرة أخرى وفي حلة مغايرة.. كتابة محو الشاعر الكبير محمد بنيس يعيد بعثها ياسين عدنان عبر الشاشة.. الشاشة التي يقول عنها عبد السلام بنعبد العالي (ويقصد الشاشة الزرقاء العنكبوتية .. لا البيضاء الهوائية).. لكننا في حالة حصة (مشارف) .. نستطيع إيراد هذا القول .. لأن البيضاء تتحول في هذه الحصة إلى زرقاء.. بما أنها هي أيضا أداة معرفية.. و بما أنها (تنفذ في كل الأقاليم) العربية.. و تشد إليها أسماء لها وزن..
يقول عبد السلام بنعبد العالي : ".. إنها (أي الشاشة) أقوى بلاغة و أكبر قدرة على تكثيف المعاني وعرضها ونشرها.."
ويدعو ياسين عدنان دائما في ختام حصته مشاهديه للقراءة.. و يعرض عليهم الجديد و المميز في عوالم الكتابة و الإبداع.. الجديد الذي تدعونا رؤيته للاستزادة من هذا الفعل السحري (القراءة).. دعوة ما أحوجنا إليها في عالمنا العربي.. وأنا نفسي علمت أول مرة بأن رواية الطاهر وطار (الولي الطاهر يرفع يديه بالدعاء) مطبوعة في المغرب في طبعة شعبية من حلال هذه حصة (مشارف) .. حيث قدمها ياسين عدنان ذات يوم تقديماً جذاباً يليق بمقام (عمي الطاهر) ومكانته الروائية عربيا..
وما أحوجنا في عالمنا العربي إلى حصص مماثلة.. ينشطها مبدعون مميزون.. ويضعون من خلال استفهاماتهم/استفهاماتنا أيديهم على جراحنا الثقافية النازفة.. وما أحوجنا إلى حصص تثمن الجهد المعرفي المبذول في الحقول الإبداعية المختلفة.. وتعيد الكلمة لأدباء الهامش.. الذين اسودوا.. ثم اخضروا.. و هم قابعون في هوامشهم..
فشكرا ياسين عدنان.. ودامت لنا مسرة القراءة وصداقة الكتاب. ودامت للمثقفين حصة (مشارف)..
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. رقم قياسي جديد لعملة البيتكوين الرقمية | الأخبار
.. أطيب كيكة ليمون
.. انشغال نواب بتصفح هواتفهم خلال جلسة البرلمان يستفز الأردنيين
.. بارنييه يقدم استقالته للرئيس ماكرون ووزير الدفاع الأقرب لخلا
.. -علف الحيوانات والقمامة-.. للبقاء على قيد الحياة في قطاع غزة