الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الماركسية أم الماركسية اللينينية ؟ الجزء الرابع

امال الحسين
كاتب وباحث.

(Lahoucine Amal)

2007 / 3 / 20
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية



لقد رأينا فيما سبق كيف أن ابن رشد استطاع تصحيح مسار المنظومة الفلسفية لأرسطو عندما أعطاها البعد المادي ببرد الإعتبار لعلاقة الوحدة الجوهرية بين المادة و الصورة ، في الوقت الذي سعى فيه طوماس الأكويني إلى فك الوحدة الجوهرية بينهما الشيء الذي تولد عنه الصراع من جديد بين المادية و المثالية ، هذا الصراع الذي لن يتم حسمه لصالح المادية إلا بعد ستة قرون مع الفلاسفة الماديين الفرنسيين في عصر الأنوار ، ففي النصف الأول من القرن 18 برز أحد الفلاسفة الكبار وهو الفيلسوف ديكارت عميد فلاسفة الأنوار ، و تعتبر هذه المرحلة بداية صعود الحركة البورجوازية الفرنسية و التي لم تبلغ بعد مستوى الصدام مع النظام الإقطاعي ، حيث أن القوى المنتجة ما زالت لم تبلع مستوى القفزة النوعية التي ستحول الحركة الإجتماعية الفرنسية من الإقطاعية إلى الرأسمالية ، و ما زالت مفاهيم البورجوازية في مرحلة الصعود و لم تصل بعد إلى مستوى انتصارها على مصالح الإقطاع الشيء الذي سيقع أثناء انتصار الثورة البورجوازية الفرنسية في أواخر القرن 18 .
و فهذه المرحلة مازالت الحركة البورجوازية في حاجة إلى تطوير القوى المنتجة التي تحتاج إلى مزيد من التحرر من الأفكار الكلاسيكية ، حيث أن علاقة الإنسان بالطبيعة تتطلب الإحتكام إلى العقل مع بروز نشاط العلوم التجريبية من أجل تطوير العلوم الطبيعية ، فساد منطق العقل في التعامل مع الطبيعة في الوقت الذي لم تصل بعد البورجوازية إلى مستوى تدمير علاقات الإنتاج الإقطاعية ، و في هذه المرحلة كانت سيادة الكنيسة هي السائدة في مجال المعرفة عبر الفلاسفة السكولاستيكيين الذين يعبرون عن مصالح الإقطاع ، و يكرسون الفكر الغيبي في مجال العلوم الطبيعية حيث يفسرون الظواهر الطبيعية تفسيرا ميتافيزيقيا غيبيا و يعتبر طوماس الأكويني عميد السكولاستيكيين ، فكان لا بد من قيادة الإحتكام إلى العقل في مجال العلوم الطبيعية كمرحل أولى لتحرير العلوم الطبيعية من أيدي الكنيسة الكاتوليكية ، و يعتبر كوجيطو ديكارت " أنا أفكر إذن أنا موجود " أحسن معبر عن الصراع القائم بين العقل و سيادة الكنيسة على المعرفة السائدة في تلك المرحلة التاريخية .
و هكذا أحدث ديكارت قفزة نوعية في مجال المعرفة حيث استطاع تجاوز المعرفة السكولاستيكية المعبرة عن سيادة الكنيسة على المعرفة ، و ذلك عبر الإحتكام إلى العقل باعتبار الوجود مرهون بما نملك من المعرفة و الوصول إلى الواقع الملموس دون وسيط خارجي ، الشيء الذي رد الإعتبار للإتجاه المادي للفلسفة خاصة في مجال العلوم الطبيعية التي كانت تهيمن عليها المعرفة الغيبية لسلطة الكنبية ، و لعبت الفلسفة المادية لديكارت دورا هاما في التسريع بتطوير القوى المنتجة التي كانت البورجوازية في أمس الحاجة إليها ، و ذلك بالدفع باستقلال العلوم الطبيعية عن الفلسفة الغبية المسيحية دون الغوص في إشكاليات الوجود بحكم ما تحتاج إليه القوى المنتجة في تلك المرحلة التاريخية من تطوير، و أخذت الفلسفة الديكارتية منحى العمل على تناول قضايا الكون لفهمه و اكتشاف قوانينه الطبيعية تاركة قضايا الوجود للكنيسة ، و بذلك يكون ديكارت قد تخلف عن منحى فلسفة ابن رشد ذات المنحى المادي و بالتالي لم تخرج فلسفته عن المنحى المثالي ، و دخلت الديكارتية في المهادنة مع الكنيسة حيث لم تستطع فتح مستوى الصراع السياسي و الإقتصادي مع النظام الإقطاع ، ذلك لأن البورجوازية ما زالت في حاجة ماسة إلى تطوير القوى المنتجة من الناحية الكمية التي ستحدث التحول الكيفي من أجل حدوث القفزة النوعية و تدمير علاقات الإنتاج الإقطاعية .
و غير بعيد عن فرنسا إستطاع الفيلسوف الهولاندي سبينوزا فتح الصراع مع الكنيسة التي أعتبرها سبب التخلف بما تمثله من دعامة أيديولوجية للأنظمة الإقطاعية بأوربا ، و يقول : " إن الأوهام الدينية هي سبب عبودية البشر " ، و هذه المقولة خير تعبير عن نضج الفلسفة المادية الهولاندية بالنسبة للفلسفة الفرنسية التي لم تستطع فتح هذا الصراع ، و كان للظروف الهولاندية التي بلغت فيها القوى المنتجة أوج حركتها قد ساعدت على مقارعة الإديولوجية الإقطاعية المبنية على سلطة الكنيسة على المعرفة ، و اعتبر سبينوزا الجوهر و الله مسميين لمسمى واحد هو الطبيعة باعتبار أن الله كائن في الطبيعة و لا يمكن البحث عنه خارجها ، و تكمن قوة فلسفة سبينوزا في كونها جسدت القوة الخارقة للكنيسة في الطبيعة مما ساهم في تطوير الإتجاه المادي في الفلسفة ، إلا أن الفيلسوف الفرنسي ديدرو يرى في الفلسفة المادية لسبينوزا تناقضا صارخا يضعها في موقع المثالية حيث اعتبر الطبيعة هي الله ، بدل اعتبار الطبيعة هي الطبيعة في ذاتها و لذاتها و يذلك لم يستطع بناء القطيعة مع المثالية بعد اعتبار الطبيعة هي الله .
و كانت للتطور الهائل للقوى المنتجة الفرنسية و استعداد البورجوازية الفرنسية لخوض معارك الثورة البورجوازية ضد الإقطاع من أجل تدمير علاقات الإنتاج الإقطاعية دور هام في بناء الفلسفة المادية للفلاسفة الفرنسيين ، و الذين أصبحوا متطرفين في كل شيء من الطبيعة مرورا بالدين وصولا إلى السياسة و الإقتصاد من أجل القضاء على النظام الإقطاعي ، و أحدثوا قطيعة تامة مع المثالية حيث يقول ديدرو :"إن الحقيقة ليست هي الله الذي هو الطبيعة بل هي إما الله أو الطبيعة " ، و بذلك حقق الماديون الفرنسيون نجاحا باهرا في مجال الفلسفة الطبيعية رغم إخفاقهم في مجال التاريخ حيث لم يستطيعوا إعطاء أجوبة حول علاقة الإنسان بالمجتمع و علاقته بأفكاره ، مما شكل قصورا حادا في فلسفتهم المادية التي أعطت الأهمية القصوى للطبيعة دون الوصول إلى العلاقة الجدلية بين القوى المنتجة و علاقات الإنتاج ، و يقول هيلفيتيوس في هذا الأساس :" إن الإنسان تصنعه ظروفه الإجتماعية" ، مما يطرح إشكالية تغيير المجتمع في الأفق حيث إذا أراد الإنسان تصحيح أخطائه لا بد له من تغيير الظروف الإجتماعية التي صنعته الشيء الذي يطرح التناقض بين علاقة الإنسان بمحيطه .
و القصور في الفلسفة المادية للفلاسفة الفرنسيين يتجلى في اعتبار أن الإنسان نتاج ظروفه الإجتماعية مما يعني أن المجتمع هو الذي يصنع الإنسان و ليس العكس ، و هذا الطرح يتفق معه الفيلسوف الإنجليزي جون لوك حيث يقول :" إن أفكار الناس لا تخلق معهم بالفطرة " ، و بذلك يكون جون لوك قد عارض أفكار ديكارت في هذا المجال الذي أقرر الأفكار الفطرية ، و لم يستطع الفلاسفة الفرنسيين تطوير مفهوم التاريخ و ظلوا حبيسي الفلسفة المادية الطبيعية و ذلك نتيجة عدم قدرتهم على القطيعة مع الميتافيزيقا ، هذا القصور الذي سيحسمه الفيلسوف الألماني هيكل الذي اكتشف الصيرورة الجدلية بذلك يدخل الفلاسفة الألمان مسرح بلورة الفلسفة المادية .
و لا يفوتنا هنا تناول أكبر قضية طرها الفيلسوف الألماني كانط و هي إشكالية المنهج العلمي الذي لا بد من تركيزه في نقد النظريات الفلسفية ، كما هو الشأن في مجال الرياضيات التي لم تسمى بعلم إلا بعد اجتهادات طاليس الذي أخضعها للمنهج العلمي ، كما أن العلوم الفيزيائية لم تسمى كذلك علم إلا بعد إخضاعها للمنهج العلمي من طرف غليلو ، لذا الفلسفة في حاجة إلى منهج نقدي علمي الذي سيضفي عليها صفة الفلسفة النقدية العلمية دون الدخول في صراع المنظومات الفلسفية فيما بينها كما هو شأن في تاريخ الفلسفة القديمة ، حيث يعتبر كانط أن كل منظومة فلسفية تحمل بداخلها تناقضات تسهل تدميرها عبرها لذلك أكد على ضرورة منهج فلسفي نقدي علمي ، و بذلك وضع ما يسمى ب"متناقضات العقل الخالص" في أطروحته في كتاب "نقد العقل الخالص " ، و استخلص أن البحث عن الجوهر مستحيل لكون العقل الذي يبحث عن الوصول إليه هو نفسه مليء بالتناقض مما يجعله غير قادر على الوصول إليه ، فتنازل عن البحث عن الجوهر كما كان الشأن بالنسبة للفلسفة القديمة و لا يرغب في بناء منظومة فلسفية التي ستتعرض للتدمير من طرف منظومة فلسفية جديدة .
و اعتبر أن دور الفلسفة هو البحث عن الظواهر متجاوزا بذلك منظور الفلسفة الكلاسيكية محاولا بناء أسس الفلسفة الحديثة ، و وضع أمام بحثه إشكالية التناقض الذي يجب الخوض فيه بدل بناء منظومة فلسفية جديدة إلا أنه خلص إلى أن العقل لا يمكن الوصول إلى الجوهر لأن العقل يؤدي إلى اللامعقول ، مما جعلها يقع في التناقض الذي وضعه أرسطو الذي اعتبر أن الجوهر هو اللامعقول و كأنه يعيد إنتاج ما وضعه أرسطو ، و انطلق هيكل في نقده لفلسفة كانط من مفهوم التناقض الذي توصل إليه باعتباره الجوهر النهائي الذي يتم البحث عنه ، و بذلك أحدث هيكل تحولا كبيرا في الفلسفة المادية بتأسيسه لمفهوم الصيرورة الجدلية على اعتبار أن العلاقة بين الأشياء سبقت وجودها و هي أساس تكوين الأشياء ، و هذه العلاقة داخلية و ليست خارج الشيء و لا خارج الأشياء فيما بينها و هي التناقض الداخلي الذي يعتبر جوهر كل شيء و هذه العلاقة في تناقض دائم ذلك ما يسمى الصيرورة الجدلية ، و هي مرتبطة بمفهوم التناقض نفسه الذي يتأسس على وحدة الأضداد في تماثلها و تطابقها في المضمون و المعنى و في ارتباطها بتحول الشيء إلى ضده في أقصى تحولاته .

تارودانت في : 19 مارس 2007
امال الحسين








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بريطانيا.. الناخبون يدلون بأصواتهم لاختيار الحكومة الجديدة و


.. هز عرش المحافظين.. معلومات عن زعيم حزب العمال كير ستارمر




.. الغارديان: حزب العمال أمام انتصار كاسح في وجه المحافظين


.. فرنسا.. بين قبضة اليمين المتطرف وتحالف -شبه مستحيل- للمعتدلي




.. فرنسا: هل تراجعت فرص اليمين المتطرف بالوصول إلى السلطة؟