الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كوكاسراب- بالمجان في أسواق القومجيين والدينجيين

غازي أبو ريا

2003 / 8 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


((كوكاسراب)) بالمجان في أسواق القومجيين والدينجيين
الجمعة 2003-08-08
بعد أن يئس أحد المعلمين من طلابه، وأيقن ان مخاطبة الصخور قد تكون أكثر جدوى.. اعتمد حيلة تكفيه عتاب الاهل ومحاسبة اصحاب الامر.. فدعا اولياء امور الطلاب.. وبشّرهم بأن هؤلاء الذين ارسلوهم اليه ليغرفوا من مناهل العلم، قد ابدعوا، وطوبى للبطون التي حملتهم، ثم وزّع عليهم شهادات امتياز لهم، ولهذا النسل الذي انجبوه.
ثم اصطاد من بحور الشعر مدائح استهلها بآيات من الذكر الحكيم.. ومسك الختام جاء على غير ما توقع المعلم، فقد وقف الآباء جميعًا وبصوت واحد ينشدون بلحن عسكري "قم للمعلم وفه التبجيلا"..
لا اعتقد ان الحكاية المذكورة اعلاه، قد حدثت في مكان ما، لكن، اعرف نصًا مشابهًا ورأيته بالألوان، وقد قام بدور المعلم صحفي عربي ذائع الصيت، واسمه احمد منصور، يعمل في قناة الجزيرة، وهو حسب اعتقادي، على مستوى رفيع من القدرة، فلا أبالغ إن زعمت بأن الرجل خلاصة الاداء الصحفي في العالم العربي، لأنه "يحلب" حتى آخر قطرة كل فريسة يصطادها في عمله الصحفي.. ولكن الرجل أيضًا، يعمل بانحياز واضح، لكل تيّار يرفع شعار الاسلام السياسي، ويظهر عداء مفضوحًا لكل اليسار الاشتراكي والاحزاب القومية، ويخص جمال عبد الناصر بحصة محترمة من الكراهية.
هذا الصحفي قرر ابتزاز جملة من باحث اوروبي، فبعد لقاء مطوّل مع ذلك الباحث، اطلق احمد منصور سؤاله الصاعق: "سيدي! هل تعتقد بأن الحضارة الغربية قد تسقط امام حضارة اخرى؟". وكان رد الباحث واضحًا "نعم. بالتأكيد.. من الجائز ان تظهر حضارة اقوى من حضارة الغرب". هنا أصبحت شهية احمد منصور غير قابلة للمنع والصدّ.. فأطلق سؤالاً صاروخيًا "ألا تعتقد بأن الاسلام هو الحضارة القادمة؟". ودون تردد. هزّ الباحث رأسه نافيًا.. وقال: " هذا لا"، ولم يثبت في ذهن المستمع المشاهد رد الباحث، فقد اعتبره موقف عدو يغمض عينيه عن رؤية الحقائق، لأن سؤال احمد منصور دغدغ القارئ حتى النشوة، وأصبح السؤال "ألا تعتقد بأن الاسلام هو الحضارة القادمة؟" هو الواقع، هو الحتمية التاريخية، وهو الحقيقة التي يحاول الباحث نفيها من باب الحقد ليس الا.. وهذه بالضبط الرسالة التي اوحى بها أحمد منصور لمشاهديه. وهذا التضليل الذي يجاهد به احمد منصور، وآلاف امثاله، يسيء اولا الى الحضارة الاسلامية في سابق مجدها، ويسيء الى حلم نهوض العرب والمسلمين، فالحضارة الاسلامية في ايام عزّها، لم تكن معجزة جاءت من فراغ، ولم تكن استجابة إلهية لدعاء مؤمن.. بل كانت نتيجة جهود جبارة بذلها العلماء.. فقد ادى انتشار الاسلام الى سيادة اللغة العربية.. كما هو حال الانجليزية في عصرنا.. وبالاضافة الى ان كل العلماء بدأوا يكتبون بلغة الدولة. اي اللغة العربية، فإن العامل الحاسم لنهوض الحضارة العربية الاسلامية كان في عملية الترجمة من لغات الحضارات السابقة الى اللغة العربية وهكذا تعرف علماء العصر الاسلامي على كل موروث الحضارات التي سبقتهم من يونانية وفارسية وهندية ورومانية، ما اتاح لعلماء العصر الاسلامي ثروة علمية هائلة استعملوها وأضافوا اليها.. ولو رفض العرب والمسلمون التعامل مع موروث الحضارات الاخرى لما تمكنوا من التقدم خطوة واحدة الى الامام.
والحضارة الاوروبية التي بدأت في عصر النهضة، هل كان لها الامل في الظهور لو لم تترجم كتب العصر الاسلامي؟! بالقوة يمكن اقامة امبراطورية عسكرية كما فعل المغول.. لكن الامبراطورية العسكرية مآلها الزوال السريع ان لم تستند على حضارة تنير الدروب امام سكانها وتضيء على بقية الامم.
وكل مزاعم الاسلاميين والقوميين، حول تسويق الوحدة كشرط لنهوض حضاري عربي او اسلامي هو مجرد هراء.. لأن التاريخ يبرهن لنا عكس ذلك. فقد ازدهر العلم في بلاد العرب والمسلمين في القرن الرابع الهجري.. وعندما يقتطع المؤرخون هذا القرن من التاريخ الاسلامي ويميزونه بشكل خاص.. يفعلون ذلك للحديث عن اكثر فترة اسلامية شهدت تفككًا للدولة وانتصار الامارات والدويلات، وأخذت كل امارة تنافس الاخرى في مجالات عدة ومن اهمها استقطاب العلماء، ولا اقصد علماء الدين كما الحال اليوم.. في هذا الزمن، لا يسمي العرب احدا بلقب "العالم" الا رجل الدين.
لا أساس اذن لنظرية الذين ينتظرون وحدة عربية او اسلامية لتحقيق نهضة علمية حضارية ولو فرضنا ان العرب توحدوا الآن، هل يعني ذلك بأن التقدم سيأتي تلقائيًا. ولو فرضنا ان حسن الترابي او اسامة بن لادن او خاتمي او أن صقر قريش عاد وأصبح خليفة لعامة المسلمين.. فهل هذا الحدث سيجعل المسلمين في مقدمة اهل الارض؟ او حتى يدخلهم في سباق علمي مع احد؟
إن الفرضية، بان استلام حزب قومي دفة الحكم، سيجعل الحياة جنة على الارض، هذه الفرضية لا تستند الى منطق، ويكفي الحالة العراقية والسورية لنفي الفرضية قبل بحثها.
وفرضية السحر الذي سيأتي به حزب اسلامي، هي أيضًا لا تستند الا على مغالطة، ونماذج السودان وايران وافغانستان ظاهرة لمن يرغب بفتح عينيه.
لا شيء يمكنه بناء حضارة سوى العلم، حتى المال لا يمكنه بناء حضارة.. وكم من دولة غنية الموارد المادية لكنها على حافة الفقر، وكم من دولة فقيرة الموارد لكنها في مقدمة شعوب العالم ثراء ورفاهية..
قبل خمسة وثلاثين عاما.. كانت مصر وكوريا في نفس المستوى الاقتصادي، واليوم، فإن كوريا تزاحم الدول الكبرى في مجالات التصنيع.. اما مصر، فبالكاد تجد لها موقعًا بين الدول النامية.. ولم تحدث في كوريا الا معجزة واحدة هي عبادة العلم.. ولم يتنازل امبراطور اليابان عن القدسية التي ظلت ميراثًا لكل السابقين الا حين اجتاح العلم حياة اليابانيين. وأصبح من العسير تسويق الهالة المقدسة لـ"ميكادو" اليابان واعتباره ابن اله الشمس.
وانتصار العلم في الارض العربية ليس مسؤولية الحاكم وحده.. انها ثورة على مناهج التعليم العربية وهي ايضًا تحويل اللغة العربية من وعاء يكاد لا يتسع للفقه والشريعة وشعر المديح ومديح الشعر.. تحويلها الى لغة يحتاجها كل باحث عن معرفة في اي لون من الوان العلم والثقافة.
ان ذلك المعلم الذي ضلل الآباء او القى على آذانهم ما يطربها، لا يختلف عن الصحفي احمد منصور وجيشه من الذين يبيعون للناس "سرابًا" في زجاجات جميلة.. فسيظل سيادته معشوق الجماهير التي تحب الى درجة الجنون كل كلمة تقول "انت ايها الشعب: ما اعظمك! انت في الغد تصبح سيد العالم لو اصبح حاكمك من حزب اسلامي".
لا تصدقوا كل دجال يتحدث عن وعد بأن يسكنكم في الطابق الالف في ناطحة سحابه، فهذا الطابق الذي بناه في الاعالي بحاجة الى تسع مئة وتسعة وتسعين طابقًا من تحته حتى يكون هو الألف..
ولن أتحدث عن اول طابق.. بل عن أسس البناء وقواعده الراسخة تحت الارض.. والتي عليها تبدأ عملية البناء.. وهذه الأسس تحتاج الى أحد الامرين. اما ان نجعل احدى اللغات الاجنبية لغتنا القومية، وتبقى العربية لكل كلام فارغ.. او ان نترجم الانتاج العالمي من علم وأدب وفلسفة و.. و.. الى اللغة العربية.. وتصبح الحضارة العالمية بكل الوانها في وعاء اللغة العربية، فينهل منها من شاء ما يشاء بيسر.. وهذا ايضًا يحتاج الى موافقة احمد منصور واتباعه وشعوبنا.. فهل سيوافق الازهر واحمد منصور في ترجمة ثقافات العالم الى لغتنا، في الوقت الذي يمنع احمد منصور وجماعاته المثقف العربي من ممارسة حرية الابداع؟!!

نقلا عن موقع الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
http://www.aljabha.org/
[email protected]

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل تتقرب سوريا من الغرب على حساب علاقتها التاريخية مع طهران؟


.. حماس: جهود التوصل لوقف إطلاق النار عادت إلى المربع الأول




.. هل تنجح إدارة بايدن في كبح جماح حكومة نتنياهو؟


.. الجيش يوسع عملياته العسكرية على مناطق متفرقة بشمال قطاع غزة




.. مقتل العشرات في فيضانات جرفت قرى بولاية بغلان بأفغانستان