الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اخشى ان نكون متطرفين على كل حال

عمار السواد

2007 / 3 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


تتالت المصطلحات والمفاهيم على العراقيين بمجرد ما سقط نظام صدام، فصار ما كان نخبويا حوارا معلنا وعاما وصل الى اسماع الناس، بل اصبحوا احيانا اطرافا في الجدل الدائر حول قضايا عديدة. راجت مفردات الليبرالية والاسلام السياسي والحريات المدنية والبرلمان والدستور وحقوق الانسان والدكتاتورية... فتحول الحديث المحصور في دوائر مغلقة الى حديث مفتوح تتداوله الالسن بادراك او دونما فهم، وتداخلت الحياة السياسية ومفاهيمها بالحياة الاجتماعية وبساطتها. لقد أضحى كل شي معلنا.
ورغم ان رواج بعض تلك المصطلحات في الشارع لم يكن معبرا، بالضرورة، عن تحول في مدركات المجتمع، او نهضة في وعي الناس، الا انه كان، بلا شك، مؤشرا على امكانية حصول ما يمكن التعبير عنه بالانهيار التدريجي في الثقافة التقليدية المهيمنة على العرف الشعبي والمتبلورة بفعل تراكمات الذهنية الدينية القديمة والعلمانية المؤدلجة وخطاب الانظمة القمعية والاسلام السياسي.
فهذا الانهيار التدريجي سبب مباشر في نشوء ثقافة اكثر ارتباطا بالحضارة المعاصرة وذهنية اقل ادلجة وخطاب اكثر تعددية وارادة اقل اقصاء للاخر، فهو لا يؤدي مباشرة الى نمو ثقافة بديلة، لكنه سيساعد في افساح المجال امام انماط جديدة من التصورات والرؤى ومناهج العيش والتفكير، الا انه يساهم بدخول مضامين جديدة اكثر ارتباطا بالحضارة المعاصرة، لتصبح تدريجيا بديلا عن مضامين باتت عبئا على المجتمع، لكن بشرط!!.
ان هذا التغيير والاستبدال والتطور لا يمكن ان يكتمل وان يتسمر وان يساهم في تطوير الذهنية الاجتماعية الا بازاحة العقبة الاساسية الحائلة دون تطور الثقافة الاجتماعية العراقية، فالمطلوب الان تفكيك آلية التفكير الشعبي والنخبوي وهي الية تمثل، دونما شك، عقبة اهم امام نمو الادراك ومرونة الخطاب.
فالوعي الاجتماعي الناجم عن خلفية ايدلوجية شمولية ينمو بطريقة احادية الجانب غير قابلة للتعددية وفاقدة للمرونة، ان هذا الوعي يتحول، دائما، بفعل تلك الايدلوجيا الى وعي محاصر ومربك وعدواني.
واي عملية تحول او تغيير او نهضة بحاجة الى علاج ذلك الوعي وتفكيك اسباب تكوّنه، والا فان التغييرات التي تصيب البنية الفكرية للمجتمع مهما تعددت مفاهيمها واختلفت طبائعها ومنابعها ونبلت اهدافها تبقى رهينة لمثل هذا الوعي وتنجرف بفعل ذلك هذا الوعي الى شكله المتحجر والعدواني.
واذا ما اردنا التعامل مع الحالة العراقية فان هذا البلد اجتماعيا يعاني من فعلين تاريخيين يتجاذبانه واحيانا يتداخل الفعلان مع بعضهما لتكوين الوعي الجماعي.
الفعل الاول هو مجموعة القيم والنظم والمتبنيات التقليدية التي تتخذ لها من نمط ديني وعرف قبلي مصدرا، والمشكلة الاخطر في هذا العامل تكمن في انه عاجز عن تكوين اي رؤية معاصرة تجعل منه بنية مرنة، بل انه انه يعيد انتاج نفسه باستمرار رغم كل المتغيرات بطريقة خداعة توهم بالمعاصرة وتضمر بداخلها كل قبح التاريخ ومتبنيات من مر بهم.
اما الفعل الثاني فهو تتابع هيمنة القوى الايدلوجية ذات الطابع الشمولي على قلوب وعقول الناس، مستغلة مجموعة ظروف الجوع والخوف والجهل ومستخدمة شعارات استهوت شباب هذا البلد. انها القوى اليسارية والقومية ومن بعدها الاسلام السياسي.
ان هذين الفعلين اوالعاملين القديم والحديث اوجدا نمطا مهيمنا من الوعي حاد الطباع، غير قادر على التواصل، احادي الهدف، سيئ الظن، اقصائي... انه بالنتيجة الوعي الذي يصدر تهم العمالة والخيانة والكفر والفجور واللاوطنية او الرجعية والتخلف او الرأسمالية... قد تكون لبعض هذه المصطلحات دلالات علمية عندما تطرح في فضائها الثقافي ويتم تدارسها لايجاد تقييم معرفي للاشياء. لكن عندما تخرج عن نسقها العلمي او الاكاديمي وتدخل في اطار تجاذبات الصراع الاجتماعي او السياسي وتستخدم من قبل النخب السياسية والاجتماعية فان دورها يتحول الى فعل مدمر، وهو ما يحصل في العراق.
اذن كيف يمكن تغيير البنية الثقافية والسياسية والاجتماعية في البلاد مع بقاء هذا الوعي سليما غير مهشم ولا مستفز، ليس ذلك ممكنا حتى وان حدث انهيار في مضامين البنية الثقافية، فالمشكلة الاكبر تكمن في الاساليب والمناهج.
لنفترض ان الليبرالية دخلت مجتمعنا بقوة، فما الضمان ان لا يغلفها الوعي العراقي بثنائيات تخفي عقلية الاقصاء للاخر، ما الضمان ان لا تتحول الليبرالية الى منطلق تصنف وفقه الانتماءات والولاءات؟
ان روح التطرف المهيمنة على المجتمعات ذات الخلفية الايدلوجية والوعي الاقصائي ومنها المجتمع العراقي تبقى جوهر المشكلة الذي تنصهر فيه كل الافكار والمفاهيم حتى وان كانت نبيلة.
فالتحول بحاجة الى ايجاد قطيعة مع هذا الوعي وليس مع الافكار او التوجهات او الولاءات او الثقافات المحلية فقط، لان المشكلة ليست في كل ما هو ساكن على ارض العراق، ان المشكلة هي اولا مشكلة شمولية وعي الفرد والمجتمع الناتجة عن عاملي "التقليدية المتحجرة" و وتعاقب الايدلوجيات الشمولية وهو وعي ينتج بالضرورة راديكالية مرعبة واقصاء قذر وعدوانية عالية.
ان الحديث عن الديمقراطية وشيوع مفهومها بين الناس والدستور وكتابته بشكل دائم والحريات المدنية والسعي لتحقيقها وحقوق الانسان والدفاع عنها والليبرالية والتبشير باقتراب شيوعها ما هو الا حديث ساذج ان قصد منه حصول تحول جذري في النفسية العراقية لانه حديث يتناسى او يغفل عن ان هذه المضامين مهما بلغت اهميتها تبقى عاجزة امام وعي الانسان العراقي القائم على ثنائيتين يصنف بها اخاه العراقي.
ان التغير في متبنياتنا الايدلوجية او قناعاتنا الفكرية او السياسية بل وحتى الايدلوجية هو تغيير سطحي، فنحن ما زلنا متطرفين وحتى الاعتدال قد يصبح لدينا تطرفا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البنتاغون: أنجزنا 50% من الرصيف البحري قبالة ساحل غزة


.. ما تفاصيل خطة بريطانيا لترحيل طالبي لجوء إلى رواندا؟




.. المقاومة الفلسطينية تصعد من استهدافها لمحور نتساريم الفاصل ب


.. بلينكن: إسرائيل قدمت تنازلات للتوصل لاتفاق وعلى حماس قبول ال




.. قوات الاحتلال الإسرائيلي تهدم منزلا في الخليل