الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التجربة الناصرية والتجربة -الصدامية- نقيضان!

باتر محمد علي وردم

2003 / 8 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


كاتب أردني

 

أصبت بدهشة كبيرة وأنا أقرأ المانشيت الرئيسي لصحيفة أسبوعية أردنية ناصرية وضعت صورا للرئيس عبد الناصر وصدام حسين وحافظ الأسد وأحمد بن بيلا وتحتها عنوان "شهداء الأمة الأحياء". والواقع أن مثل هذا العنوان يؤشر على أزمة منطق ومبدأ حقيقية لدى التيار القومي العربي ممثلا في هذه الصحيفة، فمجرد وضع صورة الرئيس عبد الناصر إلى جانب صدام حسين والمقارنة بينهما تعني إساءة كبيرة لتاريخ وتراث عبد الناصر الذي تدافع عنه هذه الصحيفة دائما.

هناك فارق كبير وشاسع بين التجربة الناصرية، والتجربة "الصدامية" إن صح التعبير في حكم مصر والعراق، بما لا يدع أي مجال للمقارنة بينهما إلا إذا كان حملة شعار القومية العربية يرون فيهما تماثلا وهذه مصيبة كبرى.

الرئيس عبد الناصر وصل إلى الحكم من خلال حركة ثورية شعبية لها جذورها المنتشرة في كل البيئة الشعبية في مصر، وقد جاءت هذه الثورة ومعها فكرا نهضويا وقوميا ناضجا، كما أن عبد الناصر ورفاقه في الضباط الأحرار تعاملوا بمكارم أخلاق عالية مع الملك فاروق والنخبة السياسية التي كانت معه، ولم ينصبوا لهم المشانق. ولكن صدام دشن عهده بإعدام عشرات الزملاء  والمناضلين  من حزب البعث على شاشات التلفزيون واستمر بعد ذلك في تصفية كل خصومه السياسيين بلا رحمة.

الرئيس عبد الناصر عمل دائما لصالح مصر وشعبها، ووظف إمكانيات وموارد مصر لخدمة سكانها ونهضتها الاقتصادية والثقافية والعسكرية ورفع من قيمة  وشأن الإنسان المصري، بينما وظف صدام إمكانيات وموارد العراق لمصلحة العائلة ودمر المجتمع العراقي وشتت أبنائه في كل أصقاع الأرض ودمر ثقة المواطن العراقي وايمانه بدولته ووطنه إلى حد قبول الاحتلال بديلا عن الحكم العسكري القمعي.

عبد الناصر كان رجلا نزيها عفيفا، عاش في بيت متواضع وكانت سلوكياته مترفعة عن الصغائر، ولم يطلق العنان لأولاده للعبث وتجاوز القوانين وتحقيق المكاسب، بل أن كل الوثائق تؤكد بأنه رفض حتى التوسط لإبنته لدخول الجامعة. أما صدام فقد سلم لأبنيه العابثين مقادير الموارد العراقية فطغيا وتجبرا على الناس وكانت حياتهما نموذجا في ايذاء الآخرين وانتهاك الأعراض والقوانين كما كانت العائلة الصدامية تعيش في قصور باذخة بينما يعيش العراقيون في فقر وإملاق.

عبد الناصر كان زعيما قوميا مفرط الحساسية والمسؤولية تجاه شعبه، وقد قرر التنحي صادقا عن الحكم إثر هزيمة حزيران 1967 وعاد برغبة صادقة من الناس وبقي مهموما بالهزيمة حتى توفي عام 1970. أما صدام فكان يزداد غطرسة بعد كل هزيمة وكارثة، ورفض التنحي عن الحكم لتجنيب بلاده الكارثة والاحتلال وظل متمسكا بالحكم حتى النهاية بالرغم من كل الأخطاء التي ارتكبها.

ومهما كان عبد الناصر فردي النزعة فإنه لم يحفر المقابر الجماعية للآلاف من أبناء شعبه ولم يقمع اي صوت معارض بالحديد والنار، وبقيت سياساته الداخلية لا تختلف كثيرا عن أي نظام حكم عربي أحادي النزعة، وحافظ على الكثير من المؤسسات السياسية والاجتماعية والثقافية في مصر بعكس ما حدث في العراق حيث تم  تدمير كل المؤسسات باستثناء المؤسسات الأمنية البعثية التي كانت تقمع الشعب.

من المؤسف حقا أن تتم مقارنة عبد الناصر وتجربته القومية الرائدة بالكارثة التي ألحقها نظام البعث العراقي بكل مكونات الشعب العراقي، ولكن المؤسف أكثر أن يكون الفكر القومي العربي قد وصل إلى هذه المرحلة من اختلاط وتشتت المفاهيم بحيث يضع عبد الناصر وأحمد بن بيلا وصدام حسين في خانة واحدة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. على حلبة فورمولا 1.. علماء يستبدلون السائقين بالذكاء الاصطنا


.. حرب غزة.. الكشف عن نقطة خلاف أساسية بين خطة بايدن والمقترح ا




.. اجتماع مصري أميركي إسرائيلي في القاهرة اليوم لبحث إعادة تشغي


.. زيلينسكي يتهم الصين بالضغط على الدول الأخرى لعدم حضور قمة ال




.. أضرار بمول تجاري في كريات شمونة بالجليل نتيجة سقوط صاروخ أطل