الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الماركسية أم الماركسية اللينينية ؟ الجزء الخامس

امال الحسين
كاتب وباحث.

(Lahoucine Amal)

2007 / 3 / 21
مواضيع وابحاث سياسية



لقد رأينا فيما سبق أن الفلاسفة الماديين الفرنسيين اعترضتهم إشكالية علاقة الإنسان بمحيطه الإجتماعي و أنهم يحصرون تلك العلاقة في التفاعل المتبادل ، و عكس ما أنجزوه في مستوى المادية الطبيعية فقد أخفقوا في فهم إشكالية التاريخ الذي سيرجع الفضل لاكتشافه للفلاسفة الألمان ، و أوضح الفيلسوف الألماني هيكل ما يشوب أجوبة الفلاسفة الفرنسيين في هذا الشأن و يقول : " إن قصور المنهج الذي ينظر إلى الظواهر من زاوية التفاعل المتبادل يكمن في كون أن علاقة التفاعل، بدل أن تحل محل المفهوم يتعين عليها هي نفسها أن تكون مفهومة" ، لذلك فهذا التفسير حسب هيكل بدل أن يكون هو المفهوم فإنه في حاجة إلى فهمه لأنه يتكون من العديد من العوامل : الظواهر و الجوانب و العلاقات ... و من بينها العوامل السياسية و الإقتصادية و الثقافية و الدينية و غيرها ، و أن هذه العوامل جمعاء لا يمكن أن تكون إلا نتيجة لعامل آخر يسميه "المتسامي" الذي يعتبر سبب كل العوامل الأخرى .
و من هنا يستنتج أن هدف العلم هو البحث عن هذا العامل الأساس السبب في باقي العوامل الأخرى المتفاعلة فيما بينها و الذي يفسح المجال للربط الجدلي فيما بينها ، و يقول أن حقيقة الأشياء لا يمكن أن نتوصل إليها دفعة واحدة لأن الحقيقة النهائية لا نتوصل إليها إلا بعد تصادم مجموعة من الأفكار المتعارضة في فكرنا و هي نتيجة الآراء المتضاربة في فكرنا ، و الحقيقة إذن ما هي إلا حصيلة حركة جدلية قائمة على التناقضات و التجاوزات المستمرة حيث لا يمكن للفكر أن يصل إلى جوهر الأشياء إلا بعد نهاية حركته الجدلية ، و أن صيرورة تشكل جوهر الأشياء ما هي إلى علاقة التناقضات التي يجسدها ذلك الجوهر عبر المنهج الجدلي في التفكير ، من هنا انتقد استنتاجات كانط حول تاريخ المنظومات الفلسفية بأوربا التي اعتبرها كانط مجموعة من التناقضات التي سناها "اللامعقول" ، و يعتبر هيكل أن كل منظومة تحمل جانبا من الصواب و أنها ما هي إلا نتاج الحركة المعرفية لحقب تاريخية معينة و يحكمها البحث عن المفهوم ، و أن أي منظومة فلسفية لا يمكن أن تتناول إلا جانبا من الجوانب المتعددة للمفهوم في لحظة تاريخية معينة ، و أن مجموع المنظومات الفلسفية المتناقضة عبر التاريخ هو الذي قادنا إلى التوصل في النهاية إلى المفهوم .
و بذلك انتقد منهج كانط الذي لم ير في المنظومات الفلسفية المتعاقبة إلا "اللامعقول" لأنه لم يستطع فهم خلاصة هذه التناقضات الموجودة بين المنظومات الفلسفية ، و صاغ هيكل مفهوم الملموس الذي يعتبر نقيض المجرد و اعتبر أن الحقيقة المجردة غير موجودة و أن الحقيقة لا يمكن أن تكون إلا ملموسة ، و أن الأشياء المجردة غير موجودة إلا في الفكر الذي يعمل على عزل الأشياء من أجل البحث عن الجوهر ، و أن الواقع دائما يكون ملموسا حيث يعتبر مشروطا بجوانبه و خصائصه و علاقاته من هنا يعتبر الحقيقة غير مجردة و أنها دائما ملموسة ، و أن الفكرة الفلسفية تستمد صحتها عندما تكون ملموسة و هي مشروطة بعلاقاتها الخاصة و ما أن تتغير هذه العلاقات حتى تكون خاطئة .
و أسس هيكل المنهج الجدلي محاولا إيجاد حلا لإشكالية الفلاسفة الماديين الفرنسيين واضعا ما يسمى "المتسامي" و هو ما يسميه "العقل الوطني" الذي يعتبره مستوى من مستويات "العقل الكوني" ، و ما "العقل الوطني" إلا إحدى تجليات "العقل الكوني" لدى شعب من الشعوب في لحظة تاريخية من تطور هذا الشعب ، و يعتبر تاريخ البشرية ينطلق من " الفكرة" التي تنطلق من الفكر الخالص عبر ثلاث مراحل و هي الوجود ، الجوهر ، المفهوم ، و تؤدي في النهاية إلى "الفكرة المطلقة" ، و التي ستتحول إلى الطبيعة التي ستصبح شكل وجود الفكرة المطلقة مما يجعل الطبيعة تطور خارجي للفكرة المطلقة ، و بالتالي يظهر "العقل الكوني" الذي يتطور عبر ثلاث لحظات و هي العقل الذاتي ) الشعور ، التصور ، الفكر ( ، العقل الموضوعي ) الدولة ، القانون ، الأخلاق (، العقل المطلق ) الدين ، الفن ، العلم (.
و أصبحت فلسفته معرضة للنقد من طرف فويرباخ الذي انطلق في نقده من الفكرة المطلقة و الذي يرى أنه لا يمكن للتطور التاريخي أن يكون مجرد تطور فكرة مطلقة ، و اعتبر المنظومة الفلسفة لهيكل فلسفة مجردة حيث جردت كل شيء ، الإنسان ، الطبيعة ، الفكر ، معتبرا الإنسان أساس حركة للتاريخ و ليس الفكرة المطلقة التي اعتبرها دينا جديدا ، متجاوزا بذلك فلسفة هيكل المثالية بتجاوز الفكرة المطلقة المجردة بوضع الإنسان الملموس مكانها .
و جاء كارل ماركس ليعتبر إنجاز هيكل مهما باعتباره وضع الجدلية التي اعتبرها العلاقة التناقضية المحرك الأساسي للصيرورة الجدلية ، لكنها تتم داخل الفكرة المطلقة مما يجعل فلسفة هيكل فلسفة مثالية في حاجة إلى التطوير و ذلك بإخراج الجدلية من الفكر إلى الواقع ، لذا فالجدلية بدل أن تكون حبيسة الفكرة المطلقة يجب أن تنطلق من الواقع الملموس و تتحرك فيه ، من أجل تحويل جدلية هيكل من الجدلية المثالية إلى الجدلية المادية الشيء الذي يتطلب مراجعة كاملة لأطروحة الفلسفة الهيكلية .
و بدأ ماكس بمفهوم الدولة التي يراها هيكل كطرف ثالث للتناقض داخل المجتمع و بروزها كحل تاريخي للتناقضات الإجتماعية ، و خلد الدولة بجعلها ضرورة في واقع التناقضات الإجتماعية التي من الضروري أن تنتهي بإلقضاء أحد المتناقضين من طرف المتناقض الآخر ، فإلغاء التناقض لديه يستوجب طرف ثالث من أجل المصالحة بين المتناقضين المتصارعين و هذا الطرف الثالث هو الدولة التي تعتبر في الحقيقة أداة يستعملها أحد الطرفين المتناقضين ، مما يحيلنا إلى أن تناقض هيكل هو تناقض تصالحي و ليس تناقضا تناحريا و ذلك ناتج عن فلسفته المثالية التي بقيت حبيسة الفكرة المطلقة ، ليسقط في هذا التناقض باعتباره الدولة ما يجب أن بكون حيث لم يكتشف وجود الدولة كما هو في حقيقته .
و عمل ماركس على معالجة التناقض الذي وضعه هيكل و الذي يعتبره موجودا و لكنه النوع الأول فقط الذي هو التناقض التصالحي ، ذلك أن كل واحد من الضدين في تناقضهما يعمل بنفي تماثله مع الضد الآخر الذي يقود إلى انفصال مؤقت بين الضدين في إطار وحدتهما ، ذلك ما يسمى بحل التناقض بتجاوزه مع الحفاظ عليه في نفس الوقت و التناقض التصالحي حسب ماركس موجود في الواقع ، و يتم حل هذا النوع من التناقض عن طريق إقامة شكل جديد من التماثل بين الضدين دون الوصول إلى القضاء على التناقض في وجوده و ليس في تماثله فقط ، و عدم قدرة هيكل على إدراك نوع التناقض التناحري جعله يعتبر الدولة ذات طبيعة التناقض التصالحي ، فاعتبار هيكل للفكرة المطلقة كجوهر جعله يسقط في المثالية من جديد مما حال دون قدرته على الوصول إلى التناقض التناحري الذي يعتبر جوهر الحركة.
و أطروحة ماركس تتجلى في البحث عن النوع الثاني من التناقض و هو التناقض التناحري الذي يجعل أحد الضدين ينفي الآخر في وجوده و ليس في تماثله ، و يتم ذلك بإلقضاء على أحد الضدين و تحرير الآخر كما هو الشأن في الصراع الطبقي حيث لا يعتبر ماركس الدول حلا للتناقضات الإجتماعية في إطار الحفاظ عليها بل هي مكانا لصراعهما ، و يرى أن العلاقة التناقضية و هي الجوهر المؤسسة للصيرورة الجدلية للتناقض التناحري تنتهي بالقضاء على أحد الضدين المتناحرين و تحرير الضد الآخر ، و في نفس الوقت يتم تناقض تناحري جديد في ظل صيرورة جدلية جديدة المؤسسة على علاقة تناقضية جديدة ، كما أن التناقض الأصلي المؤسس للصيرورة الجدلية ما هو إلا نتاج لصيرورة جدلية سابقة بحيث أن الجوهر ليس شيئا ثابتا بل هو معطى متحرك .
و اعتبر هيكل أن الجوهر باعتباره علاقة تناقضية أصلية ترسم المسار الذي سيسلكه التناقض في وصوله إلى الحل و بذلك يتم تحديد الحل مسبقا من طرف الجوهر ، ذلك ما يسميه بالضرورة التاريخية للصيرورة الجدلية التي ما عليها إلا تحقيق هذا الهدف المرسوم مسبقا من طرف الجوهر التناقض الأصلي ، و تطبيق ذلك على التاريخ يعني أن الصيرورة التاريخية تتحرك وفق قوانين صارمة للوصول إلى الهدف المرسوم مسبقا للتاريخ من طرف الجوهر و غايته هو تحقيق الهدف ، و انتقد ماركس هذا الطرح المثالي للتاريخ الذي اعتبره يتناقض و قوانين التطور التاريخي فيرى أن القوانين تحدد بالفعل التطور التاريخي لكن دون تحديد شكل الحل النهائي ، الذي يمكن أن يتضمن مجموعة من الحلول دون فرض حل واحد بعينه و التناقض في مسار تطوره يفرض نوع الحل الضروري .
و الضرورة ليست إلا حاجة التناقض في تطوره من أجل الوصول إلى الحل الذي يمكن أن يتخذ شكلا من الأشكال وفق الحلول الممكنة ، ذلك لأن الحل يمكن أن ينفي التناقض القديم كما يمكن أن يؤدي إلى التفرع إلى ضدين متناقضين أو عدم تحقيق النفي ، و يعتقد هيكل أن الصيرورة التاريخية محددة مسبقا و أن حركة الصيرورة الجدلية يحكمها نفي النفي الضروري الذي له صلة وطيدة بالضرورة التاريخية ، و ماركس يقول بوجود نفي النفي لكن باعتباره أحد الحلول الممكنة ، ذلك أن الحركة الجدلية يمكن أن تسير وفق الحلول الممكنة حيث يمكن أن تكون حسب نفي النفي أو عكسه ، و الحل الذي يحصل من بين الحلول الممكنة قد يبدو و كأنه فرضته الضرورة التاريخية ذلك ما جعل هيكل يقول بالضرورة التاريخة المرسومة مسبقا و يسقط في التفسير المثالي.

تارودانت في : 20 مارس 2007








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - هو سؤال
amine ( 2011 / 5 / 26 - 11:18 )
من فضلكم اريد معرفت المادية الجدلية عند هيكل و بالتفصيل شكرا لكم مصبقا

اخر الافلام

.. حزب الله يهدد باستهداف مواقع جديدة داخل إسرائيل ردا على مقتل


.. المجلس الوزاري الأمني الإسرائيلي يبحث اليوم رد حماس بشأن الت




.. مصادر فلسطينية: ارتفاع عدد القتلى في غزة إلى 38011 | #رادار


.. الناخبون البريطانيون يواصلون الإدلاء بأصواتهم لاختيار الحكوم




.. فرنسا.. استمرار الحملات الانتخابية للجولة الثانية للانتخابات