الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عيد الأم أشعر أني ملكة

دينا سليم حنحن

2007 / 3 / 22
الادب والفن


لم أستطع تخطي صوت الهاتف صباحا وأن أخرج من بيتي وأنا حاملة سلّة عطاءاتي التي تمتليء جعبتي بها كل يوم, دون رفع السمّاعة ومعرفة هويّة طارق بابي ...
لم يكن الطّارق سوى فتاة في مقتبل العمر, دون العشرين , أمّ لطفلين وحامل في طفلها الثالث.
تسارعت الكلمات في فيها وأنا صامتة أحاول لملمة أجزاءه ( أي الكلام) كي أخرج بنتيجة ما من وراء مكالمة العشر دقائق التي يلزمها ساعتين أو ربما يومين كي تطال أذني الأحداث المتراكمة.
صرخت, كذّبتُ أذني وطلبت منها أن تذكر لي الحقيقة ولا شيء سوى الحقيقة, فإذا بها تسرد لي قصة حياة تناسب أمرأة في السبعين, أو ربما أمرأة تحدّت شرور العالم وآفاته في ثمانين سنة...

هي إحدى الأمهات العاقلات, هكذا ادّعت, هي إحدى دعاوى الحب الأول, وإحدى اللواتي خسرن الحب ولم يخسرن العمر, هي أم لثلاث ثمرات جميلة.
وبعد,
سألت نفسي : ما مدى خسارة الأم في هذا العالم الذي يحترق يوميا سياسيا واجتماعيا وأخلاقيا الخ, كبيرة جدا, كبيرة, متوسطة, قليلة, قليلة جدا, لا شىء, هل قام أحد بهذا التقييم الهام من قبل؟ لا أعتقد !

تمنيّتُ لو تترك بعض النساء ولائم الثرثرة , التشبّع ( تشويه الحقيقة), التّماهي والمبالغة, لفترة معينة وتقمن برصد وإحصاء الحقائق, حتى لو كانت مرّة مرّ العلقم, لكن وللأسف تبقى المرأة وخاصة الأم, وكما تعوّدت, حضور مأتم الصراحة, تتبادل نظرات التنكر, تلبس أقنعة الصبر, تصمت أمام صوت الصراخ, تفضحها يديها المرتعدة ويستفزها منديلها الملوح بعصبية في فراغ الوجود, ولا تنسى أن منديلها أصبح متعدد التلويحات, أستعمل مرّة يوم زفافها أولا, ويوم زفاف عزيز لها, التلويح لسفر الأعزاء, أو خروجهم من البيت دون رجعة !
ويستعمل أيضا تلويحا وتعبيرا عن مأساة كبرى بفقدان عزيز , مسكينة هي الأم ومنذ حصولها على هذا اللقب الجميل الثمين .

حكاية الأم الطفلة أعادتني الى صور الماضي . نظرت فيها, حاولت أن أنتقي منها بعض الذكريات الجميلة, حصلت على العديد منها مع ابتسامة مصطنعة تفتقر من السعادة.
طلبت من عشر نساء العثور على خمسين صورة تذكارية, لهن, من الماضي والحاضر, وتصنيفها حسب:
أشعر بأني ملكة, سعيدة, ماشي الحال, تعيسة, تعيسة جدا...
وجمت وجوه العشرة أمام الكم الهائل الذي وضع تحت مظلة الرقم الثالث, أي (ماشي الحال), وسرعان ما أستبدلت معظمها الى الخانة الرابعة, (تعيسة).

وجاء عيد الأم , أسرعت الى فتاتي التي خابرتني صباحا تطلب مشورتي, أخذت معي بعض الصوّر الجميلة لأماكن كثيرة زرتها سابقا, وطلبتُ منها أن تبادلني اللعب في تصنيف الصوّر, إحتارت وكلمتني بعصبية:
- أنا لا أحبّ اللعب بالورق, لا أملك من الصبر لهذه اللعبة ! ثم اليوم هو عيد الأم .
- هل تنتظرين هديّة ما, أرى الحشود منهمكة والحوانيت كادت تنفجر من المشترين !
- لا أحب اللّعب , أنا متعبة جدا !
- لكنك دون العشرين ربيعا يا عزيزتي وبمقدورك اللعب والاستمتاع بالورق .
- لكن هذه الصور ليست ورقا ؟
- بإمكانها أن تصبح ورقا !

صمتت أمام جوابي, بادلتني نظرة حائرة, ما لبثت أن تغيرت النظرات الحادّة الى هادئة, ابتسمت, ضحكت واعتلى ضحكها ليتحول الى قهقهات متتالية, ثم الى ضحكات متقطعة, سكتت ثم :
- هل لي أن أطلب من والدتي المجيء بصورها واللعب معنا .
- وهل والدتكِ تملك صورا ؟
- طبعا, وخالتي, ربما أيضا عمتي وابنة خالتي, و...
- لماذا ؟
- لسبب واحد , هو أننا جميعنا أمّهات !

امتلأت الطاولة بالصّور, توسطت الطاولة باقة ورد حمراء جميلة اشتريتها خصيصا للأمهات في عيدهن اللاتي سيشرفنني بالزيارة من أجل اللعب بأوراق الأزمنة, وسرعان ما أهملت فوضعت الباقة في زاوية ما.

لعبنا, كانت التي وجمت أمام صور الذكرى, والتي ضحكت لذكرى جميلة, والتي غطّت بدموعها بعضها, والتي لمست بأناملها تكرارا بعض الشخصيات داخلها, التي خبأت بعضها تحت سترتها, والتي تناولت الورق بكل استخفاف, والتي مزّقت بعض الذكرى, والتي أصرّت على عدم النظر في الماضي, والتي أصرّت على أن تتحدث مستذكرة الحدث بالشخصيات, والتي تباهت بالشخصيات المنقوشة, و... الخ

وكم فرحت بالمفاجأة عندما قامت الأم الطفلة باعداد كيكه كبيرة خصيصا بهذه المناسبة الخاصة. تناولنها, وكأنهن يتناولن الصبر وطول البال, تشاركن المائدة وهن مستبشرات خيرا, واضعات الآهة خلف ظهورهن, مبتسمات متفائلات ليوم 21 مارس آخر كي يحتفلن بعيدهن وكي يلعبن مجددا الورق بالصّور .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية - الشاعرة سنية مدوري- مع السيد التوي والشاذلي ف


.. يسعدنى إقامة حفلاتى فى مصر.. كاظم الساهر يتحدث عن العاصمة ال




.. كاظم الساهر: العاصمة الإدارية الجديدة مبهرة ويسعدنى إقامة حف


.. صعوبات واجهت الفنان أيمن عبد السلام في تجسيد أدواره




.. الفنان أيمن عبد السلام يتحدث لصباح العربية عن فن الدوبلاج